رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشيطان يغنى فى العلمين

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق– رحمة محمود:

فى 29 مايو الماضى، عقد البرلمان جلسة استماع للجهات المعنية حول مطالبة الدول التى قامت بزرع ملايين الألغام إبان الحرب العالمية الثانية فى منطقة العلمين بالصحراء الغربية، بتعويض مصر عن تلك الأضرار.

وتضمن الطلب الذى وافق عليه البرلمان، مخاطبة الدول الثلاث التى زرعت الألغام وهى ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، لكن ألمانيا استحوذت على النسبة الأكبر بزرع الألغام، بالتعويض بمبلغ يورو واحد فقط يوميًا عن كل مترمربع، من أجل مساعدة مصر فى إزالة هذه الأضرار.

جلسة الاستماع التى عقدها البرلمان أزالت ستائر النسيان الكثيفة التى أسدلت على مشكلة الألغام المتعددة الأبعاد لتظهر الحقائق المحزنة التى تعانى منها مصر منذ الحرب العالمية الثانية التى امتدت بين عامى 1939 و1945.

وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد الألغام فى مصر حوالى 22.7 مليون لغم وأجسام أخرى قابلة للانفجار من مخلفات الحروب، منها حوالى 17.2 مليون بمنطقة العلمين بالصحراء الغربية. فضلاً عن 5.5 مليون لغم فى سيناء أغلبها فى المناطق الحدودية.

ووفقاً للتقديرات الرسمية فإن مخلفات الحرب تتركز فى منطقة العلمين ومناطق فوكة، ومرسى مطروح، حتى الحدود مع ليبيا.

ورغم التأثير السلبى للألغام سواء على المستوى الاقتصادى أو الإنسانى فى مصر، فلا تزال العديد من الدول الأوروبية ترفض المساهمة فى إزالة الألغام، رغم أنها مسئولة بشكل كامل عنها، خاصةً أنها التى زرعتها فى الحرب العالمية الثانية. واكتفت هذه الدول بتقديم بعض المعونات المالية والفنية البسيطة لمصر، منها 500 ألف جنيه إسترلينى من بريطانيا و1.6 مليون دولار من الاتحاد الأوروبى، وبعض الأجهزة الفنية من ألمانيا وأستراليا.

وتسبب الألغام والأجسام المتفجرة فى حزمة من الكوارث الإنسانية والاقتصادية تتمثل فى سقوط ضحايا من البشر الأبرياء (بمعدل ضحيتين أسبوعياً طوال السنوات العشر الماضية) معظمهم من النساء والأطفال المصريين، فضلاً عن قلة من السائحين الأجانب ضحايا للألغام لعدم وجود لوحات إرشادية تظهر الأماكن الملغومة مع عدم توفر الإسعاف السريع للمصابين.

فى أعقاب الحرب العالمية الثانية زرعت بريطانيا وألمانيا كميات كبيرة من الألغام البحرية على سواحل البحر الأبيض المتوسط المتاخمة لمواقع المعارك الحربية ولم تقم هذه القوات المتحاربة بعد نهاية المعارك بإزالة ما زرعته من ملايين الألغام لتتحول إلى قنابل مخفية مدمرة تحصد البشر الأبرياء، كما لم تبادر الحكومات المصرية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية بمعالجة المشكلة فى الصحراء الغربية.

وواجهت سيناء شمالاً وجنوباً نفس المشكلة، حيث زرعت إسرائيل خلال حروب أعوام 1948، 1956، 1967، 1973 كميات كبيرة من الألغام الأرضية فى أرض سيناء وأرض محافظة السويس. كما زرعت ألغاماً بحرية فى قناة السويس والبحيرات المرة.

وعقب انتصار مصر فى حرب أكتوبر 1973، تمت إزالة كميات ضخمة من الألغام البحرية من قناة السويس والبحيرات المرة وتم تطهيرها للملاحة الآمنة. كما تم تطهير معظم أراضى السويس. وما زالت بعض الألغام ومخلفات الحروب فى سيناء وخاصة فى المناطق الحدودية تحصد أرواح الضحايا يومياً.

وتؤكد التقارير الفنية للعسكريين ولخبراء إزالة الألغام، أن الألغام تتواجد على سطح الأرض أو على أعماق مختلفة من السطح كما توجد فى الكثبان الرملية التى تتكون بفعل الرياح الموسمية. كما توجد الألغام فى المناطق القريبة من مجرات السيول التى تنشأ نتيجة هطول أمطار كثيفة على الصحراء الغربية طوال أربعة أشهر خلال الخريف والشتاء سنويا وبصورة منتظمة.ويوجد ثلثا الألغام الموجودة فى مصر فى منطقة «العلمين» بالصحراء الغربية المصرية، حيث يقبع ما يزيد على 17 مليون لغم من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن ما يزيد على 8 ملايين جسم متفجر من مخلفات الحروب. وعدد غير محدد من الألغام البحرية على السواحل الشمالية على مسافات تتراوح ما بين 2 و5 كيلومترات من الشاطئ.

ومساحة المنطقة الملغومة تقدرها المصادر الرسمية المصرية بحوالى 3000 كيلومتر مربع بشريط عرضى عمقه 30 كيلومتراً تمتد من العلمين وحتى هضاب السلوم على حدود ليبيا وهى من أهم المناطق الاستراتيجية على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتشكل حوالى 22 % من مساحة مصر حسب تقدير وزارة التعاون الدولى. ويعيش بها حوالى 100 ألف بدوى من قبائل أولاد على سقط منهم ضحايا للألغام 8313 فرداً حتى الآن وقتل منهم 619 مواطناً بريئاً.

الأضرار والخسائر

وصفت التقارير العلمية حقول الألغام فى منطقة العلمين بأنها

«حقول غير عادية زرعت فى باطن الأرض رأسياً على امتداد ثلاث طبقات بحيث إذا تم إزالة اللغم الأول ينفجر الثانى وإذا أزيل الثانى انفجر الثالث.

وقال محمد بسيونى المدير العام لمركز مكافحة الألغام فى مصر، إن هذه الألغام تعرقل تطور وتنمية جزء استراتيجى مهم من مصر وتعرقل جهود التنقيب عن البترول والغاز وتعرقل الاستفادة من حوالى 3 ملايين فدان من الأراضى الصالحة للزراعة والرعى والتى تحتاج إليها مصر بشدة.

بالإضافة إلى أن الساحل الشمالى منطقة سياحية استراتيجية سنستفيد منها فى التعمير بطريقة مخططة لأن الشريط السياحى بسواحل البحر الأحمر وسيناء تم استيطانه بطريقة عشوائية غير مخطط لها للأسف الشديد. وإن كان هذا لم يمنع بعض الفنادق فى المنطقة وبعض شركات البترول من تطهير أجزاء تسمح لهم بعمل ممرات إلى مشاريعهم وعلى نفقاتهم الخاصة.

وأشار إلى أن غياب العدالة الدولية فى التعامل مع الأضرار الناتجة عن الألغام والتى لم تمكن الدولة والأفراد من وقف خطر الألغام والتعويض عن الأضرار التى تسببها.

وأكد أن حرمان المصريين من العائد الاستثمارى الناتج عن تعطيل الاستفادة من الموارد الطبيعية فى المناطق الملغومة طوال 73 عاماً، حيث لم يتم الاستفادة من زراعة ما يقرب من مليونى فدان صالحة للزراعة أو استخراج كميات هائلة من البترول والغاز الطبيعى واليورانيوم والنحاس والحديد والذهب كما لم يتم الاستفادة من المياه الجوفية الضخمة أو مياه الأمطار السنوية ولم يتم الاستفادة من مقومات السياحة المتعددة أو الأعشاب الطبية الطبيعية بسبب احتلال الألغام لأرضنا.

وأوضح أن تكاليف الرعاية الطبية والتأهيل للمصابين بألغام تحتاج فى الوقت الراهن إلى حوالى 750 مليون دولار، كما تحتاج تكلفة إزالة الألغام عالمياً إلى 33 مليار دولار، وإلى حوالى 100 عام لإزالتها. وتابع أن مصر فقدت ما يقرب من 685699 فداناً من الأراضى القابلة للزراعة وهى تمثل 10 % من الأراضى المزروعة حاليا، وقد بلغ إجمالى ضحايا الألغام الأرضية خلال العشرين عاما الماضية حوالى 3200 قتيل و4723 معاقاً وقد انفجرت الألغام فى 93 %.

ومن جانبه، قال الدكتور ماكى حبيب، أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير برنامج الدراسات العليا فى الروبوتات والتحكم والنظم الذكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنه تم تطوير الآلات التى تستخدم لإزالة الألغام، مشيراً إلى أن استخدام الروبوتات يسرع عملية إزالة الألغام ويجنب خبراء إزالة الألغام من الاتصال الجسدى المباشر مع الألغام.

وأشار حبيب إلى أن الساحل الشمالى بمصر ملىء بالألغام منذ الحرب العالمية الثانية نتيجة القتال الذى دار بين ألمانيا وبريطانيا فى هذه المنطقة، ولكنه يعد منطقة جيدة للتنمية. يرجع حبيب سبب تأخر هذه التنمية إلى وجود الألغام الأرضية القديمة وغير المتطورة والتى لا تزال فى المنطقة، كما يشير إلى أن تغير مستويات الرمال يؤدى إلى أن يتم دفع الألغام بشكل أعمق وأعمق تحت الأرض.