رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسين صلاح نظمى: أبي خدم أمى المريضة بالشلل لمدة 30 عاماً

حسين صلاح نظمى
حسين صلاح نظمى

جمع بين التمثيل و«الوظيفة الميرى» خوفاً من غدر الزمن

حسين صدقى ساعده مادياً.. وكنا نعيش «على باب الله»

 

- بنجور يا جميل

- الجميل.. صامت لا يرد

- أنا اسمى صلاح نظمى.. فنان شاب.. وأنت ماهو اسمك؟

- الفتاة التى يحاول لفت نظرها، وخطب ودها، لا ترد عليه، بل إنها تنظر إليه نظرة دهشة واستغراب وتعالٍ، دون أن يهتز لها جفن.

- يبتسم ابتسامة خفيفة تدل على الموقف الذى وجد نفسه فيه، ولا يحسد عليه، بعدما لفظته الفتاة، ولم تتجاوب معه، وهو الذى كان معتقداً، أنه يستطيع أن يسحر نصف فتيات الحى الذى يسكن فيه - حى مصر الجديدة شرق القاهرة - إذا ما حرك رمش عينه، كان هذا هو خياله، أما الواقع الذى هو أمامه الآن.. فيقول له «انسى.. يا صلاح» هذه فتاة ترفضه.. وترفض التجاوب معه.

- يتوتر هو.. ويقرر الاقتراب منها.. وبالفعل يقترب أكثر.. يقترب أكثر وأكثر، أما هى فتبتعد، وتبتعد أكثر.. وتبتعد أكثر وأكثر.

- يسألها: لمن تأتين فى العمارة.. فأنا من سكان العمارة، وأعرف كل من فيها.

- تواصل رفضها حتى فى أن تُسمعه صوتها.. وتواصل نظراتها الرافضة لأسلوبه، ولطريقته، ولحديثه، وللموقف الذى وجدت نفسها فيه من حيث المبدأ، أما هو - بغرور الشباب - فيقرر أن يقترب منها، ويمسك يدها، فهو قوى عريض الجسد، طويل القامة، ومن المؤكد أنها، سوف تستجيب له، وتتركه يمسك يدها، إن لم يكن رضاءً، فعلى الأقل خوفاً، واصل اقترابه، وهى واصلت ثباتها، وقبل أن يمد هو يده، فوجئ بها ترفع يدها فى الهواء، وتسقط بها على وجهه بصفعة يدها، التى امتلأت من قوتها قوة، ومن خوفها عنفاً، حتى إن صوت الصفعة دوى فى مدخل العمارة بقوة.

<>

على صوت الصفعة خرج عم سالم بواب العمارة من حجرته، والفتاة أصابها الخوف قليلاً بعد الذى حدث، أما هو فمازال يضع يده على خده الأيسر الذى استقبل الصفعة، عيناه ترسلان نظرات غضب للفتاة، وما زال حارس العمارة يقف مذهولاً، لا يعرف كيف ينتهى الأمر، بعد لحظات من الصمت ينسحب «صلاح نظمى» عائداً إلى شقته بالدور الأخير من العقار، والتى كان قد تركها منذ لحظات، وترك فيها فنجان قهوته الصباحية ودرجة حرارته التى لا تقل عن درجة حرارة خده الأيسر، الذى استقبل منذ قليل رداً عنيفاً، بعدما حاول أن يمد يده على تلك الفتاة، التى جاءت - مثل مرات سابقة - لتزور شاباً فى شقة الدور الأرضى بالعقار.

<>

فى نهاية اليوم، وبعدما هدأت الأمور عاد مرة أخرى، وضغط على باب الشقة التى استقبلت الفتاة.

- أهلاً يا صلاح اتفضل.

- لا.. يا صديقى.. لكننى أريد أن أعرف من الفتاة التى جاءت إليك هذا الصباح؟

- ولماذا تسأل؟

- لأن اليوم حدث بيننا موقف غير لائق.

- رد صديقه وقال: أعرف.. وقالت لي عما حدث منك، وما حدث منها.

- قال له: ومن هى هذه الفتاة؟ رد: «أختى يا أخى»..! جاءت لتزورنى، فتلعثم صلاح نظمى ولم يجد ما يقوله غير أنه يريد الزواج منها، تبسم الأخ، وقال: لكن أنت مسلم، وهى قبطية أرمينية، ودون أى تفكير رد: وما المانع.. سيدنا محمد تزوج قبطية، أنت ما عليك كأخ لها وصديق لى، إلا أن تسألها.. وأنا فى الانتظار، وبالفعل وافقت الفتاة بعد فترة تعارف بينهما، استمرت شهوراً، تصادف فيها أن مرض صلاح نظمى مرضاً شديداً، وهو بمفرده، ولا أحد معه من أسرته، فقامت هى بخدمته، حتى تجاوز مرضه، وقرر الزواج بعدها.

<>

جاء المأذون واثنان من الشهود كان من بينهما الفنان الراحل شكرى سرحان الذى سأله.. هل عروسك أسلمت؟ رد: لا.. لها دينها ولى دينى.. والعامل المشترك بيننا هو الحب.

- سكت شكرى سرحان وقال له: اسألها قبل أن يكتب الكتاب.. فمن الوارد أن تسلم، سألها: قالت: أنا لا أعرف شيئاً عن الاسلام، قال لها: أنا سأعلمك ما أعلمه، وأنت تعلميننى ما لا أعلمه عن المسيحية، وبالفعل غيرت اسمها من «إلياس يعقوب كراكرزيان» إلى «وفية نظمى». وفى 9 أكتوبر 1950 تزوجها وبدأ معها قصة حب عنيفة كان أولها غراماً أدى إلى «صفعة» على وجهه، ونهايتها زواجاً دام 40 عاماً منها 30 عاماً كانت فيها مريضة بمرض نادر أقعدها على كرسى متحرك طيلة هذه السنوات، وكلما قالت له: يا صلاح تزوج، فأنا مريضة، وقعيدة، ومشلولة، ولا أصلح لك زوجة، كان يرد عليها بكلمات تسقط على حروفها دموعها، وهو يقول لها «لو كنت عضم فى قفة هشيلك على أكتافى» فتبكى وتقول: «ربنا لا يحرمنى منك يا حبيبى وزوجى العزيز»، هكذا يكون الحب الصادق.

<>

ذهبت إلى عالم الفنان الراحل صلاح نظمى الذى أحبه الجمهور فى أدوار الشر على الشاشة، حيث ساعدته ملامحه القاسية، وجسده القوى، ونظرات عينيه الحادة فى أن يتابعه المشاهد بتوجس وترقب وحذر، لعلمه - من أعماله السابقة - أنه يمثل أدواراً تتماس مع الوجه الآخر للإنسانية فى صورة من صورها العنيفة.

اتصلت بابنه الوحيد حسين: عمره الآن 67 عاماً خريج معهد الفنون المسرحية، أعطانى عنوانه، حيث يعيش فى شقته بشارع فيصل بحى الهرم بمحافظة الجيزة، ذهبت إليه، يعيش بمفرده بعدما سافر ابنه - يطلق عليه اسم صلاح - للعمل فى الخليج، وتزوجت بناته واستقللن بحياتهن، كان عائداً من مصلحة الجوازات، حيث يستخرج للمرة الأولى فى حياته جواز سفر، بعدما جلست وجاء لى بفنجان شاى، قلت له: ابن الفنان صلاح نظمى ليس لديه جواز سفر حتى الآن؟ ابتسم وقال: السبب فى ذلك أبى رحمة الله عليه، فكلما كنت أقول له: أريد أن أسافر؟ كان يوعدنى، ثم يخلف معى وعده، فهو لم يكن يريد لى أن أترك مصر، قلت ولماذا قال: ربما لأن والدتى كانت مريضة، وكان هو بحكم التمثيل والتصوير يسافر داخل مصر وخارجها.. ووالدتى كانت مصابة بمرض نتج عنه إصابتها بالشلل، فلم تغادر الكرسى المتحرك الذى جلست عليه لمدة 30 عاماً حتى رحلت عن دنيانا فى أوائل عام 1990 ويبدو أن أبى من حرصه عليها، وحتى لا نتركها بمفردها، كان لا يحب لى السفر، وبالتالى لم أسع لاستخراج «الجواز» لكنه كان يعطينى الأمل كل عام، بأن هذا سيحدث العام القادم، ومر العام وراء العام، دون أن تتحقق رغبتى فى السفر خارج مصر، قلت له: هل كانت شخصيته كأب، مثل التى نراه عليها فى أدواره؟ رد: كان فى البيت يشبه بطل ثلاثية نجيب محفوظ «السيد أحمد عبدالجواد» فى قوة شخصيته، لا يضحك، ولا يلهو، ولا يتكلم إلا فيما يجب الكلام فيه، وفى نهاية حياته فقط كان قلل بعض الشىء من حالة التجهم المصاحبة لملامحه بعض الشىء.

<>

اسمه:

 

 

 

 

<>

- يا عينى.. يا عينى.. يا عينى ع الولد

-

-

-

على هذا اللحن الجنائزى، والكلمات الحزينة، خرجت الدهاشنة فى فيلم «شىء من الخوف» بكل رجالها ونسائها يهتفون ضد الظلم المتمثل فى «عتريس» ورجاله، بهتافهم الشهير «جواز عتريس من فؤادة باطل» حاملين المشاعل لحرق «عتريس» داخل مسكنه، وفى نفس الوقت يحرقون «الخوف» بداخلهم، أهل القرية بالخارج يهتفون، وعتريس ورجاله بالداخل يتناقشون ويتحاورون.

«عتريس» الذى لعب دوره العبقرى «محمود مرسى» يتحدث إلى نائبه الأول «إسماعيل» الذى لعب دوره «صلاح نظمى».

«عتريس» ما زال مصراً على مواصلة البطش والقتل والاستبداد.. ويقول: «اقتلهم يا إسماعيل.. اقتل أهل البلد كلهم» يرد إسماعيل: «اقتلهم إنت إن كنت تقدر»؟ التهاف فى الخارج تعلو وتيرته، والنيران تحاصر البيت، وتقترب من قلعة الظلم، أفراد العصابة الذين يمثلون السلطة والقوة، بدأوا ينصرفون من حوله، وفؤادة خرجت لمن بالخارج، الرجال واحداً وراء الآخر، يهرب بنفسه، أما نائبه الأول إسماعيل فيرفض أن يهرب مثل باقى أفراد العصابة، فيعود مسرعاً ليغلق الباب على «زعيم العصابة ليموت موتته المنتظرة، حيث يقول التاريخ إنه أحياناً، إذا ما حدث وأصبح الرجل الأول عبئاً على من حوله، فإن ميزان القوة يتحول ويتبدل، وتتم المساهمة من نائبه للخلاص منه، إما مسموماً وإما مقتولاً وإما محروقاً، كما حدث مع «عتريس» عندما أغلق «إسماعيل» عليه الباب ليواجه مصيره بنفسه، فيسقط هو وحده، ولا يسقطون هم معه، إنها لعبة القوة والبقاء، فإما أنا.. وإما أنت!

<>

عدت للابن وقلت له: يبدو أن قصة حبه مع والدتك كانت مختلفة ومتميزة.. أليس كذلك؟

رد وهو يبتسم: كانت قصة حب جارفة، فعندما وقعت عيناه عليها، يومها قرر الزواج منها، وعندما استرجع تلك الأيام، وكيف كان هذا الرجل شديد الملامح، الجاف فى كلامه، الذى يأخذ الحياة بصورة جادة، وأنا أراه يتعامل معها بكل لطف وهدوء وحنان، أكون فى حالة من الدهشة، والحقيقة كانت أمى - رحمها الله - امرأة تستحق هذا الحنان من هذا الرجل، فلقد تحملت ما بداخله من تمرد، وعدم استقرار نفسى، وتوتر بسبب الفن فى ذلك الزمن، كل ذلك تحملته بهدوء وراحة، ولم تجعله يشعر بأى ضغوط فى الحياة، بالعكس ساعدته فى أن يعمل ويحقق حلمه فى التمثيل، ولا تنس أن أبى ولد يتيماً، وترك بيته وهو شاب فى بداية عمره، حتى يستطيع أن يمارس هواية التمثيل، وبالتالى فقد الكثير من الحنان، وواجه مبكراً قسوة الحياة،

فى هذا التوقيت ظهرت أمى فى حياته، وكانت بالنسبة له كل ذلك، كانت الأب، والأم، والزوجة، والحبيبة، والصديقة منذ لحظة الارتباط بها بالحب ثم بالزوج فيما بعد، وكان أبى - أمام ذلك - شديد الوفاء لهذه الزوجة، وعندما أصيبت بالمرض الذى أقعدها، رفض الزواج بغيرها، وكان يعمل ويصرف وينفق كل أمواله على علاجها، لدرجة أنه عاش ومات فى شقة بالإيجار.

<>

- نحن الآن عام 1951 وشوارع القاهرة فى ذلك الزمان على صفيح ملتهب، الأحزاب السياسية فى حالة استياء من الوضع السياسى الذى آلت إليه الأمور.. ومسارح العاصمة والأعمال الفنية والثقافية بكل فروعها، أصابها جزء من ذلك التوتر.. الذى أدى بعد شهور وربما أسابيع إلى حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، ثم بعد شهور قامت حركة 23 يوليو 1952 وسقوط الملكية، فى هذه الأجواء كان صلاح نظمى قد تزوج وامرأته حامل فى طفله الأول.. وبيته الذى يعيش فيه، فى حاجة لدعم مادى استعداداً للولادة.. لا عمل.. فى المسرح ولا فى السينما.. إذن ما الحل؟ وذات ليلة أخذ نفسه، وترك قدميه للشارع من بيته حتى وصل إلى مكتب صديق له فى وسط القاهرة، هناك التقى الفنان حسين صدقى، سأله «صدقى» لماذا أراك مهموماً يا صلاح؟ رد: زوجتى اقترب موعد ولادتها، ولا أجد أى عمل فى الوقت الراهن، ولا أعرف ماذا أفعل؟ رد «صدقى» وهو يضحك؟ كيف ذلك وأنا أرسلت لك عدة رسائل حتى تأتى لتقوم بدور مميز فى فيلم نحضر له حالياً؟ رد: فيلم جديد.. وأنا معكم. قال: لا أنت لك دور البطولة فيه.

انفكت أسارير صلاح وابتسم، ثم أخرج حسين صدقى من جيبه مبلغاً من المال.. وكان معه سيناريو لفيلم أعطاه منه نسخة، ثم اتفق معه على باقى الأتعاب أو ما سيتقاضاه فى العمل، طار صلاح من الفرح.. وعاد لا يسير على قدميه، بل أوقف «تاكسى»، وعاد به بسرعة إلى زوجته، يعطيها الفلوس ويدخل حجرته يقرأ فى السيناريو ويستعد للفيلم، مرت الأيام.. أسبوع وراء الآخر.. وبعد ثلاثة شهور ذهب إلى الفنان حسين صدقى وسأله: متى التصوير؟ رد: عن أى تصوير تسأل؟ رد: عن الفيلم الذى أخذت «عربون» من المال من أجله، سكت صدقى: وسأله: زوجتك وضعت؟ قال نعم ورزقنى الله بطفل منذ أيام «ولد» لكننى أسألك عن الفيلم، فتسألنى عن «الولادة»؟ ضحك صدقى: وقال: يا صلاح.. لا يوجد تصوير، ولا فيلم.. ولا أى شىء.. رد: والفلوس التى أخذتها؟ رد: هذه هدية منى لابنك الصغير، ثم أكمل قائلاً: نحن إخوات وأصدقاء، وما كان يجب أن أتركك تمر بتلك الضائقة المالية وزوجتك اقتربت من الوضع، وما كنت ستوافق على أخذ الفلوس «سلفة» منى، فاضطررت أن اخترع حكاية الفيلم حتى توافق وتأخذ الفلوس، سكت صلاح قليلاً ثم قام وأخذه بالحضن، وتركه عائداً الى بيته، وقال له: إلى أين ذاهب؟ رد: إلى مكتب الصحة حتى أطلق على ابنى اسم «حسين»؟ هذه الواقعة إن دلت على شىء، فهى تدل على ثقافة عصر، وعلى روح مجتمع، وأخلاق فنانين صنعوا مجدهم بالحب والصداقة والشعور بالآخر، دون مصلحة أو مقابل، قلت للابن: هل تدخل فى نوعية الدراسة أو العمل أو أسلوب حياتك كأب يمارس سلطته الأبوية؟ رد: لا.. كان كل ما يهمه فقط، هو أن أذاكر دروسى وأنجح فى مراحل التعليم، وعندما وصلت إلى مرحلة الجامعة، اختلفنا أنا وهو كنت أريد معهد الفنون المسرحية، وكان هو لا يريد أن أتجه للفن، وذهبت دون رغبته للالتحاق بالمعهد، فى المرة الأولى رسبت وفى المرة الثانية نجحت، كنت أريد التمثيل، لكنه هو لم يكن يريد، وبعدما التحقت بالمعهد قررت أن أحقق رغبته، فلم أدخل قسم التمثيل، ودخلت قسم النقد المسرحى، وبعد التخرج التحقت بالعمل بالتليفزيون، واستمررت فى العمل حتى خرجت للمعاش مخرجاً بدرجة مدير عام.

قلت له: لماذا تركت شقته التى ولدت وعشت بها على نيل العجوزة، قال: فيها ماتت أمى وبعدها بشهور مات أبى، ومن بعدهما ماتت زوجتى، وكان عندى ثلاثة أولاد.. فقررت أن أترك الشقة، لسبب نفسى، قلت له: وهل تزوجت بعد رحيل زوجتك؟ سكت قليلاً ثم قال: لم أتزوج، رفضت أن تأتى زوجة أب لأولادى وكانوا صغاراً، وتعلمت الطبخ والغسيل وكل شئون البيت من أجلهم، قلت له: هل ترك لك عقاراً أو مالاً بعد رحيله؟ قال: أبى - مثل أغلب أبناء جيله - لم تكن تعنيه مسألة جمع الأموال، أو شراء عقارات، أو ادخار أموال لدرجة أنه حتى لم يفكر فى شراء مقبرة لدفنه بعد وفاته، قلت له: وأين مقابر الأسرة؟ قال: المدافن الموجودة، كانت عند أخواته فقط، وأخواته رحلن قبله، وبالتالى عندما توفى، طلبت من أولاد أعمامى دفنه لأننا ليس عندنا مقبرة، والحمد لله وافقوا على ذلك.

قلت للابن: لماذا لم يترك الوظيفة الميرى التى عُين فيها فى مصلحة التليفونات؟ قال: كان على قناعة أن الوظيفة تحميه، إذا ما تخلى عنه التمثيل، ولذلك ظل يعمل فى الوظيفة الحكومية، مثل نجيب محفوظ وغيره من الشخصيات التى رفضت التخلى عن الوظيفة، وأظن أنه تصادف فى مرحلة عمله أن كان له مدير اسمه «هنرى أبادير» عندما شعر أبى أنه لن يستطيع التوفيق ما بين التمثيل والعمل، كتب منشوراً خاصاً بأبى قال فيه «يعفى من توقيع الحضور والانصراف، حتى يتفرغ لفنه» وكانت هذه لفتة طيبة من تلك الإدارة التى لم تقف أمام موهبته لدى أحد أبناء مؤسسته، وهذه الواقعة تكشف عن أسلوب وتعامل الناس فى ذلك العصر.

وبعد رحلة كفاح كان عنوانها «الحب.. والمرض.. والفن.. والإخلاص» رحل صلاح نظمى أحد مشاهير أدوار الشر فى السينما المصرية، رحل وصورته أمام الجمهور، تبدو - كما وصفها عبدالحليم حافظ فى لقاء إذاعى له - أن «دمه تقيل» لكنه فى الواقع قلبه طيب.. أحب وعندما أحب أخلص لحبه، وعندما ماتت زوجته التى أحبها.. فارق بعدها الحياة بشهور، وكأنه أراد أن يلحق بها فى السماء.. فروحه على الأرض رفضت استكمال المسيرة بدونها «الحب كده»!