رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النفايات الطبية.. الموت فى شكة إبرة!

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - نادية مطاوع:

102 ألف كيلوجرام يومياً تنتجها المستشفيات.. والمحارق لا تستوعب سوى 24 ألف كيلو فقط

3 قوانين للبيئة والصحة تلزم المستشفيات بحرق النفايات.. والمستشفيات تتحدى

5 آلاف منشأة صحية تتخلص من نفاياتها دون رقابة

أطباء يدفعون 1200 سنوياً للتخلص منها.. ومقالب القمامة تنتظرها

تعد النفايات الطبية واحدة من أخطر المشكلات البيئية التى كانت سبباً فى إصابة آلاف المواطنين بالأمراض الخطيرة، ورغم وجود قوانين تنظم عملية التخلص من هذه المخلفات فى المستشفيات العامة والخاصة من خلال الحرق، إلا أن الخطر يظل قائماً نتيجة التحايل على القوانين، ونتيجة لوجود مخلفات فى العيادات الطبية الخاصة المنتشرة فى كل مكان، ومخلفات الصيدليات، والمراكز الطبية التى لا تلتزم بالقوانين وتتخلص من هذه المخلفات بالطرق التقليدية، وهو ما دفع الأطباء إلى المطالبة بإلزام وزارة البيئة بجمع مخلفات العيادات والتخلص منها بشكل آمن خاصة أن كل طبيب يدفع 1200 جنيه سنوياً لهذا الغرض، فيما سيطرت هذه القضية على مناقشات مجلس النواب وطالب عدد من النواب وزارتى الصحة والبيئة بالتخلص الآمن من هذه المخلفات التى تتسرب إلى الأسواق لتصنع منها لعب الأطفال وأدوات المائدة والأطباق البلاستيكية، حيث يقوم جامعو القمامة بتجميع هذه المخلفات من سرنجات وزجاجات المحاليل البلاستيكية ومخلفات عمليات الغسيل الكلوى، ويحتفظون بها فى مخازن خاصة ثم يقوم راغبو الثراء فى شراء هذه المخلفات الملوثة مقابل ما يتراوح بين 2000 و5000 جنيه للطن لإعادة تدويرها وصناعة منتجات الموت المنتشرة فى الأسواق الشعبية.

ما أسهل تجارة الموت فى مصر! فرغم وجود قانون للبيئة يحمل رقم 4 لسنة 1994 وتعديلاته التى تحمل رقم 9 لسنة 2009، وقانون النظافة العامة رقم 38 لسنة 1967 الصادر بقرار وزير الإسكان والمرافق، وقانون الرى وحماية نهر النيل رقم 48 لسنة 1983، إلا أن هذه القوانين لم تحم المصريين من النفايات الطبية التى تلقى فى مقالب القمامة العامة، وفى الشوارع أحياناً وبجوار أسوار المستشفيات، والتى كانت سبباً فى إصابة 33% من المصابين بالأمراض الفيروسية بأمراضهم، وفقاً لدراسة أصدرتها الجمعية المصرية لدراسات لأمراض الكبد، والتى أشارت إلى أن معظم المصابين بالفيروسات سنوياً تنتج إصابتهم عن النفايات الطبية وخاصة نفايات الكلى والجهاز الهضمى، وأشارت الدراسة إلى أن المخلفات الطبية الصادرة عن مرضى الكلى بصورة شهرية تصل إلى 47 طناً، بمعدل كيلو و800 جرام لكل سرير يوميًا، و12 كيلوجراماً لكل مريض، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن خطورة تلك النفايات تكمن فى تسببها بإصابة العاملين بالمستشفيات والمراكز الطبية التى لا تراعى الاشتراطات الصحية اللازمة بواقع 32% من الإصابات بفيروس بى، و40% بفيروس سى و5% فيروس الإيدز.

النفايات الطبية كارثة بيئية بالفعل كشفت حجمها دراسة لوزارة البيئة، بعنوان «إدارة النفايات الطبية فى مصر»، حيث أشارت إلى أن إجمالى حجم النفايات يومياً يصل إلى 102 ألف و762 كيلوجراماً، تمثل مخلفات مستشفيات وزارة الصحة نسبة 36%، والمستشفيات خاصة 54%، والمستشفيات ذات صلة بوزارة الصحة 5%، والمستشفيات الجامعية 3%، ومستشفيات الشرطة بنسبة 1%، ومستشفيات شركات القطاع العام بنسبة 1%، وتأتى محافظة القاهرة على رأس محافظات الجمهورية من حيث كمية المخلفات بواقع 19 ألفاً و587 كيلوجراماً يومياً، لتسجل أعلى المحافظات، بينما بلغت المخلفات فى الإسكندرية 6 آلاف و836 كيلوجراما يومياً.

وأشارت الدراسة إلى أن عدد المستشفيات المسجلة فى مصر يصل إلى 2352 مستشفى، بينما بلغ إجمالى المنشآت الصحية (عيادات ومستوصفات ومعامل ووحدات ومراكز صحية وماكينات للغسيل الكلوى وصيدليات) 154 ألفاً و687 منشأة.

وتشير الدراسة إلى أن كميات النفايات غير المعالجة يصل إلى 52 ألفاً و258 كيلوجراما بنسبة 60%، والنفايات المعالجة تقدر بـ45 ألفاً و143 كيلوجراما يومياً بنسبة 40%، فى حين يبلغ حجم استيعاب محطات الترميد و(الحرق) 24 ألفاً و352 كيلوجراماً يومياً فقط، وهذه الكمية أقل من حجم النفايات التى تخرج من المنشآت الطبية يومياً البالغة 102 ألف كجم، كما أنها لا تعمل بكامل طاقتها، إذ يبلغ معدل ترميدها 16 ألفاً و820 كيلوجراما يومياً.

ووفقاً للدكتور محمد فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء: تعد هذه النفايات من أهم أسباب الإصابة بالأمراض خاصة فيروس سى نتيجة لفشل خطط وزارة الصحة للتخلص من هذه النفايات، مشيراً إلى أن ما نفذته الوزارة ليس له جدوى ولم يحقق الغرض منه، حيث إن مصر لا يوجد بها سوى 4 مدافن طبية، ثلاثة منها دخلت الخدمة والرابع لا يزال فى طور الإنشاء، وهذا العدد لا يكفى، مقارنة بعدد المستشفيات، وهو مخالف لقرارات مجلس الشعب الصادرة عام 2002 التى اشترطت وجود مدفن صحى فى كل محافظة.

وأضاف: يوجد فى مصر أكثر من 5 آلاف مركز طبى خاص، لا تعرف الدولة أو وزارة الصحة كيف تتخلص هذه المراكز من نفاياتها، وبعضها تعقد اتفاقات وعقوداً «صورية» مع المدافن الصحية للتخلص من نفاياتها الطبية، ولكنها تلقى بهذه النفايات إلى القمامة العادية، وهو ما أدى إلى وجود «سرنجات وأدوات طبية وجراحية» فى مقالب القمامة.

وطالب مدير مركز الحق فى الدواء بضرورة وجود سجلات طبية فى كل مستشفى ترصد أعداد وكميات هذه المخلفات، إذ لا توجد إحصائية حقيقية بحجم النفايات الطبية فى مصر، بالإضافة إلى ضرورة زيادة عدد المدافن الصحية، فضلاً عن ضرورة توفير سيارات صحية لنقل النفايات، حيث تتكلف الدولة لمعالجة الأمراض المعدية التى تنتقل عن طريق النفايات الطبية حوالى 2.5 مليار جنيه سنوياً.

 

كارثة بيئية

باقى تفاصيل هذه الكارثة البيئية تكشفها وزارة البيئة فى دراستها، مشيرة إلى أن غالبية آلات الترميد تقع داخل مستشفيات بالمناطق السكنية، وهناك صعوبة تواجه هذه المحارق، إذ إنها معطلة أو تحت الإصلاح وغير مناسبة، علاوة على انتشار النفايات الخطرة أو مخلفات الترميد بالقرب من آلات الترميد، مما ينشر العدوى والأوبئة، بالإضافة إلى أن العديد من المستشفيات الخاصة والعيادات ترسل نفاياتها لمواقع إلقاء القمامة العادية دون ترميد مما يسهم فى زيادة المخاطر الناتجة عنها، وفى معظم الأحوال يتم إلقاء مخلفات الترميد فى مواقع إلقاء القمامة العادية، وهو ما أدى إلى زيادة انبعاثات النفايات الخطرة بمختلف المحافظات حيث وصلت إلى 1150 جراماً من المواد العضوية السامة، فى حين وصل رماد الحرق لـ5.8 جرام من المواد العضوية الثابتة، وذلك وفقاً لقياسات برنامج الأمم المتحدة الإنمائى.

كما كشفت دراسة وزارة البيئة أن كثيراً من السيارات التى تنقل هذه المخلفات غير آمنة، وغير مجهزة لنقل هذه الأنواع من المواد الخطرة، كما أنها من طرازات عتيقة عفا عليها الزمن، وتصل عدد السيارات الناقلة لـ239 سيارة على مستوى الجمهورية، منها 180 سيارة تابعة لوزارة الصحة، و44 سيارة تابعة للجامعات، و15 سيارة لجهات أخرى، وتشكو معظم المستشفيات من عدم انضباط مواعيد هذه السيارات، إذ تصل مدة غيابها عن حمل النفايات الطبية لأسبوعين أو أكثر، وهذا يؤدى لتكدس النفايات، مما يساهم فى نشر الحشرات السامة والأمراض المعدية.

 

قوانين على الورق

ورغم وجود وزارة للصحة، إحدى مهامها وقاية المصريين من الإصابة بالأمراض، ورغم قيام الوزارة بوضع معايير للتخلص الآمن من هذه المخلفات، وألزمت المستشفيات الخاصة والعامة بها، وعلى رأسها إلقاء الملوثات التى تحتوى على دماء المرضى كالإبر والسرنجات والقطن الملوث فى سلال خاصة بها كيس أحمر وهذه المخلفات الخطرة يتم تجميعها فى أماكن خاصة لحرقها، بينما المخلفات الأخرى يتم التخلص منها بالدفن، ومن المفترض أن يتم دفن الرماد الناتج عن عملية الحرق، إلا أن هذه المعايير لا تنفذ بدقة، وبالتالى تتسرب جميع أنواع المخلفات إلى الأسواق لتصنع منها أدوات مائدة وأكياساً ولعب أطفال، وأكد الدكتور أحمد منصور أستاذ السموم بالمركز القومى للبحوث أن إعادة تدوير المخلفات الطبية أمر فى غاية الخطورة من ناحيتين، الأولى أنها قد تحتوى فيروسات معدية تصيب

من يستخدمها خاصة العاملين فى إعادة التدوير بأمراض خطيرة كالالتهابات الكبدية الفيروسية بى وسى، والإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، والثانية أن إعادة تدوير المواد البلاستيكية نفسها أمر ضار خاصة إذا ما استخدمت فى صناعة أدوات مائدة كما هو موجود الآن، فحتى إذا تم السماح بيئياً بإعادة تدوير بعض المواد البلاستيكية غير الملوثة فلابد أن يتم استخدامها فى صناعة المواسير أو أكياس القمامة، ولا يمكن استخدامها فى صناعة لعب الأطفال أو أدوات المائدة أو الأكياس التى تستخدم فى حفظ الأطعمة نظراً لخطورتها على الصحة العامة، والتى قد تؤدى إلى إصابة الإنسان بالسرطان.

التعقيم بالبخار والتطهير الكيميائى بدائل آمنة ومكلفة لحرق المخلفات

 

شغلت قضية النفايات الطبية العالم منذ عقود عديدة، ومع التطور الكبير فى المجال الطبى واهتمام العلماء بمنع انتقال العدوى بدأ الاهتمام بالتخلص الآمن من هذه النفايات الخطيرة، ومن ثم سنَّت الولايات المتحدة الأمريكية أول قانون للتخلص الآمن من النفايات الطبية عام 1988، وتوالى صدور قوانين مماثلة فى دول العالم المختلفة، وبدأت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الصليب الأحمر فى دراسة الأمراض الناتجة عن التعرض لهذه المخلفات خاصة للعاملين فى الحقل الطبى، وحددتها بعدة أنواع منها:

أمراض الجهاز الهضمى الناتجة عن الإصابة بالبكتيريا المعوية مثل السالمونيلا والشيغيلا التى تنتقل عن طريق القىء أو البراز، وعدوى الجهاز التنفسى مثل أمراض السل وسارس، والأمراض الناتجة عن التعرض لإفرازات الجهاز التنفسى مثل اللعاب أو المخاط أو من خلال الاستنشاق، كذلك هناك الإصابة بأمراض الجلد عند التعرض لإفرازات الجلد كالقيح والصديد، والتهاب السحايا عند التعرض لمخلفات السائل النخاعى، والإصابة بالإيدز عند التعرض لإفرازات الجسم المختلفة، وأمراض الدم عند ملامسة دم المريض خاصة الالتهابات الكبدية الوبائية بى وسى، ولذلك أوصت المنظمات العالمية بضرورة التخلص الآمن من المخلفات الطبية بشتى الطرق، ويعتبر الحرق من أكثر الطرق غير البيئية للتخلص من هذه النفايات بسبب ما ينتج عنه من غازات سامة مثل الفورانات والديوكسينات وغيرها من ملوثات الهواء.

لذلك ظهرت حديثاً تقنيات جديدة للتخلص من النفايات الطبية منها التعقيم البخار وهو يعتبر من أأمن طرق تدمير الميكروبات، وكذلك هناك عملية التطهير الكيميائى وفيها يتم تعريض المخلفات الطبية لإشعاع للقضاء على حياة الميكروبات، ولكن هذه الطرق مكلفة جداً، ولذلك فالاتجاه العام فى معظم دول العالم هو حرق هذه المخلفات ودفن رمادها فى مدافن صحية حتى لا تكون سبباً فى إصابة المواطنين بالأمراض المختلفة.

طلبات إحاطة اعتبرتها نقمة وأخرى اعتبرتها نعمة

إعادة تدوير للموت.. ومصدر للكهرباء!

 

فرضت قضية النفايات الطبية ومخاطرها نفسها على البرلمان، لما لهذه القضية من علاقة قوية بصحة المصريين وحياتهم، فمنهم من حذر منها واعتبرها إعادة تدوير للموت، ومنهم من رأى أنها ثروة يمكن استغلالها، وتقدم عدد كبير منهم بطلبات إحاطة للبرلمان حول هذه القضية المهمة والخطيرة، إلا أن الأمر لم يزد عن مناقشة داخل المجلس فى حين استمرت المخاطر قائمة والثروة غير مستغلة.

وكان النائب ممتاز الدسوقى، عضو اللجنة التشريعية، قد تقدم بطلب إحاطة للدكتور أحمد عماد وزير الصحة والسكان، بشأن تجارة بعض الأطباء بالنفايات الطبية للمستشفيات وبيعها إلى التجار لإعادة تدويرها مرة أخرى، موضحاً أن إعادة تدوير النفايات الطبية للمستشفيات يعد بمثابة إعادة تدوير للموت، حيث يقوم بعض التجار بالتنافس للحصول على تلك النفايات واستخدامها فى تصنيع لعب الأطفال والصناعات البلاستيكية، بما يعرض حياة المصريين وصحتهم لكوارث خطيرة.

كما تقدم النائب عبدالحميد كمال، عضو مجلس النواب عن محافظة السويس، وأكثر من 20 نائبًا آخرين بطلب مناقشة إلى الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، للتحذير من خطورة النفايات الطبية وإعادة تدويرها بالأسواق والمستشفيات والمراكز الخاصة، بما يشكل خطورة على الصحة العامة.

وأكد كمال فى طلبه أن بعض منعدمى الضمير يقومون بتدوير تلك النفايات الطبية الخطرة واستخدامها فى صناعات للبلاستيك وغيرها من المعالق والشوك والسكاكين والأوانى البلاستيكية.

وفى الوقت الذى تعامل الجميع مع هذه النفايات على أنها نقمة، اعتبرها النائب تادرس شحاتة عضو لجنة الاتصالات بالمجلس نعمة، مؤكداً أنه يمكن الاستفادة منها فى توليد طاقة كهربية من حرقها، مشيراً إلى أن الخطوة التى اتخذتها وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة البيئة للتخلص من المخلفات الطبية والعمل على توليد طاقة كهربائية منها أمر جيد، مؤكداً أن هذه الخطوة ستوفر على الدولة مليارات الجنيهات التى تصرفها لتقديم علاج للأمراض الناتجة عن سوء إدارة المخلفات والنفايات الطبية الخطيرة، مشيراً إلى أن الوقاية خير من العلاج، مؤكداً أن اتباع هذا الأسلوب ليس وقاية فقط بل إنه سيدر عائدًا اقتصاديًا وأموالاً، كما سيوفر طاقة كهربائية، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية أثبتت فاعليتها فى عدة دول، حيث تتصدر اليابان حاليًا دول العالم فى نسب تحويل النفايات إلى طاقة، كما أن هناك عدة مشروعات رائدة فى هذا المجال فى عدد من الدول مثل الإمارات وألمانيا وفرنسا والصين والبرازيل.

وأكد قلدس أن النفايات أصبحت الآن هى ثالث مصدر من مصادر الطاقة المتجددة نموًا عبر العالم بعد طاقتى الشمس والرياح، وهو ما يتطلب منا أن ندرس استغلال هذه الثروة الاستغلال الأمثل مثل باقى دول العالم المتقدمة.