رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجدى زين الدين يكتب: الرسائل السرية بين عبدالرحمن فهمى وسعد زغلول

بوابة الوفد الإلكترونية

ملخص الحلقة الماضية

ناقشت الحلقة الماضية دور الوطنى الرائع عبدالرحمن فهمى فى ثورة 1919 باعتباره قائد النضال أو رئيس الأركان فى المعركة ضد المحتل البريطانى، كما تناولت الحلقة أسرار صلته بالزعيم خالد الذكر سعد زغلول، وكيف دخل السجن لمدة أربعة أعوام بتهمة التخطيط لخلع الملك أحمد فؤاد، ومتى تولى قيادة الحركة الوطنية لإجبار الإنجليز على الجلاء، وكيف اصطدم بالخديو حول صفقة أطيان المطاعنة.

 

 

تستكمل حلقة اليوم دور قائد النضال الثورى فى ثورة 1919 الوطنى الكبير عبدالرحمن فهمى، وعلاقته الوطيدة بالزعيم خالد الذكر سعد زغلول، خاصة فى الفترة التى عمل فيها سكرتيراً للزعيم.

وتعتمد الدراسة فى هذا الشأن على مذكرات عبدالرحمن فهمى، من خلال رأى الكاتب الكبير أحمد نجيب، ومن خلال كتاب سعد زغلول ودوره فى الحياة السياسية المصرية للكاتب الكبير أحمد شفيق، كما تعتمد الدراسة على آراء شتى أخرى أبرزها موسوعة «هذا الرجل من مصر» للكاتب الكبير لمعى المطيعى، ودراسات أخرى ومقالات للكاتب الكبير جمال بدوى، رئيس تحرير الوفد السابق، وتاريخ مصر للكاتب محمد فريد.

كان عبدالرحمن فهمى يرسل رسائله السرية إلى سعد زغلول بالطريقة نفسها، وإن كنا لم نعثر على خطابات فهمى بالحبر السرى، ولكننا وجدنا فقط أصول هذه الخطابات أى مسوداتها بخطه هو.

على أن هذه لم تكن الطريقة الوحيدة التى كان يرسل بها عبدالرحمن فهمى ما يريد إلى سعد، فقد سلم عائلة أفرنجية يشغل أحد أفرادها مركزاً سامياً بجيش الحلفاء الذى كان محتلاً فلسطين وسوريا، سلمها الكثير من الوثائق والمستندات والصور عن فظائع الإنجليز فى نزلة الشوبك والعزيزية، وكانت هذه العائلة قد قررت العودة إلى أوروبا.

وفى سبتمبر 1919 كان لا بد لمحمد وجيه أن يعود إلى مصر بعد انتهاء إجازته، وطلب سعد إرسال سكرتير آخر يتقن الإنجليزية، واختار عبدالرحمن فهمى الأستاذ محمد كامل سليم ليقوم بهذا العمل، وبالفعل سافر وبقى يعمل كسكرتير لسعد زغلول ومترجماً للوفد، ويتولى أمر هذه المراسلات السرية، وجدير بالملاحظة أن وضع محمد كامل سليم كان معروفاً لبقية أعضاء الوفد، وإن ظلت مسألة الرسائل السرية غير معروفة لأعضاء الوفد أو أعضاء اللجنة المركزية فى مصر، وانحصرت فقط بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمى، وقد احتفظ فهمى بهذه المراسلات فى حقيبة كبيرة سوداء، فلما أحس فى صيف 1920 بأن ثمة شيئاً يدبر له من السلطات الحاكمة، خبأ الحقيبة عند بعض أقاربه، ولم يخب ظنه فقد اعتقل فى أول يوليو كمتهم أول فى قضية المؤامرة الكبرى.

ولقد مرت مصر بتطورات سياسية عصيبة قبل قدوم لجنة ملنر إليها فى «6 ديسمبر 1919»، فقد شكل حسين رشدى وزارته فى «9 أبريل 1919» لكى يضع حداً للإضراب فى المصالح العمومية، غير أنه قدم استقالته فى «21 ابريل» بعد تفاقم أعمال العصيان السلبى الذى شل حركة الإدارة المصرية واستمر طيلة الشهر الذى أعقب الثورة، وقد عجزت السلطات البريطانية عن تشكيل وزارة أخرى فاضطر اللورد اللنبى «المندوب السامى البريطانى» إلى تخويل وكلاء الوزارات سلطة الوزراء، وظل الأمر كذلك إلى أن شكل محمد سعيد وزارته فى «20 مايو» مدعياً أنها وزارة إدارية، ولا شك فى أن قبوله الوزارة، كان محاولة جريئة من جانب القصد منها كسر شوكة الثورة، خاصة أنها جاءت بعد إعلان إنجلترا فى «15 مايو» عزمها إيفاد لجنة حقيق إلى مصر متجاهلة تماماً وجود الوفد المصرى كممثل حقيقى للرأى العام المصرى.

وكان إعلان إنجلترا إيفاد تلك اللجنة بمثابة مخرج لها من المأزق الذى وجدت نفسها فيه، وقد تأخر مجىء اللجنة لأن اللنبى أرسل لحكومته فى «24 مايو» مقترحاً إرجاء إرسالها إلى ما بعد شهر سبتمبر كى تتاح للوزارة الجديدة فرصة تهدئة الموقف، بل إن محمد سعيد طلب تأخيرها إلى ما بعد توقيع الصلح مع تركيا.

وعلى كل حال فإن تأجيل الحكومة الإنجليزية إرسال اللجنة قد أعطى فرصة ذهبية للوطنيين للتفكير فى مقاطعة اللجنة عند قدومها، كما أفسح لهم الوقت أيضاً.

وقد نبعت فكرة المقاطعة عن عبدالرحمن فهمى ذاته، لأنه رأى عدم جدوى تكوين لجنة من المصريين لمقابلة اللجنة الإنجليزية ما دام أن هذه اللجنة الأخيرة تتخطى وفد الأمة، وتحضر إلى مصر دون أن تحسب له أى حساب، ولماذا لا يقاطع كل مصرى هذه اللجنة كما قاطعت الوفد المصرى بتخطيه والحضور إلى مصر.

وقد عمد فهى إلى محاصرة اللجنة ببث العيون فى جميع المسالك التى تؤدى إلى مقر اللجنة فى فندق سميراميس، وقد تزيوا بأزياء مختلفة فكان منهم العاجز والمتسول وبائع الفول واللب والسجائر، وذلك بهدف رصد أسماء القاصدين إلى الفندق والراجعين منه لمعرفة الذين خرجوا على رأى الوفد والأمة، فكان يرسل إليهم الوفود لتستعلم منهم عن سبب ذهابهم إلى اللجنة، وعما دار بينهم وبين أعضائها من حديث، كما كان لكل وفد رئيس وسكرتير، فبينما يوجه الرئيس السؤال إلى أحد الأعيان ويجيب الأخير عنه كان السكرتير يحرر السؤال وجوابه.

وكانت النتائج مشجعة، فهم جميعاً كانوا يجيبون الوفود أجوبة صريحة تفيض وطنية وإيماناً بحب الوطن، كقولهم: «إنهم لا يريدون غير الاستقلال التام لمصر والسودان، وأنهم يوكلون عنهم الوفد برئاسة سعد زغلول».

وسرعان ما أخذت فكرة المقاطعة تنتشر فى البلاد انتشار النار فى الهشيم ما أشعر عبدالرحمن بقوة حركة المقاطعة، فنراه يرسل تقريراً إلى سعد زغلول فى «17 أكتوبر»، جاء به: «أظن أننى لست فى حاجة لأن أؤكد لسعادتكم ان الأمة عن بكرة ابيها وفى مقدمتها رجال المجالس النيابية، أعلنت رأيها على صفحات الجرائد بخصوص لجنة ملنر، وهو المقاطعة التامة وعدم مفاوضة اللجنة فى شىء ما».

ولم تلبث حركة المعارضة لمجىء اللجنة أن أخذت تصطبغ منذ «24 أكتوبر» بصيغة العنف، وتلجأ إلى التعبير عن معارضتها بالمظاهرات التى انتشرت فى الإسكندرية والقاهرة، وقد أوقعت هذه الاضطرابات حكومة محمد سعيد فى حرج شديد، فأصدرت قراراً فى «5 نوفمبر» بمنع المظاهرات، ولكن الاضطرابات لم تلبث أن تجددت فى «13 نوفمبر» فما كان من الحكومة إلا أن قدمت استقالتها فى «15 نوفمبر».

لجأ اللورد اللنبى إلى خطة أراد بها ضرب الحركة الوطنية إذ عمد إلى تأليف وزارة برئاسة يوسف وهبة باشا «وهو قبطى» محاولاً إيقاع الفتنة بين المسلمين والأقباط، بيد أن الشعور القومى كان أكبر مما قدره اللنبى، فعندما ذاع أمر قبول يوسف وهبة رئاسة الوزارة، أظهر الأقباط استياءهم الشديد من هذا القبول، فاجتمع عدد كبير منهم قدر بنحو أربعة آلاف فى الكنيسة المرقسية صباح يوم الجمعة 21 نوفمبر، وكتبوا احتجاجاً شديداً جداً على قبول يوسف وهبة رئاسة الوزارة، قالوا فيه إن هذا القبول يعد قبولاً للحماية ولمناقشة لجنة ملنر.

وكان رد عبدالرحمن فهمى على ذلك أن جمع اللجنة المركزية على الفور، وعين مرقص حنا عضو اللجنة وكيلاً لها ورئيساً بالنيابة بدلاً من محمود سليمان رئيسها وإبراهيم سعيد وكيلها اللذين تحددت إقامتهما بواسطة الإنجليز.

وزيادة على ذلك، فقد توجه عبدالرحمن فهمى ومعه ستة من أعضاء الوفد واللجنة المركزية إلى الكنيسة يوم الأحد 23 نوفمبر، حيث أبدوا للحضور مشاركتهم لهم فى تألمهم من قبول يوسف وهبة منصبه الجديد، وأكد لهم «فهمى» أن هذا لا يمكن أن يسبب أى نفور فى علاقاتنا، كما أرسل إلى سعد زغلول فى 23 ديسمبر يخبره بأن طالباً قبطياً من طلبة الطب ألقى قنبلتين يوم 15 ديسمبر على رئيس الوزارة، ولكنه أخطأه، وضبط ذلك الشاب، وهو متقد حمية ووطنية، وفى غاية الجرأة، وهكذا تم إحباط المناورة الإنجليزية.

لم تكن تلك هى المحاولة الوحيدة من جانب المحتل لضرب الحركة الوطنية، فقد سعت السلطة الإنجليزية إلى تأليف حزب جديد يدعى «الحزب الحر المستقل» كانت مهمته أن يقابل لجنة ملنر ويتفاوض معها فى القضية المصرية. وقد رأى فهمى أنه لو تم تأليف هذا الحزب لكان من أكبر الضربات القاضية على الوفد المصرى وعلى قضية البلاد، فعمل على تفويض أركانه قبل إتمام تكوينه بأن دس فيه الكثير من أعوانه لينضموا إليه ويأتوه- أى لعبدالرحمن فهمى- بأخباره وقراراته.

كان التنظيم السرى يعمل على تنفيذ سياسة الوفد بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. ولما كان من الخطوط العامة لسياسة الوفد تعطيل قيام أى حكومة فى مصر لا تعترف به ولا تلتزم بسياسته وتعمد إلى التعاون مع الانجليز، ولما كان بعض الساسة قد أقدموا على تأليف مثل هذه الحكومة، لذا فإنهم تعرضوا لسلسلة من الاعتداءات قصد بها إفزاعهم وإرهاب غيرهم حتى لا يفعل مثل ما فعلوا، ففى 2 سبتمبر 1919 اعتدى سيد على محمد، من أهالى كفر الزيات، على محمد سعيد باشا بإلقاء قنبلة عليه فى الإسكندرية لم تصبه، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وفى 15 ديسمبر 1919 قام عريان يوسف سعد بالاعتداء على يوسف وهبة باشا كما نوهنا سابقا، وفى 12 يونيه 1920 ألقيت قنبلة على توفيق نسيم باشا لم تصبه، وأصابت سائق سيارته، وحكم على المتهم بالإعدام.

وكان الدكتور أحمد ماهر فيما يبدو مختصاً بالإشراف على هذا الجانب، فقد روى عريان يوسف سعد رواية تؤكد ذلك، خلاصتها أنه بعد الإفراج عنه فى عهد وزارة الشعب، قابل موظفاً فى وزارة الزراعة اشترك فى صناعة القنبلتين اللتين ألقيتا على يوسف وهبة باشا، وأن الدكتور أحمد ماهر رأى ألا توضع فى القنبلة الشحنة الكاملة من المفرقعات، لأنه كان يرى عدم قتل رئيس الوزراء، وإنما الاكتفاء بإرهابه.

ويجب التنويه بأنه كانت توجد تسع جمعيات سرية تألفت فى أقل من عام واحد منذ انفجار ثورة 1919، ولو أنه لا يوجد دليل على أنها كانت كلها خاضعة لإشراف الجهاز السرى، وتنحصر فيما يأتى:

1- جمعية اليد السوداء: كانت تحت رئاسة عبدالحليم البيلى المحامى وأبى شادى بك ومصطفى القاياتى ومحمود أبوالعيون المحامى وعدد من الطلبة وغرضها إثارة الرأى العام، وكانت هذه الجمعية ترسل خطابات التهديد إلى السياسيين الرجعيين. فقد وصل إلى يوسف وهبة باشا خطاب تهديد مكتوب بالحبر الأحمر وعليه علامة اليد السوداء ومدفع وكلمة الفدائيين.

2- لجنة الدفاع الوطنى: وأغلب أعضائها من جمعية اليد السوداء وغرضها تهييج الرأى العام ضد الحكومة، وتحريض الشعب على ارتكاب الجرائم ضد

السلطة العسكرية البريطانية حتى القتل.

3- اللجنة المستعجلة: وهدفها اثارة الرأى العام، وكانت تتلقى الإعانة المالية من عبدالرحمن فهمى، ورئيسها إبراهيم عبدالهادى وحسن نافع.

4- المصرى الحر: وتستمد مالها من عبدالرحمن فهمى، وقد ذكر عبدالرحمن الرافعى أنها كانت تصدر جريدة سرية باسم «المصرى الحر» ولها مطبعة سرية خاصة، وكان الناس يتلقفون هذه النشرات بلهفة ويتبادلون الاطلاع عليها. وقد أصدر الجنرال بلفن القائد العام أمراً باعتبار هذه الأمور جريمة ضد الأحكام العرفية.

5- الشعلة: ويرأسها مرقص حنا بك ونجيب غالى باشا.

6- المدارس العليا: وأغلب أعضائها من الطلبة، وقد ضبطت ورقة مسطر فيها قانون هذه الجمعية، ويتضمن أن العمل سرى، وأن الأعضاء يشتغلون بإصدار المنشورات والحث على الإضراب، وأن الجمعية مستمرة إلى أن يخرج آخر جندى إنجليزى من مصر، ومن أعمالها السعى فى الاطلاع على أسرار الحكومة وتهديد الخونة، وكانت هذه الجمعية تدون كشوفاً بأسماء التجار الإنجليز بقصد مقاطعتهم، فقد كانت مقاطعة التجارة الإنجليزية بعض صيحات الثورة.

7- جمعية مجلس العشرة.

8- جمعية الخمسين.

9- جمعية الانتقام.

مهما يكن من أمر فمما لا شك فيه أن كان لهذه الجمعيات أثر خطير على الحركة الوطنية، خصوصا فى أثناء الثورة وفى أعقابها، فقد بسطت سيطرتها على الحياة السياسية وكانت منشوراتها التى تطلقها عن خيانة السلطان والوزراء والسياسيين الرجعيين تلقى الرعب فى نفوسهم، وكانت قنابلها التى تلقيها على من تتهمهم بالخيانة تحدث دوياً له أصداء بعيدة فى نفوس الكثيرين.

ولم يكن عمل أعضائها مقصوراً على الأعمال السرية، فقد قام الأعضاء الموهوبون فى هذه الجمعيات بالخطابة فى الأزهر وفى الكنائس، ومنهم محمد لطفى المسلمى «قعيد كرسى الخطابة بالأزهر»، كذلك كان منهم محمد البشبيشى المحامى وهو من الخطباء المفوهين، ومن نماذج عبراته الحماسية، هذه العبارة التى تصور روح العصر: «بلغ الرئيس «سعد زغلول» أن مصر تبنى أهرامات أخرى ليست الأهرامات القديمة، وإنما أحجارها أجسام شبان أبطال وقوامها أرواح العظام».

على كل حال، فقد ظلت الجمعيات السرية تشكل أساساً مهماً من أسس الحركة الوطنية، وعنصراً قوياً من عناصرها، حتى كانت كارثة اغتيال السردار فى نوفمبر 1924، فانطفأ هذا اللون من ألوان النضال الوطنى فى مصر وقتاً طويلاً.

 

دور عبدالرحمن فهمى فى الحركة النقابية

يرجع اهتمام الوفد بتنظيم العمال إلى عام 1919، الذى شهد نشاطاً نقابياً واسعاً تمثل فى كثرة عدد النقابات، حتى لقد أرسل عبدالرحمن فهمى تقريراً إلى سعد زغلول فى 18 أكتوبر 1919، جاء به أن «المجهودات التى بذلت فى سبيل تعميم النقابات بطول البلاد وعرضها قد.. أثمرت.. وتشكلت لكل حرفة نقابة، ولم يبق فى مصر حرفة أو صنعة إلا ولها نقابة». وأكد أن النقابات مفيدة جداً للحركة الوطنية، وأنها سلاح قوى لا يمكن الاستهانة به.

وأمام هذه الحركة النشطة فى تكوين النقابات اندفعت الصحف الأجنبية إلى اتهام الحركة العمالية والحركة الوطنية كلها بالبولشفية. وانبرت جريدة المنبر لدحض تلك التهم، فأكدت أنه ليس فى المصريين من يميل إلى البولشفية، وأنهم أول من يحاربونها، وأن العامل المصرى لا يرضى أن يأخذ مليماً واحداً فوق أجره دون حق، وأصدر الشيخ محمد بخيت مفتى الديار المصرية فتوى ندد فيها بالشيوعية ذاكراً «إن طريقة جماعة البولشفية طريقة تهدم الشرائع السماوية وعلى الأخص الشريعة الإسلامية».

وما ساعد على تدعيم هذا الاتجاه أن العناصر اليسارية نشطت إبان ثورة 1919 فى أوساط العمال ولا سيما الإسكندرية، فتأسس اتحاد عام للنقابات بها، نظم فى عام 1924 حركة اعتصام قام بها عمال الإسكندرية، وكانت مثار اهتمام الحكومة والرأى العام.

وقد أسفرت هذه الحركة عن قيام الحكومة بتجريد حملة من رجال الجيش والبوليس للقيام بحركة اعتقالات واسعة النطاق فى الإسكندرية والأقاليم، ألقت خلالها القبض على قيادات الحزب الشيوعى المصرى، واتحاد النقابات العام، كما أصدرت قراراً بحل هذا الاتحاد ومصادرة أوراقه.

ويعزى موقف سعد زغلول المتشدد من الحركة اليسارية إلى عزوفه تماماً عن مجرد التفكير فى الأفكار الاجتماعية أو الاشتراكية، لأن المعركة الأساسية فى تقديره كانت سياسية بالدرجة الأولى، كما أن سعداً أراد تفويت الفرصة على الأعداء كى لا يدعوا أن الحركة الوطنية المصرية على صلة بالحركة البوشفية، خاصة بعد أن أخذت المنشورات الشيوعية توزع فى مصر إبان ثورة 1919، وذلك تجنباً لإلحاق الضرر بالقضية المصرية.

وقد سعت الحكومة إلى فرض الوصاية البورجوازية على الحركة العمالية، عندما وضعت العمال والطبقة العاملة ومشاكلها فى بؤرة اهتمامها، فبادرت فى أول أبريل 1924 بإصدار قرار يقضى بتشكيل لجان فى المحافظات والمديريات للتوفيق بين العمال وأصحاب الأعمال، كما قام مجلس النواب بتشكيل لجنة للعمال والشئون الاجتماعية ضمت الكثير ممن عرف عنهم اهتمامهم بالشئون العمالية، بل إن «سعداً» كلف أحد أعضائها بوضع تشريع مالى لم يتمكن من انجازه نتيجة سقوط الوزارة وحل مجلس النواب بعد قليل.

كما رأت الوزارة من ناحية أخرى ضرورة العمل على تشكيل اتحاد عمالى يضم العمال ونقاباتهم الفرعية بغرض سد الفراغ الذى خلا بإلغاء اتحاد النقابات السابق الذى كان يخضع لنفوذ الحزب الشيوعى، ورغبة من الوزارة فى احتواء العمال مخافة اتجاههم إلى دروب معادية لوجودها ومكانتها، ومن هنا تولدت فكرة إنشاء ذلك الاتحاد العمالى الجديد حتى يكون موالياً للحكومة على عبدالرحمن فهمى- رجل «سعد» المخلص وأداته فى العمل السرى- فنجح بخبراته وأساليبه المختلفة وصلاته الواسعة فى تكوين ما عرف فيما بعد باسم «الاتحاد العام لنقابات العمال بوادى النيل».

بدأ مشروع الاتحاد باستقالة الدكتور محجوب ثابت من رئاسة «النقابة العامة للعمال» التى كانت تضم أعضاء من مختلف المهن، وتم اختيار عبدالررحمن فهمى زعيماً للنقابة فى آخر مار 1941. وبذلك أصبحت النقابة العامة هى نقطة الانطلاق للعمل من أجل تأسيس اتحاد عام للنقابات، فأقامت النقابة حفلاً فى 14 أبريل دعى إلى حضوره عدد من نواب الوفد، منهم: على الشمسى، وراغب إسكندر، وشفيق منصور. وخطب عبدالرحمن فهمى «الذى كان قد لقب بزعيم العمال» داعياً إلى «الاتحاد والتمسك بأهداب السكينة»، وفى أعقاب الاحتفال خرجت مظاهرة مكونة من نحو خمسة آلاف عامل مرت بالقصر الملكى ومجلس النواب، ثم قصدت دار عبدالرحمن فهمى الذى ألقى فى العمال خطبة جاء فيها أنه قد تكونت لجنة من أعضاء مجلس النواب لتتولى الدفاع عن العمال، وأنه قد تم الاتفاق نهائياً على تأليف اتحاد لنقابات العمال يكون مركز إدارته فى النقابة العامة، وتكون لكل طائفة نقابة خاصة بها تحت إشراف الاتحاد.

وتشكلت لجنة من أعضاء مجلس النواب الوفديين، كان على رأسها عبدالرحمن فهمى، ومن بين أعضائها: على الشمسى ومكرم عبيد وشفيق منصور وحسن نافع، وأطلقت على نفسها اسم «اللجنة التحضيرية لتكوين اتحاد النقابات العام بالقطر المصرى»، وأصدرت بيانا أعلنت أنها قد اتخذت من دار عبدالرحمن فهمى مقراً لها.

 

وغداً نستكمل الحديث