رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب:مهمة وزير التنمية المحلية فى إصلاح مخالفة محافظ القاهرة

بوابة الوفد الإلكترونية

قرار المحافظ بتحصيل 200 جنيه على كل سيارة خارج الجراج.. اعتداء صارخ على السلطتين التشريعية والتنفيذية

البرلمان وحده يمتلك سلطة تأثيم الأفعال وتحديد العقوبات المناسبة لها

فرض غرامة بدون سند قانونى.. جريمة تستوجب العقاب جنائياً

 

تقوم الدولة الحديثة على مبدأ المشروعية، الذى يمكن أن نلخصه بأنه سيادة حكم القانون، ومقتضى هذا المبدأ أن تخضع الدولة فى تصرفاتها للقانون القائم، وأن يمكّن الأفراد -بوسائل مشروعة- من رقابة الدولة فى أدائها لوظيفتها، بحيث يمكن أن يردوها إلى جادة الصواب، كلما عنّ لها أن تخرج على حدود القانون عن عمد أو إهمال.

ويقتضى مبدأ المشروعية أن تكون جميع تصرفات الإدارة فى حدود القانون، والقانون هنا يؤخذ بمدلوله العام، أى جميع القواعد الملزمة فى الدولة، فيدخل فيه أى تشريع معمول به، التشريع يتدرج إلى ثلاثة أنواع، أولها وأعلاها هو التشريع الأساسى، وأقصد به الدستور، وثانيها: هو التشريع العادى الذى يطلق عليه اسم القانون بمعناه الضيق، أى الوثيقة المكتوبة الصادرة عن السلطة التشريعية متضمنة قاعدة قانونية، بكونها قاعدة عامة مجردة، لا يوجه الخطاب فيها إلى أشخاص معنيين بذواتهم أو وقائع محددة بعينها، وألا يستفيد منها شخص واحد، وبكونها صادرة فى وثيقة مكتوبة، وصادرة عن سلطة عامة مختصة فى الدولة بما لها من حق السيادة.

والأصل أن تستقل السلطة التشريعية بسنّ التشريع العادى، إلا أنه استثناء من هذا الأصل خوّل الدستور السلطة التنفيذية التصدى لسنّ التشريع فى حالتين: أولاهما: تشريع الضرورة، وثانيتهما تشريع التفويض، أما النوع الثالث من التشريع، فهو التشريع الفرعى، الذى يعرف باسم اللائحة وتسنه السلطة التنفيذية بمقتضى السلطة المخوّلة لها فى الدستور، واللوائح ثلاثة أنواع: أولها اللوائح التنفيذية، التى تضعها السلطة التنفيذية بالأحكام التفصيلية التى يقتضيها تنفيذ القوانين، وثانيها: اللوائح التنظيمية وهى اللوائح التى تضعها السلطة التنفيذية لتنظيم المصالح والمرافق العامة والإدارات الحكومية، وهى لوائح مستقلة بذاتها ولا تستند إلى تشريع قائم، وثالثها: لوائح الضبط، وهى التى تضعها السلطة التنفيذية بما تراه من قيود على حرية الأفراد بقصد حماية الأمن أو توفير السكينة أو حماية الصحة العامة.

وتقتضى قاعدة تدرج التشريع بأنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تلغى أو تعدل أو تعطل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى إلا بتفويض من هذه السلطة.

 

سيادة القانون

ولا ريب أن توزيع السلطة بين هيئات حاكمة مختلفة، يجعل كل هيئة رقيبة على الهيئات الأخرى، فيحول بينها وبين الخروج على مقتضيات وظيفتها، ويمنعها من الاستبداد بما فى حوزتها من سلطات، بيد أن هذا التوزيع لا يجب الاستبداد أو يمنع التحكم، حيث إنه لا يكفى تعدد الهيئات أو توزيعها للقول بوجود نظام مشروع يخضع فيه الحاكم والمحكوم للقانون، ويكفل للمحكومين حرياتهم ويصون حقوقهم، وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك أن تكون مباشرة السلطة شركة بين تلك الهيئات، بحيث لا تستطيع أى هيئة أن تنفرد بالتصرف منفردة، فالجور والطغيان يكون مقصوراً فى ظل تعدد الهيئات، حالة ما انفردت على كل هيئة بممارسة اختصاصاتها دون رقابة أو مساءلة، لذلك فقد بذلت فى غضون القرن السادس عشر، والقرون التالية محاولات بغية الحد من السلطات المطلقات للملوك والرؤساء، لا بقصد توزيع السلطة على هيئات مختلفة فحسب، وإنما لمنع إحداها من الاعتداد أو التصرف دون الحصول على موافقة الأخرى، ومن هنا ظهر مبدأ الفصل بين السلطات الذى أريد به حماية الحقوق وكفالة الحريات ومنع الإدارة من الجور أو الاستبداد.

ويتطلب هذا المبدأ وجود ثلاث سلطات مستقلة فى الدولة، وهى السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، فتتولى كل سلطة إحدى الوظائف الرئيسية الثلاث للدولة، وهى: التشريع والتنفيذ والقضاء وتتفرغ لممارستها على سبيل الاستقلال والتخصص دون التدخل فى شئون السلطتين الأخريين، أو الاعتداء على اختصاصاتهما.

وقد جاء -للحقيقة- دستور سنة 1971، مقرراً لمبدأ سيادة القانون، فأكد فى وثيقة إعلانه أن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب، ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة فى الوقت نفسه، ولهذا لم يكن غريباً أن يتضمن هذا الدستور لأول مرة فى مصر باباً مستقلاً هو الباب الرابع بعنوان سيادة القانون، ولا يعدو الدستور الحالى إلا ترديداً لنصوص دستور سنة 1971 فى هذا الشأن.

وقد جاء الباب الرابع أيضًا فى هذا الدستور ناصّاً على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وأن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى.. ولما كان الفصل الأول من الباب الخامس فى شأن نظام الحكم، قد حدد فى المادة 110 منه اختصاص مجلس النواب على سبيل الحق، ومنها سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ونصت المادة 163 على أن الحكومة هى الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وتنص المادة 167 على اختصاصات الحكومة، ومن ضمن هذه الاختصاصات إصدار القرارات الإدارية وفقاً للقانون ومتابعة تنفيذها، وكذا تنفيذ القوانين، ثم أوردت المادة 184، اختصاص السلطة القضائية، ومن ثمّ فإن نصوص هذا الباب تكون نقلاً كاملاً عن الدستور السابق، ومفاد هذه النصوص أن البرلمان وحده هو الذى يملك سلطة التشريع، وهو يمارس اختصاصه عن طريق إظهار إرادته فى شكل قوانين، وهو الذى يملك وحده تأثيم الأفعال، وتحديد العقوبات المناسبة، أما القضاء فهو الذى يملك الفصل فى المنازعات القائمة بين الأفراد وتوقيع العقوبات على الأفعال التى آثمها المشرع، وأن السلطة التنفيذية هى المنوط بها تنفيذ القوانين التى سنّها البرلمان، وهى تملك إصدار القرارات الإدارية بشرط أن تكون هذه القرارات صادرة وفقاً للقانون، ومن ثمّ فإنه إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات أن تمارس كل سلطة اختصاصها على سبيل الاستقلال والتخصص، ولا يجوز لأى سلطة منهما التعدى على اختصاص أى سلطة أخرى.

كما لا يجوز إعمالاً لقاعدة تدرج التشريع - لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاماً جديدة.

 

المحافظ المختص

ولما صدر قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، فقد أوجب أن يكون لكل محافظة محافظ يصدر تبعيته، وإعفاؤه من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية، وقد اعتبرته المادة 25 من ذات القانون ممثلاً للسلطة التنفيذية وأناطت به الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، ومنحته سلطته اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة، وإزالة ما يقع عليها من تعديات بالطريق الإدارى، كما منحه المشرع جميع السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى نطاق محافظته.

وحددت المادة 35 موارد المحافظة على سبيل الحصر، ومنها: نصيب المحافظة من الضريبة الإضافية على الصادرات والواردات التى تقع فى دائرتها، ونصيبها فى الضريبة الإضافية على ضريبة القيم المنقولة، وريع حصيلة الضريبة الأهلية المقررة على الأطيان، وضرائب ورسوم السيارات والدراجات ووسائل النقل المرخص بها من المحافظة وحصيلة استثمار أموال المحافظة والضرائب والرسوم الأخرى ذات الطابع المحلى، وكذا الإعانات الحكومية والتبرعات والهبات بشرط موافقة مجلس الوزراء على قبول ما يرد منها من هيئات أجنبية.

ونصت المادة 36 على أن ينشأ بكل محافظة حساب خاص لتمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى تكون موارده من: 1 -0 حصيلة التصرف فى الأراضى المعدة للبناء. 2 - حصيلة الاكتتاب فى سندات الإسكان. 3 - حصيلة مقابل الانتفاع الذى يؤدى فى حالات الإعفاء من قيود الارتفاع وفقاً لأحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء. 4 - المبالغ المخصصة لأغراض الإسكان الاقتصادى. 5 - حصيلة إيجارات وأقساط تمليك المساكن المملوكة للمحافظة. 6 - القروض. 7 - الإعانات والتبرعات. 8 - حصيلة استثمار أموال هذا الحساب. 9 - حصيلة الغرامات التى يقضى بها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 21 من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء.

ومفاد نصوص قانون الإدارة المحلية أن المحافظ هو مثل السلطة التنفيذية، فى نطاق محافظته وهو المشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة وله اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أملك الدولة وإزالة ما يقع عليه من تعديات، وقد حدد المشرع موارد المحافظة المالية على سبيل الحصر، كما قرر إنشاء حساب خاص لتمويل مشروعات الإسكان ومن ضمن موارده حصيلة مقابل الانتفاع الذى يؤدى فى حالات الإعفاء من قيود الارتفاع وحصيلة الغرامات المحكوم بها طبقاً لقانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976.

 

قانون البناء

ولما صدر القانون رقم 119 سنة 2008، نص فى المادة الثالثة من مواد إهداره على إلغاء القانون رقم 106 لسنة 1976، وألزمت المادة 48 طالبى البناء بتوفير أماكن لإيواء السيارات يتناسب عددها والمساحة اللازمة لها، ونصت المادة 60 على أن تزال بالطريق الإدارى على نفقة المخالف الأعمال المخالفة لتوفير الأماكن التى تخصص لإيواء السيارات، ثم أوجبت المادة 61 على ذوى الشأن المبادرة إلى تنفيذ القرار الصادر بالإزالة وذلك خلال المدة المناسبة التى تحددها الجهة الإدارية، فإذا امتنع عن التنفيذ تتولى الأخيرة التنفيذ بنفسها أو بواسطة من تعهد إليه به ويتحمل المخالف جميع النفقات، وتحصل منه بطريق الحجز الإدارى.

ونصت المادة 63 على أنه فى حالة امتناع المالك عن إدارة المكان المخصص لإيواء سيارات شاغلى العقار أو عدم استخدام هذا المكان فى الغرض المخصص له تتولى الجهة الإدارية توجيه إنذار للمالك للقيام بتنفيذ ما امتنع عنه خلال مدة لا تجاوز شهراً، فإذا انقضت المدة دون تنفيذ يصدر المحافظ قراراً بتنفيذ ما امتنع عنه المالك، على أن يتحمل الأخير النفقات وعشرة فى المائة مصروفات إدارية.

وإذا كان من النتائج المباشرة التى ترتبت على الثورة الفرنسية، والتى دعمت الحرية الفردية فى كل مكان بعد هذا التاريخ إقرار المبدأ الخالد: لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، أو بناء على قانون، ولقد رددته المادة الثامنة من إعلان الحقوق الصادرة سنة 1789، فإن ذلك يعنى أن السلطة التشريعية هى وحدها المختصة بإنشاء الجرائم وبإقرار العقوبات المناسبة لها، على أساس أن السلطة التشريعية تتمثل أساساً فى البرلمان المشكل بإرادة الناخبين، والمعبر الحقيقى عن رغباتهم، ومن ثمّ انتهى الفقه إلى نتيجة ترددها المؤلفات الدستورية باستمرار، وهى أن هذا الاختصاص من الاختصاصات المحجوزة التى يتعين أن يباشرها البرلمان بنفسه، وليس له أن يفوض فى ممارستها أى سلطة أخرى، وأن جهة القضاء هى المختصة وحدها بتطبيق العقوبات التى تقررها السلطة التشريعية، وعن طريق هذين القيدين أمن الفقه التقليدى للمواطنين ضد كل احتمال للتعسف من قبل السلطات الحاكمة.

وإذا كان المشرع فى قانون البناء رقم 119 سنة 2008، لم يجرم واقعة امتناع مالك العقار عن إدارة المكان المخصص لإيواء السيارات فى الغرض المخصص له، ومن ثمّ فإن كل ما يملكه المحافظ فى حالة ارتكاب المالك هذا الفعل، هو توجيه إنذار إليه، للقيام بتنفيذ ما امتنع عن تنفيذه، فإذا امتنع أصبح له الحق فى إصدار قرار بتنفيذ ما امتنع المالك عن تنفيذه على أن يتحمل الأخير المصروفات.

ويبدو أن مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، لم يجد قبولاً لدى محافظ القاهرة، فأصدر فى تحدٍّ صارخ للدستور والقانون كتاب دورى أعطى له رقم 3 ونسب إلى صدوره تاريخ 1/3/2015، وأورد فى ديباجته أنه تلاحظ له قيام بعض ملاك العقارات بنطاق المحافظة تغيير غرض استخدام الأماكن المعدة لإيواء السيارات أو غلقها أو إقامة عوائق تحول دون استخدامها فى الغرض المخصصة من أجله، وهو ما يؤدى إلى لجوء أصحاب السيارات التى لم تتمكن من استخدام الجراجات إلى استغلال الشوارع الرئيسية والجانبية، وأمام تلك العقارات كأماكن انتظار ويشكل إخلالاً بالنظام العام، ويعطل حركة المرور، وللقضاء على هذه الظاهرة وجب على كافة رؤساء الأحياء وتحت إشراف السادة نواب المحافظ حصر كافة الجراجات التى تم تغيير الغرض من استخدامها، وتحديد الجراجات التى يتعذر تشغيلها، أو المغلقة دون مبرر، وتحديد مبلغ 200 جنيه شهرياً من مالك العقار مقابل كل سيارة كان من المقرر إيواؤها فى الجراج.

وتودع حصيلة تلك المبالغ لدى صندوق خدمات محافظة القاهرة، وإذا تعذر التحصيل تحرر البلاغات اللازمة ضد ملاك العقارات للتسبب فى إشغال الطرق العامة والإحالة إلى النيابة العامة لتجرى شئونها.

ويبدو لأول وهلة من مطالعة هذا الكتاب مصدره تعدى على السلطة التشريعية بتجريمه فعلاً لا يملك تجريمه إلا المشرع، لأن التجريم ليس عملية لا ضابط لها، فإن كان من حق الأفراد أن يأتوا كافة للأعمال التى يرونها بغض النظر عن الآثار التى ترتبها، فإن من حق السلطة التشريعية وحدها أن تتدخل لتحدد خطأ واضحاً بين الأعمال التى يؤذن لهم بالقيام بها، وبين تلك الأعمال التى ينهاهم عنها، وما دامت السلطة التشريعية لم تؤثم هذا الفعل، ومن ثمّ فإن محافظ القاهرة لا يملك تأثيمه.

ولما كان المقرر أيضًا أنه لا عقاب بغير جريمة تقدرها السلطة التشريعية، وما دام هذا الفعل لم تؤثّمه السلطة التشريعية، ولم تفرض عقوبة على مقترفه، فإن فرض محافظ القاهرة عقوبة مقدارها 200 جنيه شهرياً عن كل سيارة كان من المقرر إيواؤها، فإن القرار الصادر منه بفضها يكون قد صدر معدوماً لاغتصابه اختصاصات السلطة التشريعية.

كما أن نصه على أن توضع حصيلة تلك المبالغ لدى صندوق خدمات محافظة القاهرة، إنما يعد منه تعديلات لنص المادة 36 من قانون الإدارة المحلية التى حددت على سبيل الحق الوارد الخاصة بتمويل الصندوق وليس من بينها الغرامات التى يتم فرضها من المحافظ بدون سند قانونى وهو أمر لا يملكه لأن تعديل القانون لا يكون إلا بواسطة السلطة التشريعية التى أصدرته مما يكشف عن غصب للسلطة وتحدٍّ صارخ للدستور.

ورغم أن محافظ القاهرة هو ممثل السلطة التنفيذية فى نطاق محافظته فقد استهوته السلطة بأنواعها، فاغتصب اختصاص السلطة التشريعية حين أنشأ جريمة ووضع لها عقوبة ولم يقف عند هذا الحد بل تعدى كل ذلك بالفصل فى منازعة لا يملك الفصل فيها لأنه بتوقيعه العقوبة وأمره بتحصيلها يكون قد اغتصب أيضًا اختصاص السلطة القضائية، التى تملك وحدها فرض العقوبات والفصل فى المنازعات.

ولما كان المشرع حين أناط بالمحافظ إصدار القرارات التى يراها فإن ذلك الحق مشروط بأن يكون إصدار هذا القرارات مطابقاً لأحكام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها.

وإذا كان الثابت أن مصدر الكتاب الدورى رقم 3 لسنة 2015، قد اغتصب اختصاصات السلطتين التشريعية والقضائية ومن ثمّ فإن هذا الكتاب يكون قد صدر لمن لا يملك حق إصداره غير قائم على سند من القانون موصوماً بعيب عدم المشروعية، مما ينحدر به إلى درجة الانعدام وبالتالى فإن هذا الكتاب لا يمكن أن يرتب أى أثر قانونى.

 

جريمة الغدر

فضلاً عما تقدم فإن المادة 114، من قانون العقوبات تعاقب كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً مع علمه بذلك بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن وتسمى هذه الجريمة بالغدر.

ويقوم الركن المادى لهذه الجريمة على عنصرين: الأول طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً، والثانى موضوع الطلب أو الأخذ، فبالنسبة للعنصر الأول، فإن هذه الجريمة تقع بمجرد أن يطلب الموظف مبلغاً من الأشياء المذكورة حال كونه غير مستحق، أو كان يزيد على المستحق قانوناً، وإذا كان مجرد الطلب الوارد على الأشياء المذكورة يحقق هذه الجريمة فإن الأخذ الذى ينصب على تلك الأشياء يكون محققاً لها من باب أولى، ولم ينص المشرع على قبول مبلغ من تلك الأشياء، حالة كونه غير مستحق، ولكن يمكن القول إن الموظف الذى يكون له شأن فى تحصيل المبالغ المشار إليها، ويقيل أياً منها، وهو يعلم بأن هذا المبلغ غير مستحق معناه تكليف للمجنى عليه بأداء هذا المبلغ، وهذا من شأنه تحقيق تلك الجريمة، حتى إذا لم يعقب القبول أخذ فعلى بما ليس مستحقاً.

ويلاحظ أنه يشترط لانطباق النص المتقدم أن يكون الجانى قد صدر عنه الطلب أو الأخذ بصفته، أما عن العنصر الثانى الخاص بموضوع الطلب فإنه يجب أن ينصب الطلب أو الأخذ على رسوم أو ضرائب أو عوائد أو غرامات أو نحوها، وهذه الأشياء التى أوردتها المادة 114 أوردها المشرع على سبيل المثال لا الحصر، وقصد بها أن يشير إلى جميع المبالغ التى تقتضيها الدولة أو الأشخاص الإدارية باعتبارها سلطة عامة تسدى خدمات جوهرية للجمهور، وتدير المرافق العامة التى يعم نفعها على الجميع.

والصفة المميزة لهذه المبالغ أن الدولة تقوم بجبايتها جبراً على الأفراد، ولأن النص المتقدم عدّد هذه الأشياء على سبيل المثال فإنه يمكن القياس عليها مع الالتزام بتلك الصفة المشتركة.

ولا شك أن صدور قرار من محافظ القاهرة بتحصيل مبلغ 200 جنيه شهرياً من مالك العقار فى مقابل كل سيارة كان من المقرر إيواؤها فى الجراج الذى يتعذر استخدامه، وإيداع حصيلة تلك المبالغ صندوق خدمات محافظة القاهرة، وتكليف رؤساء الأحياء وتحت إشراف نواب المحافظ بهذا التحصيل، وفى حالة تعذره تحرر البلاغات ضد ملاك العقارات للتسبب فى إشغال الطرق العامة، إنما يشكل الجريمة المنصوص عليها فى المادة 114 من قانون العقوبات فى حق القائمين على التحصيل.

 

مهمة الوزير

ولا شك أن الرقابة تعمل على تصحيح مسار التنفيذ عن طريق معالجة التصور والانحرافات، وأن المسئولية هى حجر الزاوية فى النظام البرلمانى وأهم أركانه، كما أنها ضمان عام للحقوق والحريات حين تتخطى السلطة التنفيذية الحدود المرسومة لها أو تسىء استعمال ما لها من حقوق، وفى كلتا الحالتين تكون قد انحرفت عن جادة الصواب، وإذا كان الوزراء مسئولين أمام البرلمان، وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته، فأنا واثق أن سيادة اللواء محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية، بما له من خبرة طويلة فى مجال تنفيذ القانون، وإعمال أحكامه سيتولى بنفسه مراقبة مدى مطابقة الكتاب الدورى الذى أصدره محافظ القاهرة، برقم 3 لسنة 2015، للدستور والقانون وسيقوم بنفسه بتصحيحه، وذلك فى إطار الشرعية الدستورية باعتباره القادر وحده أن يخضع الجهات التابعة له فى تصرفاتها للقانون، وأن يردها إلى جادة الصواب، كلما عنّ لها أن تخرج على حدود الدستور أو القانون، وسواء كان هذا الخروج عن قصد، أو عن جهل، أو عن إهمال.