رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الشرطة المصرية ضربت أروع مثال للتضحية فى سبيل الكرامة

عيد الشرطة
عيد الشرطة

فؤاد سراج الدين طلب من بلوكات النظام مقاومة الإنجليز حتى آخر رصاصة

جيش الاحتلال خسر 12 جنديا رغم تفوق العتاد والسلاح

محكمة الثورة أشادت بقرار المقاومة.. وزعيم الوفد رد على تشويه المعركة

تمر الآن سبعون عاما على واحدة من أروع معارك الكرامة الوطنية فى تاريخ مصر الحديث، وهى معركة الإسماعيلية سنة 1952، والتى صارت عيدا رسميا للشرطة.

وهذه المعركة الخالدة كان لها أبطال رائعون شاركوا وضحوا وقدموا الفداء والتضحية على كل شىء طلبا لكرامة الوطن ورفعته بدءا من أصغر جندى استشهد خلالها وحتى وزير الداخلية نفسه فى ذلك الوقت، وهو فؤاد باشا سراج الدين، الذى كان سكرتيرا لحزب الوفد.

لقد تولى «سراج الدين» وزارة الداخلية فى حكومة الوفد الأخيرة عام 1950 والتى قام بتشكيلها مصطفى باشا النحاس بعد فوز الوفد بأغلبية كاسحة فى الانتخابات البرلمانية، على خلاف توقعات القصر ومحاولاته تزوير الانتخابات. وكان واضحا أن السياسى المحنك لديه استعداد للمخاطرة بمنصبه فى سبيل دعم استقلال مصر، وفى سبيل مد الفدائيين بالأسلحة والعتاد.

لقد تحولت وزارة الداخلية فى عهد سراج الدين من وزارة مسئولة فقط عن الأمن بشقيه الاجتماعى والسياسى، إلى وزارة حرب ضد الاحتلال. لم يكن ذلك ليحدث فى أى عهد سابق، بل كانت الشرطة دائما مُسخرة لحماية المسئولين والساسة، وفى بعض الأحيان كانت أداة بطش ضد الخصوم والمعارضين. ولا شك أن منشورات ثورة 1919 المجهولة التى نشرها مؤخرا الدكتور رفعت السعيد تكشف أسماء ضباط الشرطة الذين وقفوا مع الاحتلال ضد الثورة.

مُن هُنا يتضح حجم التغيير الذى أحدثه فؤاد سراج الدين فى وزارة الداخلية. إنها وزارة  شعب مصر، وعليها أن تدافع عن حقوقه وتناضل من أجل حريته. وهكذا بدأ الرجل  منذ تولى مسئولية الداخلية دعمه المباشر لحركة الفدائيين فى قناة السويس، فسهّل لهم بمهمة نقل السلاح إليهم، وهو ما شهد به وجيه أباظة فيما بعد فى محاكمة فؤاد سراج الدين بعد يوليو 1952.

لقد كانت وطنية الرجل دافعا له أن يقدم كل الإمكانات الممكنة إلى الفدائيين لتكبيد الاحتلال خسائر فادحة تساهم فى زعزعة موقف قواته وتدفعه فى سبيل الجلاء.

لكن لما لكانت الشرارة الأولى للحركة بعد قرار مصطفى باشا النحاس التاريخى بإلغاء معاهدة الصداقة المصرية البريطانية التى وقعت عام 1936 والتى سحبت بريطانيا بنقتضاها قواتها إلى منطقة القناة فقط. عندما اطلق النحاس عبارته الأشهر « باسم مصر وقعت معاهدة 1936، وباسم مصر اليوم أطالبكم بإلغائها «انطلقت الجماهير فى شلالات تأييد مذهلة وتوحدت جهود الشعب والحكومة لبدء الكفاح المسلح ضد الانجليز». وهكذا تطوع مئات الشباب فى معسكرات تدريب لضرب مصالح الانجليز ومنشآتهم فى مدن القناة ، وانسحب أكثر من 90 الف عامل مصرى من خدمة تلك المعسكرات، وأصبح الاحتلال البريطانى يعانى كل يوم من خسائر بشرية ومادية نتيجة ضربات المقاومة.

وطبقا للوثائق البريطانية، فإن قوات الاحتلال التى كانت تتركز فى منطقة قناة السويس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رصدت مشاركة ضباط شرطة فى امداد الفدائيين بالسلاح، وهو ما دفعهم إلى  اصدار قرار بتفريغ منطقة القناة من جميع أفراد الشرطة المصرية ومصادرة أسلحتهم.

وقام الجنرال «إكسهام» قائد الجيوش البريطانية فى يوم 25 يناير سنة 1952 بإرسال خطاب إلى محافظ الاسماعليلية، يطالبه بتسليم الشرطة لكامل اسلحتها إلى قواته (وفى ذلك الوقت كانت المحافظات تابعة لادارة الداخلية)، فما كان من  اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام، وعلى حلمى وكيل المحافظة ومصطفى رفعت ضابط الاتصال المصرى أن رفضوا القرار ثُم اتصلوا بفؤاد سراج الدين وزير الداخلية وأخبروه  بالأمر. وسألهم الوزير عن موقفهم الشخصى فقال له مصطفى رفعت إننا نعتبر الانذار جرحا للكرامة المصرية. هذه ارض مصرية، وليس مسموحا لأحد أن يأمر رجال الشرطة سوى قياداتهم من المصريين. وقال سراج الدين إنه باعتباره وزيرا للداخلية فإنه يأمرهم أن يقاتلوا حتى آخر رصاصة. وربما لم يصدق الجنرال «اكسهام» نفسه عندما سمع رفض الانذار من جانب محافظة الاسماعيلية، ولم يصدق رد مصطفى رفعت، وقادته انفعالاته إلى أن يصرخ فى وجوه مساعديه بضرورة سحق الارادة المصرية بأى ثمن.

ربما سأل «اكسهام» وقتها نفسه عن ذلك الرجل الذى يرفض طلبه ويأمر رجاله بقتال الانجليز، بل ربما لم يصدق أن العشرات القلائل من رجال الشرطة المُسلحين من الممكن أن يقفوا بصلابة وشجاعة أمام نيران الجنود البريطانيين.

لقد كان عدد جنود الشرطة المصرية يقترب من الألف، وحشد «اكسهام» نحو سبعة آلاف جندى بريطانى، ليحاصروا مبنى المحافظة ويطلقوا نيرانهم العنيفة تجاهها. ولا شك أن الغضب دفع الرجل إلى اطلاق النيران صباح الجمعة الخامس والعشرين من يناير بكثافة من كافة الجهات، ودافعت الشرطة المصرية بحماس، وقاتل الضباط والجنود بفدائية وروعة، واستمرت المعركة ست ساعات كاملة، وسقط 50 شهيدا وعشرات الجرحى، وتم هدم جدران المبنى. وصرخ الجنرال «اكسهام» فى مكبرات الصوت، داعيا رجال الشرطة لتسليم

أنفسهم، لكنهم رفضوا واستمروا يقاومون حتى آخر رصاصة.

وسقط نحو 13 بريطانيا قتيلا، فضلا عن جرح 15 آخر، وأبدى ضباط الجيش البريطانى اعجابهم بفدائية وشجاعة رجال الشرطة فقدموا لهم التحية العسكرية، بعد أن نفدت  ذخيرتهم، وتوالت المظاهرات فى محافظات مصر تأييدا لحكومة النحاس، مُطالبة بالثأر والقصاص، وتوالت العمليات الفدائية ضد معسكرات البريطانيين فى مُدن القناة.

ولم يكُن هُناك أمام الانجليز ورجال القصر سوى اجهاد الثورة التى أعلنها الوفد ضدهم، لذا فقط تم تدبير حريق القاهرة فى اليوم التالى مُباشرة واشتعلت النيران فى عدد من دور السينما ومحلات اليهود، ومقار الاجانب واضطرت الحكومة إلى اعلان الاحكام العرفية، لكن كان الوقت قد تأخر، حيث وجد الملك فاروق مُبرر اقالة الحكومة لتدخل مصر مرحلة تخبط وفوضى حتى ليلة 23 يوليو، عندما استولى الضباط الأحرار على السلطة.

ورغم أن بطولة رجال الشرطة وفخرهم بوقوفهم ضد جنود الاحتلال، الا أن بعض خصوم الوفد حاولوا تشويه العمل، وكان ذلك مبكرا، حيث شهدت محاكمة سراج الدين ضمن محاكمات الثورة عام 1954 اتهامه بالتسبب فى استشهاد رجال الشرطة المصريين، وفوجئ الحاضرون بواحد من الضباط الأحرار هو وجيه أباظة يصر على تقديم شهادته مؤكدا أن «سراج الدين» كان أكبر داعم لحركة الفدائيين، وهو ما دفع رئيس المحكمة لأن يقول وقتها لـ«سراج الدين»: «نحن لا نشك فى وطنيتك».

وقد استمرت حرب التشويه ضد الوفد وضد ما فعله وزير الداخلية فيما بعد، وكان أشهر المتطاولين رئيس الجمهورية نفسه الرئيس الراحل انور السادات. وطبقا لما كتبه أنيس منصور فى كتاب «من اوراق السادات» فإن السادات قال:

«إن للوفد أخطاء كثيرة ليس أقلها أن يصدر وزير الداخلية فؤاد سراج الدين أمرا الى البوليس أن يقفوا فى وجه الانجليز وكانت نكتة مبكية أن يستخدم هؤلاء  بنادق الرش فى مواجهة مدافع الانجليز».

وقد كال الرئيس  كثيرا من الشتائم والاتهامات للرجل انطلاقا من تلك المقولة وهو ما دفع «سراج الدين» لأن يكتب إلى السادات وهو رئيس الجمهورية خطابا تاريخيا يقول فيه:

«لقد نسبتم الينا فى خطبكم وبياناتكم المتلاحقة صفات كثيرة مثل «السقالة» البذاءة والرذالة ووصل الأمر الى أن ذكرتم فى خطابكم الأخير بجامعة الاسكندرية فى يوم 16 مايو بأن الانجليز كانوا يضربوننا بالصرم.»، ويرد « سراج الدين» على رئيس الدولة بعنف «إننا يا سيادة الرئيس لم نكن من الرجال الذين يضربون بالصرم، ومن يحاربون الانجليز فى معركة القناة فى عام 1951 ويطلقون الرصاص لا يمكن أن يضربوا بالصرم، ومن يمنعون السفن الانجليزية بالقوة من اجتياز خليج العقبة حفاظا على سيادة مصر لا يصدق عنهم أنهم يضربون منهم بالصرم، ومن يلغون معاهدة 1936 متحدين الانجليز ولهم عشرات الألوف من الجنود فى قاعدة القناة لا يمكن أن يقال عنهم انهم كانوا يضربون بالصرم».

ولا شك ان المؤرخين أنصفوا «سراج الدين» فى معركة الاسماعيلية واعتبروا قراره متسقا مع الارادة الوطنية لضباط الشرطة الذين رأوا عدوهم ومحتلهم يجبرهم على تسليم أسلحتهم، لقد اتفقت ارادة الوفد والشعب والشرطة فى ضرورة المقاومة، واختار رجال الشرطة الأوفياء التضحية بحياتهم، بدلا من التفريط فى كرامتهم وكرامة مصر، فكان يوما من نور، يبعث على الفخر، ويُجدد الثقة بين المواطنين ورجال الأمن.