رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى عبيد يكتب: مشاهد خالدة يوم 13 نوفمبر

بوابة الوفد الإلكترونية

السير وينجت يفاجأ بحديث سعد عن حق الأمة المصرية فى تقرير مصيرها

ميلاد أكبر ثورة شعبية فى الشرق بعد اعتقال ونفى زعماء الوطن

تأسيس الوفد رسم الطريق لبناء مصر الجديدة واستكمال النضال من أجل الحرية

 

قرن من الزمان رسم تحولات وتطورات . زالت أنظمة وتحررت بلدان وتشكلت دول وارتقت أمم وسقطت غيرها. شخوص مُحيرون، بذكائهم وعزمهم وقدرتهم على التفاعل وإيمانهم بالوطن وبالناس وبحق الشعب فى أن يتكلم. شخوص عظماء بذروا البذرة الأولى للحرية والنضال والاستقلال الوطنى ، وخلفهم سارت أجيال تنهل من فيض الكرامة الوطنية نهلاً، وُتضيف لمبادئ وثوابت راسخة حولها حزب الوفد عبر عقود من الزمان إلى قصص نجاح عظيمة وأيام خالدة فى سجل الوطن.

قبل قرن بالتمام والكمال ، كان التاريخ على موعد مع رجل مهيب، جاد الملامح، تتقد عيناه إصرارا وكبرياء، خلفه تاريخ من الخبرات والعمل العام كنائب فى الجمعية التشريعية، وفى رأسه فكرة عظيمة باستغلال إعلان الرئيس الأمريكى ويلسون حق الشعوب فى تقرير مصيرها.

الرجل هو سعد زغلول، القاضى المخضرم، ورجل السياسة المتميز، الذى مثُل منطقة وسطى بين طبقة الاثرياء الأعيان، والفلاحين، غير أنه حاز حسنييهما ذكاء وتواضعا وقدرة على التأثير فى الناس.

خطا الرجل ومعه اثنان نحو دار المندوب السامى البريطانى فى مصر فى قصر الدوبارة، هما عبد العزيز بك فهمى المحامي الشهير ، وعلى باشا شعراوى صاحب الأراضى والممتلكات الكبرى وزوج هدى شعراوى ذات الدور التاريخى فى تحرير المرأة المصرية.

المندوب السامى البريطانى وقتها كان ريجنالد وينجت، وهو رجل عسكرى خدم سنوات طويلة فى مستعمرات بريطانيا فى الهند والسودان وقاد معارك حربية شرسة منحته جرأة وشجاعة وقدرا من الغطرسة .

لذا لم يصدق الرجل عندما جلس إلى الزعماء الثلاثة صبيحة الثالث عشر من نوفمبر سنة 1918أن هؤلاء المحكومين يطلبون خروج بريطانيا من مصر. لقد توسط لديه حسين باشا رشدى رئيس الوزراء لكى يقابل الزعماء الثلاثة وكان يتوقع أن يسمع أى شيء سوى حق مصر فى الاستقلال عن التاج البريطاني.

تذكر سنوات خدمته فى الهند ، والسودان ، ومرت به مواقف عديدة لمعارك وصراعات شارك فيها هُنا وهناك ، ثُم نظر إلى عدد من الاوسمة والنياشين التى وصلت به إلى منصب الحاكم الحقيقى لبلد عظيم وهام مثل مصر ، رغم أن عمره لم يصل بعد إلى الاربعين . كان على ثقة تامة أن هؤلاء البشر لا يصلحون لتسيير أمورهم ، وفى حاجة دائمة لمن يعرف كيف يسوسهم ، مُعتقدا ذات اعتقاد سلفه اللورد كرومر .

فى تلك الأثناء كان يحُكم مصر  سلطان صوري هو السلطان فؤاد، غير أن كافة الأمور كانت تحت تصرف الإدارة البريطانية التى لها الحق فى إقرار أى أمر وتسخير كافة موارد مصر لخدمتها .

وطبقا لمذكرات المندوب البريطانى  فقد استقبلهم ببسمة باردة وفتشهم بعينيه الشقراويين ، قبل أن يستمع إلى مطلبهم . السفر إلى لندره .ذلك كان اسم لندن فى الصحافة المصرية فى ذلك الوقت . ما السبب ؟ سألهم ، فأجابوا : طلب استقلال مصر . حكم ذاتى ؟ نعم.

فكر وينجت ذو الثمانى وثلاثين عاما  قليلا فيما يقال . كان من الواضح أن سعد باشا هو أخطر الرجال الثلاثة ، فهو الذى يتحدث بإسلوب طالب الحق ، وهو لاشك رغم انزوائه سنوات طويلة عن العمل الوطنى ، وتزوجه من كريمة مصطفى باشا فهمى  رئيس الوزراء الأسبق، لا يأبه بخطورة الوضع .

بهدوء السياسى المُحنّك سأل وينجت : هل تستطيع مصر الدفاع عن نفسها ؟ لم يمنحه سعد وصاحباه فرصة تشتيتهما فى طريق آخر. أجابوا : بالطبع .

وطبقا لمذكرات سعد زغلول فقد كانت العصبية بادية على رجل بريطانيا ، ولم يعدم الرجل وسيلة منطقية فسأل سؤالا مباشرا : ما هى الصفة التى تتحدثون بها ؟ وأضاف قائلا:  نعم أنت يا سعد باشا رجل منتخب فى الجمعية التشريعية ( البرلمان ) لكن ليس من حقك الحديث باسم شعب مصر . لا أنت ولا فهمى بك ولا شعراوى باشا .

الحُجة قوية ، وهى التى دفعت وينجت أن يقول فيما بعد ( فى الوثائق البريطانية السرية ) ما يلى « لقد نددت بأقسى الالفاظ بالحركة الوطنية السابقة وأبديت لهم نقدا صريحا لمختلف وجهات نظرهم الحالية وكررت لهم التحذير من أن عليهم أن يتحلوا بالصبر وأن يضعوا موضع الاعتبار الكثير من التزامات حكومة صاحب الجلالة ».

خرج الثلاثة من لقاء المندوب البريطانى بعد أن ظن أنه كبح جماح فكرتهم للسفر إلى بريطانيا . لكن رأس واحد منهم كانت مُنشغلة بأفكار جديدة غير تقليدية . سأل نفسه :

لِم لا نحصل على شرعية التوكيل من الشعب . التف حوله أصدقاء ومعارف ، وسعى هو إلى بعض العناصر المعروفة بوطنيته ليُنشئ الوفد ومعه صاحباه ومكرم عبيد ومصطفى النحاس ، وانطلق الشباب الوطنى فى ربوع مصر من شمالها إلى جنوبها طالبا توكيلات من المصريين .

يقول نص التوكيل ، والذى أصبح أثراً لأيام مجيدة  « نحن الموقعين على هذا أنبنا عنا حضرات سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وأحمد لطفى السيد بك ومحمد على بك وعبداللطيف المكباتى بك ومحمد محمود باشا ولهم أن يضموا إليهم من يختارون فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حينما وجدوا السعى سبيلا فى استقلال مصر تطبيقا لمبادئ الحرية والعدل التى تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى وحلفاؤها ويؤيدون بموجبها تحرير الشعوب».

وهكذا كان للقلق أن يمد أبسطته تحت دولة التاج البريطانى التى لم تغب عنها الشمس، لأن فلاحا مصريا تجرأ وفكر ثُم حوّل فكره إلى واقع عملي.

كان سعد بجرأته وعزيمته مصرا على استكمال مشروع الاستقلال بأى ثمن، لا يهاب جبروت الدولة المستعمرة ولا يتردد عن نصرة وطنه . ولابد أنه كان يعى أن الخوف جدار مُصمت لا يصنع مجدا ولا يردع طغاة .

إن هذا الأمر تكشفه وثيقة بريطانية عبارة عن تقرير محفوظ برقم 16 لسنة 1918 يعيب على السير ريجنالد وينجت الهدوء والذوق فى استقباله للزعماء الثلاثة :

« ومما يؤسفنى أن السير وينجت لم ينبذ هؤلاء الوطنيين بطريقة اشد حزما من الطريقة التى استخدمها . إن علينا أن نجعل سياستنا واضحة تمام الوضوح وإلا تعرضنا لكثير من المشاكل فى المستقبل ».

وهكذا تقرر القبض على سعد باشا ونفيه لترهيب كل من تسول له نفسه تخيل الاستقلال عن دولة بريطانيا . ساعات تلت الحادثة لتنطلق أكبر ثورة شعبية فى تاريخ الشرق خرج فيها الطلاب والعمال والموظفون والفلاحون وأصحاب الأراضى فى مشهد وحدة وطنية شاملة ضمت الأقباط، والنساء، والبدو، والأفندية وأهل الصعيد، ليضطر الإنجليز إلى الإفراج عن الزعماء والسماح لهم بالسفر لعرض قضة مصر.

استمرت الثورة حتى سافر الوفد المصرى إلى باريس لعرض قضية مصر ، وتصاعدت بعد قدوم لجنة ملنر لبحث أسباب غضب المصريين، وتعاظمت حتى نُفى سعد مرة أخرى واشتدت أعمال الثورة حتى أعلنت بعض المدن المصرية استقلالها وإضطرت بريطانيا للرضوخ واعلان استقلال مصر اسميا ووضع دستور للبلاد تمت  بموجبه أول انتخابات نيابية ليفوز حزب الوفد ويصل سعد زغلول إلى السلطة كأول رئيس وزراء لأول وزارة شعبية فى تاريخ مصر.

ما جرى فى يوم 13 نوفمبر كان بداية لانبعاث روح مصر بعد سبات أربعة عقود لتُؤكد أن المصريين شعب عظيم لديه إرادة وعزيمة وكبرياء ولا يقبل الانصياع والخضوع لقوى غاشمة أو سلطة قاهرة.

ربما فإن ذلك هو ما دعا روائى وسينارسيت بارع ليس له علاقة بحزب الوفد هو الكاتب أحمد مراد أن يقف كثيرا  أمام مشهد لقاء سعد زغلول مع السير وينجت ويعيد رسمه بشكل درامى رائع فى رواية مبهرة حملت عنوان «1919» .

ذلك يوم المصريين . يومهم الذى لم ولن ينسى.