عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: ليلة الدار

بوابة الوفد الإلكترونية

«عرابى» يعرض خلع الخديو والاستعداد لمواجهة غزو البلاد

انضمام الوزراء لحماية أسطول الإنجليز فى الإسكندرية ضد معسكر الثورة فى القاهرة

مصطفى كامل يتسلم الراية ويطالب بحياة دستورية كاملة

مصر شهدت فى هذه الفترة نشاط أحزاب اليمين واليسار والوسط

 

فى 13 مايو سنة 1882 عقد مجلس النواب، وطلب عرابى خلع توفيق، والتخلص من أسرة محمد على، ولكن المجلس كان فى حالة شديدة من التردد، فمن جهة كان النواب يعطفون على الخديو، ومن جهة أخرى لم يجرؤ الأعيان والوجهاء، الذين كانوا يخشون العسكريين، على تأييد الخديو جهاراً، إذ كان عرابى يمثل السلطة الحقيقية فى البلاد، واتخذ المجلس موقفاً وسطاً، وحاول مصالحة الخديو مع الوطنيين.

فأعلن الخديو عقد المجلس بصورة غير قانونية، وطالب بحله فوراً، فاستقال البارودى احتجاجاً على ذلك، ووجد الخديو وإنجلترا أنفسهم فى وضع حرج بصورة ليست متوقعة.

إذ لم يوافق أحد من عملاء الخديو على تأليف الوزارة، مادام الجيش فى السلطة، وأعلن الوزراء الوطنيون من جهة أخرى أنهم لن يستقيلوا حتى يصدر أمر بذلك من مجلس النواب.

وفى 16 مايو اضطر الخديو الى الرضوخ، واستبقاء البارودى فى السلطة، ليدبر مع انجلترا وفرنسا خطة أخرى قضت بحضور بعض قطع الأسطولين الانجليزى والفرنسى الى الاسكندرية يوم 20 مايو سنة 1882 وبعد خمسة أيام طلبت الدولتان من الخديو رسمياً فى مذكرة نسب اليها تاريخ «25 مايو» إبعاد أحمد عرابى عن مصر، وإبعاد على فهمى وعبدالعال حلمى عن الجيش، وإقالة البارودى!

وقبل الخديو هذه الطلبات، وأعلن إقالة الوزارة، وهنا تحركت قوات الجيش، فأرسلت حامية الاسكندرية يوم «27 مايو» برقية للخديو ترفض موافقته، وتعطيه مهلة «12 ساعة» للتفكير.

وحدد عرابى موقفه، فى أنه لا يعتبر استقالة الوزارة انتهاء لوجود القوة الثورية وانحساراً لتأثيرها، وقد صرح لضباطه فى قشلاق عابدين: بأنه تنازل عن نظارة الجهادية ولم يتنازل عن رئاسة الحزب الوطنى وأكد عرابى على ذلك فى منشور أرسله تلغرافياً لجميع مراكز الثورة العسكرية فى أنحاء البلاد.

وتحركت الأحداث بعد ذلك بسرعة، وانشق مجلس النواب على نفسه، عقب جلسة عاصفة عقدت فى دار رئيسه، وعرفت بعد ذلك بـ«ليلة الدار» والتى عرض فيها عرابى خلع الخديو، وتعيين آخر مكانه، والارتباط بالثورة دون تردد، والاستعداد لمواجهة الغزو المحتمل للبلاد، بعد ما اتضح من هرب الخديو الى الاسكندرية ليكون فى حماية الاسطولين الانجليزى والفرنسى!

 

التهديد بالخلع!!

وفى الفترة بين مذبحة الاسكندرية التى دبرها الخديو بالتعاون مع عربان البحيرة للتعجيل بالتدخل الاجننى وبين حزب الاسكندرية فى «12 يوليو» حدثت هدنة مؤقتة، واضطر الخديو الى اعادة عرابى وزيراً لحفظ الأمن.

وبعد احتلال الاسكندرية طلب الخديو من عرابى ايقاف المقاومة المسلحة بزعم أن الاسطول سينسحب بمجرد امتثال الجيش لأمر الحاكم الشرعى، ورفض عرابى، وبذلك انتهت الهدنة، وانتقل معسكر الخيانة الى الاسكندرية، وضم الخديو ووزراءه  وكتلة سلطان باشا وعناصر أخرى ليكونوا جميعاً فى حماية أسطول الاحتلال، بينما كان معسكر الثورة فى القاهرة ينظم صفوفه، فاعتبر أن الوزارة مستقيلة، وأنشأ ما عرف بالمجلس العرفى المكون من وكلاء النظارات برئاسة يعقوب سامى وزير الحربية.

ودعا الى تكوين جمعية وطنية بديلاً لمجلس النواب، وضمت كل العناصر التى ترى ضرورة استمرار المعركة ضد الانجليز من النواب  والمثقفين وشيخ الأزهر والبابا البطريك، وحاخام اليهود، وكبار التجار، ونقباء الصناعات والعمد وكبار موظفي الدولة، وأعلنت هذه الجمعية خلع الخديو وقررت استمرار الحرب وكلفت عرابى بالمقاومة.أخذ الموقف يتطور سريعاً وبدت خيانة الخديو وكبار الملاك لمصر ابشع من أى تصوير، وانتهى الأمر بدخول قوات الانجليز ارض الوطن على الرغم من استبسال عرابى وجيش الفلاحين فى الدفاع عن البلاد وحماية دستور الثورة.

وبدخول الخديو توفيق القاهرة فى حماية الانجليز، انهار دستور سنة 1882 الذى لم يحيا سوى فترة فقيرة من الزمن وفى «14 سبتمبر سنة 1882» احتلت عاصمة البلاد!!

كان تكييف مركز مصر القانونى بعد الاحتلال الانجليزى غاية فى الشذوذ فهى من الناحية القانونية مازالت ولاية عثمانية مستقلة استقلالاً داخلياً اما من الناحية الفعلية فقد كانت محتلة احتلالاً عسكرياً وسياسياً من انجلترا.

ولما تم للانجليز توطيد اقدامهم فى مصر اخذوا بالتمهيد لسياستهم فى ظل الاحتلال فقدم سفيرها فى الاستانة الى مصر لبحث الحالة، واقترح الانظمة الملائمة للحكم فى البلاد وكان من الطبيعي أن يلغى دستور سنة 1882 وقانون الانتخاب الخاص به، وصدر بدلاً منهما القانون النظامى، وقانون انتخاب جديد فى أول مايو سنة 1883.

وفى الحقيقة فإن نظام الحكم الذى أتى به هذا القانون النظامى لا يحتاج لأى دراسة  من الناحية الدستورية، اذ سمح لواضعيه من أصحاب السلطان غير الشرعى فى البلاد بالتدخل فى جميع الأمور، والهيمنة على شئون الحكم!

وانهار الحكم النيابى الذى أرسى قواعده دستور سنة 1882، وابتدأ الحكم المطلق الى الظهور مرة ثانية، وكان فى هذه المرة بين أيادى الدولة المحتلة وهكذا رجع مرة أخرى الى نظام المجالس الاستشارية التى لا تختص قانونا بأى اختصاص فعلى حقيقى فى المسائل التشريعية.

ولم تكن السلطات المعطاة بمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية كبيرة، اللهم الا ان فى قدرة الجمعية العمومية أن ترفض التصويت على الضرائب، ولقد كانت على كل حال قادرة على أن تجمع الأموال بطريقة أو أخرى بعيداً عن أعين وسلطة المجلسين.

وهكذا كان العمل النيابى عاجزاً وكسيحاً فى هذه الفترة واستمر على تلك الصورة من عام 1883 حتى عام 1912، وفى خلال هذه الفترة ترأس مجلس الشورى سبعة رؤساء كانوا  جميعاً من باشوات البلاط ولذلك فقد ظل المجلس دائماً تحت سيطرة الخديو!!

وفى عام 1910 اتخذ المجلس أول قرار له فى صالح البلاد، فقد دارت مناقشات حول امتيازات قناة السويس داخل المجلس، وبدأت تلك المناقشات داخل صفوف الرأى العام فى أكتوبر 1909 التي سرعان ما تصاعدت حتى شملت الاوساط فى أرجاء مصر وتحت ضغط مشاعر شعبية فياضة اضطر بطرس غالى رئيس الوزراء الى دعوة الجمعية العمومية للاجتماع و كان هدف بطرس غالى هو حماية مجلس الوزراء من الغضب الشعبى بمحاولة الحصول على التصديق من الجمعية العمومية.

وأثيرت مناقشات حامية داخل الجمعية العمومية يوم «14 ابريل سنة 1910» انتهت برفض المشروع، ومنذ ذلك الحين حتى عام 2012، كان المجلس النيابى يكافح للحصول على حقوقه النيابية والدستورية الكاملة.

 

القانون النظامى

ولم تلبث الحركة ان نهضت من جديد تحت زعامة مصطفى كامل، وتحت ضغط هذه الحركة تقرر العدول عن القانون النظامى الصادر سنة 1883 وتقرير نظام دستورى آخر هو نظام الجمعية التشريعية لذا ألغى نظام مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وحل محلهما نظام الجمعية التشريعية بموجب القانون «29 لسنة 1913» الا أن هذه الجمعية لم تباشر اختصاصاتها أكثر من خمسة شهور فقد عزل الخديو عباس الثاني، وأعلنت الحماية البريطانية علي مصر فى 19/12/1914.

وتولى السلطان حسين كامل حكم البلاد وأصدر عدة مراسيم بتأجيل انعقاد الجمعية التشريعية ثم أصدر فى «27 اكتوبر سنة 1915» مرسوماً بتأجيل انعقاد هذه الجمعية الى أجل غير مسمى!

وخلف السلطان فؤاد السلطان حسين كامل بعد وفاته، فى «9 أكتوبر سنة 1917» وفى اعقاب الحرب العالمية الأولى اشتعلت الحركة الوطنية فى مارس 1919، مطالبة بالدستور والجلاء، ورفض الحماية التى فرضت على مصر، وانتهى الوضع باعلان تصريح «28 فبراير سنة 1922» الذى اعترفت انجلترا بمقتضاه برفع الحماية عن مصر واعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة.

وقد يصعب علينا التقييم الحقيقى لتطور الفكر السياسى فى مصر خلال القرن التاسع عشر وليس من السهل ايضاً تتبع الاصول الأولى للأحزاب السياسية فيها، على أن الذى أعرفه أن القاعدة الأساسية فى تكوين الجمعيات السياسية فى أى دولة تقوم على أسس ثلاثة : العلاقات الداخلية المتقاربة وانتشار التعليم والأمل فى أنه من الممكن تحسين الاوضاع.

ولا جدال فى أن البعثات التعليمية التى بدأت فى عهد محمد على الى أووبا ونشاط جمعيات التبشير ونفوذ العلماء الفرنسيين فى الطب والهندسية والفنون تركت آثارها على الناس، وقد ولد هذا التأثير احساساً عند النخبة المثقفة بأنه يمكن تطوير الأمور وتحسين الأحوال وهو الاعتقاد الذى عمقه تكوين مجلس شورى النواب سنة 1866.

ورأيى أن جمعية مصر الفتاة، تعد أولى الجمعيات فى هذا الشأن، رغم أن تأثيرها كان محدوداً باستثناء تنظيمها لعملية احتجاج ضد رئيس الوزراء والوزير البريطانى بسبب إحالة «2500» ضابط مصرى الى الاستيداع، مما أوجد تنسيقاً بين الحزب الوطنى والجمعية باشراف عرابى الذى كان يسيطر على الحركة السياسية للحزب الوطنى، وتطور التنسيق بين المجموعتين حتى توحد الحزبان وانتقلا للعمل العلنى، حيث اجتمعا فى مؤتمر بلور المطالب الوطنية فى وثيقة رفعت الى الخديو اسماعيل، تتضمن مطلباً اقتصادياً هو الابقاء على قانون المقايلة،ومطلباً سياسياً آخر، هو منح مجلس النواب سلطة تشريعية كاملة، وخاصة حقه فى التشريع الاقتصادى وتعديل قانون الانتخاب وتأليف وزارة مصرية صرفة وسارع اسماعيل الى محاولة احتواء هذه الحركة قبل ان تتضخم ولكى يستخدمها فى الضغط على الدول الأوروبية ولكن الدول الأوروبية سارعت  الى عزله!

وعندما انفجرت الثورة فى عهد الخديو توفيق، أصبح الحزب الوطنى هو القائد الفعلى للحركة السياسية فى البلاد، فيقول عرابى:

لقد كسب الجيش للمصريين حق التكلم فى مجلس النواب حتى لا يخدعوا ولا يضغط عليهم بالقوة، وقد عررف برلماننا كيف يتكلم ، تنتهى مهمتنا نحن الجنود ونحن مصممون على حراسة الشعب المصرى وحمايته من الذين يحاولون إسكات صوته.

وهو ما عبرت عنه المادة الرابعة من برنامج الحزب الوطنى حيث أشارت الى مجلس النواب التركى الذى أكره على الصمت، وقالت: ان الوطنيين قد فوضوا أمرهم الى أمراء الجهادية وطلبوا منهم أن يصمموا على طلبهم، لعلمهم ان رجال العسكرية هم القوة الوحيدة فى البلاد، وهم يدافعون عن حريتهم  الآخذة فى النمو، وليس فى عزمهم ابقاء الحال على ما هو عليه، بل متى تحصلت الأمة على حقوقها، ابتعدوا عن السياسة الحاضرة، وأن أمراء الجهادية عازمون على ترك التدخل فى السياسة متى فتح المجلس، فهم الآن حراس على الأمة التى لا سلاح لها.

وتصورى لدور الجيش كسلطة ثورية تحقق حقوق

الأمة، هو الذى جعل القوى الثورية  تنطلق لتحقيق هذا المفهوم عملياً، وكان المطلب التالى من مطالبها وقفة عرابى أمام الخديو فى عابدين للمطالبة باعلان الدستور وتشكيل مجلس نواب على النظام الأوروبى.

حينئذ قرر «الدون غورست» شق صفوف الحركة الوطنية وبمبادرة منه ألفت جماعة من المصريين حزب الاصلاح فى سنة 1907، ولمواجهة هذا الحزب كون مصطفى كامل حزبه السياسى الذى أطلق عليه على غرار حزب عرابى اسم الحزب الوطنى واحتل حزب الأمة فى الحركة الوطنية مكاناً متوسطا بين الحزبين!!

وشهدت مصر فى هذه المرحلة أحزاب اليمين واحزاب اليسار واحزاب الوسط، كان من ضمن احزاب اليمين الحزب الوطنى الحر وهو أول الاحزاب المصرية فى السنوات الأولى  للقرن العشرين، وهو يرى على حد تعبير رئيسه ومؤسسه محمد وحيد، أن الحكم النيابى يسعى اليه من أبوابه أما هذه الأبواب فى رأيه  فتتمثل فى اقناع الحكومة الانجليزية بهذا الطلب، وان مطلب الحكم النيابى يتم فى رأيه مع  الزمان، وبالتدريج، والطرق المشروعة!!

أما الحزب المصرى فقد تأثر فى مطلبه الدستورى، من منطلق طائفى، فقد اقترح تحقيقًا للحياة الدستورية، تكوين مجلسين، أولهما، وهو مجلس النواب رفض أن يتم تشكيله بطريق الاقتراع السرى الحر، وإنما بواسطة التمثيل الطائفى أو العنصرى، أما المجلس الثانى، أو ما سماه «الأودة التشريعية» فقد تصدر الحزب، فيما يتعلق بتشكيله تصدراً غريبًا، إذ رأى «اخنوخ فانوس» أن مصر بلد مختلط الأجناس، وبالتالى يجب أن تتألف تلك «الأودة» التشريعية، من أعضاء نصفهم من الأجانب، ونصفهم من المصريين، ويكون بمثابة الرقيب على المجلس الثانى!!

أما الحزب الدستورى فكان مثلاً أمينًا لجمود المحافظين الراغبين فى الابقاء على الأمور على ما هى عليه، وقد انسحبت هذه الرغبة على مطلبه الدستورى، الذى رأى تأجيله لعشرين سنة كاملة، ليستطيع الشعب أن ينال حقوقه الدستورية، ويستخدمها استخدامًا حسنًا!!

ثم يأتى حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية، فرغم أن اسمه حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية فإن القضية الدستورية احتلت المكانة الثالثة فى برنامجه بعد قضيتي تدعيم السلطة الخديوية، مطالبة انجلترا بتحقيق وعودها!!

أما أحزاب الوسط فكان الحزب الوطنى، وحزب الأمة، اللذان ضمن برامجهما، مطالب دستورية، كان صدورهما فهما يعبران عن رأى جماعات سياسية قوية، ومن ثم اكتسبت أهميتها، كما أن هذا الصدور، لم يعن مجرد الآراء النظرية، بل تضمن القدرة على التنفيذ.

وإذا كانت بين المطالب الدستورية فى برامج الحزبية، فلاحظ أنه بينما طالب الحزب الوطنى، فى ثانى مبادئه بحكومة دستورية كاملة، تكون السيادة فيها للأمة، وتكون الهيئة الحاكمة مسئولة أمام مجلس نيابى تام السلطة، طالب حزب الأمة بتوسيع اختصاصات مجالس المديريات، ومجلس شورى القوانين والجمعية العمومية لتصل البلاد بالتدريج إلى المجلس النيابى الذى يوافق حالتها السياسية.

الحزب الوطنى

وهذا الخلاف الحاصل بين الحزبين إنما هو فى الحقيقة حصيلة الأوضاع السياسية السابقة بقيام الأحزاب ذاتها، وقد اتخذت هذه الأوضاع اتجاهين:

الأول: يطالب بحياة دستورية كاملة، دعا لها رجال الحركة الوطنية، التى تمثلت زعامتها فى هذا الوقت، فى تحالف مع الخديو ورجاله، منهم مصطفى كامل، والشيخ على يوسف، فمنذ سنة 1902 ومصطفى كامل يطالب بالحكومة الدستورية، وفى عام 1904 استطاع الشيخ على يوسف أن ينتزع من الجمعية العمومية قرارًا بطلب تشكيل المجلس النيابى:

المعروف أنه كان وراء هذه المطالب، اتفاق بين الرجلين وبين الخديو عباس الثانى الذى رأى فى المجلس النيابى ركيزة يعتمد عليها، فى صراعه على السلطة، مع المعتمد البريطانى!

الثانى: أن الحزب الوطنى بعد تشكيله فى أواخر سنة 1907 كان هو التجسيد لتلك الحركة الوطنية التى امتدت لسنوات طويلة مثل ذلك، فكان من الطبيعى أن يستمر تمسكه بمطلب المجلس النيابى الكامل السلطات، من ناحية أخرى فإن التيار المعتدل ممثلا فى جماعة الشيخ محمد عبده فقد طالب بأن يكون لمجلس شورى القوانين اختصاص، وأن يكون رأيه قطعيًا فى كثير من المسائل وإذا كان تمسك كل من الحزبين الكبيرين بالمبادئ الدستورية، التى أرستها الاتجاهات السياسية التى تمخض عنها قيام هذين الحزبين يعد استمرارًا لأوضاع سابقة، وإن هناك ظروفًا لاحقة أيضًا قد دعت إلى هذا التمسك.

فبالنسبة للحزب الوطنى، فقد كانت الحقيقة الظاهرة، أنه حزب جماهيرى بالدرجة الأولى، وأن ترجمة هذه الجماهيرية، إلى سلطة يمكن أن تتم بالتمسك بالدستور، ومجلس نيابى تام السلطة فورًا وبدون تحفظات.

وبالنسبة لحزب الأمة فإنه لما كان النظام الشبيه بالنيابى القديم، يكفل لرجاله غالبية كبيرة داخل المؤسسات، فقد كان من الصعب التضحية بهذا النظام مرة واحدة بكل الاحتمالات، التى قد يجئ بها النظام الجديد من فقدان لما يملكه رجال حزب الأمة من مراكز داخل النظام القديم، وبالتالى فقد كان من الطبيعى أن ينظر الحزب للقضية الدستورية من زاوية توسيع صلاحيات مؤسسات النظام القديم لا القضاء عليه.

أما فيما يتعلق بأحزاب اليسار، فلم يطرح أى منها قضية الدستور، سوى الحزب الجمهورى الذى خالف كافة الجماعات السياسية الأخرى، بأن منح هذه القضية الأسبقية على كل ما عداها حتى عن قضية الاستقلال، على أساس أن نيل الدستور، هو الطريق إلى الاستقلال لا العكس، وقد خرج الحزب الجمهورى فى هذا من قاعدة سياسية تتفق مع مبادئه، على اعتبار أن المؤسسات المعبرة عن الجمهور هى أقدر المؤسسات على التوصل إلى الاستقلال.

والحقيقة: أن نشاط الأحزاب، يقتصر من أجل تحقيق المطلب الدستورى على ميادين العمل الحزبى التقليدى - صحف - اجتماعات سياسية - مظاهرات - بل يتعداها وبإلحاح إلى داخل المؤسسات الحكومية، وبالذات مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية.

فاتفاق الحزبين الكبيرين - الوطن والأمة - على خط سياسى واحد - أصبحا يكونان ثقلاً أساسيًا داخل المجلسين التشريعيين، حزب الأمة بأغلبيته العددية، والتى وصلت فى مجموعها إلى أكثر من نصف مجموع أعضاء مجلس شورى القوانين، والحزب الوطنى الذى وإن لم يكن له أغلبية عددية داخل المجلسين، إلا أن تأثيره على أعضائها كان أقوى من أن يقاوم، مما دفع المعتمد البريطانى لأن يذكر أنهما قد أصبحا أشبه بأداتين فى يد الحزب الوطنى!!

ويظهر اشتغال مجلس شورى القوانين، والجمعية العمومية بقضية الدستور - كعمل حزبى - فى أنه ما إن يطلب زعيم الحزب الوطنى من أعضائها أن يقرروا فى أول اجتماع لهم طلب الدستور، وألا يجتمعوا مرة أخرى إلا إذا حصلوا عليه، فلا يمر على هذا المطلب يومان إلا وتثار القضية بالفعل فى مجلس شورى القوانين، ولا يمر عليه إلا أكثر من شهر قليلاً، ويكون المجلس قد طلب باتحاد الآراء بجلسة 1/12/1908 من الحكومة اعداد مشروع قانون جديد للمجالس النيابية، فماذا حدث منذ سنة 1923 وحتى اليوم، هذا ما سنتحدث عنه فى الحلقة القادمة إن كان فى العمر بقية!!