رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إبراهيم عبدالمجيد يكتب: لماذا ازدهر الأدب والفن بعد ثورة 1919؟

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

 

لماذا اخترت هذا الحديث؟ هل لأنه اقترب موعد الاحتفال بها، ففي التاسع من مارس المقبل يكون قد مر عليها مئة عام؟ ربما.. لكن لأن هذه الثورة- رغم أنها لم تنجح مئة في المئة- انتقلت مصر بعدها الي مرحلة متقدمة من الحياة الليبرالية، رغم وجود الاستعمار البريطاني، ورغم وجود المندوب السامي البريطاني. ثورة 1919 جاءت بدستور جديد يقلص كثيراً من صلاحيات الملك، وجاءت باستقلال وطني، وإن لم يكن كاملاً، وجاءت برغبة عارمة في الاندفاع إلي الإصلاح الاجتماعي والسياسي، لقد تمت مؤامرات كثيرة عليها وعلي منجزاتها السياسية، خاصة فيما يخص الدستور الذي تعطل مرتين، مرة مع وزارة محمد محمود ومرة مع وزارة اسماعيل صدقي وكانا من رواد الثورة في البداية- لكن حركة الاحتجاجات الشعبية لم تتوقف، خاصة بين أبناء الطبقة الوسطي في الجامعة. الحديث السياسي طويل، لكنني سأعرج علي الآداب والفنون لنعرف ما الذي فعلته هذه الثورة فيها، ولماذا لم يعد ذلك يحدث فيما جري في مصر، بعد أن قامت حركة يوليو. 1952

طبعاً سيقفز هنا شخص ويقول بسرعة إن الآداب والفنون ازدهرت جداً بعد يوليو 1952 سأقول له تريث قليلاً.

أنا أعرف انه أقيمت أكاديمية الفنون والثقافة الجماهيرية وانتعشت حركة المسرح في الستينيات انتعاشاً لم يتكرر وصدرت مجلات أدبية عظيمة، وكذلك الأمر في السينما رغم أنها صارت في قبضة الحكم، لكن السؤال الغائب هل تذكر أسماء من فعلوا ذلك؟ أذكرهم لنفسك ستجد أنهم جميعاً تعلموا أثناء الفترة الملكية في عصر كانت الليبرالية تتقدم رغم محاولات تزوير الانتخابات البرلمانية وكانت الدولة تفتح الطريق واسعاً للمجتمع الأهلي ليبني المستشفيات ويتبرع بها لوزارة الصحة ويبني المدارس ويتبرع بها لوزارة المعارف ويبني العمارات علي الطراز الأوروبي وكان لا يزال طعم أوروبا التي أرادها حكامها أن تكون مثالاً لمصر رغم أنهم ارتكبوا مظالم كثيرة في حق الطبقات الفقيرة من الفلاحين علي وجه الخصوص، أما الأصغر منهم فقد تعلموا في الخمسينيات، حيث كانت المدارس لا تزال تحتفظ بطعمها الملكي في الأنشطة الثقافية والرياضية.

كان كثير من القيادات الثقافية مدنيين وحتي العسكريين منهم مثل ثروت عكاشة كانوا قد قدموا أنفسهم كتاباً من قبل يوليو 1952، كان التلميذ ينتهي من التعليم الابتدائي الذي كان تسع سنوات ولا يوجد ما يسمي بالإعدادي فيكون قادراً علي قراءة كتب الفلسفة باللغة الإنجليزية، أين هذا بعد ذلك؟ لقد كان من أخطاء يوليو 1952 الكبري إلغاء اللغة الإنجليزية من المرحلة الابتدائية تحت شعار القومية العربية فأنتجت متعلمين أكثرهم لا يجيد لا لغة أجنبية ولا اللغة العربية، خاصة من تعلموا في عصر «السادات» وحسني مبارك، حين بدأ انحطاط التعليم الكبير، بينما جيل ثورة 1919  كان بعضهم يعرف خمس وست لغات أجنبية بسبب دراسته في أوروبا والحياة وسط الجاليات.

نعود إلي ثورة 1919 وأقول حاسماً انه بعدها ظهر جيل جديد في الكتابة والفنون، وكما قلت دائماً إن الأجيال ترتبط بالأحداث الكبري وليس كما صنفها النقاد المحدثون منذ الستينيات كل عشر سنوات، وكما قلت أيضاً من قبل حكاية كل عشر سنوات هذه تصلح للعلاج في المستشفيات، أما في الثقافة فتحدث صراعاً لا أساس له علي الأرض، بعد ثورة 1919 انتعشت حركة الفن التشكيلي مع جماعة الخيال محمود مختار ومحمود سعيد وراغب عياد وأحمد صبري ومحمد عفت ناجي وغيرهم، ثم جماعة السيرياليين جورج حنين، ورمسيس يونان وأسماء كثيرة لا يكفيها المقال، وبدأت أدوات السينما المصرية تتشكل مثل الاستوديوهات كما بدأ الإنجاز مثل الأفلام الصامتة، ثم الناطقة وبدأت الرواية تجد لها طريقاً أوسع فلم تكن قد صدرت إلا رواية أو اثنتان وظهرت في عالم القصة القصيرة أسماء مثل يحيي حقي والأخوين شحاتة وعيس عبيد الذين قالوا بضرورة نقاء القصة من الشوائب البلاغية، ولم يكن هناك روائيون مختصون بها فكتب المفكرون روايات لتدشين هذا الفن، مثل طه حسين وانطلق المسرح الشعري علي يد أحمد شوقي والمسرح العادي علي يد توفيق الحكيم الذي أيضاً كتب الرواية ثم ظهر نجيب محفوظ.

وتجدد الشعر مع مدرسة الديوان ثم مدرسة أبوللو، أما الموسيقي والغناء فحدث ولا حرج عن

عظمة سيد درويش قبل وبعد الثورة وأم كلثوم وأسمهان وعبدالوهاب والسنباطي وزكريا أحمد ومحمود الشريف والقائمة طويلة، وانشغل المفكرون بدراسة تاريخ مصر والتاريخ العربي والإسلامي بحثاً عن جذور الحضارة والمناطق المضيئة واشتعلت المعارك حول الكتب والأفكار، معركة حول العامية أو الفصحي، معركة حول كتاب في الشعر الجاهلي، معركة حول كتاب فتنة الخلافة لعلي عبدالرازق، معركة حول كتاب «لماذا أنا ملحد» لإسماعيل أدهم، معركة المصرية أم العربية، بالمناسبة لم يتم سجن أحد لإنتاجه الأدبي أو الفني، معركة حول العرب أم البحر المتوسط، وكل هذه المعارك كان يرد منها أن يتسع الطريق ويضيء للشعب.

وفي الوقت الذي كانت تحسم فيه الانتخابات البرلمانية لأحزاب الأقلية المتهمة بالانتماء إلي الملك والصبر علي الاستعمار البريطاني ولم يفز حزب ثورة 1919 وأعني حزب الوفد غير سنوات قليلة بالوزارة لا تزيد على سبع سنوات تفرقت علي ثلاث مرات فأحزاب الأقلية هذه رغم ما يشوبها في السياسة هي التي تركت الباب مفتوحاً علي آخره للمجتمع الأهلي، فكانت الصحف وتعددها الكبير وبكل اللغات باعتبار الجاليات الأجنبية ولأنها كانت صحفاً ومجلات خاصة، فكانوا يختارون لها رؤساء تحرير من الكتاب الكبار، مثل طه حسين وأحمد حسن الزيات وغيرهم.

وتعددت الأفكار، فظهرت الأفكار الاشتراكية ومن فضلك لم يكن وراء مفكر مثل سلامة موسي أي يد أجنبية، مثلاً لكن دراساته في إنجلترا عاد منها ميالاً الي الاشتراكية، لم يكن مدفوعاً من الخارج غير جماعة الإخوان المسلمين صناعة بريطانيا، وهم تماماً مثل صناعة إسرائيل وإقليم كشمير بين الهند وباكستان، فيما بعد، الإخوان لم يقدموا أدباً ولا فناً فليس لديهم إلا الدعوي والعودة إلي الماضي وحلم الخلافة الكاذب الذي عرف فيه الكتاب والمفكرون أكبر اضطهاد تحت الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، ولم ينج غير فقهاء الظلام، طيب ما الذي حدث لذلك كله.. انقلاب يوليو 1952 الذي أصبح اسمه ثورة لما فعله النظام من مكاسب للعمال والفلاحين ضاعت كلها بعد ذلك، لأنه لم يترك خلفه أحزاباً ولا نقابات تدافع عنها، وأعود، فأقول إن المفكرين من إنتاج ثورة 1919 هم من قادوا الحياة الثقافية والفنية في عهد يوليو ولم يكن سهلاً أن يتخلوا عما تعلمونه من الثقافة الرفيعة، أي أن نجاح يوليو في هذا السياق يرجع إلي منتج ثورة 1919، لم يكن هناك غيرهم يا عزيزي أصغرهم سناً يوسف إدريس نشر قبل الثورة بعامين أو ثلاثة أعوام، لماذا حققت ثورة 1919  تلك الطفرة الفنية والأدبية؟ لأنها وسعت من مساحة الليبرالية وخرجت من مظلة الحكم المطلق الذي فشل دائماً في العودة حتي بدأ عصر الانقلابات العسكرية مع حسني الزعيم في سوريا في نهاية الأربعينيات ثم تمدد.

 

نقلاً عن صحيفة «القدس العربي» 13  فبراير  2019.