رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدكتور على الحفناوي يجيب عن السؤال التاريخي: هل كان تأميم قناة السويس ضرورياً؟!

بوابة الوفد الإلكترونية

كتب :الدكتور على الحفناوي

 

< هل="" كان="" تأميم="" قناة="" السويس="">

 

يثير هذا السؤال خلافا نظريا منذ زمن طويل. ونعلم مقولة: «ولماذا كان التعجل فى التأميم فى حين كان يكفينا الانتظار حتى 1968 لاستعادة القناة»... وبالطبع، نجد أن أصحاب تلك المقولة ممن يعادون عبد الناصر، أو على الأقل ممن يحنون إلى «العصر الملكى»، حتى وإن لم يعاصروه. وعلى الجانب الآخر، نجد أن الذين يردون على تلك المقولة من «الناصريين» لا يعتمدون فى ردهم إلا على اعجابهم الشديد بشخص عبدالناصر، وإن لم يُعاصروه، فى محاولة لرفع الظلم عن شخص زعيم، دون الاستناد إلى الموضوعية العلمية بالحجج والأسانيد... فاسمحوا لى ببعض الموضوعية فى عرض القضية، بعيدا عن مؤثرات العواطف السياسية وانتماءاتها.

أولا: قضية قناة السويس هى قضية مصر القومية منذ حفرها. والمطالبة باسترجاعها كان يُمثل مطلبا وطنيا مصريا من قبل الاحتلال البريطانى، أى قبل التأميم وقبل عبدالناصر بنحو ثمانين عاما. ولنتذكر الأحداث التالية:

< ألغى="" الخديو="" اسماعيل="" استخدام="" السخرة="" وأمر="" باستعادة="" مساحات="" الأراضى="" التى="" كانت="" شركة="" القناة="" قد="" استحوذت="" عليها="" بناء="" على="" نصوص="" فرمان="" الوالى="" محمد="" سعيد،="" الذى="" كان="" ينقصه="" الدقة.="" وقد="" أدى="" هذا="" الالغاء="" إلى="" خلاف="" كبير="" مع="" الشركة="" عام="" 1864،="" وتوقفت="" أعمال="" الحفر="" نحو="" عام.="" ثم="" تم="" تحويل="" القضية="" إلى="" التحكيم،="" واضطر="" اسماعيل="" تحت="" ضغط="" السلطان="" العثمانى="" إلى="" قبول="" حُكم="" «نابليون="" الثالث»="" الذى="" عين="" محكما="" فى="" هذا="" النزاع،="" رغم="" كونه="" على="" صلة="" قرابة="" بفرديناند="" ديليسبس="" رئيس="" الشركة="" حينئذ،="" والذى="" فرض="" على="" مصر="" سداد="" تعويض="" للشركة="" قدره="" 84="" مليون="" فرنك.="" فبدأ="" بهذا="" المبلغ="" عصر="" الديون="" الضخمة="" بالفوائد="" المركبة="" التى="" تراكمت="" على="">

< تحملت="" الخزانة="" المصرية="" مبلغا="" ضخما="" آخر="" قدره="" يزيد="" على="" 88="" مليون="" فرنك="" مقابل="" شراء="" 44%="" من="" أسهم="" شركة="" قناة="" السويس="" التى="" عجز="" ديليسبس="" عن="" تسويقها،="" وهذا="" من="" أجل="" أن="" يستمر="" المشروع="" وأن="" تتملك="" مصر="" حصة="" غالبة="" فى="" الشركة="" (بالإضافة="" إلى="" 15%="" من="" الأرباح="" التى="" قررتها="" مواثيق="" تأسيس="">

< كذلك="" اضطرت="" مصر="" لسداد="" نحو="" 40="" مليونا="" أخرى="" لسداد="" قيمة="" مشتريات="" متنوعة="" من="" أراضٍ="" ومخازن="" وآلات،="" ما="" أدى="" لتحمل="" مصر="" ما="" يزيد="" على="" 212="" مليون="" فرنك="" نقدا="" فى="" مشروع="" حفر="" قناة="" السويس،="" والذى="" كانت="" تكلفته="" التقديرية="" 200="" مليون="" فقط،="" وقت="" اصدار="" فرمان="" عقد="" الامتياز،="" وارتفع="" إلى="" 420="" مليونا،="" منها="" 120="" مليونا="" مصاريف="" ادارية="" ومرتبات="" لموظفى="" الشركة="" خلال="" فترة="">

ومن تلك الأرقام الأولية، يتضح أن رائحة الفساد فى العقد وفى التنفيذ وفى قرارات التحكيم واضحة منذ البداية، وكان يمكنها أن تزيد كثيرا لولا وطنية الخديو اسماعيل ويقظة رئيس الوزراء نوبار باشا. ولنتذكر قول اسماعيل: «أريد القناة لمصر وليس مصر للقناة»...

وبعد أن كانت بريطانيا معترضة بشدة على مشروع حفر قناة السويس، خوفا من سيطرة فرنسا على طريق الهند، وجد رئيس وزرائها «بنيامين ديزرائيلى» بمعاونة صديقه «روتشيلد» ثغرة ينفذ منها إلى قلب مصر وقلب قناة السويس. فلم يكن ديزرائيلى سعيدا بعدم مساهمة انجلترا فى ملكية أسهم قناة السويس، وظل مع أصدقائه من عائلة روتشيلد يتطلعون للفرصة التى ستسمح لإنجلترا بامتلاك أسهم القناة، كخطوة لامتلاك مصر كمستعمرة بريطانية. وظل ديزرائيلى يتحرك فى الكواليس لخلق الظرف الملائم لتحقيق أغراضه. وتحددت الخطة لوضع الخديو اسماعيل فى مأزق عن طريق تضخيم الديون المصرية باحتساب فوائد بنكية مركبة ضخمة لا تستطيع مصر سدادها لفك أزمتها المالية. وقام صديقه مدير البنك البريطانى المستر «هنرى أوبنهايم» بترتيب الأزمة وإدارتها حتى لا يكون للخديو مخرج إلا ببيع أسهم قناة السويس. وقد كان.. فتم البيع سنة 1875 فى الخفاء بأموال اقترضها ديزرائيلى من صديقه «ليونيل روتشيلد» بما قيمته فى هذا الوقت أربعة ملايين جنيه استرلينيا، ثم ذهب بنيامين ديزرائيلى إلى الملكة فيكتوريا قائلا: «الموضوع قد حل يا مولاتى، فهى لك الآن، مصر وقناتها»، وكان يقصد أنه أوجد لبريطانيا الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس. (ويشرح دافيد لاندس فى كتابه «بنوك وبشوات» كيف تم احكام الخناق البنكى على مصر حتى تقع فريسة للاستعمار).

قام ديزرائيلى بترتيب سياسة بريطانيا الخارجية للتخلص من الخديو اسماعيل، ووضع مصر تحت الوصاية المالية لبريطانيا، وتم تعيين وزراء مالية داخل الحكومة المصرية من الانجليز لإدارة «الديون»، وانتهت بعزل الخديو سعيد عن الحكم باتفاق بريطانى عثمانى سنة 1879 وتعيين ابنه توفيق المتعاون مع انجلترا. وبعد ذلك، وجه ديزرائيلى سياسة بريطانيا للبدء فى خطة احتلال مصر فى ظل حاكم مصرى مطيع وسلطان عثمانى متعاون. ولكن العمر لم يسعفه لدخول مصر كما كان يحلم على رأس الجيش البريطانى، فتوفى عام 1881، عاما واحدا قبل الاحتلال الفعلى.

(وحتى ندرك أهمية مصر لبريطانيا، نذكر ما قاله اللورد كيورزون وزر خارجية بريطانيا عام 1909: «إن قناة السويس هى العامل الحاسم لأى عمل أو تواجد بريطانى خارج حدودنا».

لعبت قناة السويس دورا محوريا فى الاعداد لاحتلال مصر، كما لعبت دورا أهم فى العملية العسكرية التى انتهت بالاحتلال. فعندما تصدى أحمد عرابى للغزو البريطانى فى معركة كفر الدوار (مايو 1882)، وتراجع القوات الانجليزية، خشى عرابى أن تكون المحاولة الثانية عن طريق قناة السويس، فذهب إلى ديليسبس عارضا فكرة ردم القناة، ولكن ديليسبس وعده بأنه لن يسمح بدخول الأسطول البريطانى فى قناة السويس. لكنه خلف وعده، ودخل الأسطول ونزلت القوات البريطانية بالاسماعيلية وهزمت الجيش المصرى فى التل الكبير وبدأ الاحتلال الذى دام 74 سنة يوم 13 سبتمبر عام 1882 من قناة السويس.

من أحمد عرابى إلى مصطفى كامل إلى محمد فريد ثم سعد زغلول، قامت حركات التحرر الوطنى فى مصر للمطالبة بجلاء الانجليز واستعادة قناة السويس المرتبطة عضويا بالاحتلال، خاصة وقد ثبت طوال عقود الدور الاستعمارى الذى كانت تلعبه الشركة فى مصر.  لذلك أصبحت القناة والاحتلال مرتبطين فى الوجدان الوطنى على مر السنين والعقود.

ثانيا: من الأحداث الجسام التى مرت بالتاريخ المصرى الحديث، أحداث عام 1910. ففى هذا العام، دفعت بريطانيا شركة قناة السويس، التى صارت تحت سيطرتها الكاملة، إلى المطالبة بمد عقد امتياز استغلال القناة لفترة أربعين سنة اضافية، لينتهى العقد فى 2008 بدلا من 1968. وكانت حجة الشركة فى هذا الطلب: أنه لتبرير التكاليف التى ستتحملها الشركة فى توسيع القناة وتعميقها، عارضة على الحكومة المصرية أربعة ملايين من الجنيهات لإغرائها بالموافقة. ويكشف عبد الرحمن الرافعى فى كتاب «محمد فريد رمز التضحية والإخلاص»: «ظل المشروع فى طى الخفاء زهاء سنة، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، ولكن محمد فريد تمكن من الحصول على نسخة من المشروع فى أكتوبر 1909، فبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، ثم قفى على أثرها ببيان أسرار المشروع وأسبابه، ومبلغ الغبن الذى يصيب مصر من ورائه، وشرح ذلك فى سلسلة من مقالات مستفيضة، دلت على سعة إلمامه بدقائق المسألة المصرية وملابساتها، من الوجهتين السياسية والمالية». وقد قاد محمد فريد والحزب الوطنى، الحملة ضد مشروع مد الامتياز، ونجحت الحملة فى إجبار الخديو عباس الثانى والحكومة، على أن يحيل المشروع إلى الجمعية العمومية لاتخاذ ما تراه، قررت الجمعية تشكيل لجنة منها تعد تقريرًا بالموضوع، وعقدت جلستها العامة يوم 4 إبريل 1910 لمناقشته.

كان الخديو عباس حلمى الثانى هو حاكم البلاد فى ظل الانتداب والحماية البريطانية، لكنه قبل بعرض قضية مد الامتياز على الجمعية العامة (مجلس النواب). وبالفعل قامت الحكومة التى كان يرأسها بطرس باشا غالى بعرض الموضوع على الجمعية. وفى 7 إبريل واصلت الجمعية العمومية مناقشة المشروع، وجرى التصويت عليه نداءً بالاسم، وكانت النتيجة رفضه بالإجماع، ما عدا مرقص سميكة والوزراء، ووفقا لقول «مصطفى الحفناوى»: «كان رفض المشروع عملًا رائعًا من أعمال الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد». إلا أن هذا الموضوع قد انتهى نهاية درامية بمقتل بطرس باشا غالى على يد ابراهيم الوردانى.

وفى نفس تلك السنة، أصدر طلعت حرب كتابه «قناة السويس»، شارحا الخطورة الاقتصادية لمشروع مد الامتياز، وشارحا الغبن المالى الذى تعانيه مصر من سيطرة الأجانب على قناة السويس من خلال الشركة، موضحا أهمية استرجاعها فى أقرب وقت.

وهكذا ظلت أحداث 1910 عالقة بالأذهان، مؤكدة فرض بريطانيا سيطرتها على القناة وعلى مصر باستخدام شركة قناة السويس لتثبيت أقدام جنود الاحتلال.

اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وزادت أهمية قناة السويس كمرفق ملاحى تابع لبريطانيا خلال أحداثها العسكرية، خاصة المعارك مع الجيش التركى، كما شهدت تلك الفترة اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة ثم وعد بلفور، وكلها تدور حول الدول المجاورة لمصر، مع تشبث بريطانيا المهول بمواقعها المصرية وقواتها على ضفاف قناة السويس. وكانت أحداث ثورة 1919 لنيل الاستقلال المصرى هي رد الفعل الوطنى لمواقف بريطانيا الاستعمارية الغليظة. ومنذ ذلك الوقت وحتى خروج جنود الاستعمار من مصر، مارست بريطانيا سياسة تجزئة الاستقلال فى جرعات مخففة: فى 1922 ثم فى 1936 ثم فى 1954... ليس لسبب سوى رفض ترك موقع قناة السويس للمصريين.

ثالثا: موقف الادارة الأجنبية لشركة قناة السويس خلال مراحل النضال الوطنى المصرى من أجل الاستقلال كانت متطابقة مع مواقف المستعمر، لدرجة أنها وصفت بالشركة الاستعمارية من قبل خبراء دوليين درسوا ممارسات الشركة (كتاب السيدة الفرنسية الدكتورة كارولين بيكيه عن قناة السويس). وقد أظهرت المستندات التى وجدت بأرشيف الشركة ما هو أكثر من ذلك، فمثلا:

< أظهرت="" المستندات="" أن="" الشركة="" لم="" تكن="" إلا="" ستارا="" فى="" باريس="" يخفى="" السلطة="" الحقيقية="" التى="" تدير="" قناة="" السويس،="" وهذه="" السلطة="" هى="" حكومة="" إنجلترا،="" فوزارة="" الحرب="" البريطانية="" تهيمن="" على="" قسم="" الأشغال="" بالشركة،="" وهى="" التى="" تشرف="" على="" المشروعات="" الجديدة="" وتراقبها،="" والبحرية="" البريطانية="" هى="" التى="" تهيمن="" هيمنة="" تامة="" على="" قسم="" الملاحة="" وادارة="" التحركات="" بقناة="" السويس،="" ولها="" فيه="" عيون="" بعضهم="" بدرجة="" أميرال،="" ووظائفهم="" الظاهرة="" وظائف="" إدارية="" بقسم="" الملاحة،="" أما ="" الإدارة="" العامة="" للقناة="" فكانت="" تخضع="" للإشراف="" الأعلى="" للجنة="" متواضعة="" فى="" لندن،="" سمتها="" حكومة="" إنجلترا="" اللجنة="" الاستشارية="" لقناة="" السويس،="" وكانت="" تضم="" أعضاء="" مجلس="" إدارة="" الشركة="" الإنجليز="" من="" أمثال="" لورد="" «هانكي»،="" وسير="" «ألكسندر="" كادوجان»="" وآخرين.="" ولهذا،="" حرصت="" حكومة="" إنجلترا="" منذ="" احتلالها="" لمصر="" فى="" سنة="" ١٨٨٢="" على="" احتكار="" السـيطرة="" التامة="" على="" قناة="" السويس،="" واستمر="" الحال="" كذلك="" حتى="" تأميم="" الشركة="" فى="">

<  كذلك="" أظهرت="" المستندات="" أنه="" فى="" الحروب="" التى="" مرت="" منذ="" افتتاح="" القناة،="" وخصوصا="" فى="" الحربين="" العالميتين="" الأولى="" والثانية،="" ألقت="" بريطانيا="" بثقلها="" على="" قناة="" السويس،="" وسارت="" الحركة="" الملاحية="" لصالح="" حلفاء="" الغرب="" وحدهم،="" وحرمت="" الملاحة="" تحريما="" تاما="" عبر="" القناة،="" على="" ألمانيا="" وحلفائها،="" وذلك="" على="" الرغم="" من="" نصوص="" معاهدة="" القسطنطينية="" لسنة="" ١٨٨٨.="" وكان="" هذا="" من="" أسباب="" ترجيح="" كفة="" حلفاء="">

< وفى="" أوقات="" الـسلم،="" بنت="" الحكومة="" البريطانية="" اقتصادها="" على="" أساس="" المزايا="" المستترة="" التى="" تحصل="" عليها="" بفضل="" سيطرتها="" على="" قناة="" السويس؛="" مزايا="" سرية="" وغير="" ظاهرة="" تتمثل="" فى="" الغش="" فى="" قياس="" السفن="" التى="" تحمل="" بضائع="" لحساب="" إنجلترا="" من="" الجنوب="" إلى="" الشمال="" بالنسبة="" للمواد="" الخام،="" ومن="" الشمال="" إلى="" الجنوب="" بالنسبة="" للسلع="" المصنوعة="" فى="" إنجلترا.="" وكذلك="" فى="" ترتيب="" السفن="" فى="" القوافل،="" وتمييز="" السفن="" البريطانية="" والتى="" تحمل="">

لحساب بريطانيا عن غيرها. وإذا ترجمت هذه المزايا المستترة إلى أرقام يتبين كيف استطاعت بريطانيا أن تغزو أسواق الشرق. ومعنى ذلك أنه إذا رفعت قبضة بريطانيا عن الحركة الملاحية فى قناة السويس، فإن اقتصاد إنجلترا يعرض للانهيار؛ إذ يتحتم عليها أن تبنى اقتصادها بدون الاعتماد على السيطرة الاستعمارية. وهذه الحقيقة تأكدت بالعديد من الوثائق والأرقام والإحصاءات فى ملفات شركة قناة السويس السرية التى وقعت تحت يد د. مصطفى الحفناوى بأرشيف الشركة فى باريس، ومتواجدة حتى الآن بأرشيف الشركة فى مدينة روبييه بفرنسا.

< كانت="" أهم="" وثيقة="" وجدت="" بأرشيف="" الشركة،="" والتى="" صارت="" فيما="" بعد="" السند="" القانونى="" لحق="" مصر="" فى="" تأميم="" القناة،="" هى="" ما="" يثبت="" أن="" عقد="" امتياز="" الشركة="" المطبوع،="" الذى="" تعاملها="" من="" خلاله="" حكومة="" مصر،="" أنه="" كان="" مزيفا="" ملفقا="" منذ="" احتلال="" إنجلترا="" لمصر="" فى="" سنة="" ١٨٨٢،="" وأن="" العقد="" الأصلى="" الذى="" صدق="" عليه="" السلطان="" العثماني،="" والذى="" نص="" على="" جنسية="" الشركة،="" وأنها="" شركة="" مساهمة="" مصرية="" تخضع="" للقوانين="" التى="" تصدر="" فى="" مصر،="" ولاختصاص="" القضاء="" المصري،="" هذا="" العقد="" سرق="" من="" مصر،="" وقد="" وقعت="" نسخته="" المسروقة="" فى="" يد="" د.="" الحفناوى="" عام="" 1950،="" فانتزعها="" من="" الملف،="" وسلمها="" لوزارة="" الخارجية="" فى="" القاهرة،="" وأودعت="" بمحفوظات="" مجلس="">

رابعا: ظهرت نوايا ادارة الشركة لما بعد انتهاء مدة الامتياز، من خلال واقعة يرويها د. الحفناوى فى مذكراته كما يلى:

(ذات صباح فى خريف سنة ١٩٥٠ كنت أتصفح ملفا، وكنت جالسا بالحجرة الـصغيرة التى كنت أستعملها داخل شركة قناة السويس بباريس، فإذا برئيس الشركة «شارل رو» يدخل بغتة باشا ومحييا، وأمسك بذراعى وقال: يا صديقى العزيز يا صديقى ... وكرر التحية بضع مرات، وطلب منى مصاحبته إلى غرفته لنتحدث فى أمر هام. وغاص العجوز الماكر فى مقعده الوثير، وأنا جالس أمام مكتبه فى مقعد آخر وثير، وخلع منظاره لتنظيفه ثم وضعه على عينيه، ونظراته قد سلطها خلسة من تحت عدسات المنظار، وأحسست أنه يمعن النظر فى قسمات وجهي، ويراقب انفعالاتي، ونبضات قلبى ثم تكلم فقال: أريد أن أقترح عليك مسألة تدافع عنها فى كتابك، (والمقصود هو كتاب باللغة العربية عن انجازات الشركة، كان شارل رو ينتظره من د. الحفناوى، فسمح له بالاطلاع على ملفات أرشيف الشركة فى باريس)، ولو فعلت فإنك ستصل فى شجاعتك الأدبية حد الذروة، وستكسب احترام العالم المتمدين، وسوف ينتشر كتابك، ويذيع صوتك، على نحو غير مسبوق. وسوف تفتح لنفسك باب مستقبل عريض ضخم، وتصبح من كبار الرجال فى العالم. اسمع يا صديقى وفكر معى وتأمل. . إنك توافقنى - بطبيعة الحال - على أنه يستحيل ترك القناة بغير حراسة، وقوة مزودة بأحدث الأسلحة لدفع أى عدوان عليها، وثق أن روسيا السوفيتية لن تتردد فى احتلال بلادكم، واحتلال منطقة القناة بالذات، إذا جلت القوات البريطانية عن قناة السويس، والحل الأمثل هو حراسة القناة بقوات دولية تعينها الأمم المتحدة، وتتواجد فى منطقة قناة السويس تحت راية الأمم المتحدة، وهذا ينفى عنها لون الاحتلال الأجنبى الذى ترضونه؛ ذلك أن القناة ممر مائى يستعمل فى خدمة التجارة الدولية، وواجب الأمم المتحدة أن تحرس هذا الشريان وتدرأ عنه أى اعتداء.

وتوقف شارل رو لحظات قبل أن ينتقل إلى الشق الثاني، وكانت نظراته الفاحصة لا تفارقني، وكأنه يحاول أن يقرأ ما فى عقلي، وكنت قوى الأعصاب مسيطرا على انفعالاتى تماما؛ حتى لا يرتاب فى أمري. ولاحظت أن الكلمات كانت تنكسر بين شفتيه، وكان يتلعثم مع أنه محدث بارع، وكاتب وأستاذ أكاديمي، ذلك لأنه كان يؤمن فى قرارة نفسه أنه غشاش ومخادع، وأنه كان يدعونى للخيانة بلا تورع ولا حياء. وقد استرسل وأمعن حينما عرض الشق الثانى من مشروعه، متحدثا فـيه عن إدارة قناة السويس المستقبلة، وفى ذلك قال بالحرف الواحد:

«بعد انتهاء امتياز الشركة فى ١٦ من نوفمبر سنة ١٩٦٨، بل بمكن أن يكون قبل انتهاء الامتياز، وباتفاق خاص يعقد مع شركتنا، ويعوضها عن الأضرار، تقوم الأمم المتحدة بتعيين لجنة دولية تحل محل الشركة فى إدارة قناة السويس واستغلالها. وفى هذه اللجنة تمثل الدول العظمى، ويكون لمصر مقعد واحد، وعضو يمثلها فى اللجنة الدولية، وباعتبارك صاحب الاقتراح لن ترشح الحكومة المصرية سواك، وستكون أول من يجلس فى هذا الكرسى الدولي، وسوف يضفى عليك مكانة عالمية ضخمة. وكى أكون صريحا معك إلى أقصى حد، أنبهك إلى أنك سوف

تصادف متاعب - فى أول الأمر - من أهل بلدك، ولن يفهموك بسرعة. وأذكرك بأن المرحوم الدكتور أحمد ماهر قتل وراح ضحية شجاعته فى الرأي، ولكنه خلد فى التاريخ كمثل فى الشجاعة الأدبية. وأنت الآخر يجب أن تكون شجاعا، وتدافع عن رأيك، ولو خالفك أهل وطنك. والآن، أحب أن أعرف منك رأيك فى هذا المشروع، وهل تستطيع أن تتبناه؟

قلت له: سأعرضه بالطريقة التى أراها ملائمة، وأرجوك أن تترك لى فرصة التأمل والتفكير فيه.

وكان محدثى من قصر النظر بحيث شفع العرض المتقدم برشوة مقنعة عرضها بأسلوب خبيث، ولكنه كان مكشوفا. سكت دقائق، وهو مستمر فى ملاحظة انفعالاتى وقسمات وجهى ثم قال: هل أستطيع أن أعرف راتبك الشهرى فى السفارة المصرية؟ قلت: ولماذا؟ قال: إنهم يتهموننا فى مصر بأننا نبخل على المصريين بوظائف الشركة، والحقيقة أننا لم نوفق لذوى الكفاءات المؤهلين لوظائف الشركة التى لها مسئولياتها، وتتطلب تأهيلا رفيع المستوى. وأنت يا صديقى فيك كل الصفات التى تؤهلك لمناصب الشركة، أنت قانوني، ومؤرخ، وكاتب، وعالم، ودبلوماسي، وتجيد الفرنسية والإنجليزية، وهذا أقصى ما نطلبه فى المرشحين لوظائف الشركة. ألديك مانع من أن تترك خدمة السلك السياسي، وتشتغل معنا؟ إننى أقدرك، وأعوانى يقولون إنك عاقل ومتزن، ويثنون عليك أطيب الثناء. فما رأيك؟

وأجبته بقولي: أرى أن تنتظر حتى يظهر كتابي، وتعرفنى معرفة تامة).

ثم كانت رسالة الدكتوراه فى القانون الدولى فى السوربون عام 1951 التى أثبتت ممارسات الشركة الاستعمارية وحق مصر فى استرداد القناة، فاعترفت جهة علمية فرنسية بحق مصر فى استعادة قناة السويس. ويُذكر أن محمد صلاح الدين باشا، وزير خارجية مصر فى ذلك الوقت، قد كتب مقدمة للرسالة، أوضح فيها أنها تعبر عن الموقف الرسمى للحكومة المصرية (حكومة الوفد). ومن بعد تاريخ نشر هذه الرسالة، ونشر مخالفات الشركة المالية والادارية على الملأ، بدأت الشركة فى اصدار تعليمات لكل اداراتها بالتوقف عن الصرف على أى تحسينات فى المجرى الملاحى أو فى صيانة المعدات الثقيلة مثل الكراكات وغيرها، حتى يأتى موعد انتهاء الامتياز، فإن لم تقبل مصر بالمد، فسيتم فرض نظام جديد دولى لادارة القناة بعيدا عن الحكومة المصرية... وكانت كل تلك التعليمات والتوجيهات الادارية قد عثر عليها بملفات الشركة فى مقرها بالقاهرة والاسماعيلية عند التأميم، وتم ايداعها بمحفوظات هيئة قناة السويس بعد اطلاع المخابرات العامة بمحتواها.

الخلاصة: ان المطالبة باسترجاع (أو تأميم) مصر لقناة السويس كان مطلبا وطنيا مصريا من قبل 1952 بسنوات طويلة، وان المستعمر البريطانى، وشركة القناة التى كان يهيمن عليها، كانا قد استعدا لتدويل القناة لإبعادها عن مصر. أما عبد الناصر، فلم يكن إلا الرئيس المصرى الذى تواجد فى ظرف تاريخى فى موقع السلطة لينفذ المطلب الوطنى المصرى الذى طالب به كل المصريين وأحزابهم منذ عقود طويلة.

الحكم التاريخى على الأحداث ليس به عواطف وانتماءات سياسية... ألا نعقلها؟!