رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"مذبحة القلعة".. أضخم عملية اغتيال سياسي في تاريخ مصر

صورة تعبيرية عن مذبحة
صورة تعبيرية عن مذبحة القلعة.ز وفي الإطار محمد علي باشا

كتبت ــ رقية عبدالشافي:

"مذبحة القلعة"، أو مذبحة المماليك أشهر مذبحة في التاريخ المصري، خطط لها ونفذها محمد علي باشا؛ للتخلص من أعدائه المماليك، حيث وقعت هذه المذبحة الشنيعة يوم 1 مارس عام 1811م.

 

سبب حدوث المذبحة:

كان محمد علي يريد الإنفراد بسلطة مصر، فكان علية التخلص من الزعامة الشعبية والجند الألبانيين، واكثر المشاكل التى واجهت محمد على هم المماليك الذين كانوا يرون انهم الحكام الاصلين لمصر، وكانوا دائيمين التمرد والإزعاج لمحمد على، فلم تنفع معهم محاولات الصلح والإرضاء بالأموال التى قام بها محمدعلى، حتى جاءت الفرصة له، وارسل السلطان العثماني له، يطلب منة تجهيز الجيوش والخروج لمحاربة الحركة الوهابية في شبة الجزيرة العربية،وقد قلق محمد علي حيث اذا خرج الجيش في هذا الوقت وترك محمد على وحيدآ دون حماية، فسوف يفكر المماليك في إنتهاز هذه الفرصة والقضاء عليه، لذلك فكر محمد على في القضاءعليهم ،و فكر في خطة شيطانيه وهي أن يدعو زعماء المماليك إلى القلعة، بحجة انه سوف يقيم حفلا لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابيين، وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل صوب من اركان مصر من مشرقها إلى مغربها، ولم يشك زعماء المماليك في نية محمد على، بل استعدوا جيدا وارتدواالملابس الرسمية استعدادآ للحفل، و دعاهم محمد علي لكى يمشون في موكب الجيش الخارج للحرب.

 

 ما حدث قبل بدأ المذبحة بدقائق :

يتقدم الموكب جيش كبير من الأحصنة التى يركبها جيش محمد علي بقيادة ابنه "إبراهيم بك"، ثم طلب محمد على من المماليك ان يسيروا في صفوف الجيش لكى يكونوا في مقدمة مودعيه، وفى هذه اللحظة بعد ما خرج الجيش من باب القلعة اغلقت الابواب والحراس الذين كانوا يديرون رئوسهم للمماليك استداروا لهم وانطلقة رصاصة في السماء، فقد كانت هذة هى الإشارة لبدأ مذبحة لم ينساها التارخ يوما، حينها ادرك المماليك انهم قد وقعو في الفخ، وانهال الرصاص من كل حدب و صوب على المماليك.

 

بدء المعركة:

أشهر جنود الوالي بنادقهم الممتلئه بالرصاص امام وجوه المماليك، ولم تكد تلك الطلقات تدوى في الفضاء حتى انهال الرصاص دفعة واحدة على المماليك فلم يمهلوهم الوقت او التفكير حتي ، وهم محصورون في هذا الطريق الغائر في الأرض، فالباب الضخم مقفل في وجوههم، والجنود من ورائهم ، ومن فوقهم، وعن يمينهم، وشمالهم، لم يرحمهم رصاص بنادقهم.

 لم يستطع المماليك الدفاع عن أنفسهم، ولم يكن لديهم الوقت ولا القدرة على الحركة، أو الرجوع ، أو النزول عن جيادهم، لضيق المكان الذي حصروا فيه، ولأنهم جاءوا الإحتفال من غير بنادق ولا رصاص، ولم يكونوا يحملون سوى سيوفهم، فماذا تفعل السيوف الثلمة في مواجهة حمم الرصاص  المنهمر كالمطر.

أراد الباقي من المماليك النجاه بنفسه من الهلاك فترجلو عن جيادهم، وتسلق بعضهم الصخور المحيطة بالطريق،  ولكى تسهل عليهم عملية الفرار خلعو ملابسهم الثمينة التى كانو يرتدونها،  الا ان الرصاص كان يتلقفهم اينما صعدوا او حاولو الهرب، فلا فرار من الموت، ومن هؤلاء "شاهين بك الألفي" الذي تمكن أن يتسلق الحائط وصعد الى رحبة القلعة، وانتهى الى عتبة قصر صلاح الدين،الا ان الجنود لم يرحموه فقذفوه أردته صريعا، واستطاع "سليمان بك البواب" ايضا أن يجتاز الطريق وجسمه يقطر دماء، ووصل الى سراي الحرم، واستغاث بالنساء صائحا "في عرض الحرم"، وكانت هذه الكلمة تكفي في ذلك العهد لتجعل من يقولها في مأمن من الهلاك، ولكن الجنود انهالو عليه وقطعوا رأسه، وطرحت جثته بعيدا عن باب السراي.

 وتمكن بعض المماليك من الوصول الى حيث كان "طوسون باشا" راكبا جواده منتظرا ان تنتهي تلك المأساة.، فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدي حراكا، وعاجلهم الجنود بالقتل، وتكدست جثث القتلى بعضها فوق بعض في ذلك المضيق، وعلى جوانبه ، واستمر القتل الى أن أفنى كل من دخلوا القلعة من المماليك ،لم ينج ممن دخل القلعة فى ذلك اليوم الا واحد فقط وهو "أمين بك".

الناجى الوحيد امين بك:

 كان "امين بك" في مؤخرة الصفوف، فلما رأى الرصاص ينهال على زملائه صعد بجواد الى المكان المشرف على الطريق وبلغ سور القلعة، وراى الموت محيطا به، فلم يجد منجي الا أن يرمي بنفسه من اعلى السور الى خارج القلعة، ،على الرغم من الإرتفاع الشاهق للسور اذ يعلو عن الارض 60 قدما، فلكز جواده، فقفز به مترديا، ولما صار على مقربة من الأرض

قفز هو مترجلا، وترك الجواد يتلقى الصدمة، فتهشم الجواد لفوره، ونجا أمين بك من الموت.

 

موقف محمد على :

كان محمد بك علي باشا جالسا في قاعة الاستقبال، ومعه أمناؤه الثلاثة، وقد ظل في مكانه هادئا الى أن بدأ الموكب يتحرك، واقتربت اللحظة الرهيبة، فساوره القلق والاضطراب، وساد القلعة صمت عميق، الى أن سمع اطلاق أول رصاصة، وكانت تعلن ببدء المذبحة، فوقف محمد علي وامتقع لونه، وعلا وجه الاصفرار، وتنازعته الانفعالات المختلفة، واخذ يسمع دوي الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت ساكن في مكانه ، الى ان حصد الموت معظم المماليك، واخذ صوت الرصاص يتضائل، وكان ذلك اعلانا بانتهاء المؤامرة.

 ودخل عليه المسيو" ماندريشي " طبيبه الإيطالي وقال له: "لقد قضى الأمر واليوم يوم سعيد لسموكم"، فلم يجب محمد علي بشئ، وطلب قدحا من الماء فشربه جرعة طويلة نظرا لتوتره الشديد طوال فترة المذبحة .

 

ردة فعل سكان القاهرة:

كانت الجماهير يعلوها الإبتهاج محتشدة في الشوارع المعدة لسير الموكب تنتظر مروره، ولقد مرت طليعة الموكب بين جموع المتفرجين، واخذ الناس يترقبون بلهف مرور الصفوف التي تليها، ثم انقطع تلاحق الصفوف، فعجب الناس وطفقوا يتساءلون عن السبب ، وفيما هم ينتظرون قدوم الصفوف المتأخرة سمع المحتشدون في ميدان الرميلة الذي بأسفل القلعة صوت الرصاص يدوي في الفضاء بعد أن اقفل باب العزب، فسرى الذعر الى الناس اذ وصل خبر المذبحة الى الجماهير القريبة من القلعة وسرعان ما ذاع الخبر بسرعة البرقة الى مختلف الأنحاء، فتفرقت الجماهير واقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الناس الى منازلهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة.

 

 ردود أفعال جنود الأرناؤوط:

اعقب هذا الذعر نزول جماعات من جنود  الأرناؤوط  الى المدينة يقصدون بيوت المماليك في انحاء القاهرة، فاقتحموها واخذوا يفتكون بكل من يلقونه فيها من أتباعهم، وينهبون ما تصل اليه أيديهم، ويغتصبون من النساء ما يحملن من الجواهر والحلي والنقود، واقترفوا في ذلك اليوم واليوم الذي تلاه من الفظائع ما تقشعر منه الابدان، ولم يكتفو بذلك، بل تجاوزوا بالقتل والنهب الى البيوت المجاورة، وبلغ عدد المنازل التي نهبوها 500 منزل.

 واصبح اليوم التالي والسلب والنهب والقتل مستمر في المدينة، واضطر محمد علي باشا الى النزول من القلعة وفتها وحوله رؤساء جنده وحاشيته لوضع حد للنهب والإعتداء، فمر بالأحياء المهمة التي كانت هدفا لعدوان الأرناؤوط، وامر بقطع رؤوس من استمروا في النهب والإعتداء.

ونبه على الأرناؤوط بأن يقتصروا على القبض على المماليك الذين بقوا أحياء لتخلفهم عن الذهاب الى القلعة في اليوم المشهود، وارسالهم الى القلعة، فكان "الكتخدا بك" يأمر بقطع رءوسهم، ولم ينج منهم الا من هرب من المدينة مختفيا وهاجر الى الوجه القبلي، وذلك صدر محمد علي أمره الى كشاف المديريات باعتقال كل من يلقونه من المماليك وقتلهم.

وبلغ عدد من قتلوا من المماليك في القلعة وفي انحاء القاهرة والمديريات في تلك الأيام المفجعة نحو 1000 من امراء وكشاف واجناد ومماليك.