رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محرر (الوفد) يخوض تجربة.. يوم في حياة (شقيان)

بوجوه شاحبة وملابس فضفاضة وأجساد نحيلة وأيدي تشققت من العمل ليلًا ونهارًا، لا يملكون رفاهية الحياة ولا ملذاتها بل يكتفون بوجودهم في الحياة فقط، مجهولون في الأرض معروفون في السماء، سعيًا وراء الكشف عن معاناتهم بدأ محرر الوفد رحلة البحث عن هؤلاء البسطاء؛ لتسليط الضوء عليهم الذين سخروا حياتهم من أجل كسب الرزق الحلال ولو بأقل ثمن.

 

لا يمتلكون منازل في "كمبوندات" ولا سيارات فارهة بل كل ما يحلمون به، تلبية متطلبات أسرهم يومًا بيوم، ضربوا أروع الأمثلة في الكد والشقاء وعملوا في صمت بالرغم من جائحة كورونا التي روّعت العالم أجمع، والعمل في برد الشتاء القارص، وتنفيذ مهام عمل صعبة.

 

فك الأعمال وإبطال السحر.. الوفد تقتحم عالم الدجل والشعوذة بمحال العطارة

 

بدأت جولتنا الصحفية بمساعدة أحد الأصدقاء يعمل في شركة شحن وكان بمثابة طرف الخيط خلال حديثه معنا عن المصاعب التي تواجههم أثناء فترة عملهم خاصة في ظل أزمة كورونا وبرد الشتاء ومهام عملهم التي تحتاج إلى مجهود بدني مضاعف، فكان القرار هنا بضرورة معايشة هؤلاء "أصحاب المهن الصعبة" وقضاء يوم عمل بالكامل معهم، فمن مساعد عامل بناء إلى عامل في شركة شحن ثم طيار توصيل طلبات "دليفري" بإحدى شركات الأدوية.

 

الجانب الخفي من الطب البديل.. أسرار لا تعرفها عن العلاج بسم النحل

 

قضينا يومًا بالكامل مع كل مهنة من هذه المهن دون أن نفصح عن هويتنا الصحفية؛ للشعور ولو بقليل مما يواجهونه من مرارة وصعوبة عملهم سواء قبل أزمة كورونا أو بعد ظهور الأزمة، وكان الراتب باليومية، ما يعني أنه لا تأمين صحي أو اجتماعي لهذه الفئة من المجتمع، فالطعام والشراب والتعليم والعلاج لهؤلاء ولأسرهم متوقف على عمل الأب.

 

وخلال جولتنا وغوصنا في أعماق هذه المهن وحديثنا مع أصحابها الحقيقيين كان لكل عامل حكاية "يشيب لها الولدان"، حيث استوقفني حديث أحد العاملين في مجال المعمار عن فقدانه لعدد من أصابعه بيده اليسرى في مكنة "الفرم" أثناء عمله في محل جزارة، ليقوم صاحب العمل بعدها بفترة بطرده من المحل؛ بسبب إعاقته، ليشق بعدها طريقه ويبدأ رحلة جديدة مستخدمًا صنعة والدة في مجال البناء والتشطيبات.

 

مساعد عامل بناء

ربما تكن هذه المهنة الأصعب على الإطلاق؛ لكونها تحتاج إلى مجهود بدني مضاعف وقوة جسدية، لا يمتلكون أدوات سوى أيديهم التي تشققت من حمل الطوب والرمل والحجارة، لا يمتلكون رفاهية الاختيار فكل ما يسعون إليه "لقمة عيشهم"، لا يخشون كورونا ولا غيرها، أجسادهم تأقلمت مع برودة الطقس التي تكاد لا تحتمل في بعض الأوقات، جائزتهم اَخر اليوم يوميتهم التي يتقاضونها لشراء بعض الطعام لأسرهم.

 

قضينا يومًا مع هؤلاء كـ"مساعد عامل بناء" بمدينة 6 أكتوبر دون أن نفصح عن هويتنا الصحفية، فمن حمل الطوب الأحمر إلى الحجارة والرمل والأسمنت، أيقنت أن هذه المهنة تحتاج إلى جهد بدني مضاعف وقوة جسدية جبارة خاصة في الذراعين وهذه هي أدوات "مساعد البنا" كما يطلقون عليه، لكن ربما الأصعب من ذلك هو العمل في ظل أزمة فيروس كورونا المتفشي وبرد الشتاء القارص.

 

 تأملت عمال البناء ومساعديهم بشكل كبير أثناء تأدية عملي كمساعد بناء، وبدأت أراقب كيف يعملون، فلكلٍ منهم دور، وكان دوري حمل الطوب الأحمر والأسمنت، واَخر حمل الرمل وثالث رص الطوب .. إلخ، في بادئ الأمر كاد أن يُكتشف أمري؛ بسبب عدم معرفتي بطبيعة المهنة بشكل كافٍ، ولكن أثناء حديثي مع هؤلاء "عمال البناء" تعلمت بعض الأشياء وأخبرتهم أنني "مساعد بنا" حديث في المهنة.

 

"حفاة الأقدام، ملابسهم مهلهلة وفضفاضة، معرضون للإصابات والكسور في أي وقت، لا يرتدون الكمامات بسبب طبيعة عملهم، يصابون بنزلات البرد بشكل كبير".. هذا هو المشهد باختصار الذي رأيته خلال فترة عملي القصيرة كمساعد عامل بناء، لا ينظرون إلى أنفسهم ولا يخشون المرض أو الإصابة، شغلهم الشاغل إنهاء العمل بأسرع وقت ممكن عل وعسى أن يفتح لهم باب رزق اَخر في نفس اليوم. 

 

"الأسطى" وهو الرئيس والناهي والأمر بالنسبة للعمال، كلامه يُطبق كما هو ولا نقاش فيه، يتقاضون يوميتهم اَخر اليوم من خلاله، وكلٍ حسب دوره ويكون الاتفاق قبل بداية العمل، فكانت يوميتي 80 جنيهًا، بعد ٦ ساعات عمل متواصل، ومن الممكن أن يتم التخلي عنك واستبدالك باَخر حال اعتراضك على اليومية، فالشغل الشاغل لهؤلاء هو العمل تحت أي ظرف من أجل "لقمة العيش".

 

"بنشتغل في كل حاجة في المعمار، بنبي ونهد ونشتغل في شقق وفيلل ومحلات، مبنقولش لا على الشغل لأننا لو قولنا لا هنموت إحنا وأهلنا من الجوع، كورونا هتقضي علينا والشتاء جيه كمل الليلة، بنشوف الموت في شغلنا".. هكذا عبر أحد عمال البناء عن معاناته مع مهنة المعمار أثناء حديثي معه كزميل له حديث في المهنة، وكأن حديثه كان بمثابة جرس إنذار من أجل ضرورة النظر إلى هؤلاء والعمل على تأمينهم صحيًا واجتماعيًا وتحسين ظروف معيشتهم.

 

"راضين بحالنا والحمد لله".. هكذا اختتم اليوم خلال حديثي مع أحد الصنايعية بعد ظهور التعب والمشقة على وجهه، وبسؤالي لأحد الزملاء في المهنة الجديدة عن أصعب شئ يقابله كانت الإجابة صادمة، حيث قال لي "أنا كنت شغال في محل جزارة وإيدي دخلت مكنة الفرم اتقطع منها صباعين، وبعد فترة صاحب المحل طردني

لإني قصرت في شغلي في الفترة الأولى من علاجي وبسبب إعاقتي، ووالدي كان عامل بناء وكنت نزلت معاه زمان وأنا صغير فرجعت للمهنة دي تاني لإن مفيش قدامي غيرها، والحمد لله ماشية".

 

عامل في شركة شحن

خلال حديثي مع أحد الأصدقاء يعمل في شركة شحن عن مدى صعوبة عمله في ظل برودة الطقس وأزمة كورونا، أخبرني أن طبيعة هذه المهنة تحتاج إلى مجهود بدني وصبر، فقررت أن أخوض يوم عمل معه فساعدني في ذلك والتحقت بالعمل معه في الشركة وكان ضامنًا لي حتى انتهي من الإجراءات المطلوبة، وخوضت يوم عمل شاق لمدة 10ساعات تجولت فيها تقريبًا كافة المناطق بالقاهرة؛ من أجل توصيل الشحنات المطلوبة للزبائن.

 

خلال رحلتي القصيرة مع هذه المهنة تأكدت أنها شاقة للغاية، فكيف لشخص أن يقود سيارة بشكل متواصل لمدة 10 ساعات دون تأخير في توصيل الشحنات المطلوبة، وبعدها يتوجب عليه حمل تلك الشحنات دون مساعد كي يتم توصيلها حتى باب منزل "الزبون"، ومع برد الشتاء القارص تكن المهمة أصعب وأثقل، ومع ظهور أزمة كورونا أصبحت المهمة شبه مستحيلة، ولكن للضرورات أحكام.

 

"مؤهل عالي وطالع عيني بشيل شنط وبلف بالعربية طول اليوم ومش شغال بشهادتي".. كلمات تلقيتها من أحد الأصدقاء خريج كلية الاَداب قسم علم النفس خلال أول يوم عمل لي مع شركة الشحن، حديث تبادلنا طرفا الحديث شخص ثالث ليضيف معاناته، قائلا "أنا خريج كلية عليا برضو، لكن شهادتي ملهاش سوق عمل ومتجوز وعندي طفلين، لو مشتغلتش مش هعرف أصرف على بيتي".

 

يتم حسبان الراتب إما باليومية التي حُددت بـ100 جنيها مع 25 قرش على كل "اوردر" أو بالشهر 3500 جنيهًا، ربما ما لاحظناه هو المعاملة غير اللائقة من بعض "الزبائن" وهذا هو الضرر النفسي الأكبر الواقع على عامل الشحن؛ عند تأخر وصول الشحنة أو وجود خطأ ما في "الاوردر". 

 

طيار توصيل طلبات "دليفري" بشركة أدوية

ربما لا يختلف الأمر كثيرًا بين عامل في شركة شحن أو عامل توصيل طلبات "دليفري" بإحدى شركات الأدوية إلا في طريقة التوصيل من سيارة إلى دراجة بخارية، ليزداد الأمر صعوبة في ظل برودة الطقس واصطدام الهواء البارد بالجسد أثناء القيادة.

 

في اليوم الأول من العمل التي تراوحت مدته من 6 إلى 8 ساعات يوميًا براتب يومي 80 جنيهًا مع وجود نسبة على كل "اوردر"، كان خطر الإصابة بفيروس كورونا أكبر من أي مهنة سابقة؛ بسبب طبيعة العمل وصعوبتها مع الطقس السيء، والإصابة بنزلات البرد التي يتعرض لها عمال توصيل الطلبات بشكل مستمر، لذا حرص المسئولين بالشركة على توجيه عدة نصائح لي قبل البدء في العمل، متمثلة في ارتداء ملابس ثقيلة بشكل كافٍ وارتداء الخوذة أثناء قيادة الدراجة البخارية، وكذا ارتداء الكمامة خلال التعامل مع "الزبائن".

 

وحكى لي أحد عمال التوصيل بالشركة عن كم حوادث السير التي تعرض لها مع هذه المهنة بشكل عام، حيث قال "أنا شغال عامل توصيل طلبات من زمان، اشتغلت في سوبر ماركت ومحل سمك وأحد المطاعم وأخيرًا في شركة أدوية، أتعرضت لكمية حوادث بسبب الموتوسيكل بشكل لا يمكن تخيله، لدرجة إني مبقاش يفرق معايا الإصابة زي ما يكون جسمي خد على كده، وعملت عملية في رجلي تركيب شريحة ومسمار بعد تعرضها للكسر برضو بسبب حادث سير" .. كانت هذه الكلمات كفيلة بأن تجعلني انهي عملي مع هذه المهنة الشاقة وأحمد الله على خروجي منها دون أي إصابة.