رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عودة الروح.. إلى القاهرة

بوابة الوفد الإلكترونية

«تاريخ مفعم مجمد أو محفوظ، كل حجر فيها مشبع بعبق الماضى وعرقه، وكل شِبر منها يحمل بصمات الإنسان، إنها عمل فنى من مقياس ضخم مهندسه وساكنه هو المصرى».. هكذا وصف الدكتور جمال حمدان، القاهرة، فى كتابه الذى يحمل اسمها، تلك المدينة التى يصل عمرها إلى 1049 عاماً، وهى من أقدم مدن أفريقيا والشرق الأوسط، تحمل بين جنباتها كل المتناقضات، الرقى والعشوائيات، المبانى القديمة والحديثة، والجمال والقبح، ولما زاد القبح فيها وأفسد جمالها القديم تبنت الدولة مشروع القاهرة التراثية لإعادة الجمال الذى كان، وإحياء فكرة الخديو إسماعيل التى أطلقها وقت إنشاء القاهرة الإسماعيلية عام 1863، وهى جعلها باريس الشرق، هذا المشروع سيعيد الحياة إلى العاصمة، خاصة أنه يشمل القاهرة الخديوية والتوفيقية والتاريخية، بالإضافة إلى عدد من الأحياء ذات القيمة المعمارية المتميزة.

لكنَّ هذا المشروع الذى يعتبر الأمل الوحيد للحفاظ على المدينة الجميلة من القبح المتربص بها مهدد بالتوقف؛ بسبب نقص التمويل، وبدونه لن تعود القاهرة الساحرة الآسرة، الهادرة الساهرة، الزاهرة العاطرة الشاعرة الطاهرة، كما وصفها الشاعر الراحل سيد حجاب.

 

حلم إنقاذ العاصمة التاريخية.. فى انتظار التمويل

 

محاولات عديدة تُبذل لإعادة الجمال إلى العاصمة، فمنذ سنوات عديدة، والمدينة التى دارت فى فلكها معظم عواصم الدولة المصرية، تعانى زحف العشوائيات، واختفى جمالها القديم وسط موجات من القبح التهمت كل شىء، وشوهت عناصرها المعمارية حتى اختفت المعالم المميزة لها، ومن ثم بدأت محاولات الإنقاذ، تارة فى صورة مشروع لإنقاذ القاهرة التاريخية، وتارة أخرى مشروع القاهرة الخديوية، لكنَّ مشروع القاهرة التراثية هو الأشمل الذى يسعى لإنقاذ القاهرة ذات المعالم الفنية والمعمارية مما وصلت إليه.

وهذا المشروع تم تدشينه عام 2014 من قِبل محافظة القاهرة، وفقاً للدكتورة ريهام عرام، مدير إدارة التراث بالمحافظة؛ بهدف إعادة الانضباط للشارع القاهرى، خاصة بعد التعديات التى وقعت على وسط العاصمة، وتم فتح عدد من الجراجات؛ لضمان السيولة المرورية، ثم بدأنا التعامل مع ملف الباعة الجائلين؛ لمنع تعدياتهم على الشوارع والمبانى بوسط القاهرة، وتم توفير أماكن لهم بسوق الترجمان، ثم بدأنا العمل على إعادة الجمال والانضباط لشوارع وسط البلد، خاصة شارع 26 يوليو، وتم استئناف العمل لإعادة ترميم عمارات القاهرة الخديوية، حتى وصل عدد العقارات التى تم ترميمها إلى 350 عقاراً بتمويل من المحافظة، واتحاد البنوك وتحت إشراف متخصصين من جهاز التنسيق الحضارى، التابع لوزارة الثقافة، خاصة بعد إنشاء اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية عام 2016.

يذكر أن هذه اللجنة تم تشكيلها بموجب القرار الجمهورى رقم 604 لسنة 2016 برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، وتضم فى عضويتها، محافظ القاهرة، مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمرانى، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى «مقرر اللجنة»، رئيس هيئة التخطيط العمرانى، رئيس مجلس ادارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، الدكتور محمود عبدالله، الخبير الدولى فى إعادة هيكلة وإدارة الأصول، رئيس اتحاد البنوك، وبعد التغيير الوزارى الأخير تولى المهندس شريف إسماعيل رئاسة للجنة بدلاً من المهندس إبراهيم محلب.

وتختص اللجنة بوضع رؤية استراتيجية متكاملة تراعى الجانب التراثى والتاريخى والاقتصادى، وتحديد بدائل تنفيذها، ووضع الخطط والسياسات والبرامج التنفيذية لتطوير القاهرة كعاصمة تراثية بمعايير اقتصادية وسياحية لجذب الاستثمارات، وإعادة القيمة لهذه المنطقة التراثية، وكذلك العمل على تسجيل العاصمة التراثية (منطقة القاهرة الخديوية كمرحلة أولى) بقوائم التراث العالمى المعمارى الحديث بمنظمة اليونسكو الدولية، مع وضع العاصمة فى المكانة التى تستحقها كمدينة حديثة دائمة التطور قائمة على التخطيط الجيد تهتم بتراثها وتعرف كيفية استثماره لمصلحة البلاد بأكملها.

وخلال عام 2017، تمكنت اللجنة من القيام بتنفيذ عدة مهام، منها إعادة المظهر الحضارى إلى شارع المعز والمشهد الحسينى، وإطلاق مشروع إحياء فنون القاهرة التاريخية، وتطوير شارع الألفى، وشارع سراى الأزبكية، وميدان عرابى كمشروع رائد بنطاق القاهرة الخديوية، واستكمال تطوير شارع عماد الدين، وتطوير شارع الشريفين فى منطقة «البورصة» كأول شارع مخصص لفنون الشارع فى مصر، وتنظيم احتفالات بمرور 150 عاماً على تخطيط القاهرة الخديوية، والانتهاء من تطوير واجهات 107 عقارات من العقارات التراثية بالقاهرة الخديوية.

كما تم إنشاء قاعدة معلومات للقاهرة التراثية بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وبدء خطة تدريب العاملين بالأماكن السياحية بنطاق القاهرة الخديوية تحت رعاية محافظ القاهرة.

وأوضحت الدكتورة «ريهام»، أنَّ المشروع عبارة عن إحياء وليس ترميماً للعقارات فقط؛ حيث تم الاهتمام بالزخارف وإحياء تاريخ المنطقة ككل، ولأول مرة يتم تشكيل اتحاد شاغلين للمناطق التى تم تطويرها؛ لضمان استمرارية أعمال الصيانة والمحافظة على المكان، وهو ما حدث فى شارع الألفى الذى تم تطويره منذ فترة، لكنَّ المكان لم تتم المحافظة عليه، لذلك قمنا برفع كفاءته وتشكيل اتحاد الشاغلين؛ لضمان استمرارية أعمال الصيانة من خلال صندوق خاص بالشارع يشرف عليه أعضاء منتخبون من اتحاد الشاغلين.

وأضافت أن المشروع يشمل، أيضاً، تطوير ميدان رمسيس ومحطة السكة الحيد وميدان عابدين والذى تم تحويله إلى واحد من أجمل ميادين القاهرة، بالإضافة إلى الفلكى وباب اللوق، كما تجرى دراسة الآن لتطوير سوق العتبة بالتنسيق مع جامعة القاهرة وجامعة نيو كاسل البريطانية؛ حيث يشغل السوق مبنى تراثى أنشأه الخديو توفيق، كما يتم الآن التنسيق مع هيئة الأوقاف والمترو لبدء العمل فى حديقة الأزبكية، ووضع رؤية لإحيائها وإعادة تشغيلها، كما أشارت إلى العمل فى مناطق أخرى بالقاهرة التاريخية مثل شارع الأشرف الذى يتم إنشاء حديقة تراثية به.

وأوضحت مدير إدارة التراث، أنَّ المشكلات التى تواجه هذا المشروع؛ أهمها التمويل؛ حيث نعتمد فى تمويله على ما يوفره اتحاد البنوك لنا، فكلما تم توفير مبلغ نبدأ العمل فى إحدى المناطق، مشيرة إلى أن ما تم إنفاقه على هذه المشروعات حتى الآن يصل إلى 150 مليون جنيه، وما زالت الأعمال تحتاج إلى مزيد من التمويل، إضافة إلى أن هناك مشكلة أخرى، وهى انعدام الوعى لدى المواطنين، ما يؤدى إلى عدم المحافظة على أعمال الصيانة التى نقوم بها.

وحول مشكلة الشقق التى تحولت إلى مخازن فى عقارات القاهرة الخديوية، قالت إن المحافظة تقوم بعمل حصر لهذه الشقق التى تم تغيير الصفة الإيجارية لها، وسنقوم بتنفيذ القانون وإخلائها إذا ثبت أن شاغليها قاموا بتغيير نشاطها وتحويلها إلى مخازن لمنع الأضرار بالعقارات؛ حتى لا تتكرر واقعة الحريق الذى وقع منذ عدة سنوات فى أحد هذه المخازن، وكاد يودى بواحد من أجمل عقارات القاهرة الخديوية التى نسعى للمحافظة عليها.

 

قريباً.. «باريس الشرق» على قوائم التراث العالمى

 

حينما فكر الخديو إسماعيل فى بناء القاهرة الخديوية كان يريدها أن تصبح باريس الشرق، وجاء ابنه الخديو توفيق من بعده؛ ليكمل ما بدأه والده، وبالفعل استعملا أفضل مهندسى أوروبا لتخطيط وإنشاء عمائر القاهرة التى استمرت أكثر من 150 عاماً، لكنَّ القبح شوهها وتحولت معظم هذه العقارات التى سكنها العظماء والفنانون والزعماء، إلى مخازن وورش وبوتيكات، ومنذ سنوات عديدة والحكومات تحاول إعادة هذه العمائر إلى ما كانت عليه، وتسعى وزارة الثقافة الآن إلى تسجيل منطقة القاهرة الخديوية على سجلات التراث العالمى لهيئة اليونسكو، مثلما حدث مع القاهرة التاريخية، ولذلك فالعمل يجرى على قدم وساق لإحياء وتطوير هذه المنطقة التى تعتبر ثروة قومية.

قيمة فنية ومعمارية وتاريخية تحتويها عمارات القاهرة الخديوية، تلك العمائر التى تم إنشاؤها قى عهد الخديو إسماعيل وابنه توفيق خاصة، فحينما تولى الخديو إسماعيل السلطة عام 1863 كانت حدود القاهرة تمتد من منطقة القلعة بسفح المقطم شرقاً، وتنتهى عند مدافن الأزبكية وميدان العتبة والمناصرة غرباً، ويفصلها عن النيل مجموعة من البرك والمستنقعات والمقابر والتلال، وكان معظم أحيائها يدب فيها الاضمحلال العمرانى، ما جعل «إسماعيل» يفكر فى ثورة عمرانية، ومن هنا كلف صديقه المهندس الفرنسى هاوسمان بوضع تصميم جديد للعاصمة، واستغرق التصميم والتنفيذ حوالى 5 سنوات؛ حيث تم تحويل مجرى نهر النيل، وحل محل البرك والمستنقعات المردومة من حدود القاهرة القديمة حتى شاطئ النيل ميادين وشوارع رئيسية ميدان العتبة، ميدان الأوبرا، ميدان رمسيس، ميدان سليمان باشا (طلعت حرب باشا)، ميدان الخديو توفيق (ميدان التوفيقية) ميدان الأنتيكخانة، ميدان عابدين (الجمهورية)، ميدان الإسماعيلية (التحرير)، وشارع قصر العينى، كما ضمت كوبرى قصر النيل بتماثيله الأربعة المميزة التى تم نحتها فى إيطاليا، ودار الأوبرا القديمة التى احترقت.

وتم تخطيط القاهرة لتتكون من شوارع عرضية وطولية قاعدتها ميدان الخديو اسماعيل المعروف الآن بميدان التحرير، الذى تم تصميمه ليكون رابطاً بين ثكنات قصر النيل، وقصر عابدين، ولكن الميدان الذى تحول اسمه فى عهد الملك فؤاد إلى ميدان الإسماعيلية، تطور ليصبح واحداً من أهم ميادين العاصمة المصرية، ليس فقط لأنه يؤدى بك إلى 18 وزارة، أو مبنى البرلمان، أو لأن غالبية المظاهرات السياسية تنطلق منه، ولكن، أيضاً، لأنه يتصل بعدد من الشوارع الرئيسية التى تمثل عموداً فقرياً للقاهرة منها شوارع قصر العينى، والجلاء، وطلعت حرب، وباب اللوق، ورمسيس، كما يوجد به أكبر مبنى رسمى إدارى هو مجمع التحرير.

وكما اهتم الخديو إسماعيل بشق الشوارع الواسعة المزينة بالعمائر الضخمة الفخمة، اهتم أيضاً بإنشاء القصور الملكية فى قاهرته الجديدة، وأهمها قصر عابدين، الذى اشتراه من أرملة عابدين أمير اللواء السلطانى فى عهد محمد على باشا، وهدمه وبنى مكانه قصراً قام بتصميمه وتنفيذه المعمارى دى كوريل ديل روسو، وتكلف بناؤه 700 ألف جنيه وقتها، وهو القصر الذى لا يزال قائماً حتى الآن، وتحول إلى متحف ملكى بعد أن ظل فترة طويلة مقراً لحكم مصر.

وكما اهتم الخديو إسماعيل بالعمارة اهتم أيضاً بالفنون، فقام بإنشاء أول دار أوبرا عرفتها مصر عام 1867 حينما أسند مشروعها للمهندس الإيطالى بييترو أفوسكانى والذى صممها على نفس طراز أوبرا لاسكالا فى ميلانو، وافتتحت فى احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1869 بعرض أوبرا ريكوليتو، وتعرضت للحريق فى عام 1952 فى حريق القاهرة، وأعيد ترميمها، ولكنها احترقت تماماً فى عام 1971، لتهدم ويبنى محلها جراج الأوبرا الآن، بالإضافة إلى إنشاء العديد من دور السينما والمسارح التى ما زال وسط القاهرة يزخر بها حتى الآن.

ولما لهذه المبانى والشوارع أهمية تاريخية ومعمارية، أطلقت وزارة الثقافة مشروع إحياء القاهرة الخديوية الإسماعيلية عام 2009، ليتوسع المشروع فى 2014 ليشمل القاهرة الخديوية كلها، لتطويرها تمهيداً لتسجيلها على قوائم التراث العالمى؛ حيث تعتبر هذه المنطقة متحفاً مفتوحاً عبارة عن مثلث رأسه ميدان التحرير وقاعدته ميدانا الأوبرا ورمسيس وما يتفرع منهما من شوارع، تضم بنايات جميلة يبلغ عددها 421 بناية داخل مساحة لا تقل عن 700 فدان، يعود تاريخ بنائها إلى النصف الثانى للقرن الـ19، والعقدين الأولين للقرن الـ20، وتجمع بين طرازى الكلاسيكية وعصر النهضة.

وأشارت الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، إلى أن هذه المنطقة تعد أحد أهم معالم القاهرة التى تسعى الحكومة إلى تطويرها وحمايتها منذ سنوات عديدة، مشيرة إلى أنه آن الأوان لتوفير الحماية لهذه العمائر التى تعد ثروة قومية، يجب الحفاظ عليها، وبالتالى يجب إخلاؤها من جميع الأنشطة التى تضر بها وتحويلها إلى مزارات سياحية لتعظيم الاستفادة منها.

 

رئيس جهاز التنسيق الحضارى:نستهدف تحويل «مدينة الألف مئذنة» إلى متحف مفتوح

 

مشروع تطوير القاهرة التراثية يتم بالتعاون بين محافظة القاهرة، والجهاز التنفيذى للتنسيق الحضارى، التابع لوزارة الثقافة؛ حيث إنه مشروع معمارى يحمى بين طياته التراث الثقافى لمصر، من هنا كان لا بد أن نلتقى بالمهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز، المخطط الأول لهذا المشروع العملاق.

فى البداية، أكد «أبوسعدة»، أنَّ مشروع القاهرة التراثية يشمل القاهرة التاريخية والخديوية، وبما أن القاهرة التاريخية تم تسجيلها على قوائم التراث العالمى منذ تسعينيات القرن الماضى، فنحن نعمل الآن على تطوير القاهرة الخديوية، تمهيداً لتسجيلها على قوائم التراث العالمى أيضاً، خاصة أن هناك مخططاً من الدولة يتضمن نقل المبانى الإدارية للعاصمة الإدارية الجديدة، وبالتالى لدينا فرصة جيدة لإعادة القاهرة الخديوية لرونقها القديم؛ حيث يجرى الآن حصر المبانى التى تشغلها الإدارات الحكومية، تمهيداً لإعادة استغلالها الاستغلال الأمثل، بما يتناسب مع القيمة التراثية لهذه المبانى.

وأضاف أن اللجنة القومية لإحياء القاهرة التراثية التى تم تشكيلها أولاً برئاسة المهندس إبراهيم محلب، ثم تولى رئاستها المهندس شريف إسماعيل تعمل على إعادة القاهرة إلى ما كانت عليه من حيث الجمال، وإعادة مبانيها العريقة إلى ما كانت عليه، ومن هنا بدأ العمل على إيجاد منظومة متكاملة لإدارة القاهرة التراثية، ومن ثم تم اعتبار القاهرة الخديوية والتاريخية كمنطقة حماية، وتم وضع قانون عمرانى خاص بها يتضمن تنظيم أعمال العمران فيها، من حيث ألوان المبانى وارتفاعاتها وتنظيم استخداماتها، وتم تسجيل المبانى ذات القيمة المعمارية والتاريخية بها وعددها 700 مبنى تقع فى قلب العاصمة، وتم رفعها على الخرائط، كما تم وضع أسس ومعايير للحفاظ على النسيج العمرانى فيها بهدف الحفاظ على الوجه الحضارى لمنطقة وسط القاهرة.

وأشار إلى أن المشروع يتم بالشراكة مع المجتمع، وتم حتى الآن تطوير أكثر من 200 عقار فى قلب القاهرة الخديوية، وبدأنا فى وضع آلية لرفع الإعلانات واللافتات التى تشوه هذه المبانى التاريخية.

وأكد أن تجربة شوارع الألفى والشريفين والبورصة سيتم تكرارها فى شوارع أخرى حتى تصبح وسط البلد منطقة روافد ثقافية حتى تعيد للقاهرة دورها الثقافى، موضحاً أن التجربة بدأت بتوحيد شكل هذه الشوارع وتطوير المبانى الموجودة بها ورفع كفاءتها، وتم تشكيل اتحاد شاغلين لشارع الألفى لضمان استمرارية أعمال الصيانة.

وأشار إلى أن مشروع إحياء القاهرة التراثية لن يكون مقصوراً على منطقة وسط البلد، وإنما يضم، أيضاً، مصر الجديدة بميادينها الشهيرة (الكوربة)، و(الإسماعيلية)، والمعادى، وجاردن سيتى، والزمالك بمبانيها التراثية ذات القيمة المعمارية، وذلك بهدف الحفاظ على هذه المناطق ذات الطابع المعمارى المتميز، كما تم وضع مخطط مماثل لمحافظة الإسكندرية، وبالفعل تم عمل مخطط لتطوير منطقى النبى دانيال، ومدينة بورفؤاد للحفاظ على مبانيها ذات القيمة المعمارية.

وأكد أن دور الهيئة هو وضع الرؤى والسياسات والتخطيط، أما التنفيذ فهو دور المحافظات، والتنفيذ يتوقف على مدى توافر التمويل لذلك تم تطوير 200 عقار فقط فى القاهرة الخديوية، وباقى العقارات سيتم تطويرها فور إيجاد التمويل اللازم لها، لتتحول القاهرة إلى متحف مفتوح والحفاظ على جودة الحياة بها.

وأشار إلى قيام الوزارة بالتعاون مع مراكز الشباب ومنظمات المجتمع المدنى بتنظيم ندوات لتوعية المواطنين بأهمية الجمال وكيفية احترام الفراغ العام، وأهمية الحفاظ على التراث المعمارى تنفيذاً لشعار الجهاز وهو: «تراثنا هويتنا فلنحمه معاً»، مشيراً إلى أن هذه المهمة لا تستطيع جهة وحدها القيام بها، ولكن لا بد من مشاركة المجتمع معنا فى الحفاظ على تراثنا المعمارى الذى لا يقدر بثمن.

 

«الأزبكية».. حديقة الفن والجمال تعود للحياة

 

حينما تجتمع مجموعة نادرة من النباتات الطبيعية وقطعة من تاريخ مصر الحديثة،

فأنت فى حديقة الأزبكية، ذلك المكان الذى لا يعرف عنه الكثيرون شيئاً، فمنذ سنوات طويلة وهذه الحديقة مغلقة، ثم أصبحت سجينة أسوار مترو أنفاق القاهرة؛ حيث كان العمل فى الخط الثالث، بينما يحتل أسوارها الباعة الجائلون، ما جعلها طى النسيان، لكنَّ قرار اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية بإعادتها للحياة جاء بمثابة قُبلة حياة لهذه الرئة التى ستخلص وسط القاهرة من التلوث، وتسهم فى إحياء واحدة من أهم ذكريات الزمن الجميل.

 وكانت اللجنة، فى اجتماعها الأخير برئاسة المهندس شريف إسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، رئيس اللجنة، قد قررت العمل بخطوات سريعة على مشروع تجديد وإحياء حديقة الأزبكية، والتى تعتبر واحدة من أهم المناطق التاريخية فى القاهرة، وتقع بين ميدانى الأوبرا والعتبة؛ حيث شهدت تدهوراً كبيراً، خلال العقود السابقة، رغم أنها تعتبر واحدة من أهم المتنزهات العالمية؛ حيث إنها تمثل أحد أهم أماكن «التراث النباتى» فى مصر، لاحتوائها على قدر هائل من النباتات والأشجار المتنوعة.

ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1872، حينما كلف الخديو إسماعيل المهندس الفرنسى «اريل ديشان بك»، المسئول عن حدائق باريس بإنشاء حديقة بوسط القاهرة، فقام بعد أن تم ردم البركة التى كانت تتوسط الميدان عام 1864 بإنشائها على مساحة 18 فداناً، وأحيطت بسور من البناء والحديد، وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع.

وتم تزويد الحديقة بـ2500 مصباح غاز، وغُرس بها ما يقارب 150 نوعاً من الأشجار النادرة، جلبت خصيصاً من الهند، وأوروبا، وأفريقيا، والبرازيل، وكوبا، وبعد الانتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها، عَيَنَ الخديو مسيو باريليه الفرنسى ناظراً لها، وتم حفر بحيرة صناعية فى قلب الحديقة مع بحيرات أخرى أصغر فى أماكن متفرقة، وخصصت مراكب بالبدال للتنزه فى البحيرات، كما أنشئت قنوات تجرى بها المياه تمر من تحت جسور، هذا بخلاف جبلاية صناعية مثل الموجودة فى حديقة الأسماك، وكشك للموسيقى تعزف فيها الفرقة الخديوية الموسيقية (النحاسية) مرتين أسبوعياً.

وأقام الخديو إسماعيل فى طرف الأزبكية الجنوبى المسرح الكوميدى الفرنسى الذى أنشئ فى 2 نوفمبر 1867، وافتتح فى 4 يناير 1868 تحت إدارة الخواجة منسى، والذى عُرف بتياترو الأزبكية، وفى عام 1869، أنشأ الخديو إسماعيل دار الأوبرا الخديوية بمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس، والتى عرضت عليها أوبرا عايدة لفردى، وأمر بإعداد حديقة الأزبكية لاستقبال الضيوف، وأقيم تمثال لإبراهيم باشا بن محمد على والذى صنعه المثال كورديه، وتكلف 18 ألفاً و320 جنيهاً، وتم وضعه فى الميدان الذى حمل اسمه أولاً ثم تحول لميدان الأوبرا بعد ذلك.

وكانت الحديقة مثار إعجاب الأجانب قبل المصريين، ولم تكن مجرد متنزه ترفيهى، ولكن كانت مركزاً ثقافياً؛ حيث قدمت على مسرحها العديد من العروض المسرحية والموسيقية، ويقال إن جمال الدين الأفغانى كان يلقى خُطَبَه هناك، كما كانت يقام بها العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين، كما كان يقام بها العديد من الاحتفالات الرسمية مثل الاحتفال بعيد الجلوس السلطانى، واحتفال الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية.

لكنَّ حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 كان بداية انهيار كل هذا الجمال؛ حيث قل الاهتمام بالمنطقة ونهشتها يد التخريب، ثم جاء حريق دار الأوبرا المصرية عام 1971 ليلقى بمزيد من الإهمال والتشويه عليها، وبمرور الزمن اختفت حديقة الأزبكية وأنشئ على جزء منها سنترال الأوبرا، ومسرح العرائس، والمسرح القومى، وتقلصت مساحتها لأقل من النصف، وراحت تعانى الإهمال الشديد وخسارة عدد كبير من أشجارها النادرة، خاصة بعد استقطاع جزء منها لتصبح محطة للمترو.

وتم هدم سورها الشهير، وإقامة سور حجرى مكانه والذى تحول شيئاً فشيئاً إلى معرض دائم ومفتوح للكتب، أصبحت بمرور الوقت مكتبات ثقافية ومنارة إشعاع للفكر والثقافة، وأطلق على سور الأزبكية اسم «جامعة الفقراء»؛ حيث يحصل الراغبون فى القراءة والعلم من أبناء الطبقة الفقيرة على ضالتهم بأسعار زهيدة.

وتعرضت الحديقة لمحاولات عديدة لتحويلها إلى سوق للباعة الجائلين، لكنَّ الأصوات تعالت مطالبة بالمحافظة على هذه الحديقة التاريخية وآثارها مثل المسرح ونافورة الخديو إسماعيل والجبلاية الصناعية وما تحويه من بقايا النباتات النادرة وغيرها.

وجاء قرار اللجنة الأخير لإعادة الحياة لهذه الحديقة التى كانت شاهدة على جزء مهم من تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فعلى مسرحها شوهدت الإرهاصات الأولى للتجارب المسرحية الرائدة للفنان يوسف وهبى وفرقته الشهيرة باسم فرقة رمسيس، وعليه أيضاً غنت أم كلثوم معظم روائعها، قبل نقل حفلاتها إلى مسرح قصر النيل، ومن هنا فإنَّ إحياء هذه الحديقة يعد إحياءً لتاريخ الفن والجمال فى مصر، لذلك بدأت اللجنة فى وضع المخططات لإحياء هذه الحديقة التى تعد متنفساً جمالياً وثقافياً للقاهرة وسكانها.

 

شوارع قاهرية بنكهة باريسية

 

لوسط القاهرة عشاقه ومريدوه، شوارعه متنفس لهم من كل ضيق، طرقه وسيلتهم للترويح عن النفس، والتخلص من متاعب الحياة، يكفيهم الاستمتاع بمناظر وسط القاهرة ليلاً ليغنيهم ذلك عن السفر إلى أى مكان. هذه المتعة اكتملت الآن بعد أن أصبحت هناك شوارع للمشاة، لا يزعجهم مرور السيارات، ولا الدراجات النارية فيها، وأخرى تحولت إلى منتديات ثقافية وفعاليات فنية تجتذب هواة الأدب والثقافة والفنون، هذه التجربة الرائدة يجب أن تصبح مثالاً يحتذى به فى كل مكان فى مدن مصر وقراها حتى يصبح الشارع للمواطن يستمتع فيه بالفن والجمال.

شارع الألفى وشارع الشريفين، اثنان من أشهر شوارع وسط العاصمة، الأول تم تحويله منذ فترة طويلة إلى شارع للمشاة فقط، ونظراً إلى وجود عدد من المطاعم الشهيرة به أصبح قبلة لذوى لبطون الفارغة من رواد وسط القاهرة لتناول وجبة خفيفة أو دسمة كما يحلو لهم، لكنَّ يد الإهمال امتدت للشارع؛ لعدم وجود صيانة مستمرة له، فتم تكسير عدد من المقاعد وملأت القمامة أرجاء الشارع، حتى لفظه المواطنون، وأصبح المتجول فى وسط القاهرة لا يجد ملجأً يسكن إليه للراحة، واستجماع قواه قبل أن يستكمل رحلته بوسط العاصمة، وفى إطار مشروع القاهرة التراثية قامت المحافظة بإعادة رفع كفاءة الشارع العتيق، وتجميله، وتم اتباع تجربة جديدة، وهو تكوين اتحاد شاغلين للشارع لضمان استمرارية أعمال الصيانة والمحافظة على الأعمال التى تم القيام بها من قبل، وبالفعل قام اتحاد الشاغلين بإنشاء صندوق ينفق منه على أعمال الصيانة والنظافة للمحافظة على جمال الشارع الذى عاد مرة أخرى قبلة للمواطنين للراحة من تجوالهم فى وسط القاهرة، والاستمتاع بالأطعمة المختلفة.

وترجع تسمية الشارع إلى الأمير المملوكى محمد بك الألفى، الذى فر إلى الصعيد مع قدوم الحملة الفرنسية، وظل هناك إلى أن جاء محمد على باشا إلى مصر وتوفى عام 1807، ويعد محمد بك الألفى آخر أمراء المماليك فى مصر، وكان له قصر يقع فى هذا الشارع، وكان يعد أعجوبة بما يحتويه من أعمدة رخامية ونوافذ من الخشب الثمين وتحف ونجف جاءته كهدية من بعض أثرياء أوروبا، لكنه لم يقض فيه سوى 16 يوماً فقط ثم جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر ليختار نابليون قصر الألفى للإقامة فيه طوال فترة تواجده فى مصر، وأصبح مقراً لإقامة قائد الحملة من بعده حتى إن حديقته شهدت مقتل القائد كليبر، ليتحول إبان حكم محمد على إلى مقر لمدرسة الألسن حتى احتراقه فى حريق القاهرة 1952 ليقام على أنقاضه فندق كبير.

بعدها أصبح الشارع مقراً لأرباب الحرف المختلفة من الرسامين والخياطين وصناع التحف والحلى، بالإضافة إلى صناعة الحلوى التى مازالت توجد بعض محالها فيه حتى الآن، وبمرور الزمن تغيرت معظم هذه الأنشطة ليصبح مقراً للمطاعم الشعبية مع احتفاظه بأشهر مطاعم المشويات فى القاهرة الذى تم إنشاؤه فى ثلاثينيات القرن الماضى، كما أنه كان مقراً لعدد من المسارح التى عرفتها القاهرة فى الفترة نفسها، لذلك يحتل هذا الشارع مكانة خاصة فى وسط القاهرة، وهو ما جعله قِبلة لكثير من رواد وسط البلد لما له من تاريخ طويل ما زال نابضاً فى مبانيه العريقة التى تنافس مبانى مدينة النور الفرنسية باريس، ولذلك جاءت إعادة تطويره بمثابة هدية للمصريين جميعاً، خاصة رواد وسط البلد، وأصبح أول شارع توجد به أكشاك تأمين لمتابعة الحالة الأمنية.

أما شارع الشريفين، فقد تحول إلى تحفة فنية بعد تجديد جميع المبانى والعقارات التى تطل عليه فى إطار تطوير مثلث البورصة، وأبرزها متحف البورصة المصرية، وعدد كبير من البنوك، والتى بنيت بطراز قديم، لتواكب أصالة وعراقة منطقة وسط البلد، وعقار يعود تاريخه لعام 1905، وتم تحويل الشارع لمتحف مفتوح، تقام فيه فعاليات ثقافية وفنية منذ افتتاحه فى إطار الاحتفال بيوم التراث العالمى فى 18 أبريل الماضى؛ حيث تم تحويل شارع الشريفين إلى شارع الفن، بحيث يمارس الكثير من الفنانين التشكيليين والعازفين وغيرهم من أصحاب المواهب تقديم عروضهم فى الشارع، على غرار ما يحدث فى دول العالم المتقدمة.

يذكر أن تطوير الشارع شمل تغيير أرضية الشارع واستبدالها بطبقة من الحجر بدلاً من الأسفلت، بجانب تغيير ألوان الحوائط وتوحيد لونها باللون السائد فى منطقة وسط البلد، وزراعة أحواض لنباتات الزينة حول أعمدة الإنارة لخلق بيئة خصبة للابداع، كما تم تطوير واجهات المبانى التراثية ومبنى الإذاعة العتيق، وتطوير واجهة فندق الكوزموبوليتان، والتى تحتوى واجهته على تفاصيل معمارية متميزة، كما تمت إضافة إضاءة على الواجهات ليصبح علامة مميزة بالمنطقة، فمن يتجول فى هذا الشارع ليلاً سيستمتع بالأضواء الملونة التى تم وضعها على هيئة دوائر وأزهار بشكل غير تقليدى على الأعمدة الجانبية وبطول الشارع كله لتضفى شخصية مميزة للشارع الذى أصبح قبلة للفنانين والأدباء والمواطنين من عشاق الليالى الثقافية والفنية التى تقام فيه ضمن أنشطة صندوق التنمية الثقافية؛ حيث تم تطوير الفراغ العمرانى ليلائم هذه الأنشطة، وخلق ساحات فى الفراغ العام تصلح لتواجد الموسيقيين والفنانيين التشكيليين، وهو ما جعل هذا الشارع قبلة لمئات المواطنين يومياً لمشاهده الفعاليات الثقافية والفنية التى تتم فيه.