رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم يكتب: دساتير للبيع

الملك فؤاد
الملك فؤاد

توفيق نسيم يستصدر مرسوماً من الملك لإبطال العمل بدستور 1930

رئيس الوزراء يطلب إعادة دستور 1923 بعد قيام ممثلى الأمة بتعديله

وزير الخارجية البريطانى ينصح بعدم عودة الدستورين بحجة افتقارهما للصلاحية

اندلاع شرارة الغضب بسبب اليد الأجنبية التى تعمل ضد مصالح الأمة

 

صدر دستور سنة 1930، وأجريت الانتخابات على أساسه، ودعا الملك البرلمان إلى الاجتماع وخرجت جموع الشعب تشهد موكب الافتتاح العتيد، وترى جلالة الملك فؤاد وهو فى طريقه إلى المجلس، ووقف إسماعيل صدقى يقرأ خطاب العرش الذى أذيع فى طول البلاد وعرضها، وكان فى إذاعته دعاية للوزارة ولدستورها الجديد، واستمعت البلاد مع نواب الشعب إلى خطاب الرئيس، ووقف الرجل يرحب بالعهد الجديد ونوابه، ولم ينس أن يشير إلى قصر المدة التى سوف يستغرقها اجتماع المجلسين وما يرجو أن يتم خلالها من خير لصالح البلاد!

وتمر الأيام، ويمر إسماعيل صدقى بأزمة صحية اعتكف بسببها عدة أيام فى فندق مينا هاوس، ثم وجد الرجل أن واجبات وحقوق صحته تستوجب عليه السفر إلى الخارج للعلاج، وسافر صدقى وكأنما قد أخلى بسفره هذا الجو للمتدخلين فى شئون الحكم والسلطان.

وتعاظم شأن زكى الأبراشى، ناظر الخاصة الملكية، وتعدى نطاق اختصاصه، حتى أصبح أتفه الأمور الخاصة بالدولة يتم التصرف فيها حسب مشيئته، ووفق إرادته، وكأنه ظن أنه جمع بين نظارة الخاصة الملكية ورئاسة مجلس الوزراء، وعاد إسماعيل إلى البلاد فى سبتمبر 1933، وقبل عودته بيوم كان يحس أن فى الجو شيئا مخيفا ستظهره الأيام.

نعم لقد كان هناك شيء فعلا، هذا الشىء هو تدخل الأبراشى فى شئون الحكم، الأمر الذى رفضه وأنكره رئيس مجلس الوزراء، فقدم استقالته إلى الملك، ولكن إزاء العطف السامى والرعاية العالية وجد نفسه مجبرا على سحب هذه الاستقالة.

وسارت الأمور، ثم تعقدت من جديد، لتدخل أو تدخلات جديدة وعديدة من جانب الأبراشى، لقد أراد صدقى أن يعين وزيرا فى وزارة خاصة، وأراد الأبراشى تعيين وزير آخر لنفس الوزارة، فرفض صدقى، وأصر على موقفه، ولم يجد إلا أن يقدم إلى ولى الأمر استقالته.

 

التحدى

استقال صدقى بعد أن شعر أن هناك يدا غير يده تريد أن تشاركه فى تصريف الأمور، فلم يجد إلا أن يغضب لكرامته ويترك الوزارة، وقبل الملك استقالة رئيس وزرائه وأصدر مرسوما بإسناد أعباء الحكم إلى عبدالفتاح يحيى أحد الوزراء السابقين فى وزارة صدقى ووكيل حزب الشعب!

ولما كان الدستور يوجب على الوزارة التى تحمل مقاليد الحكم أن تتقدم إلى البرلمان فى خلال مدة قانونية ليقترع عليها ثقته أو يسحبها منها، ولما كان رئيس الوزراء الجديد من الأعضاء البارزين فى حزب الشعب إذ كان وكيله، وكان فوق هذا وزير الخارجية فى الوزارة السابقة، فقد عقد إسماعيل صدقى اجتماعا فى دار الحزب خطب فيه، وحدد سياسته وسياسة حزبه قبل الوزارة مطالبا إياها لضمان تأييده البرلمانى أن تعتبر الوزارة نفسها وزارة شعبية، أى يكون وجودها استمرارا للوزارة الصدقية بسياستها باعتبار أن رئيسها وكيل للحزب السائد وبها وزيران شعبيان، وأن تتبع المنهج الذى رسمه الحزب، وتبعته الوزارة السابقة ونفذته.

واعتبر عبدالفتاح يحيى تصريح صدقى وخطابه هذا تحديا له وماسا بكرامته، فاحتج لتدخل رئيس حزب الشعب فى شئون وزارته، ومجاهرته بذلك التدخل، وإملائه للوزارة سياسة قد لا يرضاها أو لا يحب السير فيها.

وظهرت فى الجو غيوم، وتوترت العلائق بين أصدقاء الأمس، ووقف كل فى ناحيته يتحدى! والمتتبع للأمور يرى أن صاحب اليد المتدخلة، فى مسير الأمور كانت ليده آثار، وكانت يده لم تزل تعمل فى الخفاء، وكان لها أثرها فى تعكير العلائق بين الأصدقاء.

تعمد الأبراشى باشا أن يزداد الجو بين صدقى والوزارة ظلمة، وبدأت الوزارة تتحدى صدقى ودعا الأخير إلى اجتماع لأعضاء حزب الشعب، وأحست الوزارة أن فى دعوة صدقى لأعضاء الحزب تحديا للوزارة فلجأت إلى استعمال وسائل غريبة ما كان ينتظرها عدو ولا صديق، الأمر الذى أثار إسماعيل صدقى وجعله يسارع إلى تسجيل المخالفات وذلك فى كتاب بعث به إلى رئيس الوزراء وقال:

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء منذ الأمس تواترت لدى الأنباء بأن حملة شديدة توجه من حضرات المديرين ومن موظفين آخرين كبار على حضرات النواب الشعبية، وسدى هذه الحملة ولحمتها، التهديد تارة والترغيب تارة أخرى وغايتها دفع حضرات النواب إلى حضور حفلة شاى ستقام فى الغد بدار أحد أعيان الأقاليم، والثانى ترغيبهم عن قبول دعوة الغداء التى دعوتهم إليها بمنزلى فى الغريب!!

والأمر بالغ الخطر.. لأن التدخل بين النائب وحريته يمثل الأساليب التى اتصل بنا خبر الكثير منها ليس إلا افتئاتا صارخا على التقاليد الدستورية وعلى الحرية المكفولة بالدستور.

لقد ثارت ثائرة الوزارة، وغضب دولة رئيسها لأن إسماعيل صدقى أحب أن يتبع وكيل حزب الشعب فى حكومته الجديدة نفس سياسة رئيس الحزب فى وزارته السابقة، وراحت الحكومة تناوئ الرجل وتحاربه وكرهت أن يكون صدقى فى موضع الرقيب عليها وأن يجلس فى مقعد رئاسة النواب.

ثم أعلن بعد ذلك بيانا قال فيه:

يعلم إخوانى أعضاء حزب الشعب أنى لم أرشح نفسى لرئاسة مجلس النواب، وإنما تمسك بى به رهط كبير منهم بحسبانها حقا طبيعيا من حقوق حزب الشعب ودلالة على ثقتهم بى، وبما أن هذا الأمر قد وصل إلى تصرفات لبعض الموظفين من شأنها أن تلحق ضررا بوحدة الحزب وأن تؤثر فى المظهر النيابى فى حين إن مسألة الرئاسة هى مسألة ثانوية من حيث قيام النائب بواجبه النيابى، ومن حيث عدم تأثيرها فى مقام النواب، لذلك جئت بهذه الكلمة راجيا من حضرات نواب  حزب الشعب ألا يتمسكوا بترشيحى لرئاسة مجلس النواب.

وأعلن رئيس الوزراء أن بيان إسماعيل صدقى بتنحيه عن رياسة مجلس النواب مناورة مكشوفة لإسكات الفريق المعارض فى حزب الشعب، ودعى البرلمان إلى الاجتماع، وبدأت الدورة أعمالها. وأحس صدقى أن فى وجوده ما لا يتفق ورأى الحكومة ورغبتها، فاستقال من عضوية مجلس النواب ليخلى الجو للحكومة الجديدة وأنصارها وكتب فى 7/12/1933 إلى معالى رئيس مجلس النواب يقول:

حضرة صاحب المعالى

أتشرف بأن أرجو معاليكم أن تتكرموا بعرض استقالتى من عضوية مجلس النواب على هيئة المجلس الموقر، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

ولما كانت الاستقالة من عضوية المجلس من اللازم أن يستتبعها اجراء دستورى آخر وهو الاستقالة من رئاسة حزب الشعب - لأن فى الاستقالة من المجلس ما يعنى قطع الصلة العملية بالحياة النيابية - فقد أسرع إسماعيل صدقى بتقديم استقالته من حزب الشعب!

واجتمع الحزب واصدر قرارًا اجماعيًا بقبول الاستقالة وتوجيه خطاب شكر إليه!!

وتحكى سنة قراعة فى كتابها نمر السياسة المصرية أن خطاب الشكر الذى قرر الحزب ارساله إلى إسماعيل صدقى لم يكن قرار صدوره اجماعيا، بل تحت تأثير ضغط رهيب، وتهديد كان غريبًا فى بابه، وغريبا أن يصدر من رئيس مجلس وزراء.

فقد جمع نائب رئيس حزب الشعب أعضاء الحزب فى جلسة خاصة حضرها حلمى عيسى وزير المعارف وقتها وفى هذه الجلسة هدد الوزير والرئيس جميع الأعضاء من النواب بأنهم إن لم يؤيدوه على طول الخط، ويقبلوا استقالة رئيسهم السابق من الحزب ومن مجلس النواب دون كلمة أو معارضة فسيقضى على النظام الحالى ويحل البرلمان!

وصدرت الصحف وفيها اشارة صريحة إلى ذلك التهديد، ولم يجد صدقى إلا أن يعود وأسرع يكتب إلى رئيس مجلس النواب يسترد استقالته التى كانت لم تعرض بعد على أعضاء المجلس!

الاستقالة!

وحكى إسماعيل صدقى فى كتاب استرداد استقالته الاجتماع الذى دعا إليه كبير الوزراء وما حدث فيه وقال:

حضرة صاحب المعالى رئيس مجلس النواب:

سبق أن بعثت لمعاليكم بخطاب طلبت فيه عرض استقالتى من عضوية مجلس النواب على هيئة هذا المجلس وقد اطلعت اليوم بجرائد الصباح على تصريحات منسوبة لحضرة صاحب الدولة رئيس الحكومة وحضرة صاحب المعالى وزير المعارف قيل إنها القيت على مسامع حضرات النواب الشعبية والاتحاديين وفيها النذير بحل مجلس النواب إذا لم تتجه أصواتهم لناحية معينة عند عرض استقالتى فى هذه المساء.

وقد كانت هذه التصريحات محل الدهشة منى حتى أنى ترقبت صدور جرائد المساء لعلى أقرأ بها ما يفيد أن ما نسب إلى الوزيرين مخالف للواقع، وقد صدرت هذه الجرائد فإذا هى من الأسف الشديد تؤيد أنباء التصريحات المذكورة بصورة لا تحتمل شكا ولا ايهاما.

إزاء ما تقدم ولعلمى أن حل مجلس النواب، هو إجراء خطر لا تلجأ إليه الحكومات إلا حيث يتعذر التفاهم بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية فى اتجاهات الحكم الرئيسية، وليس قبول أو رفض استقالة نائب من هذه الشئون فى كثير أو قليل.

ولحرصى من جانب آخر على استقرار الحياة النيابية التى عملت لها منذ الساعة الأولى بجهد واخلاص طالما شهد بها النواب المحترمون، وقد يبدو لى مما أنا موقنه من شعور حضراتهم نحوى أن عرض استقالتى ربما أثار بين النواب والحكومة خلافًا قد يؤدى لما تنبو عنه الحكومة ويخالف مقتضيات المصلحة العامة. لذلك رأيت أن أسحب استقالتى من عضوية المجلس حتى لا أهيئ فرص النيل من النظام الحاضر فى شأن هو خاص بى، ولا علاقة له بتوجيه السياسة العامة للبلاد.

وتفضلوا معاليكم بقبول وافر الاحترام،

إسماعيل صدقى

«امضاء»

 

«الاسترداد»!

كان طبيعيًا أن تفاجأ الوزارة بنبأ استرداد الاستقالة، وأن تروعها الحقائق التى اوردها صدقى فى كتاب الاسترداد، وسارع رئيسها لمحاولة تغطية موقفه للاتصال بالصحف، ووزع عليها بيانًا رد به على كتاب استرداد الاستقالة جاء فيه:

إن نتيجة الانتخابات لمكتب مجلس النواب التى جرت بالأمس فيها الرد على مزاعم دولة صدقى باشا، ولا تدع مجالا للشك

فى أن دولته قد فشل فى مناورته السابقة، فقد كان يتوهم أنه يستطيع أن يحمل غالبية أعضاء مجلس النواب على التمسك بعضويته حتى يتسنى له أن يقول بعد ذلك - كما هى عادته - أنه نزولا على ارادتهم لا يسعه إلا سحب الاستقالة!

فكما  أيقن أن حضرات أعضاء المجلس لن يجاروه فى مناورته لم ير بدًا من أن يسحب استقالته بيده مستترا وراء أسباب يدعيها.

ومما يدعو إلى الأسف أن دولة صدقى باشا يظهر نفسه فى المناسبات التى يخلقها خلقا بمظهر الحامى للحياة النيابية، القوام على كرامة النواب، وفاته أن حرص النواب على كرامتهم، وإدراكهم لواجباتهم النيابية هو الذى جعلهم يجتنبون المضى فى دولة صدقى باشا فى مناوراته الملتوية وبذلك برهنوا للملأ على أنهم فوق مظان دولة صدقى باشا وأوهامه!

ولم ينكر رئيس الوزراء اجتماعه بنواب حزب الشعب فى داره لكنه أنكر تهديده بحل المجلس وقال فى ذلك: «حادثت حضرات النواب الشعبيين الذين اجتمعوا فى دارى بعد ظهر الأحد بصفتهم هذه راجيا ألا يفضى موضوع استقالة صدقى باشا عند عرضه على مجلس النواب إلى تكرار ما حدث فى الحزب عند عرض استقالته من رياسته، لأنه ليس من شأن تكرار المناورات سوى تزعزع الحياة النيابية، طالبًا إليهم أن يبذلوا جهودهم ليحولوا دون وقوع تلك المناورات.

ونفى - بعد ذلك - وزير المعارف ما نسب إليه من تصريحات، واعتبر الأمر منتهيا من جانب الحكومة وعلى اثر ذلك قدم نواب الحزب الوطنى إلى الحكومة استجوابا فى هذا الشأن مدعما بأسانيد دعمتها ما جاء فى الصحف خاصا بتدخل الوزارة وتهديد الأعضاء بحل المجلس.

وأعلن حافظ باشا رمضان أن فريقا من النواب عنده وهم يؤكدون صحة هذه الوقائع، وأن نفى الحكومة سيضطر الحزب إلى أن يطلب من المجلس اجراء تحقيق برلمانى.

وأضاف أن تلك التصريحات هى أخطر ما يصدر من حكومة لنواب وتتعارض مع أبسط المبادئ الدستورية التى تكفل للنواب كرامتهم وحريتهم فى ابداء الرأى، وتعتبر اعتداء صارخًا على الدستور!

بعد ذلك طلق إسماعيل صدقى الحزبية ومرت أيام وشهور، وتبدل الناس وتغيروا، وذهبت وزارة عبدالفتاح باشا يحيى، وزال عنها جلال الحكم، وطوى الزمن صفحة حياتها التى أوضحت وأبانت عن الكثير عن طوايا الناس وخفايا النفوس، وجاءت إلى الحكم وزارة جديدة على رأسها سياسى من طراز قديم هو محمد توفيق نسيم باشا.

رئيس الديوان!

والمعروف أنه لما كان إسماعيل صدقى رئيسا للوزارة، وكان توفيق نسيم رئيسا للديوان الملكى العالى، قدم رئيس الوزراء إلى الملك فؤاد مشروع دستوره الجديد، فرفع نسيم باشا بدوره إلى الملك مذكرة ضمنها رأيه فى مشروع ذلك الدستور، وأشار إلى بعض مواد فى صلبه اقترح أن يستبدل بها أخرى من وضعه وتنقيحه.

وثارت المعارضة وقتها لاعتراف رئيس الديوان على مشروع الدستور وطنطنت، ودوت أبواق دعايتها واتخذت من الأمر مادة لمهاجمة الدستور وتجريح صاحبه وخروجه فى صلبه ومبناه على ارادة الأمة.

ولم يؤيد الملك رئيس ديوانه فى رأيه فقد كان الملك ينشد استقرارا ويريد ثباتا لنظام أراده... ومرت أيام قلائل، وقيل وقتها إن فى الجو شيئا، وصدر الدستور، واستقال توفيق نسيم من منصبه كرئيس للديوان الملكى، وعين بمرسوم عضوًا فى مجلس الشيوخ الجديد، ومرة أخرى استقال من عضوية المجلس.

ومرت الأيام والناس تعرف أن توفيق نسيم له فى دستور 1930 رأى معروف، وحين ظهر على مسرح السياسة المصرية كرئيس لمجلس الوزراء فكان طبيعيا أن يجد فى الأمر جديدا، وأن تظهر فى الأفق بوادر جديدة.

ورحبت المعارضة بتوفيق نسيم، ونوهت إلى ما يمكن أن تفيده البلاد على يديه، ومرت الأيام من جديد، ولم يطل بالناس انتظارهم للمفاجأة المنتظرة، ففى 30 نوفمبر سنة 1934 صدر مرسوم ملكى بإلغاء دستور إسماعيل صدقى الذى صدر سنة 1930!

نعم اقتصر المرسوم فى مبناه على إلغاء دستور سنة 1930، وابطال العمل به، وحل مجلسى البرلمان القائمين.

وقرر مرسوم الحل أن يظل شكل الدولة ومميزاتها ومصدر السلطات وتوزيعها وحقوق المصريين وواجباتهم كما نص عليه الدستور المصرى الأول، وأن يتولى الملك بواسطة وزرائه السلطة التشريعية وسائر ما خص به البرلمان زيادة على السلطة التنفيذية، وذلك إلى أن يوضع نظام دستورى جديد يحل محل النظام الذى الغاه هذا الأمر.

هكذا ألغى دستور سنة 1930، ولم يستطع توفيق نسيم أن يعيد دستور سنة 1923 بنفس السرعة التى ألغى بها الدستور الجديد لاعتبارات أثارت البلاد وأقامتها وأقعدتها!!

وفى 20 ابريل سنة 1935 يكتب توفيق نسيم إلى الملك كتابا يطالب فيه بإعادة دستور سنة 1923 منقحاً طبقا لنص الدستور المذكور لو رأى جلالته تنقيح شىء منه، أو وضع دستور تقره جمعية تأسيسية ترضاها البلاد.

ولما كان ارسال مثل هذا الكتاب غير مألوف ومنطويا على معان كثيرة، فقد أجاب الملك وزيره الأول بكتاب أرسله إليه بعد ثلاثة أيام يؤكد فيه تأييده لتحقيق المهمة العظمى التى اختارها لها، ويذكر أنه يذكر إعادة دستور سنة 1923 على أن يعدله ممثلو الأمة بما تدعو إليه الأحوال، ويرجو الله في كتابه التوفيق والسداد.

ومفاد ذلك أن الرجل الذى استصدر مرسومًا بإلغاء دستور سنة 1930 كان يريد فى صراحة وبدون مواربة أن يعدل دستور سنة 1923، أى أنه ألغى دستورًا ليخلق هو الآخر أو يعدل أو ينقح فى دستور قديم. وفى ذلك اعتراف صريح بأن الدستور القديم بوضعه ونصوصه القديمة كان فى حاجة إلى تغيير وتبديل وإصلاح!

ولما تكاثرت الأحاديث والشائعات فى هذا الأمر أعلن «سير صامويل هور» وزير الخارجية البريطانى فى خطاب سياسى له أنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية نصحت بأن لا يعاد دستور سنة 1923 ولا دستور سنة 1930 إذ قد ظهر أن الأول غير صالح للعمل، وأن الثانى لا ينطبق على رغبات الأمة.

نعم: لقد كشف تصريح وزير الخارجية البريطانى النقاب عن خفايا السياسة، وأبان لرجل الشارع فى مصر أنه كانت هناك يد أجنبية تعمل ضد ارادة الأمة واجماعها، فاندلعت شرارة الغضب، وثارت النفوس، وحمل الشباب - كعهده دائما - مشعل التحرر، وطالب الزعماء بالاتحاد، وأجبرهم على الخضوع لإرادته وتكوين الجبهة الوطنية.

ومرة أخرى اتحدت الأحزاب وطالبت بإعادة الدستور واستطاع رئيس مجلس الوزراء أن يستصدر مرسوما ملكيا بإعادة ذلك الدستور، ويطفو على السطح أخطر سؤال: كيف استطاع رئيس مجلس الوزراء أن يستصدر هذا المرسوم؟!