رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دير مواس.. بلاد الدم والعسل

بوابة الوفد الإلكترونية

حينما تكون المعركة والثورة لتحرير تراب الوطن، تهون الروح ويهرول الشيوخ والشباب والنساء طلبا للشهادة، وفداءً لمصر، عاشت مصر سنوات طويلة تحت وطأة الاحتلال الانجليزى، والذى كان ينهب ثروات البلاد ويقيم المشانق فى دنشواى، غليان دماء الشعب المصرى الطيب الاصيل، كانت تثور داخليا، فى انتظار قائد وملهم  يفجر براكين الغضب، ويشحذ الهمم، ويقود ثورة التحرير، ضد الاحتلال الغاصب للبلاد، حتى جاء الزعيم الوفدى سعد باشا زغلول، ليطلق شرارة الثورة الأولى، مطالبا الإنجليز بالجلاء عن مصر، لتشتعل ثورة الشعب المصرى، حينما طلب الإنجليز تفويضا من المصريين لسعد زغلول لعرض مطالب الاستقلال.

لينفر الشعب المصرى مفوضا زعيم الأمة، والمطالبة بالاستقلال بكافة محافظات مصر، وتلك كانت البداية مع ثورة 1919، والتى جمعت الشيوخ والقساوسة والشباب والنساء، فى كافة محافظات الجمهورية، ولكنها كانت اكثر ضراوة فى صعيد مصر، خاصة فى محافظة المنيا شمال الصعيد، وكانت الملحمة الكبرى، فى مركز ديرمواس، أحد مراكز جنوب المنيا.

حيث وصف بليغ حمدى، رئيس لجنة الوفد بمركز ديرمواس، الأحداث المؤرخة لثورة  اهالى مركز دير مواس كانت أشد حوادث ثورة 1919 عنفا فى مصر كلها، وقال إن هذه الثورة أعقبتها محاكمات كثيرة، وإنه لم يحدث فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية، التى لم تغب عنها الشمس أن تصدى لها مدنيون لعسكريين كما حدث فى دير مواس، وهى الأحداث التى اتخذت محافظة المنيا من تاريخها «18 مارس» عيدا قوميا لها.

ومضيفا قاد أحداث الثورة الدكتور خليل أبو زيد، الذى عاد إلى مصر بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة لندن، قبل قيام ثورة 1919 بما يقرب من أربعين يوما، وكانت مصر مستعمرة بريطانية وقتها، وكانت بريطانيا تستولى على كل شىء حتى «الحمير والجمال» لصالح ما يسمى بالمجهود الحربى، فلما عاد خليل ورأى ذلك، بدأ يجتمع بالشباب ويشغلهم بالقضية الوطنية وبالحرية، ويقوم بتوعيتهم بعواقب الاستعمار، وكان يجتمع مع كل الأسر والعائلات، لأن «ديرمواس»، فى ذلك الوقت كانت قرية متداخلة وترتبط عائلاتها بصلات نسب ومصاهرة مع بعضها، والاجتماعات كانت تتم فى قصر «أبوزيد»،

لافتا إلى انه تم الاتفاق بقيادة خليل على أن يعبر الاهالى عن رفضهم الاحتلال، من خلال مسيرة تنتقل إلى محطة القطار، وكان مخططا، أن يقوم الدكتور خليل بإلقاء خطبة بالإنجليزية، والتى  كان يجيدها بطلاقة، ومعه آخرون يلقونها بالعربية، وحينما انتقلت هذه المظاهرة  فى 18 مارس 1919 إلى محطة السكة الحديد، جاءت معلومات عن طريق عناصر وطنية فى البوليس وفى السكة الحديد أن المستر «بوب»، مفتش السجون الانجليزى  سيحضر  فى هذا القطار.

حيث تم وضع الخطة لإيقاف القطار بالقوة، على أساس أن يلقى «خليل» كلمة يرفض فيها الاحتلال ومعه أهالى ديرمواس،  كجزء من منظومة المقاومة على مستوى مصر، لكن الموقف تطور وتحول إلى حادث عنيف لأن الإنجليز بادروا بإطلاق الرصاص على الثوار، وبالتالى تصاعد الموقف وتم الهجوم على القطار، وتم قتل كل من فيه من الإنجليز، وكان من الطبيعى أن يتفطن ويتوقع الثوار رد الفعل من قوات الاحتلال البريطانى على ما حدث.

ويضيف حاتم رسلان، رئيس لجنة الوفد بمحافظة المنيا، أن نجاح ثورة 1919 تمثل فى تلاحم عنصرى الامة من المسلمين والاقباط، حول شعار عاش الهلال مع الصليب، وفى ديرمواس حدث مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية، وكان تضامنا تلقائيا وحقيقيا بين المسلمين والمسيحيين، فقد نادت مآذن «ديرمواس» على كل الأهالى بأن يجتمعوا فى مسجد أولاد محمود، وهو مسجد تابع لعائلة أبوزيد، وسمى على اسم جدهم محمود، وكان المسجد الوحيد فى القرية فى تلك  الفترة، وتم إحضار «مصحف وإنجيل»، فالمسلم يقسم على المصحف، والمسيحى يقسم على الإنجيل، وكان يمسك بالإنجيل قس وبالمصحف شيخ، والقسم كان على عدم الخيانة والتماسك ضد الإنجليز، وعدم الإبلاغ عن الثوار، فقد كان هناك خوف من أن تحدث خيانة من الداخل، لأن الخارج مقدور عليه، وأقسم الناس فى مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية، لكن حدثت الخيانة فعلا من أحد الأشخاص لأسباب تتعلق بالتنافس على العمدية، وأبلغ الإنجليز.

وجاء الإنجليز وحاصروا دير مواس بالأسلحة والجمال والكرابيج، وكانت القوات البريطانية عازمة على أن تمثل بجثث أهل القرية الذين تجاوزوا خطوطها الحمراء، فتم حصار ديرمواس، ولم يكن أحد من الإنجليز يعرف وجوه المطلوبين وفقا للقائمة التى سرّبها لهم أحد الأشخاص الخائنين، فلم يكن لديهم سوى أسماء الثوار فقط، ودخل قائد القوات الإنجليزية إلى القرية وهو يتحدث بالإنجليزية، ولم يكن أحد من أهل القرية يتحدث بلغتهم سوى الدكتور خليل أبو زيد، الذى قابل القائد قائلا: «إنتو عايزين إيه»؟ فرد القائد: «إحنا جايين نقبض على المجرمين والثوار».

وأضاف رسلان، ان الاحداث المؤرخة اثبتت ان الدكتور خليل كان ذكيا، بعدما تمكن من اقناع  القائد بأن يُطلعه على قائمة الأسماء المطلوبة، حتى يدله عليهم، فقرأ القائمة عدة مرات حتى حفظ الأسماء المطلوبة، ثم بعد أن اطمأن من أنه حفظ كل الأسماء المكتوبة فى القائمة، قال للقائد الإنجليزى: «أهل القرية مزارعون يذهبون للحقول فى الصباح فلاحين ويعودون مع غيوب الشمس، فلو دخلتوا دلوقت مش هتلاقوا حد والأفضل إنكم تدخلوا بالليل عشان كلهم هيكونوا رجعوا من شغلهم»، فاقتنع القائد بكلام خليل، وشكره على هذه النصيحة الغالية ووعده بمكافأة كبيرة.

وفى الليل دخل الإنجليز القرية، واكتشفوا الخدعة، وأن خليل الموجود على رأس قائمة المطلوبين، هو الذى كان يحدثهم ويقدم لهم المشورة. وأنه هرب وقام بتهريب كل المطلوبين من الثوار وأهل القرية، فشاط الإنجليز وحاصروا القرية وأوقعوا بأهلها أشد أنواع التنكيل والتعذيب، وكانوا يعتدون على النساء ويحرقون المنازل.

وتحدث محمد صلاح الطويل، رئيس لجنة الوفد بمركز مطاى، شمال محافظة المنيا، ان ثورة 1919 ألهبت حماس الشعب المنياوى، والذى خرج عن بكرة أبيه مناضلا لوجود الاحتلال  الانجليزى، ووجوب تحرير التراب الوطنى، حيث شهدت كافة مراكز المحافظة، ثورة عارمة، وبخلاف أحداث ديرمواس الدامية، كانت قرية أبوحسيبة إحدى قرى القطاع الشرقى بمركز مطاى، حيث كان الشيخ حسن حسانين والحاصل على العالمية الازهرية، من أحد الثوار البارزين الوفديين، والشيخ إسماعيل دياب حسن، كان من ثوار ثورة 1919،

والذى فقد احدى عينيه، خلال اشتباكات الأهالى مع قوات الاحتلال الانجليزى.

هذا بخلاف العمدة محمد عمر عثمان، والذى كان احد العمد الوفديين، والذى عين فى حكومة الوفد وتمت اقالته مع استبعاد حكومة الوفد، وإعادته لمنصبه مرة أخرى مع عودة حكومة الوفد، وكذلك العمدة على عشماوى، عمدة قرية اولاد الشيخ على، والذى كان احد العمد الوفديين، والذى اقيل مع استبعاد حكومة الوفد، وعاد مرة أخرى مع عودة الوفد للحياة السياسية، ويعد العمدة عشماوى، هو الزوج الاول لروزاليوسف.

ويضيف «الطويل»، أن على باشا الشريعى، بمركز سمالوط، كان من ضمن المقربين للزعيم سعد باشا زغلول، وقد تبرع وقتها للثورة بمبلغ «مليون جنيه»، ليكون ممثلا عن الصعيد فى الوفد المفاوض برئاسة الزعيم سعد زغلول، ولكن سعد باشا وقتها فضل ضم فخرى باشا عبد النور ممثلا عن الصعيد، وكذلك منح على باشا الشريعي صفة الرئيس الشرفى للوفد، خلال فترة تواجده مع وفد التفاوض، لافتا إلى العلامات النسائية البارزة بمحافظة المنيا، خلال صورة 1919، كانت دولت فهمى إحدى بطلات ثورة 1919، والتى كانت رفيقة هدى شعراوى، ودولت فهمى سيدة مصرية من قرية ابوعزيز بمركز مطاى شمال محافظة المنيا، والتى انتقلت للعيش فى القاهرة، وعملت ناظرة بمدرسة الهلال الأحمر القبطية للبنات، وبجانب عملها بالمدرسة، كان لها دور كبير فى ثورة 1919، حيث كانت تعمل مع التنظيم السرى للثورة، والذى أطلق عليه اليد السوداء، وكان عملها السرى سبباً أساسياً فى أن أحداً لم يعرف من هى دولت فهمى، فقد كان العمل كله يتم فى سرية تامة.

وكان ذلك التنظيم السرى أو اليد السوداء، تحت قيادة عبدالرحمن فهمى،  وأحمد ماهر، وهدفه الأساسى، تمثل فى بث الرعب والذعر فى نفوس المحتلين الإنجليز والخائنين من المصريين، وذلك عن طريق اغتيال بعض جنود الاحتلال وإرهاب بعضهم وإرسال التهديدات لهم، وكان من معتقدات الثورة، أنه لا يجوز لمواطن مصرى أن يقبل رئاسة الوزراء، فى ظل الحماية البريطانية، لأن ذلك يعتبر خيانة للوطن، لكن فوجئت الثورة بأن محمد شفيق باشا، قبل أن يكون وزيراً للأشغال والحربية والزراعة، فقرر التنظيم السرى قتله، وكلف عبد القادر شحاتة بتلك المهمة.

وكان «شحاتة» شاباً فى الحادى والعشرين من عمره، وكان له دور فى أعمال ثورية سابقة، منها  طبع المنشورات، وإشعال الثورة فى المنيا، وفى اليوم الثانى والعشرين من فبراير عام 1920، قام عبدالقادر شحاتة بتنفيذ العملية متنكراً فى ملابس عامل العنابر، وجاء زميل له وسلمه القنبلة ومسدسين، لكن بعد أن رمى القنبلة لم يمت الوزير.

ثم هرب «شحاتة» إلى شارع النزهة، ووصل إلى مدرسة قبطية، فجاءت دولت فهمى ناظرة المدرسة، وطلبت مسدسه، وقامت بإخفائه، وكتب «شحاتة» بعد ذلك فى مذكراته أنه تعجب من شجاعة تلك السيدة، والتى أظهرت ثباتاً فى ذلك الموقف الصعب، ليتم القبض على شحاتة، واعترف أنه كان ينوى قتل الوزير لقبوله الوزارة، وعندما أراد المحقق أن يعرفوا أين كان يبيت قبل محاولة الاغتيال، فوجئ برسالة تصله من التنظيم السرى، تخبره أن دولت فهمى ستأتى وتشهد بأنه كان يبيت فى بيتها، ويجب عليه أن يعترف بنفس الشىء.

وبالرغم من خطورة هذه الشهادة على سمعة دولت فهمى، فإنها قبلت تلك التضحية، حيث أصدر النائب العام قراراً فورياً بالقبض على دولت  فهمى، وعندما دخلت عليهم أقبلت على شحاتة وقبّلته، وأعلنت أنه كان يبيت عندها، لأنه عشيقها وأنهما كانا يكتمان هذا الأمر خوفاً على سمعتها، والحقيقة أن دولت  فهمى، لم تكن رأت شحاتة قبل يوم محاولة الاغتيال، لكنها مع ذلك رفضت أن تغير أقوالها حتى بعد أن هددها الإنجليز بوسائل مختلفة.

ليخرج «شحاتة» من سجن طرة عام 1924 بعد أربع سنوات، وبعد خروجه، بحث عن دولت فى كل مكان وسأل عنها زعماء التنظيم السرى، وكان يشعر أنه يحبها بعد موقفها معه ويجب أن يتزوجها، وفى النهاية علم أن أهلها قتلوها عندما سمعوا باعترافها بأن رجلاً كان يبيت عندها، ولم يعلموا أن ابنتهم بريئة لكنها قامت بالتضحية من أجل وطنها الحبيب «مصر».