رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أطفال الإيدز.. يطلبون الرحمة

أطفال الإيدز يعانون
أطفال الإيدز يعانون من نقص فى النمو وأمراض فتاكة

جدة «فاطمة» رفضت استلامها خوفًا من الوباء

«يحيى» يتمنى الموت كل لحظة بسبب نظرة المجتمع

أطباء: «حزمة وقائية» تمنع عدوى الأطفال

 

لم تكن «فاطمة» ذات الثلاث سنوات تعلم مصيرها.. لم تكن تدرى أنها ستصبح ضحية لرفض مجتمعها وأسرتها، وكأن الموت الذى يتربص بها لا يكفيها وحده، لتواجه أيضاً رفض المجتمع لها.

«فاطمة» ليست الطفلة الوحيدة التى تواجه شبح الإيدز بمفردها، بل إنها واحدة من آلاف الأطفال الذين شاء القدر أن يصابوا بهذا المرض الخطير، الذى انتقل إليهم عبر أحد والديهم، ليدفع الطفل البرىء ثمن ذنب لم يرتكبه.

هؤلاء الأطفال يتحولون إلى ضحايا لمرضهم ومجتمعهم معا، ففى حين يواجهون المرض مستسلمين لأقدارهم، ينظر لهم المجتمع على أنهم جناة، رغم أنهم مجنى عليهم، ينتظرون الموت بثبات، ويموتون فعليا فى كل لحظة بسبب رفض المجتمع لهم.

«فاطمة» التى تداولت وسائل التواصل الاجتماعى قصتها، ونشرتها الصحف أيضاً، شاهد عيان على هذا القتل المعنوى، فالطفلة أصابها المرض من والديها، حيث أصيب الزوج بالمرض نتيجة سرنجة ملوثة، وتم اكتشاف المرض بالصدفة حينما تم إلقاء القبض عليه فى قضية مخدرات، وعند دخوله السجن تم اكتشاف إصابته بالمرض، وتبين انتقال المرض لزوجته وطفلتهما، بعدها عاشت الأم معاناة صحية ونفسية قاسية، خاصة بعد أن أقدم الجيران على حرق كل متعلقاتها خوفا من انتقال العدوى إليهم.

ونتيجة لتدهور حالة الأم الصحية تم نقلها لمستشفى حميات الإسكندرية، وهناك لاقت حتفها، وكانت المفاجأة الصادمة للجميع حينما اتصلت إدارة المستشفى بجدتها لأمها لاستلام الطفلة، فرفضت قائلة: «مش هربى وباء» وأصبحت الطفلة بلا عائل، بعد أن خافت جدتها على نفسها من انتقال المرض اليها.

وبعد تداول القصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى والصحف قامت مديرية التضامن الاجتماعى بالإسكندرية من خلال وحدة التدخل السريع باستلام الطفلة وإيداعها إحدى دور الرعاية.

وكانت ذات المديرية قد قامت من قبل باستلام الشقيقة الكبرى التى لم يصبها المرض، وايداعها دار رعاية أيضاً، وكانت الطفلة قد تلقت العلاج اللازم من أعراض المرض فى مستشفى الحميات، وأصبح من الضرورى إيجاد مكان لها لرعايتها اجتماعيا وصحيا ونفسيا، فتم نقلها لدار الرعاية.

مشكلة «فاطمة» ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فإحصاءات وزارة الصحة تؤكد أن مصر بها حوالى 10 آلاف و70 مصابا بالإيدز على قيد الحياة، ورغم عدم وجود حصر دقيق بأعداد الأطفال المصابين بالمرض، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن 2% من المصابات بالمرض أمهات، وهو ما يؤكد أن مأساة فاطمة لن تكون الأخيرة.

فالطفل «يحيى» واحد من هذه الحالات، اصيب بالمرض من خلال أمه التى انتقل لها هذا البلاء من خلال والد الطفل، وولد الطفل ليواجه مصيره المحتوم بالموت فى كل لحظة، فمنذ ولادته وهو يعانى من مشكلات مزمنة فى الرئتين، ويعانى من مشكلات فى النمو والعظام والآلام النفسية والجسدية تحاصره من كل اتجاه.

ويعيش يحيى مع أمه فى انتظار الموت، إذا ساءت حالة أى منهما أكثر مما هى عليه يتوجهان للمستشفى لعلاج العرض الذى أصابهما إلا أن الموت يحيط بهما، ولا يدريان أيهما سيكون فريسة له فى البداية.

ضحايا.. لضحايا!

ليس كل الأطفال الذين يعانون من هذا المرض ضحايا لآباء مصابين بالمرض، فأحياناً يكونون ضحايا لضحايا آخرين، «إبراهيم» أحد هؤلاء الضحايا.. توجه لأحد المستشفيات العامة لإجراء جراحة البواسير فأصيب بنزيف مما تطلب نقل دم له، وبعد خروجه من المستشفى بفترة ساءت حالته الصحية وتزايدت عليه الأمراض، وبعد الكشف والتحاليل تبين أنه أصيب بالإيدز جراء نقل الدم له، وتبين أن المرض انتقل منه لزوجته ولجنينهما، لتبدأ مأساة أسرة كاملة راحت ضحية لنقل دم ملوث، وجاءت طفلتهما إلى الدنيا تحمل شهادة وفاتها قبل شهادة ميلادها، عمرها الآن 6 سنوات ويتوقع الأطباء أنها لن تعيش أكثر من ذلك كثيرا، ووالداها كل منهما ينتظر نفس المصير المحتوم فى كل لحظة.

فالأطباء يتوقعون غالبا أن الطفل المصاب بالإيدز يعيش ما بين خمس إلى عشر سنوات فى المتوسط من تاريخ إصابته بالمرض، حيث أن هذا المرض يقضى على الجهاز المناعى للطفل، ويجعله عرضة للإصابة بكل الأمراض.

ويرى الدكتور حمادة الحسينى استشارى طب الأطفال، أن مرض الإيدز من أخطر الأمراض القاتلة، ويسمى بالمرض الصامت، حيث أنه يؤدى إلى خلل فى جهاز المناعة، فالفيروس المسبب له يهاجم خلايا الجسم المناعى، ممل يجعل الجسم عرضة للإصابة بأى ميكروب أو فيروس ولا يستطيع الجسم مقاومته.

 وأضاف «الحسينى» أن نسبة انتشار المرض فى الأطفال فى العالم تصل لحوالى خمسة ملايين طفل، وقد ينتقل المرض من الأم للجنين أثناء الحمل عبر المشيمة، وقد ينتقل أيضاً أثناء الرضاعة، وعن طريق الدم.

وأشار إلى أن أعراضه فى الأطفال كثيرة منها ضعف عام وإسهال متكرر وتضخم فى الغدد الليمفاوية، ومن المهم التوعية بشكل عام عن هذا المرض وأخطاره لتجنيب المجتمع وخاصة النساء والأطفال مخاطره.

وأضاف الدكتور أحمد عبدالصمد استشارى طب الأطفال، أن فيروس نقص المناعة «الإيدز»، ينتقل من الأم المصابة بالمرض إلى طفلها، خاصة إذا كانت الأم لا تعلم بإصابتها به، وغالبا ما تكون الأعراض الأولية مثل أى مرض آخر كالأنفلونزا، أو النزلات المعوية المصحوبة بارتفاع فى درجة الحرارة والإسهال، ثم يكمن الفيروس لفترة طويلة وتظهر أعراضه الأشد بعد ذلك.

وقد ينتقل المرض من الزوج إلى زوجته، أو من خلال نقل الدم أم اختلاطه عن طريق الحقن الملوثة وما إلى ذلك، وينتقل المرض من الأم للطفل خلال فترة الحمل بنسبة كبيرة، وبعد الولادة تبدأ أعراضه فى الظهور على الطفل، حيث نجد الطفل الحامل لفيروس الإيدز كثير الإصابة بالأمراض البكتيرية والفيروسية، ويتطور الأمر بعد ذلك ليصاب الطفل بتضخم الغدد الليمفاوية والطحال والكبد، كما أنه يعانى من اضطرابات فى الجهاز العصبى وعدم زيادة الوزن وتأخر النمو.

الحزمة الوقائية

وفى احتفالات منظمة الأمم المتحدة باليوم العالمى للإيدز أوضح الدكتور علاء عيد، رئيس قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة والسكان، أن الوزارة تنفذ خطة للقضاء على «الإيدز» بحلول عام 2030، موضحاً أن البيانات الرسمية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للإيدز، تصنف مصر على أنها من أقل معدلات الإصابة بالفيروس، بأقل من 0.02%، وذلك بسبب تكثيف برامج وجهود الترصد الفعال والتوعية بمراكز المشورة والفحص الاختيارى.

مشيرا إلى أن تقديم الخدمات الخاصة بمرضى الإيدز يتم فى إطار من السرية، والمساواة مع المرضى للحفاظ على صحتهم، ومنع حدوث مضاعفات والالتزام التام بتطبيق إجراءات مكافحة العدوى عليهم.

كما تم تعميم برنامج وقاية ما بعد التعرض للعاملين بالحقل الصحى وبرنامج وقاية الطفل من أم مصابة بجميع المحافظات بهدف الوصول لجيل جديد خالٍ من الإيدز، وأشار إلى أن برنامج مكافحة الإيدز قام بتوفير الحزمة الوقائية لمنع انتقال العدوى من الأم للجنين بجميع المحافظات، وقد تم توفير الحزمة لجميع الأمهات المصابات بالفيروس الحوامل بنسبة نجاح 100% فى الوصول لأطفال غير مصابين بالعدوى. وأكد الدكتور حمادة الحسينى أن هذه الحزمة الوقائية قد تؤدى إلى حماية الأطفال من الإصابة بهذا المرض الخطير، الذى قد يتعايش معه الكبار أما الصغار فمن الصعب تعايشهم معه نظرا لضعف جهازهم المناعى، كما أن فحوصات ما قبل الزواج قد تكون مفيدة فى بعض الحالات فى تجنب إصابة الأم والأطفال بهذا المرض.

والحزمة الوقائية وفقا لتعريف الدكتور وليد كمال مدير البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز، عبارة عن أدوية تعطى للأم المصابة بالمرض أثناء الحمل، مع المتابعة الدورية لها ولحالتها، بالإضافة إلى الولادة القيصرية أو الطبيعية فى مستشفى مُعتمد.

وبعد الولادة يتم إعطاء الطفل دواء شرب لمدة شهر ونصف، وهذه الحزمة كفيلة بولادة طفل سليم بنسبة كبيرة، وأشار إلى أن احتمالية الإصابة لأطفال السيدات اللاتى لم يأخذن الحزمة الوقائية أثناء حملهن تتراوح بين 25% إلى 45%، بينما الأطفال الذين يأخذون هم وأمهاتهم هذه الحزمة تصل نسبة الإصابة بينهم إلى 1% فقط.

ومن جانبه يقدم قطاع الطب الوقائى بالوزارة خدمات تعزيز الصحة الإنجابية للسيدات المصابات بالمرض فى عدد من المراكز من خلال فريق متخصص من أطباء النساء والتوليد، ويوفر خدمات تنظيم الأسرة ومتابعة الحمل وخدمات الإحالة، كما يوفر خدمات دعم الصحة النفسية من خلال أطباء نفسيين.

يذكر أيضاً أن عدد المراكز الصحية التى تقدم خدمات لمرضى الإيدز تقدر بـ14 مركزا على مستوى الجمهورية، موزعة على محافظات «القاهرة، الجيزة، القليوبية، الإسكندرية، البحيرة، المنوفية، الدقهلية، دمياط، الغربية، الشرقية، الإسماعيلية، الفيوم، المنيا، وأسيوط» وتقدم خدماتها بالمجان للمصابين بالمرض وذويهم.

معاناة

إذا كان الكبار من المصابين بهذا المرض يستطيعون التعايش معه، إلا أن الأطفال الأبرياء يعانون فى صمت، ينتظرون الموت وهم لا يعرفون جرمهم الذى أوقعهم فى هذا الهلاك، ومن هنا تطالب الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية بضرورة عمل دورات تأهيل نفسى ودعم لهؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم، فالطفل فى هذه الحالة يحتاج للشعور بالحنان، فيكفيه آلام المرض التى تفتك به، لذلك لابد من تعويضه عن آلامه بالحنان من كل من حوله.

وأضافت أن حالة الطفلة «فاطمة» هى نموذج للمعاناة التى يشعر بها هؤلاء، فهم منبوذون من كل من حولهم، وبعد فقدها لأمها لم تجد من يحنو عليها سوى دار الرعاية، لذلك يجب أن تخصص دار لرعاية مثل هذه الحالات، بحيث يصبح لهم مأوى، على أن يتم تدريب العاملين فيها على التعامل مع مثل هذه الحالات، واتخاذ الاحتياطات اللازمة فى التعامل معهم.

وأكدت أنه يجب أن يتم تدريبهم أيضاً على كيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال وتقديم الدعم النفسى اللازم لهم، فهم فى مأزق صحى ونفسى وإنسانى فريد، ويجب أن نمد يد العون لهم، فيكفيهم ما يعانونه من آلام المرض.