بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حكاية الوثائق المزورة بين النحاس والاتحاد السوفيتي

في‮ ‬سنة‮ ‬1951‮ ‬وبعد مضي‮ ‬24‮ ‬سنة علي‮ ‬زعامة مصطفي‮ ‬النحاس لازالت الحرب مستمرة علي‮ ‬شخصه للنيل منه ومن كرامته ووطنيته‮.. ‬اندفعت إحدي‮ ‬الصحف الصفراء تقدم عدة وثائق إلي‮ ‬الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين‮ (‬أحد أحزاب الأقلية التي‮ ‬تدور في‮ ‬فلك السراي‮) ‬عبارة عن عدة خطابات ادعت أنها متبادلة بين‮ (‬مصطفي‮ ‬النحاس‮) ‬رئيس الوفد المصري‮ ‬وبين الاتحاد السوفيتي‮ - ‬فرفعها علي‮ ‬الفور هيكل باشا إلي‮ »‬جلالة الملك فاروق‮« ‬وراحت صحف أحزاب الأقلية تتباري‮ ‬في‮ ‬نشر هذه الوثائق هادفة بذلك التشهير بالوفد وبمصطفي‮ ‬النحاس ووزارة الوفد والنيل من وطنية مصطفي‮ ‬النحاس والوفد‮.. ‬وأنهم‮ ‬يعملون لحساب الشيوعية العالمية وكان النحاس‮ ‬يومئذ رئيساً‮ ‬لوزارته الأخيرة سنة‮ ‬1950‭.‬

أحال الملك فاروق هذه الوثائق إلي‮ ‬النحاس باشا تماماً‮ ‬كما أحال الكتاب الأسود سنة‮ ‬1943‮ ‬وبمجرد اطلاع النحاس باشا عليها اكتشف أنها مزورة فأحالها علي‮ ‬الفور إلي فؤاد باشا وزير الداخلية لإحالتها فوراً‮ ‬إلي‮ ‬النائب العمومي‮ ‬الأستاذ عبدالرحيم‮ ‬غنيم لإجراء التحقيق فوراً‮ ‬وقد اكتشف النائب العام تزويرها واعترف المزورون بجريمتهم وأُحيلوا إلي‮ ‬محكمة الجنح التي‮ ‬قضت علي‮ ‬كل منهم بعقوبة الحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات‮.‬

محاولات التخلص

بعد أن فشلت تلك المحاولات العديدة للنيل من شخص الزعيم،‮ ‬والقضاء علي‮ ‬شعبيته،‮ ‬وإضعاف نفوذه،‮ ‬وانتزاع حب الشعب له،‮ ‬أو حلمه علي‮ ‬تخيله عن رئاسة الوفد واعتزال العمل السياسي،‮ ‬لم‮ ‬يجد خصومة‮ (‬الملك وأحزاب الأقلية‮) ‬طريقاً‮ ‬آخر أو أخيراً‮ ‬إلا التخلص من حياة الزعيم‮ - ‬بالاعتداء عليه‮ - ‬ليخلو لهم الجو فيحكموا ويتحكموا،‮ ‬ويبطشوا بأهل مصر ويتجبروا،‮ ‬في‮ ‬ظل حكم شمولي‮ ‬بعيداً‮ ‬عن مظلة القانون وحماية الدستور،‮ ‬أنه ولا شك تفكير سقيم،‮ ‬لا‮ ‬يفكر فيه إلا القتلة والمجرمون،‮ ‬ووسيلة لا‮ ‬يلجأ إليها إلا الفوضيون،‮ ‬وقد بلغ‮ ‬مجموع هذه الاعتداءات ستة نذكرها علي‮ ‬التفصيل الآتي باءت جميعها بالفشل بالنسبة للزعيم وإن كانت قد أودت بحياة كثير من المحيطين بالزعيم وصدق الله القائل في‮ ‬محكم التنزيل‮: »‬فالله خير حافظاً‮ ‬وهو أرحم الراحمين‮«.‬

أولاً‮ - ‬الاعتداء الأول‮:‬

وكان ذلك عام‮ ‬1930‮ - ‬وفي‮ ‬عهد وزارة إسماعيل صدقي‮ ‬باشا وبينما الزعيم‮ »‬مصطفي‮ ‬النحاس‮« ‬في‮ ‬زيارة سياسية للمنصورة عاصمة مديرية‮ (‬محافظة‮) ‬الدقهلية إحدي‮ ‬قلاع الوفد الحصين‮ ‬يوم‮ ‬1930‭/‬7‭/‬8‮ ‬علي‮ ‬وجه التحديد سدد أحد جنود الشرطة إلي صدر مصطفي‮ ‬النحاس ضربة سونكي‮ ‬مسمومة أبت وطنية المجاهد العظيم سينوت بك حنا عضو الوفد المصري‮ ‬إلا أن‮ ‬يفتدي‮ ‬مصطفي‮ ‬النحاس فتلقاها عنه في‮ ‬ذراعه‮ - ‬ونجا الزعيم‮ - ‬ولم‮ ‬يبرأ سينوت بك من جراحه حتي مات متأثراً‮ ‬بها‮.‬

ثانياً‮ - ‬الاعتداء الثاني‮:‬

وكان ذلك عام‮ ‬1937‮ - ‬وفيه أطلق‮ (‬عز الدين عبدالقادر‮) ‬أحد شباب حزب مصر الفتاة الرصاص علي‮ ‬سيارة الزعيم بمصر الجديدة‮ - ‬حينما كان في‮ ‬طريقه لحضور مؤتمر وطني‮ ‬ببولاق مصر‮ - ‬وكان وقتها رئيساً‮ ‬للوزارة‮ - ‬فأخطأه الرصاص‮ - ‬ونجا الزعيم من هلاك محقق‮.‬

ثالثاً‮ - ‬الاعتداء الثالث‮:‬

وكان ذلك عام‮ ‬1948‮ - ‬وفيه لجأ المتآمرون إلي‮ ‬وضع متفجرات في‮ ‬موتور سيارة الزعيم ولكن‮ ‬يد الله كانت أسبق من‮ ‬يد المدبرين فاكتشف أمرها وتم انتزاعها ونجا الزعيم بفضل من ربه‮.‬

رابعاً‮ - ‬الاعتداء الرابع‮:‬

وكان ذلك عام‮ ‬1945‮ - ‬وفيه اهتدي المتآمرون إلي‮ ‬طريقة جديدة للخلاص من حياة الزعيم فألقي‮ ‬أحد العسكريين من أعوان الملك قنبلة علي‮ ‬سيارة الزعيم وهي‮ ‬تخترق شارع قصر العيني‮ ‬وهو في‮ ‬طريقه إلي‮ ‬النادي‮ ‬السعدي‮ ‬لحضور أحد الاجتماعات الكبيرة وشاءت إرادة الله أن تخطته ولم‮ ‬يصب أحد من المحيطين به بسوء‮.‬

خامساً‮ - ‬الاعتداء الخامس‮:‬

وكان ذلك عام‮ ‬1948‮ ‬وقد تم بصورة أعظم وأخطر من تلك الصور السابقة فقد تم وضع شحنة ناسفة من الديناميت في‮ ‬إحدي‮ ‬السيارات وتركوها في‮ ‬مفترق الطرق المواجهة لمنزل الزعيم بجاردن سيتي‮ ‬وكان لانفجارها دوي‮ ‬هائل أيقظ القاهرة والجيزة‮. ‬وقد دمرت واجهة المنزل واقتلعت أبوابه ونوافذه واخترقت قطعة ضخمة من الحديد نافذة حجرة نوم الزعيم وتعلقت بناموسية سريره وحال هذا النسيج الواهي‮ ‬بينها وبين الزعيم فلم‮ ‬يصب بسوء وصدق الله القائل في‮ ‬محكم كتابه‮ »‬قل لن‮ ‬يصيبنا إلا ما كتب الله لنا‮« ‬وقد اعترف أحد العسكريين المشار إليه في‮ ‬الاعتداء السابق باشتراكه في‮ ‬هذه الجريمة النكراء‮ - ‬والاعتراف سيد الأدلة‮.‬

سادساً‮ - ‬الاعتداء السادس‮:‬

وكان ذلك في‮ ‬نوفمبر سنة‮ ‬1948‮ - ‬وبينما الزعيم وفؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام الوفد المصري‮ - ‬يغادران السيارة التي‮ ‬كانت تقلهما أمام باب منزل الزعيم بجاردن سيتي‮ ‬وبينما هما في‮ ‬طريقهما إلي‮ ‬داخل الدار انهال الرصاص عليهما من مدفع رشاش سريع الطلقات من إحدي‮ ‬السيارات التي‮ ‬كانت تقل المجرمين الآثمين،‮ ‬فافتدي‮ ‬الله الزعيم بثلاثة من حراسه الخصوصيين الذين‮ ‬يقومون علي‮ ‬خدمته فلقوا مصرعهم في‮ ‬الحال وكتب الله للزعيم ولسراج الدين النجاة‮.‬

وانطلق المجرم الآثم بسيارته تاركاً‮ ‬خلفه ضحاياه الذين تركوا من ورائهم أولادهم وذويهم‮.‬

اعتداءات كثيرة كان الملك ومن‮ ‬يدورون في‮ ‬فلكه من عسكريين ومدنيين وراءها في‮ ‬غير وازع من ضمير،‮ ‬بغية التخلص من حياة هذا الزعيم،‮ ‬الذي‮ ‬وهب حياته رخيصة لمصر وأبناء مصر،‮ ‬متمسكاً‮ ‬بحقها في‮ ‬حياة حرة كريمة،‮ ‬واستقلال صحيح‮ ‬غير مزيف،‮ ‬عاملاً‮ ‬بحق علي‮ ‬أن تكون الأمة مصدر السلطات وأن الملك‮ ‬يملك ولا‮ ‬يحكم إلا بواسطة وزرائه المسئولين أمام نواب الشعب الذين‮ ‬ينتخبهم الشعب بإرادته الحرة التي‮ ‬لا زيف فيها ولا إكراه ولقد واجه الزعيم كل هذه التحديات والمؤامرات والشائعات والإهانات والاعتداءات في‮ ‬احتمال

ليس له مثيل وصبر جميل،‮ ‬وتحمل ما لم‮ ‬يتحمله من قبل زعيم علي‮ ‬مدي‮ ‬ربع قرن من الزمان وهو الأعزل من كل سلاح إلا سلاح الإيمان بالله والوطن،‮ ‬تحمل ولم تسانده سلطة ولا قوة تقف خلفه اللهم إلا شعب مغلوب علي‮ ‬أمره،‮ ‬لا‮ ‬يستطيع إبداء رأيه إلا من خلال انتخابات حرة أو إظهار شعوره إلا إذا اطمأن إلي‮ ‬حسن نوايا حكامه وأنهم لا‮ ‬ينصبون شراكاً‮ ‬له،‮ ‬لكشف خصومهم للتنكل بهم بشتي‮ ‬الوسائل التي‮ ‬يمتلكونها في‮ ‬أيديهم‮.‬

لقد كان القصد من كل هذه الحملات الباغية الظالمة والاعتداءات الصارخة المتكررة الآثمة التخلص من مصطفي‮ ‬النحاس،‮ ‬الحارس الأمين علي‮ ‬مصالح الشعب،‮ ‬المتمسك بحقوق الشعب،‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يفرط قيد أنمله في‮ ‬حق من حقوقه طوال حياته،‮ ‬سواء ما تعلق منها بالاستقلال،‮ ‬أو في‮ ‬حقه في‮ ‬حياة حرة كريمة علي‮ ‬أرضه،‮ ‬لقد توهموا أنهم بهذه الضربات المتواليات،‮ ‬سيحطمون الزعيم،‮ ‬وما علموا أن قوي‮ ‬الشر لو اجتمعت عليه لن تضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله الله عليه،‮ ‬لأن إيمانه بالله لا حدود له‮ - ‬إنهم‮ ‬يريدون أن تخلوا الساحة منه ليحكموا ويتحكموا‮.‬

إنهم‮ ‬يريدون أن تخلوا الساحة منه ليحكموا ويتحكموا ولكن مصطفي‮ ‬النحاس بإيمانه وصلابته وقوة عزيمته مضي‮ ‬في‮ ‬كفاحه ومضي‮ ‬الشعب معه وخلفه طوال فترات كفاحه‮.‬

نازلي‮ ‬وفاروق

كانت الملكة نازلي‮ »‬والدة الملك فارقو‮« ‬في‮ ‬رحلة الي‮ ‬القدس أثناء حكم وزارة الوفد الرابعة‮ ‬42‮/‬2‮/‬4‮ - ‬1948‮/‬10‮/‬8‮ ‬وكانت قد أتت من التصرفات والأفعال نمايندي‮ ‬له الجبين وما لا‮ ‬يتفق ومكانتها ما أساء اليها وإلي‮ ‬ابنها وإلي‮ ‬ـ أسرتها بل وإلي‮ ‬مصر وشعب مصر الأمر الذي‮ ‬أثار عليه سخطا عارما علي‮ ‬الألسنة وعلي‮ ‬صفحات الجرائد المصرية والعربية والأجنبية وعبثا حاول ابنها الفاروق اقناعها بالعودة الي‮ ‬مصر واضطر آخر الأمر إلي أن‮ ‬يلجأ الي‮ ‬النحاس باشا طالبا مساعدته في‮ ‬إقناع الملكة الأم بالعودة الي‮ ‬مصر لأنه‮ ‬يعلم علم اليقين أنها لن تستجيب إلا لنداء رفعته لما له من احترام وود وتقدير كبير لموقفه من الأمير محمد علي‮ »‬الوصي‮ ‬السابق علي‮ ‬عرش مصر‮« ‬لعدم موافقته‮ »‬أي عدم موافقة مصطفي‮ ‬النحاس وزارته السابقة علي‮ ‬مد فترة الوصاية حتي‮ ‬بلوغ‮ ‬الملك سن‮ ‬21‮ ‬سنة‮«.‬

وسافر الزعيم وحرمه‮ »‬السيدة زينب الوكيل‮« ‬الي‮ ‬القدس وتم ال بين الزعيم وحرمه والملكة نازلي‮ ‬واستطاع الزعيم أن‮ ‬يحصل علي‮ ‬موافقة الملكة الأم بالعودة إلي‮ ‬مصر مشترطة أن‮ ‬يكون الملك في‮ ‬استقبالها علي‮ ‬موعد الوصول ـ فوعدها النحاس باشا بتحقيق ذلك قائلا‮:‬

سيكون ذلك دون طلب منك ـ إنه ابنك ـ ومحال أن‮ ‬يكون موقف‮ ‬غير ذلك‮.‬

قالت الملكة‮: ‬أنا عارفاه لن‮ ‬يوافق

فرد النحاس قائلا‮: ‬إذا لم‮ ‬يوافق فسأتصل بك وستكونين في‮ ‬حل من وعدك لي‮ ‬بالعودة،‮ ‬وتم الاتفاق علي‮ ‬ذلك‮.‬

عاد الزعيم وحرمه الي‮ ‬مصر وتم لقاء الزعيم والملك ونقل إليه ما تم الاتفاق عليه مع الملكة فلم‮ ‬يكن من الملك إلا أعلن رفضه لطلب الملمكة‮ »‬أن‮ ‬يكون في‮ ‬استقبالها‮« ‬وعبثا حاول الزعيم اقناعا لملك برغبة والدته،‮ ‬ولما أعيته الحيل قال له في‮ ‬صوت جهوري‮ ‬ألم تقرأ رسول الله صلي‮ ‬الله‮ ‬عليه وسلم‮ »‬الجنة تحت أقدام الأمهات‮« ‬الملك أصر علي‮ ‬الرفض مما اضطر النحاس باشا أن‮ ‬يقول له‮ ‬غاضبا‮: »‬أنا سأتصل بها لتكون في‮ ‬حل من وعدها لي‮ ‬بالعودة‮«.‬

هنا وهنا فقط أسقط في‮ ‬يد الملك‮.. ‬وعلي‮ ‬الفور أعلن موافقته وانتصرت الملكة الأم علي‮ ‬ولدها بمساندة الزعيم العارف بربه المقتدي‮ ‬برسوله وتحقق للملكة ما أرادته فاستقبلت استقبالا رسميا وكان ابنها‮ »‬الملك فاروق‮« ‬في‮ ‬مقدمة كبار مستقبليها من رجال حاشيته والوزراء والشخصيات‮.‬