بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ساحات النخبة

قد نختلف حول هوية وأجندة الذين خططوا ونفذوا مذبحة القديسين،‮ ‬لكن لن نختلف أبدا حول من لفت انتباههم إلي ملف الطائفية،‮ ‬وفي ظني أن النخبة المصرية هي التي نبهت من نختلف اليوم علي هويتهم وأجندتهم للعبث في هذا الملف.

‮ ‬فقد اعتادت هذه النخب أن تنتج العنف منذ سنوات بعيدة،‮ ‬خلال حواراتها وكتاباتها ومناقشاتها،‮ ‬فقد صنعت هذه النخب العنف الذي نراه اليوم عندما شوهت وشككت وأقصت ونفت الآخر،‮ ‬حيث كان دائما وغالبا هذا الآخر الذي يعارضني أو ينافسني عميلا،‮ ‬ومرتشيا،‮ ‬وشاذا،‮ ‬وفاسدا،‮ ‬وجاهلا،‮ ‬ومدعيا،‮ ‬كان دائما وغالبا مجردا ومتجردا من أية صفات حسنة،‮ ‬والمؤلم أن هذه الصناعة،‮ ‬التي أنتجتها النخب،‮ ‬التي ادعت العلمانية وتبنت الديمقراطية والتعددية وحملت راية الحريات،‮ ‬قد انتقلت بنفس مواصفاتها وعنفها إلي النخب الدينية أو التي اشتغلت بالخطاب الديني،‮ ‬فقد أنتجوا لسنوات طويلة لغة لا تقل عنفا وقسوة عن لغة المثقفين والسياسيين والفنانين والإعلاميين،‮ ‬حيث أصبح الآخر المعارض والمنافس كافرا وزنديقا وملحدا وعدوا لله وكتابه ورسوله،‮ ‬يتربص بالملة وأهل المذهب،‮ ‬يهدف إلي‮ ‬هدم الكنيسة أو المسجد.

‮ ‬والمؤسف أن هذه النخب،‮ ‬التي ظلت تنتج هذا العنف اللفظي والفكري والحركي،‮ ‬سيطرت علي ذهنية أغلبية الشارع المصري،‮ ‬فانتقل العنف عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إلي الحارة والمقهي والمصنع والشارع والهيئة والمدرسة والسوق والجامعة،‮ ‬وأصبحت القسوة سلوكا وعادة في التعامل مع الآخر،‮ ‬كان هذا الآخر الأب أو الأم أو الجار أو الزميل في المدرسة أو العمل،‮ ‬أو حتي الصديق في المقهي أو النادي،‮ ‬وتحول الكلام والحكي والحوار من الهمس إلي صخب وصراخ وسباب،‮ ‬لم يعد أحد يسمع الآخر،‮ ‬نتحدث جميعا ولا نصغي ولا نمضغ‮ ‬حتي الكلمات،‮ ‬وكان من الطبيعي أمام هذا التحول أن ينتقل العنف من الكلمات إلي الجسد،‮ ‬فتشابكنا في مباريات كرة القدم،‮ ‬وفي مجلس الشعب،‮ ‬وفي المحاضرات،‮ ‬وفي أماكن العمل،‮ ‬وعلي الفضائيات،‮ ‬حتي بعض الكتابات الصحفية انتقلت

من العنف اللفظي إلي الجسدي،.

‬وبات بعضنا يشتبك بالكلمة والجسد،‮ ‬ويحرض علي الآخر بقسوة لم نرها من قبل،‮ ‬فأمسك المواطن المتابع لصخب وعنف وقسوة النخب بالسكين للتخلص من الذي يختلف معه،‮ ‬فقد أصبح في ظنه خائنا أو كافرا أو يتربص بمعتقداته،‮ ‬والغريب أن النخب المصرية خلال السنوات الأخيرة لم تكتف بعنفها وقسوتها في التعامل مع الآخر،‮ ‬بل استحدثت ما هو أقسي وأعنف وهو التفتيش في نية وفكر ومعتقد الآخر بهدف القضاء عليه،‮ ‬فصمت الآخر أو ابتعاده عن المواجهة يعني أنه يحيك ويتربص،‮ ‬وترتب علي هذا خلق ساحات للمواجهة والنزال،‮ ‬وحرص كل فريق في ابتكار مواقف وساحات وأدوات يجر إليها خصمه.

‬وانتهي الحال إلي أنهم أصبحوا صناعًا مهرة لإنتاج معارك للنزال،‮ ‬وكالعادة انتقلت هذه الصناعة إلي الشارع،‮ ‬وجاهد كل فريق في أن يباغت الآخر الذي يتوهم أنه يتربص به،‮ ‬فكثرت الساحات وتكررت معارك النزال،‮ ‬كما انتبه من نختلف اليوم علي هويتهم وأجندتهم إلي الساحات التي صنعتها النخبة،‮ ‬فذهبوا إليها وفخخوا الساحة والمدرجات،‮ ‬فتلونت الحوائط والشوارع بدماء الفريقين،‮ ‬قد نختلف في تسمية الذين نفذوا،‮ ‬وقد نعزوهم إلي حكومات أو تنظيم أو جماعات أو أفراد،‮ ‬لكن في النهاية يجب الاعتراف بأن الساحات والمعارك صنعتها النخب وعلمتها للعامة،‮ ‬وأرشدت المتربصين إليها‮.‬

 

[email protected]