رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثروة الداجنة بالقرى فى «خبر كان»

بوابة الوفد الإلكترونية

 

كتب :أمير الصرّاف

جرب أن تسأل أحداً من سكان القرى بمحافظة قنا عن تربية الطيور والحيوانات المنزلية، تحمل الإجابات المقتضبة الكثير من الاستنكار والدهشة فى وقت واحد وربما اتهامًا ضمنيًا للسائل بالجهل بواقع الحال!

لم يكن هناك منزل فى المناطق القروية يخلو من الدواجن بأنواعها البط والأوز والدجاج البلدى والحمام الرومى والنوع الأخير كان علامة لثراء أصحاب المنزل وتفوقهم ماليًا على جيرانهم أو أهل منطقتهم، تربية هذه الأنواع من الطيور الداجنة كان من لوازم تأسيس المنازل الجديدة وهو بالفعل موجودًا فى المنازل القديمة، وفى تصميم المنازل كان البنائين يراعون ذلك فى الإنشاء ومنها ترك أجزاء بالطابق العلوى من المنازل المبنية بالطوب اللبن ومواد البناء الأخرى التقليدية دون سقف لتوفير التهوية وتمكين أشعة الشمس من بسط نفسها على الحظائر كفائدة للدواجن وتطهيرًا للأمكنة، وبعد شيوع البناء بالخراسانة كانت تلحق الحظائر بآخر طوابق المنزل ويكون فى الغالب مكشوف السقف ومحاطًا بالجدران.

فى الصعيد كمثال توازت ثقافة توارثتها أجيال مربيات الدواجن على مر الزمن مع وجود الطيور الداجنة بأنواعها ككائنات ذات نفع فى المنازل، ووجود الثقافة يؤيد أن تربية الدواجن كانت لها مساحة مهمة فى الذهنية الشعبية وتلك المساحة ليست طارئة بل قديمة وتنتهى عند العصور الفرعونية فقد جسدت الطيور على مناظر جدران المعابد مثلها مثل حيوانات الأضاحى التى كانت تقدم للمعبودات فى الأعياد والاحتفالات، كذلك نقشت على حوائط المقابر لتصوير حياة المتوفى الآفلة والمتوقع تكراراها فى رحلة البعث من جديد حسب المثيولوجيا الفرعونية، كما صوُرت الطيور وهى تعيش فى أفنية بيوت النبلاء.

من هذه الثقافة اعتبار تربية الدواجن فى المنزل نوعًا من الفأل الحسن وحسن الطالع لمستقبل الأسرة ووجودها يمثل الخير فى المنزل بل هى نوع من التباهى بين الجيران بأكثرية تلك الطيور وتنوعها، خاصة عند وجود الديكة الرومية التى تزيد صاحب المنزل فخرًا بصوتها المميزِ بل أن تلك الثقافة أنتجت معتقدًا يكاد يندثر وهو الاستعانة بتربية الطيور الداجنة فى المنازل المهجورة لطرد الأشباح التى تسكنها لو كانت المنازل مهجورة لفترات طويلة، ومن المعتقد أن الدجاجة التى تلف حول نفسها سكنتها الأرواح الشريرة!

حرضت تلك الثقافة مربيات الطيور المنزلية على الإبقاء على الدجاج والحمام تحديدًا لفترات طويلة بغرض التكاثر ولم تكن سيدات القرى يفرطن فى هذه النوعيات من الطيور إلا عند المناسبات ومنها حالات الولادة إذ جرت العادة ذبح عدد من الدجاج البلدى أو ما يطلق عليه «العتاقي» لاحتوائه على قيمة غذائية عالية لمن وضعت وليدها، وكذلك اختيار طائر داجن لذبحه صباح شم النسيم أو ما يسمى بـ«الفرفيطة» وربما جاءت تلك التسمية من اللحظات الأخيرة للطائر بعد ذبحه.

وكانت المربيات تستبعدن الدجاج الذى يضع البيض من الذبح بغرض الاستفادة المستقبلية، وكذلك منع الأشخاص المعروف عنهم الحسد من رؤية إنتاج الدجاج من البيض لدرء الحسد واستمرار ذلك الإنتاج الوفير من الوجبة الدائمة

والسريعة على الموائد، وربما مارست المربيات نوعًا من الإسقاط على الذكر الداجن فمن مورثات تربية الدواجن الأولوية للتضحية بالذكر «الديك» بذبحه والإبقاء على واحدًا فقط ضمن أسراب الدجاج، إذ نظرت هذه المورثات للذكر الداجن كونه ليس مفيدًا بالنسبة للإناث من نفس النوع وتطلق الثقافة على ديكه الدجاج صغيرة الأعمار «البدارة».

واعتنت المربيات بالطيور المنزلية المريضة بوصفات علاجية بسيطة ومنها طحن أقراص من الأسبرين وإذابتها فى الماء وتقديمها للطيور التى تظهر عليها أعراض المرض، وكذلك طحن الطوب الأحمر وخلطه بالماء للدجاج ذات الأعمار الصغيرة لإضفاء الخشونة عليه، مثلما الحال بالعناية الفائقة بالحمام كونه وجبة مميزة ومرتبطة بالكرم والجود ومواسم الزفاف وغيرها.

فى التحقيق فى اختفاء الثروة الداجنة من منازل القرى وحتى الشرفات الواسعة فى عقارات المدن التى كانت الحظائر المعلقة زاوية رئيسية فيها، كاقتصاديات منزلية صغيرة توفر الغذاء من اللحوم البيضاء والبيض كاستهلاك، وكتجارة مربحة ذات رأس مال محدود للمعيلات وذوات الدخل غير الثابت ممن يطلق عليهن النسوة المعيلات بالمناطق القروية اللاتى فقدن الزوج «العائل» فأصبحن القائمات بإعالة أبنائهن وتوفير دخل.

تراجع ذلك الاقتصاد المنزلى بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة رغم أهميته فى توفير نوعين من الغذاء اللحوم والبيض بالنسبة للأسر العادية، وكتجارة تدر ربحًا مقبولاً للمعيلات كون هذه المهنة نسوية فى الغالب.

مع موجات السفر للخليج فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، عاد المغتربون إلى قراهم المصرية ومعهم مدخراتهم وثقافات جديدة، ومنها تغيير نمط المعمار السائد فى القرى والتخلى عن تربية الدواجن والحيوانات المنزلية مسايرة للمدنية التى تعرفوا عليها فى غربتهم، واعتبار وجود مثل تلك الحيوانات بمكان بالمنزل الحديث غير مقبول اجتماعيًا.

بالتزامن أجهزت أنفلونزا الطيور التى ظهرت بمصر فى 2006 على ذلك النشاط المنزلى، إذ أطلق التنفيذيون فى المحافظات وما يتبعها من قرى حملات مستمرة للتخلص من الطيور والحظائر المنزلية خشية توسع دائرة المرض وأغلقت أماكن بيعها فى الشوارع.