رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحيل اللواء باقي زكي «أيقونة» حرب أكتوبر

بوابة الوفد الإلكترونية

كتب – محمد عيد:

«رحل الجسد وبقى الأثر».. هكذا يمكن وصف اللواء باقى زكى يوسف الذى رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 87 عامًا ليكون اسمه على مسمى ويظل باقيًا بالإنجاز الذى لعبه فى حرب أكتوبر 1973، وهو من مواليد 1931، وتخرج من قسم الميكانيكا فى كلية الهندسة، بجامعة عين شمس عام 1954، والتحق بالقوات المسلحة فى ديسمبر من نفس العام، وتدرج فيها بجميع الرتب والمواقع المختلفة حتى رتبة اللواء، وهو رئيس فرع المركبات بالجيش الثانى الميدانى أثناء حرب أكتوبر 1973، وصاحب فكرة استخدام ضخ المياه لإحداث ثغرات فى حصن برليف المنيع، لعبور القوات، وكان ذلك فى سبتمبر 1969 التى تم تنفيذها فى حرب أكتوبر المجيدة.

وبالرغم من صغر سنه حينئذ، إلا أنه أطلق الفكرة التى ساهمت فى رد أرضنا وكرامتنا.. فكرة بسيطة وسهلة وعبقريتها كانت فى بساطتها، فكرة فارقة.. غيرت تاريخ مصر المعاصر وتاريخ المنطقة، وسُجلت كبراءة اختراع وأصبحت تُدرس فى الجامعات على مستوى العالم.. تعتمد على استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات فى خط برليف، تلك الفكرة التى دكت حصون الإسرائيليين فى ساعات قليلة، وكانت أكبر مشكلة تواجه قوات الجيش المصرى وقتها للعبور، هى التغلب على الساتر الترابى وفتح ثغرات فيه.

وكان الإسرائيليون قد استعانوا بشركات متخصصة ودرسوا وبنوا خط برليف الذى تكلف 300 مليون دولار، مرددين خرافة انه لا يمكن اختراقه، حيث وصل ارتفاعه من 20 إلى 25 مترًا، واحتوى على 22 حصنًا، تتكامل مع 31 نقطة قوية، بحيث تم دعم كل نقطة من هذه النقاط بحقول للألغام، وخنادق، وأسلاك شائكة، ونحو 26 غرفة محصنة تحت الأرض مدعمات بالأسلحة، تتراوح بين رشاشات ثقيلة إلى متوسطة القوة.

وكان الجيش المصرى يبعث بعمليات خلف خطوط العدو فتجمع كل المعلومات التى يحتاجها الجيش لدراسة الموقف الذى بلغت صعوبته القصوى عندما أكد الخبراء الروس أن خط برليف يحتاج إلى قنبلتين نوويتين لاختراقه.

وأثناء اجتماع القادة برئاسة اللواء سعد زغلول عبدالكريم لدراسة الأفكار المقترحة للعبور، كانت كل الاقتراحات التى تم عرضها زمن فتح الثغرة تستغرق وقتا طويلا، يتراوح بين 12 و15 ساعة، وكانت الخسائر البشرية المتوقعة لا تقل عن 20% من القوات.

دخل وقتها، المقدم باقى زكى، واقتحم الاجتماع، عندما تذكر عمله بالسد العالى، حيث كان يعمل كمنتدب فى بداية الستينات من أبريل 1964 حتى نكسة 1967، وكيف كانت مضخات المياه تهزم التراب فى دقائق معدودة، فرفع يده للحديث، قائلاً: «انتو بتقولوا رملة.. وربنا أدانا الحل قدام المشكلة وتحت رجلينا وهو المياه.. وفى الحالة دى المياه حتكون أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع»، وبمجرد ما أنهى كلامه خيم على القاعة الصمت لدرجة أنه حدث نفسه مرددًا «خفت أكون خرفت».

لكن الأفكار الجريئة كانت لها مساحة كبيرة للتنفيذ، وتم فتح باب النقاش بين قادة كل الأسلحة،

كل فى تخصصه، ولم تكن هناك مشكلة مبدئية بالنسبة للفكرة، ولكن كان الأهم أن تكون مضخات المياه صغيرة، بحيث تركب على القوارب المطاطية ويمكن المناورة بيها لتأمين سلامتها وسلامة الجنود المسئولين عن تشغيلها.

بعد عرض الفكرة على قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبدالكريم، تحدث مع نائب رئيس العمليات اللواء أركان حرب محمود جاد التهامى، وأخبره بأن ضابطًا برتبة مقدم فى فرقته لديه فكرة يريد عرضها عليه، فسأله: اسمه إيه؟ قاله فلان، قال له: «لأ ده أنا عارفه ده ما بيهزرش هاتهولى».

وخلال 12 ساعة، ما بين الساعة 12 ليلا حتى الساعة 12 ظهر اليوم التالى، كانت الفكرة قد وصلت لأعلى مستوى فى القوات المسلحة، وفى أقل من أسبوع قام سلاح المهندسين ببذل مجهود كبير فى تحسين الفكرة فى سرية تامة، واستيراد المضخات من ألمانيا باعتبارها وسيلة زراعية كان خطوة موفقة، ومن ثم كانت نتيجة الحرب، بفضل هذه الفكرة التى مكنت مصر من عبور بعض الثغرات بعد 4 ساعات بدلا من 12 ساعة، وتدفقت القوات على الضفة الشرقية، وبحلول الساعة 10 مساء كان هناك 80 ألف جندى مصرى موجودين فى الجانب الآخر من الضفة، لم يُفقد منهم إلا 78 جنديا فقط فى موجات العبور الأولى.

وبفضل عبقرية وإخلاص قواتنا المسلحة، فقد العدو توازنه، لدرجة أن القادة الإسرائيليين عندما بلغهم بداية عملية العبور وحدوث الثغرات سألوا بدهشة كبيرة.. كيف استطاع المصريون فتح الثغرات؟!، وعندما أدركوا السبب، كان جوابهم بأن مصر فازت بالجولة الأولى فى الحرب.

وحصل اللواء باقى على نوط الجمهورية العسكرى من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات سنة 1974، وتضمن إشادة بأعمال استثنائية، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس محمد حسنى مبارك سنة 1984، ولكنه فى قرارة نفسه كان يؤمن بأن أهم تكريم حصل عليه، عندما طلب تسجيل فكرة المضخات باسمه.