رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى عيد «ست الحبايب» .. الأم المصرية..مثال الصبر!

بوابة الوفد الإلكترونية

اليوم عيد أصل الدنيا، ونبع الحب..اليوم عيد الأم.

20 مليون أم فى مصر، بعضهن سيتلقى قبلة على الجبين من ابن بار، اعترافاً بفضلهن وإقراراً بجميل عطائهن..وبعضهن لن يجدن غير دموع تنساب على الخدين حزناً وكمداً على عقوق ابن، نسى ما قدمته أمه طوال عمرها.

فى يوم عيدها، تلتقط «الوفد» صفحات من بستان الأمهات فى مصر..بعضهن سيسعدهن القدر بوفاء الأبناء، وأخريات عكس ذلك، ونرصد حكايات أمهات يجب أن نعلق على صدورهن وسام الشرف والكفاح، رغم أن أحداً لا يسمع عنهن.

 

«فواكه»: أبنائى نسيونى.. وربنا الحارس

 

الساعة الخامسة فجراً تستيقظ «فواكه» وتتناول وجبة الإفطار فى عجالة، وتخرج من منزلها الكائن فى بولاق الدكرور بالجيزة مترجلة إلى الدقى، تجلس بجوار مترو البحوث فى سكون لتبدأ مسيرة يومها الشاق، فور أن تقترب منها تشعر بأنها أم لك، تتحدث معك بوجه بشوش ولا تفارق شفتيها الابتسامة برغم ما تواجهه من أهوال المعيشة التى رسمت ملامحها.

«فواكه»، أم لفتاتين، اختارت من بيع الجرائد نشاطاً لها بعد وفاة زوجها، واستطاعت أن تربى ابنتيها الاثنتين حتى تزوجتا.. واحدة فى البحيرة وأخرى فى الغربية، وحالياً تقيم الأم بمفردها، حياة بائسة تعيشها «فواكه»، وتتحدث عن تفاصيل حياتها المريرة المختبئة وراء ابتسامتها الصافية.

«ربيت وكبرت وفى الآخر عايشة لوحدى ومحدش بيفكر فيا».. بهذه الكلمات استهلت بائعة الجرائد حديثها، وقالت إنها تزوجت منذ 30 عاماً من بائع جرائد، وأتت من الصعيد وأقيمت فى بولاق الدكرور مع زوجها، وانجبت منه طفلتين، توفى زوجها وترك لها مسئولية كبيرة.

واجهت الأم أهوال الحياة، واستطاعت من بيع الجرائد تأمين مستقبل بناتها الاثنين، حتى وصلتا لبر الأمان وتزوجتا، وقالت: «الحمد لله عرفت أربيهم ومقصرتش معاهم.. بس مكنتش متوقعه إن دى تكون جزاتى».

تصمت الأم قليلاً وتدخل فى نوبة بكاء، وبصوت منخفض عادت قائلة: «عايشة بطولى وأنا عيانة وخايفة أموت على غفلة ومحدش يعرف لى طريق»، وتشير الأم إلى أنها تقضى قرابة 15 ساعة فى الشارع هرباً من هول الجلوس بمفردها داخل المنزل.

«على الأقل لو مت فى الشارع الناس هيلحقونى».. تكمل الأم بدموع ملتهبة حديثها، وقالت بناتى مش بيفتكرونى إلا فى المصلحة، ولما يزورونى بيبقى عاوزينى أحمل ليهم العربية أكل وشرب، ومش بقصر معاهم بجيب ليهم اللى عاوزينه، لكن لما أتعب أنا بحس بالوحدة اللى بتقتلنى.

وتابعت: «الدنيا تلاهى.. والبنات مشغولين بالبيت والعيال ولو تعبت مش هيقدروا يجولى فى نفس اليوم بسبب تعب السفر بس ربنا الحارس».

«ساعات بحس أن الناس فى الشارع أحن عليا من البنات».. تكمل الأم الحديث، وتقول إن عدداً من المواطنين فى الشوارع يقومون بعدة زيارات لها حال تغيبها عنهم، وكثيراً منهم من يبترعون بتوصيلى لأقرب مستشفى لإجراء فحص طبى، فى الوقت التى تتجاهل بناتها الاتصال بها تليفونياً.

تتذكر الأم موقفاً مؤلماً لها تعجز عن نسيانه، وقالت إنها فى يوم تعرضت للمرض واتصلت ببناتها تليفونياً لمراعاتها فى المنزل، وبرغم ذلك لم يأتوا إليها إلا بعد أسبوع من يوم الاتصال، وتابعت: «مش عارفة جابوا قسوة القلب دى منين؟».

وأشارت الأم إلى أنها فور عودتها إلى منزلها فى الليل تشعر بهول الوحدة، وتجلس لساعات تبكى على حالها، وقالت: «بقعد ساعات علشان أعرف أنام من الخوف.. فى الأول وفى الآخر أنا ست ومحتاجة للسند».

 

«بخيتة»: حياتى ضاعت فى تربية 5 أبناء

 

وسط عشرات الجرائد تجلس «أم هانى»، لتبدأ يومها فى الساعة السادسة صباحاً، فى أرض اللواء بالجيزة، وحتى السادسة مساءً، وجه شاحب ولسان يذكر نعمة الله عليها فى كل وقت.

اسمها بخيتة عطا، والملقبة بـ«أم هانى» هى أم لـ 5 أبناء، مثال لنموذج الأم المكافحة، قصتها تعود حينما تزوجت من بائع جرائد فى الصعيد، ومنها ذهبت معه لمحافظة الجيزة، وأقامت فى أرض اللواء، وقالت إنها واجهت الأهوال فى تربية أبنائها، وبعد وفاة زوجها تحملت المسؤولية كاملاً فضاعفت مجهودها فى الشارع من أجل سد احتياجات ابنائها الخمسة، واستطاعت أن تزوج البعض منهم.

تلتقط أطراف الحديث، ابنتها «نورا»، التى تعاونها فى بيع الجرائد، وقالت: «أمى نموذج نفتخر به أمام الدنيا كلها»، وتشير الابنة إلى أن والدتها كافحت حتى استطاعت أن تزوجها وبرغم ذلك لم تتخلى البنت عن والدتها بدعوى باشغالها بأبنائها وزوجها كما تفعل كثير من الفتيات، بل تأتى يومياً لمراعاة والدتها فى البيع والشراء.

«نظرة الناس لأمى فيها فخر».. تشير «نورا» إلى أن المواطنين كثيراً ما ينظرون لهم بفخر شديد وخاصة لوالدتها، والتى أصيبت بالعديد من الأمراض بسبب ضغوط الحياة، وتابعت: «أمى دلوقتى على طول بتبكى وبتقول نفسى فى معاش علشان يضمن حياة ولادى لو جرالى حاجة».

 

«صباح»: أتحدى الإعاقة وأرعى 3 أبناء

 

صباح عبدالرازق، قصة كفاح تستحق وسام الشرف، نشأت فى قرية ميت علوان، بمحافظة كفر الشيخ، وتعرضت لحادث على أثرها أدى لبتر.

لم تستسلم «صباح» لإعاقتها بل مارست حياتها بشكل طبيعى، وكان لوالدها دور كبير فى ذلك فكان يدعمها نفسياً، واجتازت صباح الثانوية العامة وحصلت على مجموع يؤهلها للدخول لكلية التجارة، وحينما علم أن زملائها لم يقدموا فى نفس الجامعة رفض التحاقها لظروف إعاقتها، وتلك كانت أول صدمة لها.

«يا بنتى مفيش حد عاوز حد يكون أحسن منه إلا ابنه وأنا بتألم أكثر منك لعدم دخولك الجامعة».. تلك الجملة التى أثرت فى قلب وعقل «صباح» قالها والدها حينما كان يراها فى حالة حزن بشكل دائم.

سعى والدها إلى التحاقها بإحدى الوظائف، ومن خلالها تعرفت «صباح» على معنى رياضة المعاقين، وعرضت الأمر على والدها فوافق على ممارستها للرياضة، وكان ذلك طريقاً لها فى التنفيس عن حزنها واستبدلت طاقتها السلبية بالإيجابية ومارست الرياضة واستطاعت أن تحصل على العديد من البطلات والميداليات الذهبية.

انضمت «صباح» لفريق المنتخب القومى لألعاب القوى ومثلت مصر فى أكثر من بطولة فى الخارج، وفى عام 2001 كانت أولى البطولات، وفى هذا العام تعرفت على زوجها عبدالرحمن، وتزوجت، ومنها دخلت فى مرحلة تحدى أكبر وهو تكوين أسرة، وبعد عام من الزواج أنجبت «عمر»، وكانت ترعاه بمفردها دون مساندة أحد وهذا بسبب تركها لمسقط رأسها فى كفر الشيخ وإقامتها فى القاهرة مع زوجها.

كان زوجها بطلاً رياضياً أيضاً وهو ما سهل عليها الاستمرار فى ممارسة الرياضة والحفاظ على مستواها البدنى، وبعد عدة أعوام أنجبت صباح توأم، لتصبح المسئولية أكبر عليها وواصلت كفاحها، وكانت تسافر للدول للحصول على البطولات ومعها أبنائها وزوجها الذى كان يعاونها نفسياً مؤكدا أنها تعتز بنظرة الفخر فى عيون أبنائها لوالدتهم.

 

«نحمده»: كافحت على سيارة ميكروباص

 

نحمده سعيد، مثال الأم المكافحة، كانت الصدفة وراء حديث الرأى العام عنها، حينما التقت بالرئيس عبدالفتاح السيسى خلال جولته فى العاصمة الإدارية الجديدة.

«نحمده» سائقة ميكروباص كافحت من أجل تربية أبنائها منذ انفصالها عن زوجها الذى تخلى عنهم وتواكل على زوجته فى سد احتياجات منزله، وقالت إنها كانت تعمل على سيارة ميكروباص على طريق العاصمة الإدارية الجديدة، قبل أن تتسلم سيارتها الخاصة التى خصصها لها الرئيس عبدالفتاح السيسى.

«الوفد» تحدثت معها عن قرب، لتكشف عن رحلة كفاحها وقالت، إن اسمها بالكامل نحمده سعيد عبد الرازق 45 سنة، من مواليد شبرا الخيمة بالقليوبية، لديها 4 أبناء، محمود 24 سنة، ومروان 16 سنة، ونور 12 سنة، ومصطفى 19 سنة.

انفصلت الأم عن زوجها منذ 8 سنوات، وكانت تعشق قيادة السيارات ومنها اتخذت من قيادة الميكروباص نشاطًا لها لسد احتياجات أبنائها، حتى أن لقبها السائقون بـ«شيكامارا» على غرار النحمة السينمائية مى عز الدين، حينما كانت تعمل سائقة ميكروباص.

«علّمت ابنى محمود علشان يعاونى على مشاق الحياة».. بهذه الكلمات استهلت الأم حديثها وقالت إن نجلها محمود يلازمها على طول الطريق بقيادته سيارة ميكروباص أخرى، ولكن بعد تسلمها سيارتها الجديدة أصبحت تعمل مع ابنها على سيارة واحدة.

لو توافر لكى مصدر رزق آخر هل هتروحى فيه؟، سألنا سائقة الميكروباص وردت قائلة: «لا أنا بحب قيادة السيارة وأنا عشقت الطريق وكل السواقين عرفوا قيمتى».

 

«سعاد»: ربيت وتعبت.. وحصدت القسوة

 

سعاد السيد مصيلحى، أم فى العقد السابع من عمرها، تجدها دوماً تجلس فى السيدة زينب، ومن أمامها قطعة خشبية واضعه عليها المناديل، قصة كفاح لم تُثمر منه سوى المآسى من أولادها الذين تجاهلوها عندما بلغت سن الخمسين.

«سعاد» من مواليد السيدة زينب بالقاهرة، منذ أن توفى زوجها وهى تحمل مسئولية 3 أبناء، وقالت إنها كثفت مجهودها فى السعى لسد احتياجات أبنائها حتى أوصلتهم لبر الأمان، وجميعهم متزوجون الآن، ولكن فوجئت بجفاء قلوبهم تجاهها.

اعتادت الأم الجلوس بمقعدها الخشبى كل صباح، مرتديه جلبابها الأسود، حزنًا على تربية الأبناء الذين أصبحوا ينفرون منها، وقالت: «أنا لابسه أسود حزنًا على فشلى فى تربية الولاد مش على فراق جوزى بس».

وأشارت الأم إلى أنها صرفت ما لديها من أجل تأمين حياة أبنائها الثلاثة حتى استقرت حياتهم، وأصبحت وحيدة، وتابعت: «مليش سكن وقاعدة مع واحد من عيالى وللأسف مش طايق أمه»، وتكمل بائعة المناديل حديثها قائلة: إن أخلاق الأبناء لم تعد كما كان فى السنوات الماضية.

«وصلنا لزمن أغبر».. جملة اعتراضية استكملت بها «سعاد»، حديثها وقالت إنها كثيرًا ما تشعر بالاستياء من تعامل ابنها وزوجته معها بطريقة غير لائقة بأم ظلت طيلة سنوات طويلة تعمل من أجل تأمين مستقبلهم، مشيرة إلى أن الأبن يفضل زوجته على والدته فى التعامل.

«ببكى كتير على حالى لما بكون لوحدى وعمرى ما وريتهم دمعتي».. تكمل الأم حديثها وقالت إنها تهرب من ابنائها وزوجاتهم بالعمل ليل ونهار فى الشارع، ولا تعود للشقة إلا على النوم فقط، علشان مشوفش الآسى فى عنين ابنى وزوجته.

«يا رب أموت وارتاح أنا زهقت من حياتي».. تكمل الأم حديثها بعيون دامعة، وتقول إن الموت أهون لها مليون مرة عن نظرة استياء ابنها من تواجدها معه فى الشقة، وتابعت: «مش عارفة أروح فين عيالى الـ3 الدنيا خدتهم منى ومعادوش طايقين أمهم ليلة واحدة».

حرف عديدة مارستها الأم خلال سنوات الكفاح من أجل تأمين حياة ابنائها، سواء بيع أنابيب أو الخدمة فى المنازل وحينما بلغت سن الخمسين واكتفت ببيع المناديل، وقالت: «عيالى نسيوا عملت إيه علشانهم.. وشافوا إزاى كنت بشيل الأنبوبة على كتفى اليوم كله وأنا ست علشان أعرف أصرف عليهم وأجوزهم.. دلوقتى أنا بقيت مش مقبوله وسطهم».

مآس كثيرة كانت تتعرض لها سعاد خلال سنوات الكفاح، وتحاول بكافة السبل إبعاد أبنائها عن تلك الإشكاليات لتكوين مستقبلهم، وقالت: «مكنتش بخليهم عاوزين حاجة ولا أحسسهم بتعبى اليوم كله علشان يكونوا مبسوطين.. معقول بعد ده كله تكون دى مكافأتى؟».

 

«آية»: أمى صنعت منى بطلة

 

منذ نعومة أظافرها وهى جليسة الفراش، لم تستلم لعجزها كغيرها وقررت التمرد على واقعها المرير، وحينما بلغت سن السادسة من عمرها قررت ممارسة الرياضة واختارت السباحة سبيلاً للتحدى، وكان لوالدتها دور كبير فى تدعيمها نفسياً، حتى خاضت أول بطولة محلية فى نادى الشمس, واجتازت كافة الاختبارات..

اسمها بالكامل آية أيمن عباس توفيق، من مواليد منطقة مساكن شيراتون بالقاهرة, حلم البطولات راود الفتاة، حتى أصبحت أول سباحة مصرية فى تاريخ رياضات المعاقين تشارك باسم مصر فى دورة بارلمبية, وتفوز بالميدالية ببطولة العالم.

وأشارت «آية» إلى والدتها وقالت: أمى دى تستحق تكون الأم المثالية فى عيد الأم»، ففى 2010 كانت الفتاة ضمن فريق سباحة نادى الشمس, وحصلت على عدد من البطولات المحلية, ما أهلها لبطولة العالم.

«أمى صابرة طول الوقت».. تكمل «آية» حديثها وقالت إنها كانت تشاهد دموع والدتها من أجلها، وتحملت الكثير من المشاق من أجل نجاحها، خاصة حينما تنازلت عن الدكتوراه لتحقيق حلمى فى بطولة السباحة.

ومن الفتاة لوالدتها والتى استهلت حديثها بهذه الجملة: «تعبى كله راح لما شوفت نجاح بنتي»، تشير نيفين سعيد، والدة بطلة السباحة، إلى أن قصة عجز «آية» تعود منذ ولادتها حينما أخبرها الطبيب بعجزها على مدار حياتها, لتصاب

بحالة انهيار شديد, وتابعت: «قررت أعالجها بكل ما أملك علشان تطلع من سجن العجز ولكن الطب فشل».

تكمل الأم حديثها وتقول: إن يومها كان يبدأ من الساعة الثالثة فجراً وتحضر وجبة الإفطار لآية, ثم تذهب بها للتدريب من الساعة الخامسة حتى السابعة صباحاً, وبعدها تذهب آية للمدرسة, وبعد العودة تستذكر دروسها, وتضيف: إنها كانت تواظب على المواعيد ما بين التدريب واستذكار الدروس.

 

«عزة»: دخلت السجن لأربى أطفالى

 

عزة على موسى، قصة كفاح مثل كثير من الأمهات اللاتى واجهن مآسى الحياة، لتربية أبنائها الأربعة، حتى تراكمت عليها الديون، وعجزت عن سدها ودخلت السحن.

قصة «عزة» تبدأ حينما كان عمرها 16 عاماً.. تزوجت من رجل يعمل فى إحدى الشركات الخاصة، وبعد عدة سنوات دبت الخلافات بينهما بسبب تزايد الأعباء المالية عليهم، فلم يستطع الزوج سد احتياجات أبنائه الأربعة حازم 14 عاماً، وحسين 16 عاماً، وحسن 10 سنوات، وحلا 7 سنوات.

طلب الزوج من زوجته معاونته على الحياة وسد مصاريف المنزل، ولم تتأخر الزوجة، وخرجت لسوق العمل وبدأت نشاطها فى بيع الأنابيب، ومع مرور الأيام تواكل الزوج على زوجته فى سد احتياجات المنزل وأصبح لا يعمل.

«انفصلت عنه علشان مكنش متحمل المسئولية وعاوزنى أشتغل وأصرف وهوه نايم».. بهذه الجملة استهلت الأم حديثها، وقالت إنها واجهت كثيراً من أهوال الحياة حتى فاض بها الكيل وانفصلت عن زوجى، وتحملت مسئولية أبنائها الأربعة.

تصمت الأم قليلاً وتتذكر بداية تراكم الديون عليها وقالت: فضلت أبيع وأسرح بالأنابيب 4 سنوات، أحمل الأنبوبة على كتفى وأبنائى يخرجون معى لمعاونتى، وبالطبع واجهت كثيراً من المشكلات مع الرجال فى مصر القديمة لأنى امرأة ومعرضة للطمع، فلم يكن معى سوى الله عز وجل وأبنائى.

يوم «عزة» يبدأ من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، ومع زيادة نشاطها فى بيع الأنابيب عرض عليها أحد الباعة مشاركتها، لتكون هى بالمجهود وهو بالتمويل، ومع مرور الأيام طمع فى مجهود لم يعطها حقها فقررت الابتعاد عنه.

30 ألف جنيه قيمة مديونيات الأم بعدما قررت العمل لحسابها الخاص، ومن هنا بدأت رحلة الديون، حتى شاركت شخصاً آخر فى بيع الأنابيب، وفى يوم خرجت ومعها 600 أسطوانة بوتاجاز، وجاءت لها حملة صادرت جميع ما معها.

وطالبها الشريك بسد قيمة الـ600 أسطوانة على أن تكون قيمة الأسطوانة الواحدة 500 جنيه، وعجزت الأم على دفع قيمة الأسطوانات، ومنها تحولت إلى سجينة.

حياة أخرى عاشتها الأم خلف القضبان، بين الخوف على مصير أبنائها الذين يتخذون من سكن الجيران مأوى لهم، حيث رفض أشقاؤها استقبالهم فى منازلهم، وبين أهوال المعيشة داخل السجن وشعورها بالظلم من مآسى الحياة.

«مكنتش بنام أبداً فى السجن من خوفى على العيال».. تستكمل الأم حديثها وقالت، إنها كانت تخشى على بنتها من ذئاب الشوارع، وكانت الزيارات التى تأتى لها همزة الوصل بينها وبين أبنائها فى الخارج.

ابنى «حازم» اللى كان بيزورنى فى السجن وللأسف مات وأنا مسجونة وماحضرتش دفنته.. بحزن شديد قالتها الأم، وبدموع حارقة تكمل قصتها المأسوية، وقالت «حازم» كان يعانى من ثقب فى القلب ومع دخولى السجن لم يجد من تراعيه صحياً وتدهورت حالته حتى أن توفى.

وحول كيفية معرفتها خبر وفاة ابنها قالت، قعدت كذا شهر من غير ما حد يزورنى، وشعرت بقلق شديد، وأرسلت رسالة لهم عن طريق أحد المتعطّفين عليها فى السجن، حتى جاء لها الرد بوفاة ابنها.

نوبة بكاء دخلت فيها الأم، وقالت بصوت حزين: «تخيل لما يكون ابنك اللى بيزورك وبيطمنك على أحوال عيالى بره يموت.. وانقطعت الأخبار بينى وبين عيالى»، تكمل الأم حديثها مشيرة إلى أنها عاشت أيام مريرة حزناً على ابنها الذى توفى ولم يجد من يرعاه.

خرجت الأم من السجن، وهرعت إلى قبر ابنها، وقالت: «كنت بتكلم معاه على القبر كأنه قاعد قدامى وقلت له سامحنى يا بنى غصب عنى مقدرتش أكون جنبك»، وبعدها ظلت تبحث عن أبنائها فى منازل جيرانها.

«إخواتى موقفوش جنبى إلا بعد وفاه ابنى وانا فى السجن».. تختتم الأم حديثها وقالت إن أشقاءها شعروا بالإحراج من جيرانها بعدما أجبروهم على تولى أبنائها فى غيابها.

 

حكايات الوفاء على المقابر

 

داخل المقابر، عشرات النساء يرتدين ملابسهن السوداء، البعض مُنهن يرتلن آيات القرآن الكريم، وأخريات يدخلن فى نوبة بكاء، ذكريات الأمهات تطوف أمام أعينهن فور أن تطأ أقدامهن أرض المقابر، ليكنّ خير مثال للوفاء إلى الأمهات فى أعيادهن.

مشاهد رصدتها «الوفد» داخل مقابر السيدة نفيسة، تؤكد أن الحياة ما زالت بخير، وبحسب ما أشار إليه عدد من المقيمين بجوار المقابر، فإن كل عيد أم يجدون أفواجاً من الزيارات يقوم الأبناء بقضاء اليوم أمام مقابر أمهاتهم وفاءً لهن.

«خلاص يا ولدى كل واحد بيقول يا نفسى».. بتلك الكلمات استهلت «عنايات عدلى»، سيدة فى العقد الخامس من عمرها، تقيم بجوار مقابر السيدة نفيسة منذ 30 عاماً، وقالت: «أنا اتولدت واتربيت هنا، وشفت الزمن وعاصرته، ففى الماضى كنت أرى وأنا طفلة الزيارات على المقابر بشكل يومى، ومع مرور السنين قلت هذه الزيارات بل أصبحت شبه منعدمة، إلا فى حالة الدفن».

«الناس قسمان، إما وفى خالص وبيزور أهله بشكل مستمر أو منقطع بشكل دائم».. تكمل «عنايات» الحديث وقالت: إن فى عيد الأم تجد أفواجاً قليلة من الأناس وجوههم أصبحت معتادة علينا من كثرة قدومهم على المقابر، يقضون فى المقابر يومهم كما يكون منزلهم، فى حين نجد غيرهم يقوم بدفن المتوفى وبعد دقائق يغادرون المقبرة».

واستطردت «عنايات» حديثها وقالت: «إنها حينما ترى الأهالى يقدمون على المقابر لزيارة الأمهات تُشعر بالأمان»، وتابعت: «لما بحس الزيارات لسه مستمرة على الأمهات فى المقابر بقول الدنيا لسه بخير»، وتشير إلى أنها كثيرًا ما ترى المهازل لصراعات الأبناء على المقابر، ويكون السبب الورث.

 

20 عامًا من الوفاء

«أمى ماتت من 20 سنة وما زلت بزورها».. بهذه الجملة استهلت «أم كامل» سيدة فى العقد الرابع من عمرها، وقالت: «إن منذ وفاة والدتها وهى تحرص على زيارتها كل أسبوع، تجلس بجوارها لبضع ساعات وتعود لمنزلها، وفى يوم عيد الأم يقضى اليوم كاملًا داخل المقابر تتحدث مع والدتها المتوفاة وكأنها تجلس معها».

«بتكلم مع أمى المتوفية وكأنها بترد عليا».. تكمل السيدة حديثها وقالت: إنها كانت قريبة جدًا من والدتها وكانت تعتبرها ليس فقط أم لها بل صديقة، تتحدث معها عن كافة تفاصيل حياتها مع زوجها وأبنائها، وحينما أصيبت والدتها بالمرض ظلت ترعاها لمدة 4 سنوات حتى انتقلت للدار الأخرى.

وتكمل: «عمرى ما زهقت من زيارة المقابر.. اللى بيبحب حد عمره ما ينساه ولا يمل من رؤيته»، تشير «أم كامل» إلى أنها تحرص دومًا على غرس الحنية داخل أبنائها كما فعلت معها والدتها منذ نعومة أظافرها.

 

أسعد يوم

من السيدات اللاتى حرصن على زيارة أمهاتهن فى المقابر يوم عيد الأم، «أم محمد» وقالت: إن والدتها توفيت منذ 4 أعوام، وحريصة دومًا على زيارتها فى عيد الأم.

حينما تدق الساعة السادسة صباحًا تحضّر «أم محمد» وجبة الإفطار لزوجها وأبنائها فى عجالة، وبعدها تستقل سيارة ميكروباص من منزلها الكائن فى العتبة، لتنتقل إلى المقابر، تقضى يومها مع والدتها حتى الساعة السابعة مساء.

«عمر ما ضغوط الحياة تاخدنى من أمى حتى بعد وفاتها».. تشير «أم محمد» إلى أنها كانت حريصة على زيارة والدتها والبر بها قبل وفاتها، وكانت تزورها مرة كل أسبوعين، وفى أحيان كثيرة تجبرها على الجلوس معها فى شقتها، وبعد وفاتها حرصت أيضًا على زيارتها.

واستكملت: «زى ما عملت أمى معايا هعمل مع عيالى علشان يطلعوا زيى ويزورونى وأنا ميتة»، تشير صاحبة الثلاثين عامًا إلى أنها حريصة على الحديث مع أبنائها حول بر الوالدين وثواب ذلك عند الله عز وجل.

وتابعت: «زوجى بيدعمنى فى زيارة أمى وبيبقى فرحان لما بيلاقينى بارة بأمى، وساعات كثيرة بييجى معايا يقضى يوم فى المقابر وأنا كمان بروح معاه فى المقابر لزيارة والدته».