عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تفاصيل الـ 35 دقيقة من البطولة لإعادة 62 سجينًا هاربًا في قنا

إعادة هاربين من السجن
إعادة هاربين من السجن

كان يومًا غائمًا من شتاء 2011، حركة المواصلات والمركبات على الطرق السريعة بطيئة وضعيفة، والحال كما هو فى شوارع المدن المتوجسة والمترقبة لطوارئ فى هذه الأيام العصيبة.

 

فى وسط مدينة قنا، التى تعج طول الوقت فى تلك الفترة من النهار بالمركبات وخطوط المواصلات الداخلية التي تنقل السكان من وإلى عاصمة الإقليم، كانت حركة البيع والشراء على غير العادة.. المتاجر وملّاكها متأهبون للغلق فى أي وقت وعددً قليل من المارة فى الشوارع، كما هو الحال فى المقاهي التى كان روّادها يعدّون على أصابع اليد؛على غير العادة أيضا.

 

فى ظهيرة ذلك اليوم ـ أوائل فبراير 2011، دوى صوت أعيرة نارية بشكل كثيف ويثير القلق، سمعه السكان فى سط مدينة قنا، وكان مصدر الصوت مسموعًا كلما اقتربت من غرب المدينة، مع تحركات كبيرة ومتسارعة من مديرية أمن قنا، فقد اندفعت المدرعات وحاملات جنود المركزي والمصفحات، إلى غرب المدينة، وانضمت إليها فى الطريق القوة المعينة لحراسة وتأمين ديوان عام المحافظة، لتصبح وكأنها حملة أمنية معززة بمعدات وأفراد تستعد لخوض معركة صعبة.

 

بدأت حركة المارة تندر وأغلقت المتاجر أبوابها وأصبح وسط المدينة خاليًا وساكنًا تماما، لا يقطعه سوي أصوات سيارة الشرطة التي تمر مسرعة، وتناقل المواطنون القادمون من غرب المدينة ـ موقع الأحداث، نبأ معركة بين السجناء وحرّاس سجن قنا العموميّ، كان السجناء يحاولون الهرب، بعد إحداث حالة شغب متعمد وفوضي لإرباك إدارة السجن، وقد شُوهدت هذه المحاولة من سكان المناطق المتاخمة للسجن ـ حوض 10، الميناء النهري، شارع المعتقل، الحميدّات، من أعلي منازلهم فسرعوا بإبلاغ مديرية أمن قنا، كان هؤلاء المواطنون محملّون بالخوف من سيناريو مشابه يقع فى بلدهم، كما حدث فى الأيام السابقة من اقتحام السجون وتهريب السجناء فى أكثر من محافظة وسجن.

 

فى الوقت نفسه كانت إدارة السجن، قد طلب العوّن والمدّد من مديرية أمن قنا، للسيطرة على الأوضاع التى كانت قد خرجت عن السيطرة نسبيًا، وصلت قوات الشرطة إلى محيط السجن وأغلقت المنطقة وبدأت المعركة واختلط الهواء برائحة بقنابل الغاز المسيل للدموع.

 

بعد 9 أعوام من تلك الواقعة، وفى ذكري عيد الشرطة وثورة يناير، اتصلت بأحد ضباط مديرية أمن قنا السابقين، وكان وقت الواقعة برتبة مقدّم، وهو حاليًا يشغل منصبًا بإدارة متخصصة فى وزارة الداخلية برتبة عميد، لاستدعاء شهادته عن هذا اليوم العصيب، هذا الرجل قد حفر نفسه فى الذاكرة عندما قال لىّ فى ذلك اليوم، أمام بوابة سجن قنا: «مديرية أمن قنا من مديريات الصمود، ولن نتخلى عن أرض مازلنا نكسبها»!.

 

يقول عميد الشرطة ــ الذي فضل عدم ذكر اسمه، حتى لا يؤثر لنفسه ظهورًا دون باقى زملاءه، كنًا نتمركز أمام ديوان عام المحافظة للتأمين والحراسة، وورد إلينا الخبر، وتم إبلاغ جميع الإدارات ومنها المسطحات المائية لأن النيل قريب من موقع السجن والمرور لإغلاق مداخل المدينة

وإحباط  محاولات الهروب السجناء لخارج محيط منطقة السجن.

 

ويضيف دخلت القوات إلى الداخل وتعاملت مع السجناء وتمت إعادة السيطرة الكاملة على السجن، بالتزامن تم تمشيط المنطقة وإغلاقها ونشر القوات للبحث عن السجناء الذين تمكنوا من الهرب حتى تم القبض على 62 من أصل 64 سجينًا وإعادتهم للسجن مرة أخري، فى غضون 35 دقيقة، بمعاونة أهالي المنطقة الذين تعاونوا مع الشرطة فى الإمساك بالسجناء وإحباط هروبهم، فى حين نجح سجينين فى الهرب، منهما ياسر الحمبولي ـ المعروف إعلاميًا بخط الصعيد، والذي سقط فى يد الشرطة بعد سنة واحدة من هروبه أثناء اختباءه بمنطقة الكرنك فى محافظة الأقصر.

 

ويشير المصدر الأمني، أن محافظة قنا صمدت أمام محاولات التخريب وإشاعة الفوضى، أثناء ثورة يناير، بتعاون الأهالي والشرطة معًا، فى حفظ الأمن، منوهًا أن المحافظة لم يحرق فيها قسم شرطة واحد، ويكشف نفس المصدر إنه تم إحباط محاولة أخري لاقتحام مقر جهاز أمن الدولة ـ آنذاك، وأنه تم التصدي لها.

 

واقعة إحباط هروب أو تهريب نزلاء سجن قنا العموميّ، كانت نموذجًا لتطبيق شعار الشرطة والشعب فى خدمة الوطن، لتدارك الخطر وإعادة الاستقرار، هذه الملحمة لا يدّركها إلا شهود العيان فى ذلك اليوم، فقد كانت المطاردات فى الأزقة والحواري وفي مدّاخل العقارات والزراعات المحيطةـ بين الأهالي والهاربين تتم بحمية بالغة من المواطنين وكأنهم كانوا يدفعون خطرًا شخصيًا يهدّدهم مستقبلًا، وكنت تلمح الانتصار مرسومًا على وجوه الأهالي وهم يسلّمون سجينًا للشرطة أمسكوا به بعد مطاردة، وحتي السجناء الذين تمكنوا من استبدال زي السجن لاحقهم الأهالي من خلال فحص هوية كل من يشتبهون فيه حتي نجحوا فى القبض عليهم.

 

ولم تحظ هذه الملحمة بضوء الإعلام بشكل كاف، مرّت على استحياء وسط زخم كبير من الأحداث المتعاقبة التي مرت بها البلاد فى هذه الشهور، و«الوفد» تعيد الضوء إلى هذه الملحمة فى ذكري عيد الشرطة وثورة يناير.