رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: مناوشات حزبية

سعد زغلول
سعد زغلول

الملك يكلف «زيور» بتشكيل الوزارة بعد استقالة سعد زغلول

الحكومة تقرر حل مجلس النواب بعد اجتماعه الأول بسبب عودة زعيم الأمة

محمد محمود يحكم البلاد بيد من حديد ويعطل الحياة النيابية ثلاث سنوات

إسماعيل صدقى يبدأ عهد وزارته بتأجيل انعقاد البرلمان

 

صدر دستور سنة 1923 متضمنا مبادئ جاهدت مصر طويلا لإقرارها والاعتراف بها، وثارت بسببها ثورات عدة، ووقعت مذابح، وحلت أزمات، وتبدلت آراء وردود، ولكن كل هذا لم يؤثر في الأمر شيئا ما دام قد صدر، وقرر ما قرر من مبادئ وآراء وأحكام، ونظم ما نظم من قوانين ولوائح وعلاقات بين الحكام والمحكومين.

صدر الدستور أخيرًا كنتيجة حتمية لإعلان استقلال مصر الملكية ذات السيادة داخليا وخارجيا، كان صدوره نفحة كريمة من نفحات الخلد هبت علي أرواح المجاهدين القدامي في سبيل إصداره والعمل به، ووسام رفيع جليل، زين صدور أولئك الذين أفلحوا في الخروج به من دنيا التصورات والدراسات والمناقشات إلي عالم الحقيقة!!

صدر دستور سنة 1923 خاليا من أي حكم يتعلق بالتمثيل النسبي للأقليات، صدر الدستور متضمنا جميع الأحكام الخاصة بكفالة المساواة في الحقوق للمصريين جميعا، بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة أو غيرها، مع حرية الاعتقاد الدينى، وحرية ممارسة الشعائر الدينية.

صدر الدستور وقانون التضمينات، وبدأت الحكومة تعد العدة للانتخابات الدستورية، التي ستجرى معركتها عام 1924، وخاض الوفد غمار المعركة الانتخابية، وسلاحه فيها سمعته وشهرته ومكانته، وعظمة رئيسه التي وصلت وقاربت مكانة الرسل والأنبياء، وفاز الوفد، وألف سعد وزارة الشعب الأولى، وبدأ مجلسا البرلمان أعمالهما، ومرت الدورة البرلمانية الأولى، وحلت الدورة الثانية، وخلال هذه الدورة قتل سردار الجيش المصرى، وحاكم السودان العام، ويوجه المندوب السامي البريطاني إلي سعد إنذارًا يطالبه بالتحقيق في الحادث، وبدفع غرامة مقدارها نصف مليون جنيه لأرملة الفقيد، وبسحب الجيش المصرى من السودان، ونزل سعد علي المطلبين الأولين ولباهما دون معارضة، ولكن طلب سحب الجيش كان أمرا من العسير تنفيذه، وأصر الإنجليز علي ضرورة تنفيذ مطلبهم، فاستقال سعد، وخلف تركة رهيبة مثقلة أوجدتها الظروف القاسية والقدر المظلوم!!

استقالة «سعد»

استقال سعد وتركت وزارة الشعب مقاليد الحكم، وعهد الملك فؤاد إلي أحمد زيور باشا رئيس مجلس الشيوخ بتأليف الوزارة، فقام بالمهمة، وصرح بأن سياسة وزارته هي انقاذ ما يمكن انقاذه!!، وتتعطل الحياة النيابية، وتحل الحكومة مجلس النواب، واجريت الانتخابات لرئاسة المجلس ففاز فيها سعد علي ثروت، وأصبح بحكم هذا الإجماع رئيسا لمجلس النواب، ووجدت الوزارة نفسها أمام موقف صعب، إذ عاد سعد ثانية إلي مسرح السياسة لا رئيسا للوزارة، بل رئيس مجلس النواب الذي من شأنه أن يكون رقيبًا علي أعمال الوزارة، وسعت وزارة زيور إلي انقاذ ما يمكن انقاذه، والانقاذ هنا في هذه المرة كان انقاذ البلاد مما يجر إليه وجود المجلس الحالي وكان أن أقدمت علي حل مجلس النواب الذي لم يكد تمضي علي اجتماعه الأول عدة ساعات!!

وهكذا شهدت مصر ألوانا بالغة الغرابة من الصراع الدستورى والمناوشات الحزبية، كان تعطيل البرلمان ثم حله بعد ذلك، ثم اجراء انتخابات جديدة، ثم حل المجلس الجديد بعد ساعات من اجتماعه غرائب متتابعة ارتاع لها الجميع!!

وفي سرعة غريبة وغير متوقعة تبدل الجو وتغير الحال، وأصبح محمد محمود رئيسا للوزارة، ووجدت هذه الوزارة نفسها في موقف بالغ الحرج كان من اللازم لكي تستكمل مسببات بقائها دستوريًا أن تستند إلي غالبية برلمانيةن وأن يعلن مجلس النواب القائم ثقته بها، ولكن كان ذلك أمرا مستحيلا، إذ لم تكن لها بالمجلس غير اقلية ضئيلة لا يمكن أن تسندها أو أن تضمن بقاءها في ميدان الحكم، وعلي كراسيه وتحمي ظهرها المكشوف من هجمات المعارضة البرلمانية التي ستواجهها لو حدث وتمت المواجهة!!

وقرر محمد محمود أن يحكم البلاد بيد من حديد، فاستصدر مرسومًا بتعطيل أعمال مجلس النواب شهرًا واحدًا ثم استصدر مرسوما آخر بتعطيل الحياة النيابية في البلاد لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ثم تهب علي الوزارة العواصف السياسية فيقدم صاحب اليد الحديدية استقالته، ويعهد الملك فؤاد إلي عدلى يكن بتشكيل الوزارة، فأجرت انتخابات كان  نتيجتها فوزا ساحقا للوفد، وعودة مصطفي النحاس إلي تولي الوزارة في أوائل سنة 1930، وأقيل النحاس وحكم بعده الأحرار، واتبعوا في حكمهم سياسة لم ترض عنها البلاد، فاستقالوا ليعود الوفد إلي الحكم مرة أخرى، ثم اقيل بعدها، وفي نادي محمد علي حدث زكي الابراشى إسماعيل صدقى برغبة الملك في أن يشكل الوزارة، وقال إسماعيل صدقي إنني أفخر بثقة جلالة الملك، ولكن أود أن أخبره أنه إذا تم اختيارى أن أمحو الماضى بما له وما عليه، وأن أنظم الحياة النيابية تنظيما جديدا يتفق ورأيي في الدستور واستقرار الحكم.

وحدد إسماعيل صدقي أساس برنامجه الحكمى: إصلاح أداة الحكم، وتعديل الدستور تعديلا يضمن الاستقرار والسلام، وقال إن الاستقرار والسلام عنصران فقدتهما أجواء السياسة المصرية منذ عرفت البلاد نظام الدستور!

وأضاف: أن مواد الدستور في بعض فقراته وقد وضعها الأول كان من اللازم أن تعتبر تجربة غير ملزمة بضرورة اعتبارها تشريعا سماويا من الكفر أن ترقي إليه العقول بالجدل أو النقاش أو الاشارة إلي تعديل أو اصلاح مادام قد نص علي الخضوع لنظمه والاستمساك بلوائحه دون نقاش.

واستطرد قائلا: إن الدستور ثوب فضفاض يتطور بتطور الزمن، ويتغير مع تغير الحوادث والاخطار، وعلي أضواء التجارب والمشاهدات أن تعدل بعض مواده وتستكمل نواقصها بعد إجراء التجربة وتعرف مدي نجاحها بما يوافق نظم التطور وسنة الاصلاح، وأنه إذا كانت الحياة النيابية في مصر لم تلق برغم قصر عهدها أي استقرار لعدم توزيع القوي الحزبية توزيعا عادلا وعلي أسس سليمة ومتمشية مع الصالح العام في بلاد لم تستكمل بعد شتى معاني النضوج الفكرى والسياسى والتعليمى فقد كان من اللازم أن يفكر المصلحون في اقرار هذا النظام وتثبيت دعائمه بما يتماشي وصالح الأمة، ومدي وعيها من شتي نواحيه بتعديل نظم الحياة النيابية تعديلا يضمن استقرار الحكم، وأن وضع الدستور سنة 1923 كان منقطع الصلة بالماضي فإنه علي وجه العموم، وفيما عدا ما احتفظ به من الانتخاب بدرجتين ليس بينه وبين نظام الجمعية التشريعية أو ما تبعه من نظام مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية سبب أو نسب. لقد وضع هذا الدستور على نظام الدستور البلجيكى مستعيرا من غيره من الدساتير الحديثة أحكاما مختلفة من هنا وهناك، فكان من ذلك كله مجموعة يصح أن تعتبر صورة صادقة لما بلغته الديمقراطية فى أوروبا فى العصر الحديث.

وإن المطلع على تاريخ الدساتير الأوروبية سيري أن هذه الصورة الأخيرة لم يبلغها طفرة واحدة أى بلد من البلدان التى نشأ وترعرع فيها النظام النيابي، وأن الدساتير وضعت فى كل بلد وفق أحواله المعاصرة له، وأن التطورات الاقتصادية و الاجتماعية بعد أن تبلغ مداها يكون لها أثرها فى تعديل تلك الدساتير تعديلا يجىء تارة بطريق قلب الدستور وتغييره وطورا بالطرق التى رسمها الدستور نفسه.

 

اختلاف الدساتير

ومن يستقرئ أخبار وضع الدساتير لن تفوته ملاحظة أن كثيرا من واضعى الدساتير الحديثة يعمدون إلى الانتفاع بخبرة الغير فى الأمور الدستورية، دون مراعاة ما بين بلد وبلد من الفوارق فى الخلق والطباع والنظم الاجتماعية، ويظنون خطأ أن آخر الأوضاع خيرها إطلاقا، كما أن أحدث المخترعات أكملها أو أن ما نجح فى بلد لابد ناجح فى غيره من البلاد، ويرون أن النقل عن الغير أقل كلفة وأهون نصا إذ كان البحث أو الاستقرار فيما يناسب ويلابس حال كل بلد أمرا صعب المسلك طويل المشقة.

ولا شك فى أن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية العامة فى مصر خصوصا من حيث التعليم ونوع الثورة العامة وتوزيعها، لا تشبه فى كثير أحوال البلاد التى نقل عنها الدستور المصرى سنة 1923، ولا يجهل أحد أن هذا الدستور وضع فى وقت بلغ فيه الخلاف بين المشتغلين بالمسائل العامة والمشايعين لهم حد الفتن، ولهذا كان من الواجب أن يفرق بين  دساتير البلاد التى عالجت النظام النيابى دهرا طويلا وبين ما يوضع لنا بقدر ما يقتضيه اختلاف الشبه بين أحوالنا وأحوالهم، كما كان من الواجب أن يجعل الدستور بحيث لا تعلق به آثار الفتنة التى ولد فى جوها.

وليس يعنينا، بل يعنى التاريخ وحد أن نعرف ماذا كانت هذه الغاية الأخيرة مما كان يمكن أن يحققها الذين وضعوا الدستور.،. وإنما الذى يعنينا أن نقرره، هو أن دستور سنة 1923، لم يحقق فى تلك السنين ما عقد عليه من الآمال من أنه خير الغايات على يد الصالحين لذلك، القادرين عليه.

والدليل على ما تقدم أنه منذ أن جرت الانتخابات لأول مرة، استعملت فى سبيل النجاح فيها طرق لم تألفها البلاد، ودعايات بعيدة عن أن تكون مقبولة فى شرعة الدساتير، وأخرج كثير من أحكام قانون الانتخاب عن غرضه وعن وضعه الأصلى!، كما حدث ذلك فى أحكام تزكية المرشحين، واستغل تاريخ النهضة لمصلحة فريق أحسن استعمال ذلك النوع، من الاستغلال فجاءت نتيجة الانتخابات سواء فى مجلس الشيوخ أو فى مجلس النواب موافقة لشهوات ذلك الفريق بالظفر بالغلبة، وقد تم له الظفر بحيث لم يترك مكانا لمعارضته قيمة، وفات الظافرين أنهم خالفوا بذلك مصلحتهم الحقيقية، كما خالفوا لب النظام البرلمانى وجوهره، وأسست من ذلك اليوم فى مصر أوتوقراطية جديدة فى صورة برلمانية وأرادت تلك الأوتوقراطية أن تستديم لنفسها سلطانا بفضل تلك الطوارئ العارضة فكان أول ما اتجه إليه نظرها تحويل الانتخاب إلى انتخاب مباشر، موهمة أن هذا النوع من الانتخاب هو خير نظام أخرج للناس!

وفى الحق أنه لا يمكن أن يوصف أى نظام من أنظمة الحكم بأنه خير الأنظمة، فليس فى طبيعة أى نظام أن يكون صالحا لكل زمان ومكان مادامت الأمم، بل الأمة الواحدة على توالى العصور تختلف عاداتها وطباعها ونهضتها وأخلاقها ودرجة التعليم فيها، حتى لقد قال أحد الحكماء: جرت سنة الاجتماع وطبائع الشعوب بأن الأنظمة مهما تبلغ من الكمال ليست فى الواقع إلا حسابا وتقديرا مرماه، ونتيجته تفضيل أخف الضررين!

وفريق الأوتوقراطية كان قد جرب عدة مرات فى الحكم فأظهر فيها عجزا، وأوشك أن يلحق فى كل مرة بالبلاد وسمعتها ضررا بليغا، ذلك أنه لم يسلك فى الحكم السبيل المستقيم، فقد شغل باستدامة أسباب النفوذ والسلطان لنفسه، وبتوفير وجوه المنابع لأنصاره والثأر من خصومه، عما يقتضيه الحكم من توفر على النظر فى حاجات البلاد وضروب الإصلاح، وتضحية فى سبيل إسعاد البلاد ورقيها.

ولا شك فى أن داء البلاد الوبيل كان فى ذلك الحين طغيان

فئة اتخذت من الدعاية التى تنشرها بين الناخبين والنواب جميعا سببا ممدودا للحكم والتحكم، فإن هى أقصيت عن الحكم حاولت استثارة عطف الجماهير بدعوى اضطهادها لدفاعها تارة عن استقلال البلاد، ثم عن الدستور تارة أخرى، فهى فى سبيل مصلحتها الخاصة كانت تصرف البلاد عن سبيل الخير وتشغلها عن حل مشاكلها وإصلاح شئونها.

وأضاف الرجل أن صالح البلاد يفرض على القائمين على أقدارها محو الماضى بما له وما عليه بإصدار دستور جديد تستفتح به صفحة جديدة فى تاريخها الحديث، فكان أن صارح الأبراشى باشا بهذا الحديث حمل الأخير إلى الملك فؤاد الأمر برمته.

وعاد الأبراشى باشا يبلغ إسماعيل صدقى ارتياح جلالة الملك إلى الحديث الذى نقله إليه وأنه قرر اختياره لتشكيل الوزارة!!

واختار إسماعيل صدقى وزراءه فكانت له الرياسة والداخلية والمالية والبحرية ولتوفيق رفعت الحربية ولعبدالفتاح يحيى الحقانية وحافظ حسن للأشغال والزراعة وعلى ماهر للمعارف وحلمى عيسى للأوقاف وحافظ عفيفى لوزارة الخارجية!

وسارع «صدقى» بعد أن أتم اختيار وزرائه وألّف وزارته فى 19 يونية سنة 1930، وقبل إعلان تشكيل الوزارة إلى السير برس لورين المندوب السامى البريطانى ليخبره بنبأ تشكيل الوزارة!

 

الملك والمندوب السامى!

وبدأ صدقى تنفيذ خطته فحصن نفسه، وقوى مركزه، وأسند ظهره وحماه جيدا بأن عرض على الملك برنامجه، فنال موافقته الكاملة، ورضاء جلالته، وهكذا أدرك صدقى الانتصار، وتخيل صدقي أنه حقق انتصاره كاملاً لما زار المندوب السامى في داره قبل أن يعلن نبأ إسناد الوزارة إليه بصفة رسمية ليعرف اتجاه السياسة الخفية ذات الأثر في الاستقرار، حتى يكون علي علم بمسيرها وشتى حركاتها بل وميولها وأهوائها!

تبقي على إسماعيل صدقي بعد هذا أن يواجه الشعب، فأعلن علانية للشعب سياسة وزارته لتكون وعوده ودرايته السياسية والاقتصادية بمثابة عقد بينه وبين الشعب يحاسبه بموجبه، ويناقشه بمقتضاه!

وأصدرت الوزارة الصدقية بياناً تقدمت به إلى الشعب، فكان تقليداً جديداً سنه صدقى وجعله على هيئة خطاب عرش، لم يتقدم به إلى البرلمان بل إلى الشعب الذى ينتخب ويقيم البرلمانات!

وفى البداية قالت وزارة صدقى: تفضل جلالة الملك فأولى هذه الوزارة ثقته الغالية. وهى مع تقديرها لهذه المنة الجليلة، وذلك العطف السامى لا تفوتها الظروف الدقيقة التى تتولى الحكم فيها ولا صعوبة المهمة التى ستواجهها فى إدارة شئون البلاد، على أن تستمد من شعورها بالواجب قوة تستعين بها إن شاء الله على تنفيذ أغراضها الوطنية.

وأن أول هذه الأغراض هو بث الطمأنينة بين الناس، والعمل على استتباب النظام والأمن العام فى البلاد، وترى الوزارة لتحقيق هذه الغاية أن تقيم أعمالها على أساس وطيد من العدل والإنصاف بين الهيئات جميعاً لا تؤثر فى تصرفاتها فئة دون أخرى، بل الجميع لديها سواء، وهي لذلك ستلتزم الحيدة السياسية المطلقة، فلا تنسب في مجموعتها وأفرادها إلى هيئة أو هيئات سياسية، وستنتهج الوزارة في سبيل الوصول إلى بث هذه الطمأنينة بالوسائل الطبيعية والأسباب النظامية، وهى قوية الرجاء فى ألا تلجأ الظروف على كُره فقط إلى الأخذ بغير تلك الوسائل والأسباب.

وإذا كان من أهم ما يشغل بال الناس فى الوقت الحاضر الضائقة المالية، فإن الوزارة ستسعى سعياً متواصلاً فى استنباط كل ما يمكن من الوسائل الوقتية والدائمة لتفريجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وإذا كان من شأن هذا الضيق العام أن يمتد تأثيره على مالية الدولة فستجعل الوزارة فرضاً عليها أن تتبع سياسة مالية حكيمة مبنية على الاقتصاد ووضع الأمور فى نصابها فى جميع فروع الحكومة.

وستعنى الوزارة أيضاً بأن تنفذ وأن تستمر فى تنفيذ الأعمال الكبرى التى من شأنها أن تدر الخير على البلاد، متوخية فى ذلك تقديم الأهم على المهم، متجنبة الإنفاق فى الكماليات قبل إتمام الضروريات، كما أن الحكومة ستوجه عناية مختلف موظفيها إلى سرعة إنجاز الأعمال حتى تكون الإدارات الحكومية أكثر ما يمكن إنتاجاً فى خدمة الجمهور، وستجعل الوزارة فرضاً عليها أن تستمع لكل شكوى، وأن توسع صدرها لكل نقد نزيه، وأن تمد يدها إلى كل من يعاونها فى تنفيذ أغراضها الوطنية.

وتثق الوزارة بأن نزاهة أغراضها، وشرف مقاصدها ستخلقان بينها وبين الشعب أصدق صلات الثقة، ومظاهر التعاون وهى تعتمد بعد تأييد صاحب الجلالة الملك على هذه الثقة وذلك التعاون، لذلك ستحرص دائماً على أن تظل البلاد متمتعة بالنظام النيابي الذى هو ترجمان الثقة والتعاون بين الحكومة والشعب، وتجعل الوزارة خطتها في أنها تريد أن يكون قولها قليلاً موجزاً وأن يكون عملها كثيرا مباركا مسدد الوسيلة محمود النتيجة.

والبادى من هذا البيان أن إعلان صدقى يجرد الوزارة من الثوب الحزبى أياً كان لونه معناه أن وزارته قومية ذات طابع وطني، وأنها تسعى إلى الصالح العام، وأن تقريره من أنها ستلتزم الحيدة السياسية المطلقة، فلا تنسب فى مجموعها وأفرادها إلى هيئة أو هيئات سياسية، مما يوجب تحكيم المنطق والتريث لمراقبة مدى تنفيذ هذا الوعد قبل الحكم السريع على صاحبه، وأن تضمين بيانه حرص وزارته على أن تجعل البلاد متمتعة بالنظام النيابي، فإن معني ذلك أن هذا الرجل لا يريد ولا يحب أن يكون طاغية، أو يحكم البلاد بالعسف والإرهاب.

وأن إقراره بالسعي فى استنباط كل ما يمكن من الوسائل الوقتية والدائمة لتفريج الضائقة المالية باتباع سياسة اقتصادية حكيمة، فإنما يدل على إلمامه بمهمته من جميع نواحيها وتوخى في سياسته البعد عن التحزب وإرضاء الطوائف، وإقامة أعمال الوزارة على أساس من العدل والإنصاف.

وأنصت الشعب إلى بيان الوزارة، وأعيدت تلاوة البيان مرة ومرات، وراجت الشائعات، ووجدت لها فى نفوس البعض أفسح مجال، وظن الناس ممن أثرت فيهم الوسوسة أن النوازل توشك أن تحل بالبلاد!

وتذكر الناس عهد اليد الحديدية، وتذكروا عهداً تولى، كان أول تصريح لرئيس وزرائه أنه سيقضى على الفوضى، ويحكم البلاد بيد من حديد، ثم عطل الدستور لثلاث سنوات قابلة للتجديد، تذكروا عودة البلاد - بعد أن نالت ما نالت من حقوق دستورية - إلى عهد الحكم الفردى الذى لا رقيب عليه ولا يجرؤ أحد أن يحاسبه أو يسأله أو يناقشه فى عمل من أعماله مهما تفه ذلك العمل أو عظم شأنه، ومهما جر على البلاد من ويلات أو شرور.

وتذكر الناس العهد الذى تولى وتذكروا أصداء الخطب الرنانة، وتشككوا مقدماً فى نوايا صدقى، ثم جلسوا فى هدوء يراقبون أعماله، بدأت الوزارة تعمل، واستهلها بأن قدم استقالته من عضوية مجالس إدارات إحدى عشرة شركة، وكما فعل محمد محمود بالأمس القريب - إذ أجل انعقاد البرلمان المعارض شهراً يضمن خلاله تنقية الجو، وإعداد الطريق وتمهيده، كذلك فعل إسماعيل صدقى متبعاً نفس الإجراء الذى أقره وأباحه الدستور، فأذاع ونشر بشتى وسائل الإعلام الرسمية قرار التأجيل ليكون أعضاء البرلمان على علم يعفيهم من الاجتماع لسماعه!

وهنا هبت العواطف، وثارت الأنواء العاتية، وخرج شيطان الفتنة يسعى ويوسوس فى الصدور، ولم يقبل حزب الوفد قرار التأجيل، فقد ثارت ثورته وتمرد، وقرر أعضاء البرلمان أن يجتمعوا، فماذا حدث فى هذا الاجتماع؟ هو ما سأرويه فى الحلقة القادمة.