عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

9 خبراء عالميون يقرأون مستقبل الاقتصاد بعد الوباء

بوابة الوفد الإلكترونية

عودة سياسة الاكتفاء الذاتى والقيود التجارية.. واهتمام بأنظمة التأمين الصحى الشاملة

اعتماد أوسع على الدولار فى التمويل والتجارة.. وبحث إنشاء كيانات تضامن عالمى جديدة

 

التنبؤ ركن ركين فى علم الاقتصاد، لذا فإن هناك مراكز ومؤسسات وبيوت أبحاث تعمل ليل نهار على استقراء الغد. وإذا كان وباء كوفيد 19 قد حمل مفاجآت عديدة لأنظمة الاستثمار وقدم فرضيات جديدة حول الوظائف والقطاعات الأكثر أهمية، فإن الاقتصاديين العالميين قدموا تصورات عديدة فى هذا الشأن.

وهناك تباين فى بعض الطروحات بين حاجة الدول إلى التقوقع أكثر، وسعى البعض للتكتل والتضامن العالمى لحماية البشرية من أى كوارث جديدة مفاجئة، لكن هناك اتفاقا أن الرؤوس والسياسات الاقتصادية ستشهد تغيرات كبيرة، وأن حركة رؤوس الأموال ستختلف عما كانت عليه.

و«الوفد» تحاول قراءة مستقبل حركة رؤوس الأموال من خلال استعراض لتصورات وتجارب كبار الاقتصاديين فى العالم.

يقول جوزيف استجليتز الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد، إن فكرة انهيار الحدود بين الدول تحت وطأة العولمة هى التى انهارت، فالحدود صارت أكثر قيمة وأهمية وتقوقعت كل دولة على نفسها.

ويتوقع أن تركز الدول فى المستقبل على إنتاج احتياجاتها والتقليل من الاعتماد على الاستيراد.

يشير إلى أنه كان من الضرورى إعادة ترتيب أوضاع النظام المالى العالمى بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008، باعتبارها سيناريو مخففاً للوضع الحالى، لكن ذلك لم يتم.

ويؤكد الاقتصادى العالمى فى حديث لـ«فورين بوليسى» أن فكرة الاكتفاء الذاتى للدول ستعود للشيوع مرة أخرى كفكرة مقابلة لفكرة العولمة.

أما روبرت شيللر أستاذ الاقتصاد الحاصل على نوبل سنة 2013 فيرى أن الأجواء الجارية تلزم بتأسيس وتكوين مؤسسات وبنى تحتية جديدة، مؤهلة للتعامل الفعال مع كوارث مماثلة، واتخاذ تدابير أكثر نجاعة، فيما يتعلق بتوزيع الثروات والعدالة الاجتماعية، وربما تكون الإعانات المالية العاجلة التى قدمتها العديد من الحكومات للعاطلين، هى مسار جديد يتم فيه إصلاح وتطوير طرق إدارة الدخل القومى للدول.

ويقول «شيللر» إن تفشى الفيروس يدفع لضرورة الاهتمام بأنظمة التأمين الصحى والعمل على تحسينها لتشمل معظم قطاعات الشعب.

ويتوقع أن تدفع الأزمة العالمية الدول الكبرى إلى الشروع فى بناء مؤسسات دولية لمعالجة آثار الكوارث غير المتوقعة.

ويرى توماس بيكيتى عالم الاقتصاد الفرنسى وصاحب كتاب «رأس المال» أن الأزمة الصحية المرتبطة بالوباء ستقودنا إلى تحديد معايير جديدة لصنع القرار من حيث حوكمة الاقتصاد العالمى، ما يعنى أنه يجب حوكمة العولمة مرة أخرى، وبالتالى وجب على دول العالم إعادة تشكيل مضامينها وأهدافها، على أساس التضامن الاجتماعى والإنساني؛ الذى لا يسعى إلى إشباع المصالح الاقتصادية لدول الشمال المتقدمة على حساب دول الجنوب.

أما ناعومى كلاين صاحبة كتاب «صعود رأسمالية الصدمات» فترى أن أزمة فيروس كورونا، شأنها شأن سابقاتها، يمكن أن تكون عامِلاً حافزاً لمساعدة الأغنياء ومصالحهم بوفرة، بما فى ذلك أولئك الذين تقع على عاتقهم مسئولية نقاط ضعفنا الحالية، بينما يُقدم ما هو أقرب إلى اللاشىء إلى معظم العمال وأصحاب الأعمال الصغيرة.

 وتؤكد أنه من الممكن أن تحفز الأزمة نوعاً من القفزة التطورية. فكر فى ثلاثينيات القرن الماضى، عندما أدى «الكساد الكبير» إلى «الصفقة الجديدة». حينها، فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، بدأت الحكومات فى نسج شبكة أمان اجتماعى، بحيث فى المرة القادمة التى يحدث فيها انهيار، يكون هناك برامج مثل الضمان الاجتماعى لإنقاذ الناس.

وفى رأى بول رومر الاقتصادى الأمريكى الحاصل على نوبل فى الاقتصاد سنة 2018 فإن كل شيء مرتبط بالسيطرة على الفيروس، الذى يمكن أن يعيش بيننا إلى الأبد. ويتصور أننا يمكن أن نستغرق خمس أو عشر سنوات فى إيجاد لقاح فعال. لذا فإنه يجب أن نتبنى مخططا من أجل التعامل مع الفيروس إلى أجل غير مسمى. أما التباعد الاجتماعى، فيعنى أنه ليس بإمكانك الذهاب إلى المطعم، وأنه لا يمكنك الخروج إلى الحديقة، وأنه لا يمكنك زيارة والدك الذى يعيش فى دار العجزة. وهذا الوضع من المستحيل الحفاظ عليه مدة خمس أو عشر سنوات. لكن إجراء الاختبارات كل أسبوعين يبقى شيئا قابلا للاستدامة بكل سهولة.

آدم بوسن رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولى، يرى أن وباء كورونا سيؤدى إلى تفاقم أربعة عوامل موجودة بالفعل فى الاقتصاد العالمى، ستبقى هذه العوامل قابلة للمعالجة من خلال إجراءات مالية جراحية، لكن فى غياب هذه الإجراءات، ستتعرض هذه العوامل إلى أضرار مزمنة ومدمرة.

العامل الأول من وجهة نظره هو الركود العالمى، وهو مزيج من انخفاض معدل نمو الإنتاج المحلى، ونقص عوائد الاستثمار الخاص، والاقتراب من الانكماش الاقتصادى. هذا الوضع سيتعمق أكثر مع عزوف الناس عن القيام بأية مجازفة مالية، وتفضيلهم الحفاظ على مدخراتهم فى فترة ما بعد الوباء، مما سيضعف بالتبعية معدلات الطلب والتصنيع. أما العامل الثانى، فيتمثل فى اتساع الفجوة، بين الدول المتقدمة «إلى جانب عدد قليل من الأسواق الناشئة فى الدول النامية»، وبين بقية دول العالم، فيما يتعلق بمرونتها فى التعامل مع الأزمات الطارئة.

أما العامل الثالث، فسيظل فيه العالم معتمدًا بشكل أساسى على الدولار الأمريكى فى التمويل والتجارة، وهذا يعود جزئيًا إلى تنامى الرغبة فى البقاء فى خانة آمنة، بمعزل عن المخاطر الاقتصادية التى تكتنف اقتصادات الدول النامية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت أقل جذبًا للمستثمرين، إلا أن الولايات المتحدة ستبقى وجهة استثمار أساسية بالمقارنة بدول أخرى حول العالم، مما سيخلق حالة دائمة من عدم الرضا. والعامل الرابع والأخير، سيدفع فيه تزايد التزام الدول تجاه اقتصادها المحلى، الحكومات إلى عزل اقتصاداتها عن بقية العالم، وبرغم أن هذه الخطوة لن تضمن أبدًا لهذه الحكومات تحقيق الاكتفاء الذاتى ولو حتى بشكل جزئى، لكنها ستعزز من العاملين الأولى والثانى، وستقلل من شعبية العامل الثالث.

وترى جينا جوبيناث الخبير الاقتصادى فى صندوق النقد الدولى أن الشركات الكبرى العاملة ضمن سلاسل الإنتاج والتوزيع المحلية والدولية، يجب أن تعيد تنظيم استراتيجياتها بما يقلل من المخاطر الثانوية والفرعية التى تتهدد مصالحها.

وتتوقع أن يتم تأسيس شركات وخطوط إنتاج وتوزيع أكثر قوة واستقرارًا وأكثر ارتباطًا بالأسواق المحلية، وأقل ارتباطًا بالأسواق الإقليمية والدولية.

لكن بالنسبة للأسواق الناشئة مثل مصر فتتوقع أن يتم إعادة فرض ضوابط لتداول وإنفاق واستثمار رأس المال بما يقلل من مخاطر الجمود الاقتصادى المفاجئ.

وترى أن البعض قد يستغل المخاوف من حرية الحركة

فى الحدود المفتوحة بين الدول فى إجراءات استثنائية من عينة فرض قيود على التجارة الخارجية والتصدير بحجة الحفاظ على الاكتفاء الذاتى، أو تقييد حرية حركة الأشخاص، بزعم الحفاظ على الصحة العامة. الوصول إلى هذه النتيجة أو تلك، هو رهن سلوك وتفكير قادة الدول حول العالم فى المرحلة المقبلة.

كارمن رينهارت، أستاذة التمويل الدولى فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد، تستخدم التاريخ لقراءة الواقع فتقول إن الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من ركود اقتصادى طال معظم الدول الأوروبى، كانت إيذانًا بزوال المرحلة السابقة من مراحل العولمة. وبصرف النظر عن عودة الحواجز التجارية والضوابط الحاكمة لرأس المال، فهناك تفسير موضوعى لزوال هذه المرحلة، وهو حقيقة أن أكثر من 40 فى المائة من الدول فى ذلك الوقت، عجزت عن سداد ديونها الداخلية والخارجية، مما أدى إلى انقطاع معظمها عن حركة أسواق المال العالمية، حتى خمسينيات القرن الماضى أو بعد ذلك بكثير.

وبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كان نظام بريتون وودز المالى الجديد، يجمع ما بين فرض ضوابط صارمة على التمويلات المحلية، وفرض ضوابط واسعة النطاق على تدفقات رأس المال الخارجية، مع تشابهات محدودة مع الحقبة السابقة فيما يتعلق بحالة التجارة والتمويل العالميين. قد تكون فترات الركود الناجمة عن وباء كورونا عميقة وطويلة الأمد، وكما كان الحال فى ثلاثينيات القرن الماضى، من المرجح أن تتصاعد حالات تخلف الدول عن تسديد التزاماتها الداخلية والخارجية.

وصاحب تصاعد الأزمة المالية فى الفترة ما بين عامى 2008 و2009، سلسلة من الصدمات التى تعرض لها مسار العولمة على المستوى الدولى، منها أزمة الديون الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. يضاف إلى ذلك صعود الشعبوية فى العديد من البلدان، وهو الذى يجعل الكفة تميل حاليًا نحو الاكتفاء الذاتى والاهتمام بالداخل.

 وترى «رينهارت» أن فيروس كورونا يعد الأزمة الأولى التى تجتاح اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، عقب ركود الثلاثينات الاقتصادى. وفى مثل هذه الظروف، تلقى الدعوات لتقييد حركة التبادل التجارى وتدفقات رأس المال على المستوى الدولى قبولًا واسعًا، ومن المرجح أن تستمر مخاوف الدول بشأن الاكتفاء الذاتى من الضروريات والمرونة، حتى بعد تمكنها من السيطرة على الفيروس، «وهى عملية تبدو طويلة الأمد». وأخيرا، قد لا تعيدنا البنية المالية فى فترة ما بعد كورونا إلى أجواء مشابهة لفترة منظومة بريتون وودز التى سبقت بدء انتشار العولمة، لكن الأكثر احتمالًا هو أن يكون الضرر الذى لحق بالحركة التجارية المالية والدولية من جراء تفشى الفيروس، ضررًا واسعًا ودائمًا.

أما آدم تووز، أستاذ التاريخ، ومدير المعهد الأوروبى بجامعة كولومبيا، فيرى أنه بالمقارنة مع الأوضاع الاقتصادية فى الأعوام 1914 و1929 و1941، وبين الوضع الحالى عقب بدء عمليات الإغلاق والعزل، سيتضح بجلاء أن الوضع الحالى غير مسبوق تاريخيًا، وأن عوامل جديدة ظهرت خلال الأزمة الحالية. فالتداعيات الاقتصادية لتفشى الفيروس لا يمكن حسابها بشكل دقيق، والعديد من الدول أصبحت فى وضع تواجه فيه صدمات اقتصادية أكثر عنفًا وفداحة مما كانت تواجهه فى السابق، خاصة فى قطاعات اقتصادية مثل محال السوبر ماركت ومتاجر التجارة بالتجزئة، التى كانت تتعرض بالفعل لضغوط تنافسية شديدة من المتاجر الإلكترونية، والآن تواجه تحديا أكبر فى ظل احتمالات تحول عملية الإغلاق المؤقت إلى إغلاق نهائى، وحينها لن يتم فتح العديد من المتاجر المغلقة، وبالتبعية سينضم آلاف الأشخاص إلى طوابير البطالة، وهذا يضاف إلى مخاطر جدية يواجهها ملايين العمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وعائلاتهم بالطبع.

ويقول إن ما اعتقد الخبراء أنهم يعرفونه خير المعرفة، بشأن مبادئ الاقتصاد والتمويل الدولى، قد تزعزع بشكل جذرى. منذ صدمة الأزمة المالية عام 2008، فحينها دارت مناقشات مستفيضة، حول الحاجة إلى تبديد حالة عدم اليقين من التداعيات الاقتصادية المستقبلية، الآن بتنا نعلم جيدًا ماهية هذه التداعيات وتأثيرها. على أثر ذلك، بتنا حاليًا نشهد أكبر جهد مالى مشترك منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن من الواضح أن هذا الإجراء لن يكون كافيًا، خاصة فى ظل بعض الجدل حول الإجراءات غير المسبوقة، التى تقوم بها البنوك المركزية، للتعامل مع التداعيات الاقتصادية المتراكمة.