رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: لهذه الأسباب.. نعم لتعديل الدستور

بوابة الوفد الإلكترونية

الحكومة الدينية تستلهم مبادئها من الحاكم لا من كتاب الله

الرسول لم يكن أحد الأباطرة  وكان يؤكد أنه «رحمة مهداة»

مهمة الدين إيقاظ الضمائر.. والدولة لا تستطيع تنقية نفوس الناس

الغرض الأساسى من الحكومات هو تحقيق المنفعة الاجتماعية للأمة

 

فى سبيل الرد على الإخوان بانشاء حكومة دينية أصدر الكاتب خالد محمد خالد كتابه امن هنا نبدأب قال فيه انه ليس هناك طراز خاص من الحكومات يعتبره الدين بعض أركانه وفرائضه، بحيث اذا لم يقم يكون قد انهد منه ركن، وسقطت فريضة، بل كل حكومة تحقق الغرض من قيامها يبارك الدين ويعترف بها، وان الرسول لم يمثل شخصية الحاكم، لأن مقام الرسول أرفع مقام، وأنه من أجل هذا رأيناه ينفض يده من أكثر شئون الدنيا ويقول للناس: اأنتم أعلم بشئون دنياكمب وما إن صدر هذا الكتاب سارعت النيابة فى 7/5/1950 الى اصدار قرار بضبطه، وعلى اثر ذلك انقض رجال الشرطة على المكتبات وضبطوا كل نسخه، وتقدمت النيابة بطلب الى السيد المستشار  رئيس محكمة القاهرة الابتدائية لتأييد الأمر الصادر منها على سند من أن هذا الكتاب فيه تعدٍ صارخ وعلنى على الدين.

 

ولكن المستشار حافظ سابق رئيس محكمة القاهرة الابتدائية فى ذلك الوقت أصدر قرارا بالغاء الأمر الصادر من النيابة العامة بضبط  الكتاب، والافراج عنه تأسيسا على أن الكتاب المضبوط لا ينطوى على اية جرعة وليس هناك محل لضبطه. وكان نص هذا القرار:

محكمة القاهرة الابتدائية

مكتب الرئيس

قرار

نحن حافظ سابق رئيس محكمة القاهرة الابتدائية

بعد الاطلاع على الأمر الصادر من النيابة العامة بتاريخ 7 من مايو سنة 1950 بضبط «من هنا نبدأ»، وعلى الكتاب المذكور، وعلى كتاب حضرة صاحب الفضيلة رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر،  وعلى التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة  مع الأستاذ خالد محمد خالد مؤلف هذا الكتاب.

وبعد سماع أقوال مؤلف هذا الكتاب ودفاع حضرة المحامى الحاضر معه.

وحيث ان النيابة العامة  طلبت تأييد الأمر الصادر منها بضبط هذا الكتاب استناداً الى المادة 198 عقوبات وقالت فى تبرير ذلك إن المؤلف تعدى علنا على الدين الاسلامي، الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادتين  161 و171 عقوبات، وجند وروج علنا مذهبا يرمى الى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ووسائل أخرى غير مشروعة الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادة 174 عقوبات.

وحيث انه فيما يتعلق بجريمة التعدى على الدين الإسلامي،  فقد اعتمدت النيابة فى اسنادها الى مؤلف الكتاب على رأى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، الذى يتحصل فى أن هذا الكتاب قد وضع بروح تناصب الدين العداء السافر وتعمل جهدها على هدم كيانه وتسلبه أخص وظائفه، وهى الهيمنة على شئون الحياة وتدبيرها  واقامة امور الدنيا فيها على أسس العدل والاستقامة. وسياستهم بكل ما فيه اصلاح حالهم فى الدنيا وتوفير أسباب سعادتهم فى الآخر بالنصح والإرشاد والوعظ والهداية وأخرى بالقضاء العدل والحكم الرشيد، و تأمين الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وسائر حقوقهم، و إنصاف المظلومين، والضرب على ايدى المعتدين الظالمين، وأن كتاب الله وسنة رسوله كلاهما  مليء بالتصريح القطعى الواضح  البين فى الحكم والقضاء و ما  اليهما من مظاهر الهيمنة الفعلية على جميع نواحى الحياة، وقد دعمت لجنة  الفتوى رأيها هذا بما يلي:

ان المؤلف صور الحكومة الدينية بخصائص وغرائز من شأنها أن تبعث فى النفوس محاربة هذا النوع من الحكم ورماها بالغموض المطلق، وان دستورها الذى تخضع له وتقوم به وتفر اليه وتهرب هو الدين، هو القرآن وان القرآن والسنة فيهما من الغموض والاحتمالات مما يجعل فى الآية و الحديث متسمكاً للمتخاصمين المتعارضين فى الرأى  وان المولف يعنى بهذا أن ذلك الغموض يجعلهما غير صالحين لأن يكونا أساساً صالحاً للحكومة.

كما ان المؤلف قرر ان مهمة الدين لا تعدو الهداية والإرشاد، وان ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من قيادة الجيوش والمفاوضات وعقد المعاهدات وغيرها من مظاهر السلطة التى يمارسها الحكام لم يكن إلا لحكم ضرورات اجتماعية، وان المؤلف يعنى بذلك أن هذه الشئون التى قام بها النبى لم يقم بها لأنها من مهمته الدينية و عنصر من عناصر الرسالة.

وان المؤلف يرى ان الحدود جميعها موقوفة عن العمل وليس هناك مجال لاقامتها،  وان عمر أوقف حد السرقة أيام المجاعات وصار ذلك سنة رشيدة من بعده، وأن الزنا يحمل موانع تنفيذه، وان حد الخمر كحد الزنا فى  صعوبة تنفيذه أو استحالته، وان الدين لا يصح أن يعتمد فيما يعتمد عليه فى اصلاح المجتمع على العقوبة، معللا ذلك بأن نفوذ الدين دائرة فى مكافحة الرذيلة يكونان أرسخ قدما وأقوم سبيلا حين يسلك طريقه الى النفوس بالتسامح والرفق والحجاج الهاديء والمنطق الرصين، أما حين تتحول هذه الوسائل الى سوط الحكومة الدينية وسيفها فان الفضيلة تصاب بجزع أليم.

كما أن المؤلف عرض لركن من أركان الدين وهو الزكاة وخلع عليه ثوباً يقزز منه النفوس ويجعله مظهرا من مظاهر المذلة والهوان التى لا يرضى الله بها لعباده  ورأى أن الكهانة او الدعوة الدينية هى التى صورت للناس ان الاسلام يرى فى الصدقات اشتراكية تلبى حاجة المجتمع، وانها بهذا التصوير تسير على طريقة  الخداع الذى تعودت بها ابداء بعض مظاهر العطف والرحمة بالناس فى أنها  تعمل بها على سلب أعز ما يملكون من كرامة و حق.

قومية الحكم

وحيث إنه تبين من الاطلاع على الكتاب ان المؤلف نادى بقومية الحكم ورد على الرأى القائل بضرورة  قيام حكومة دينية بأن فى ذلك مجازفة بالدين ذاته مجازفة تعرض نقاوته للكدر، وسلامته للخطر، بينما يجب الحرص على حياته وابقائه بعيدا عن مهاب العواصف والأعاصير، وأن الرسول عليه السلام يحس إحساسا واضحا بمهمته، ويعرفها حق المعرفة وهى أنه هاد وبشير، وليس رئيس حكومة ولا جبارا فى الأرض ،وقد عرضوا عليه يوما أن يجعلوا له مثل ما كان للأباطرة والحكام ففزع وقامل:لست كأحدهم،  انما انا رحمة مهداة، ودخل عليه عمر ذات يوم فوجده مضطجعاً على حصير قد اثر فى جنبه، وقال له: أفلا تتخذ لك فراشاً ليناً يا رسول الله، فأجابه بقوله: مهلا يا عمر أتظنها كسرويه. انها نبوة لا ذلك، ثم قال المؤلف إن الرسول لم يكن حريصاً على أن يمثل شخصية الحاكم لأنه مقال الرسالة أرفع مقام لولا الضرورات الاجتماعية التى  ألجأته الى ذلك لتحقيق  النفعة والسعادة لمجتمعه الجديد، واذا كان الرسول فاوض وعقد المعاهدات، وقاد الجيوش ومارس كثيراً من مظاهر السلطة التى يمارسها الحكام وأقام بعض خلفائه من بعده حكومات واسعة النفوذ عظيمة السلطان كان المعول لحمتها وسداها فان هذا لا يعنى أن هناك طرازاً خاصاً من الحكومات يعتبره الدين بعض أركانه وفرائضه، بل ان كل حكومة تحقق الغرض من قيامها وهو تحقيق المنفعة الاجتماعية للأمة يباركها الله، ولئن كانت الحكومات الدينية قد توافرت لها فى العصر الإسلامى الأول كل عناصر النجاح والتقدم فان ذلك يرجع الى  الكفاية الشخصية والكمال الذاتى اللذين كان يتمتع بهما رؤساء تلك الحكومات  كأبى بكر  وعمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، غير أن الأمر لم يلبث ان انتهى الى تنافس دموى على الحكم وفتنة بين الناس وقادتهم، وبين القادة بعضهم بعضا وإلى نوع من الحكم ليس بينه وبين الدين وشيجة ولا صلة، وان زعم أصحابه انه حكم دينى بل حكم الله ورسوله.

وأضاف معالى المستشار رئيس محكمة القاهرة الابتدائية:

ان المؤلف قال ان الحكومة الدينية لا تستلهم مبادئها وسلوكها من كتاب الله ولا من سنة رسوله بل من نفسية الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية، وهى تعتمد فى قيامها على سلطة غامضة لا يعرف مآتاها ولا يعلم مداها، ولا تفسر وجودها الا بأنها ظل الله فى الأرض، وحين تسأل عن دستورها الذى تخضع له وتقوم به تفر وتهرب

الى الغموض الذى لا تستطيع أن تعيش إلا فيه، وتقول وهو الدين هو القرآن، ولما كان القرآن «حمال أوجه». كما قال علي، فقد استغل بعض الحكام بعض آيات القرآن استغلالا مغرضاً، وكان أصحاب على  وهم يحضون على دم معاوية وقتاله ـ يقدمون بين أيديهم طليعة هائلة من الآيات والأحاديث هى نفس الايات والأحاديث التى كان يحرض بها أصحاب معاوية على دم على وقتاله، وببعض هذه الآيات قُتل عثمان، وبها ذاتها قتل الخوارج علياً، كما قتل يزيد الحسين بن على مبرراً فعلته هذه بآية وحديث استمسك بهما!!

الكثرة الباغية

ثم قال المؤلف إن الحكومة الدينية تحكم بهواها، ثم تزعم بأنها تحكم بما أنزل الله، وأن غريزة الغموض وغيرها من الغرائز التى تستمد الحكومة الدينية منها سلطتها بعيدة كل البعد عن حقائق الدين وفضائله، وان الحكومات التى حكمت باسم الدين سواء فى المسيحية أو الاسلام كانت أسوأ مثل للحكم ما عدا قلة نادرة فاضلة لا تكاد العين تقع عليها فى زحام الكثرة الباغية، وان الحكومات الدينية التى ينتقدها هى تلك  التى تعتمد على سلطة مبهمة غامضة، و لا تقوم على أسس دستورية واضحة والتى تمنح نفسها قداسة وعصمة مدعاة.

ورد المؤلف على الداعين بوجوب اقامة حكومة دينية بأنهم إذ يبررون ذلك بفكرة القضاء على الرذائل  وإقامة الحدود، فإن الدين وحده من غير أن يكون دولة هو الذى يهدى الى الفضيلة عن طريق الترويض  والاقناع، وان نفوذ الدين  وأثره فى  مكافحة الرذيلة يكونان أرسخ قدماً وأقوم سبيلاً حتى يسلك طريقه الى النفوس بالتسامح والرفق  والحجاج الهادئ والمنطق الرصين، أما حين تتحول هذه الوسائل الى سوط الحكومة الدينية وسيفها فإن الفضيلة آئذ تصاب بجذع أليم.

وأضاف المؤلف انه لا داعى الى اقامة حكومة دينية،  وان الدين ليس فى حاجة الى ان يكون دولة، اذ هو عبارة عن حقائق خالدة لا تتغير وان وظيفة الدين هى الهداية والارشاد الى أنبل ما فى الحياة من معنويات وفضائل وتبليغ كلمات الله التى تهدى الى الحق والفضيلة والصلاح.  وأن اجل خدمة نؤديها للدين هى ان نجعله قريبا من  قلوب الناس عميقا فى نفوسهم وتطعيم الدولة والمجتمع بروحه الحية ومعنوياته الفاضلة لا أن نأتى بحكومة تستغله فى تقديس ذاتها وتبرير أطماعها واستكراه  الناس  بجبروتها. وان الدين يجب ان يظل كما أراده الله نبوة لا ملكا وهداية لا حكومة، وموعظة لا سوطاً. وان الدين فى المجتمع الانسانى بأسره يمثل ضرورة  اجتماعية لا غنى للناس عنها وهو مصدر قوة واخاء ومساواة لا ظهير أنانية  وعدوان، ويجب ان يحتفظ  الدين بخصائصه الذاتية وأهدافه التى من أجلها شرعه الله وأنزله وهى اسعاد الناس سعادة واقعية فى نطاق المساواة النبيلة التى جاء يعلنها ويحرض عليها، وان الدين فى صورته الصحيحة زميل مؤنس مسعد فى  رحلة الحياة كلها.

وحيث إن الدين شيء، ودعاة الدين والحكومات الدينية شيء آخر ولا يعد الطعن فى هؤلاء الدعاة أو فى هذه الحكومات طعناً فى الدين إلا إذا انصرف  الطعن اليه وانصب عليه فى ذاته، فالدين حقائق خالدة ثابتة، أما هؤلاء الولاة ومتولو شئون هذه  الحكومات فهم بشر من الناس يصيبون ويخطئون.

وقد مجد المؤلف عهد الرسول صلى الله على وسلم، وأشاد بذكر الحكومات التى خلفته فى العصر الاسلامى الأول، وقال انه توافر لها كل عناصر النجاح، وانما  وجه المؤلف نقده الى ما عداها من الحكومات الدينية التى  وصفها بانها كانت تحكم بهواها وتزعم أنها تحكم بما انزل الله وتفسر وجودها بانها ظل الله فى الأرض.

وإذ تسأل عن دستور هذه الدولة الذى تخضع له وتقوم به تفر وتهرب

الى الغموض الذى لا تستطيع أن تعيش إلا فيه  وتقول هو الدين، هو القرآن مع انها ما كانت تستلهم مبادئها وسلوكها من كتاب الله ولا  من سنة ورسوله، بل من نفسية الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية.

ونعى المؤلف على رجال تلك الحكومات التى انقرضت وأصبحت  أثرا بعد عين، إنهم كانوا يستغلون القرآن استغلالا سيئاً ويسفكون دم المسلمين متسلحين ببعض الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية، مستغلين ما تحمله هذه وتلك من جوه ومعان عدة.

حمّال أوجه

وأضاف القرار الذى أصدر رئيس  محكمة القاهرة الابتدائية: واضح ان المؤلف اذ قال إن القرآن حمال أوجه وكذا الأحاديث لم يقصد  التعريض بكتاب الله و سنة رسوله، بل التعريض بأولئك الذين استغلوه استغلالا وفرضا، وقد نسب المؤلف الى على بن ابى طالب انه قال: إن القرآن حمال أوجه، ولم تذكر لجنة الفتوى صدور هذا القول من علي، هذا الى أن أبا نعيم أخرج عن ابن عباس وهو من  أجلاء الصحابة انه قال: القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه، وقال الألوسى فى مقدمة تفسيره إن بعض من يوثق بهم قال:  إن لكل آية ستين الف فهم، وقال ابن جزى الكلبى فى مقدمة تفسيره ان الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن، وكل طائفة منهم تحتج لمذهبها به، وترد على من خالفها، وتزعم انه خالف القرآن، ولا شك أن منهم المحق والمبطل، وأن بعضهم يرجح المجاز على الحقيقة، فمذهب ابن حنيفة يقدم الحقيقة لأنها الأصل ومذهب ابى يوسف يقدم المجاز الراجح، وقال تعالى وهو أصدق القائلين: هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب.

وحيث إن لجنة الفتوى أخذت على المؤلف قوله إن مهمة الدين لا تعدو الهداية  والارشاد، وان الرسول لم يكن حريصاً على ان يمثل شخصية الحاكم لولا الضرورات الاجتماعية التى الجأته الى ذلك لتحقيق المنفعة والسعادة لمجتمعه الجديد، مع ان الشئون التى باشرها النبى صلى اليه عليه وسلم من قيادة الجيوش والمفاوضات وعقد المعاهدات وغيرها انما هى من مهمته  الدينية و عنصر من عناصر الرسالة.

على أن المؤلف فيما قاله لم ينكر ركنا من أركن الدين،  ولم ينقص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صراحة: إن مقام الرسالة أرفع مقام وان الرسول كان يحس إحساسا  واضحا بمهمته ويعرفها  حق المعرفة، وهى انه هادٍ وبشير وليس رئيس حكومة ولا جبارا على الأرض، وقد أيد ذلك بأحاديث نبوية صحيحة وهو مؤيد كذلك بقوله سبحاته وتعالي: وما أرسلناك الا مبشرا ونذيرا.

وقوله تعالي: انما أنت منذر، انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا.

ما عليك إلا البلاغ، وقوله تعالي: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وقوله تعالي:

وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد.

وقد قال المغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى فى تعريفه بكتاب حياة محمد لمؤلفه الدكتور هيكل باشا إن الرسول أمر بأن يبلغ عن ربه، ولم تبين له الطرق التى يتبعها فى التبليغ وفى حماية الدعوة وترك له ان يتصرف بعقله وعمله وفطنته، كما يتصرف غيره من العلماء والعقلاء. وجاء الوحى مفصلا قاطعا فى كل ما يخص ذات الإله  ووحدته وصفاته وكيفية عبادته، ولم يكن كذلك فيما يختص بالنظم الاجتماعية للأسرة والقرية والمدينة والدولة منفردة ومرتبطة بغيرها من الدول.

وقد صار النبى مبلغا عن ربه داعيا اليه حاميا لتلك الدعوة ولحرية الداعين مدافعا عنهم وأصبح حاكم الأمة الاسلامية، وقائد حربها وفقيها وقاضيا ونظم جميع الصلات والروابط فيها  وبينها وبين غيرها من الأمم، وقد أقام العدل فى ذلك كله، وألف بين أمم وطوائف ما كان العقل يسيغ إمكان التأليف بينهما وظهرت الحكمة والرصانة وبعد  النظر وكمال الفطنة وسرعة الخاطر وقوة الحزم فى كل ما صدر عنه من قول أو فعل.

العقوبة!

وحيث إن لجنة الفتوى نسبت الى المؤلف انه قال ان الدين لا يصح ان يعتمد فيما يعتمد عليه فى اصلاح المجتمع على العقوبة، وقد تبين من مطالعة الكتاب ان المؤلف كان يرد على القائلين بوجوب قيام حكومة دينية تتولى القضاء على الرذائل،  فقال انه لا سبيل للقضاء على الرذائل الا بتطهير النفس وتعويدها على احترام ذاتها، وان الدين وحده من غير ان يكون دولة هو القادر أن يوقظ الضمائر، وأن الدولة لا تستطيع بقوانينها ان تهب الناس نقاوة النفس، وان نفوذ الدين وأثره فى مكافحة الرذيلة ليكون أرسخ قدما وأقوم سبيلا حين يسلك طريقه الى النفوس بالتسامح والرفق  والحجاج الهادئ والمنطق الرصين.

وحيث إن المؤلف لم ينكر ما أمر الله به من حدود، وانما قال انه لا ضرورة لقيام حكومة دينية من أجل اقامة هذه الحدود خاصة ولا سيما ان هذه الحدود نادرة التطبيق عملا، اذ إن حد السرقة يوقف إبان المجاعات، ولأن حدى الزنا والخمر يصعب اثباتهما شرعا  وأن ما ذكره المؤلف لهذه الحدود صحيح فى جملته، فقد جاء بالجزء العاشر  من كتاب المغنى أن عمر بن الخطاب قال: لا أقطع فى عام سنة،  وان احمد بن حنبل قال لا قطع فى جماعة وان الاقرار بالزنا نادر الوقوع، وبينته أربعة شهود عدول مسلمين، ويشترط فيهم بان يشهدوا بأنهم رأوا ذكر الرجل فى فرج المرأة كالمرور فى المكحلة والرشاء فى البئر، وان بينة الخمر شاهدان بأنهما رأيا الشارب يشرب مسكرا ولا يشترط فيهما ـ على خلاف ما ذكر المؤلف ـ ان يشهدا بان  الشارب شرب مختارا عالما بانه سكر، لأن الظاهر أن الاختيار والعلم وما عداها نادر بعيد، هذا الى ان الشريعة الاسلامية تميل الى التشدد فى الاثبات والتحرج فى اقامة الحدود بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغنى من حد فقد وجب، وقوله ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم فان كان له مخرج فخلوا سبيله، فان الإمام أن يخطء فى العفو خير من ان يخطئ فى العقوبة.

وحيث قد تبين  مما تقدم ان المؤلف لم يطعن فى الدين ذاته ولم يجحد كتاب الله وسنة رسوله بل مجد الله وكرم الرسول فى أكثر من موضع من كتابه، وقال إنه يجب تقديم الدين للناس مضيئا متألقا كيوم نزل من لدن عزيز حكيم عليم وهو لم يخرج فيما كتب عن حد البحث العلمى الفلسفي، واذا صح أنه اخطأ فى شيء مما كتب فإن الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شيء، وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدى شيء آخر ويشترط العقاب بمقتضى المادة 161 عقوبات ان يكون لجانى قد تعدى على الدين أى  أهانه وامتهنه أو ارتكب ما من شأنه المساس بكرامته أو انتهاك حرمته والحط من قدره والازدراء به، وان يكون قد قصد ذلك وتعمده ولما كان كل شيء من ذلك لم يتوافر فى حق المؤلف فلا جريمة ولا عقاب.

وحيث إن جريمة الرأى مكفولة فى حدود القانون، ولما كان  الكتاب المضبوط لا ينطوى على جريمة ما فإنه لا يكون ثمة  محل لضبطه تطبيقا للمادة 198 عقوبات ومن ثم يتعين إلغاء  الأمر الصادر بضبطه والإفراج عنه.

فلهذه الأسباب:

قررنا الغاء الأمر الصادر بضبط كتاب من هنا نبدأ لمؤلفه  خالد محمد خالد والإفراج عن هذا الكتاب. صدر هذا القرار وتلى علنا فى يوم السبت 10 من شعبان سنة 1339 هجرية الموافق 27 مايو سنة 1950 .

رئيس محكمة القاهرة الابتدائية

حافظ سابق