رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معامل الأسنان.. كوارث بعيدة عن العين

محرر «الوفد» داخل
محرر «الوفد» داخل أحد المعامل استعداداً للكشف عليه

معامل الأسنان فى مصر «مولد وصاحبه غايب»، فعدد المعامل المرخصة 300 معمل فقط، أما غير المرخصة فلا توجد بها إحصائية رسمية ولكنها حسب تقديرات الأطباء تصل إلى اكثر من 5 آلاف معمل معظمها يعمل فى ظروف بيئية سيئة دون مراعاة لشروط الصحة باتباع وسائل الأمان والحماية من الأمراض.

والمعامل عموماً يتلخص دورها حسب لائحة نقابة أطباء الأسنان فى تجهيز الأسنان البديلة، وصناعة طبقات حماية الأسنان والمسماة «طرابيش» ولا يوجد تعامل بين المعامل الفنية والمرضى.. هكذا تقول لائحة النقابة، ولكن الوضع عكس ذلك!

الكارثة أن معظم المعامل لا تخضع لإشراف طبى وهو الشرط الأساسى لإنشاء معمل وذلك لخطورة الأجهزة التعويضية على عظام الفك واللثة، أما الأكثر خطورة فهو ممارسة فنى التركيبات لمهنة طبيب الأسنان حيث يؤدى إلى نقل الكثير من الأمراض القاتلة للمواطنين وعلى رأسها فيروس الكبد الوبائى، إلى جانب تشوهات الفكين وبروز الأسنان.

التحقيق الذى خاضته «الوفد» كشف عن قيام إخصائيي تركيبات الأسنان بممارسة مهام الأطباء من حشو للضروس وخلعها أيضاً، وتركيب أجهزة تقويم الأسنان للأطفال، إضافة إلى حضور طلاب كلية طب الأسنان لمعامل الأسنان من أجل الحصول على دروس تعليمية.

المنظومة الطبية فى مصر تعانى وليس لها علاج إلا باستيقاظ ضمائر البشر، فعامل فنى الأسنان مهنة تمثل الحلقة الخفية فى علاج مرضى الأسنان، فبعد أن تجبرك آلام الأسنان على زيارة طبيب الأسنان ليفحص أسنانك وتهيئتها إلى التركيبات الصناعية والأسنان البديلة، حينها يبدأ طبيب الأسنان باستخدام الأدوات الطبية ليحدد لك المقاس المطلوب لأسنانك ليرسلها بعد ذلك إلى معمل الأسنان ليبدأ الأخير فى تنفيذ المقاسات المحددة، ثم يرسل تلك التركيبات إلى الطبيب ليبدأ فى تركيبها وفى أثناء تلك المراحل لا توجد أى علاقة بين المريض والمعمل.. ولكن بعد أن خضنا مغامرة صحفية داخل المعامل اكتشفنا أن مهنة الطبيب أصبحت مهنة لحاملى الشهادات المتوسطة الذين أصبحوا من أصحاب البالطو الأبيض.

البداية كانت بمعلومة تقول إن بعض طلاب كلية الأسنان رسبوا فى الامتحان لفشلهم فى تصميم أجهزة طبية بالطريقة الصحيحة لتركيبات الأسنان، فلجأوا إلى معمل فنى أسنان للقيام بتلك المهمة!

قبل أن أتوجه إلى أحد معامل الأسنان، اشتريت مستلزمات طبية لأكون فى مأمن من نقل العدوى من أى قطعة ملوثة، وكان أول ما اشتريته «طابع أسنان» ويستخدم لتحديد شكل الأسنان، ثم اشتريت بودرة يتم عجنها بالمياه لتحديد شكل الأسنان وتجويفاتها، واتجهنا إلى بعض المعامل.

فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً وصلنا إلى حى المنيل حيث يتواجد معمل شهير بالتعامل مع أكبر الأطباء فى مصر.. المشهد الأول لافتة معلقة مدون عليها اسم صاحب المعمل، وتقول اللافتة إنه متخصص فى إعداد أجهزة تقويم الأسنان وأجهزة الجراحة.

والمعمل فى الدور الأرضى بمنزل قديم أبوابه متهالكة وحوائطه دمرتها الرطوبة، باب المعمل مفتوح على مصراعيه يجلس شخص على كرسى فى وضع انتظار، وبجوار باب الدخول غرفة كان يجلس بها صاحب المعمل وكان حينها يتحدث لأحد الأشخاص يبدو أنه أحد المرضى.

وبعد أن ألقيت عليه التحية بادرته قائلاً: سمعت عن خبرتك الواسعة فى مجال الأسنان وأحتاج إلى تركيب جهاز «نايت جارد» وهو جهاز يشبه واقى أسنان لاعبى الملاكمة، ويتم ارتداؤه أثناء النوم لتقليل الاحتكاك بين الأسنان وتقليل الضغط على عضلة الفكين.

فسألنى: هل ذهبت إلى طبيب أسنان وأخبرك بالنوع المطلوب؟

قلت: لا لم أذهب للطبيب ولكن يمكنك أن تحدد لى النوع المناسب حسب رؤيتك وخبرتك.

فابتسم ابتسامة فخر وقال: اتفضل اجلس على كرسى الأسنان ولا تقلق فالأمر فى غاية البساطة.. فأنا أسرع شخص فى مصر يحصل على مقاس الأسنان.

وعلى الفور بدأ فى استخدام الأدوات التى قمنا بشرائها وأثناء التجهيز سألته: لماذا لا ترتدى قفازات لحمايتك من الأمراض كما هو متبع فى العيادات الطبية.. فكان الرد غريبًا.. وقال: إن الموضوع بسيط ولا يستدعى القلق.

أثناء انتظارى لانتهاء مرحلة المقاسات ظل صاحب المعمل يسرد لى كيف أنه على علم كبير بمهنة طب الأسنان، حيث يستعين به أعضاء هيئة التدريس لتوضيح ما هو جديد فى صناعة تركيبات الأسنان، بالإضافة إلى لجوء بعض طلاب كليات الأسنان ليوضح لهم استخدام جهاز اللهب ودرجات الحرارة المستخدمة فى صناعة أجهزة التقويم.. وواصل حديثه متفاخراً مؤكداً أنه سافر لليابان وأنه واحد من القلائل الذين تعلموا إعداد شرائح الفكين وأن مهنة فنى الأسنان تتعرض لظلم شديد ودائماً ما يلقى اللوم على المعمل بسبب التركيبات فى حين أن الخطأ يكون من الطبيب أثناء قيامه بتصغير حجم الضرس.

حمدت الله على انتهاء مرحلة المقاسات، ونادى على أحد العمال ليكمل باقى الإجراءات وظل يكمل حديثه معى.. بادرته بسؤال هل بإمكانه القيام بدور الطبيب وعرضت عليه أن يقوم بتركيب طبقة حماية لأحد أسنانى ولكنه رفض وأخبرنى أن ذلك الجزء من العلاج ليس من تخصصه ولكنه لديه صديق يمتلك معمل أسنان بمدينة 15 مايو بإمكانه إجراء حشو الأسنان.

ظللت فى معمل الأسنان حتى دقت الساعة الواحدة والنصف وعندها دخل إلى الغرفة التى يوجد بها الفنى أحد العاملين فأخبره أن الطلاب تأخروا عن موعدهم المحدد لهم وهذا سيضيع وقت الدفعة الأخرى القادمة فى الساعة الثالثة عصراً.

وبعد دقائق قليلة كانت المفاجأة قدوم أربعة طلاب من كليات طب الأسنان من ضمنهم اثنان يتحدثان بلهجة خليجية، جاءوا إلى المعمل ليشرح لهم الفنى كيفية تصنيع أجهزة تقويم الأسنان.

بدأ الحديث بين الفنى والطلاب وطالبنا بالانتظار فى الخارج لحين انتهاء إعداد

جهاز «النايت جارد»، حينها بدأنا بالتجول داخل المعمل ورصدت حالة المعمل السيئة حيث ظهرت الحوائط متصدعة والأرضيات تغطيها الأتربة، أما غرفة أجهزة التصنيع فكانت الحالة أكثر سوءًا فكانت أنبوبة الغاز متواجدة فى وسط الغرفة وإلى جانبها جوال علف للدواجن لا نعلم سبب تواجده.

أما عن عملية إعداد الأسنان البديلة فتتم بدون أية معايير صحية حيث بدأ العمال العمل بدون ارتداء قفازات أو كمامات للأنف.

 

الوزارة تبحث الأمر!

غادرت المعمل.. واتجهت إلى نقابة أطباء الأسنان بشارع قصر العينى لنسأل ياسر الجندى، نقيب أطباء الأسنان، عن فوضى معامل فنى الأسنان ومن المسئول عن مراقبتها، فقال لـ «الوفد»: ما يحدث فوضى وعلى وزارة الصحة مراقبة المعامل غير المرخصة وإغلاقها فهى تعمل بشكل غير قانونى ولا تخضع للمراقبة.

وأضاف الجندى أن فنى الأسنان ما هو إلا عضو فى فريق طب الأسنان، وهو مسئول عن إنشاء أسنان بديلة تعويضية للمريض وذلك وفق أوصاف ومقاييس يحددها طبيب الأسنان المشرف على حالة المريض ولا يوجد أى تعامل بين المريض والفنى.

ويكمل الجندى قائلاً: إن أغلب معامل الأسنان فى مصر غير مرخصة ولا توجد إحصائية رسمية بعددها وطالبنا الوزارة أكثر من مرة باتخاذ إجراءات جادة ضد تلك المعامل ولكن كان رد الوزارة أنها تبحث الأمر.

وأشار الجندى إلى عدم أحقية فنى الأسنان فى أن يضع يده فى فم المريض إنما يقوم بالتركيبات التى تنص عليها خطة العلاج، ومع الأسف فالنقابة ليس لها أى دور فى التعامل مع تلك المعامل، وإنما تقوم بإبلاغ قسم العلاج الحر بوزارة الصحة للتفتيش على المعامل وغلق غير المرخص منها.

وأشار الجندى إلى واقعة حدثت منذ عامين حيث ادعى أحد الأشخاص أنه طبيب أسنان ولديه أوراق معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات، وبعد أن قام عدد من الأطباء بتقديم بلاغات ضد ذلك الشخص تبين من التحريات أنه حاصل على معهد فنى لمدة عامين، ويعمل فنى أسنان ويحمل شهادة مزورة من دولة ليبيا وتم معادلتها من المجلس الأعلى للجامعات واتضح الأمر للنقابة وأبلغنا النيابة العامة وتم إلقاء القبض عليه، وحسب قانون مزاولة مهنة الطب عام 1954 فإن عقوبة انتحال صفة طبيب هى تغريمه 200 جنيه، أو حبس 6 أشهر، فالمنتحل لصفة طبيب يمكنه العمل لعشرات السنوات، وعند ضبطه يدفع غرامة قيمتها كشف واحد من العيادة، وهى عقوبة تشجع على انتحال صفة الطبيب.

 

الاستعلام.. ممنوع!

تركت نقيب أطباء الأسنان واتجهت إلى وزارة الصحة لأسأل عن دور الوزارة فى التصدى للمعامل غير المرخصة.. وكانت المفاجأة أن القانون لا يسمح للأفراد السؤال عن المعامل أو العيادات إن كانت تحمل ترخيصًا أم لا وأن ذلك الاختصاص من حق الجهات الرقابية فقط ويكون بشكوى مسببة لإحدى تلك الجهات.

حاولنا بالطرق الودية أن نسال عن تلك المعامل هل هى تتبع قسم العلاج الحر بالوزارة وكانت المفاجأة أنها غير مرخصة ولا تعلم الوزارة عنها شيئا.

أحد المسئولين بقسم العلاج الحر رفض الكشف عن اسمه صرح لـ «الوفد» بأن المعامل الفنية لها شروط لممارسة عملها تبدأ بتقديم طلب وإقرار من الطبيب المسئول عن المعمل مع ترخيص مزاولة المهنة وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 4248 لسنة 1998، المستند الثانى وهو صورة من عقد إيجار المكان المطلوب إنشاء معمل به، المستند الثالث عدد 3 رسم هندسى للمعمل معتمد من مهندس نقابى وحوالة بريدية بقيمة 40 جنيهاً، المستند الرابع إيصال سداد رسوم تسجيل المعمل بالنقابة العامة للأطباء وصورة من العقد المبرم بين طالب الترخيص ومدير المنشأة الطبية إلى جانب صورة من كارنيه الطبيب الصادر من النقابة العامة لأطباء الأسنان.