بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الجوع‮ .. ‬يشعل العنف‮!‬

إذا كان أكثر من نصف الشعب المصري‮ ‬تحت خط الفقر،‮ ‬لايجدون ما‮ ‬يقتاتون به مثل خلق الله‮.. ‬فماذا ننتظر من نشئهم وشبابهم الجائع‮ ‬،‮ ‬سوي‮ ‬السرقة والعنف والحقد؟

وإذا كان أكثر من‮ ‬2‭.‬5‮ ‬مليون شاب عاطل ـ حسب رواية الحكومة وأكثر من‮ ‬10‮ ‬ملايين ـ حسب الواقع والخبراء ـ فماذا ننتظر من بعضهم،‮ ‬غير الجريمة والسرقة‮ ‬،‮ ‬ولو بالإكراه،‮ ‬حتي‮ ‬يأكل ويلبس مثل الآخرين‮.‬

وإذا كانت الحكومة،‮ ‬قد أسقطت من حساباتها هذا النصف الفقير من الشعب‮ ‬،‮ ‬وهذه الملايين من العاطلين،‮ ‬وتجاهلت حقوق المواطنين في‮ ‬الصحة والتعليم‮ ‬،‮ ‬وألهبت أجسادهم بالضرائب والغلاء‮ »‬إلخ‮« ‬فماذا ننتظر سوي‮ ‬ثورة مكتومة في‮ ‬النفوس،‮ ‬وتمرد نفسي‮ ‬وعصبي،‮ ‬في‮ ‬كل وقت‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬كل مكان‮ .‬

أكثر من نصف المجتمع مهمشون‮ .. ‬جائعون‮.. ‬فقراء ومرضي‮.. ‬يعيشون حياة‮ ‬غير آدمية،‮ ‬في‮ ‬عشوائيات لا تصلح إلا لحياة الحيوانات‮.. ‬انتشر في‮ ‬كل محافظة فيها العاطلون والجوي‮ ‬والخائفون‮ ... ‬خليط من البشر المهزوم والمأزوم خليط من‮ ‬غلابة فقدوا حقهم علي‮ ‬الوطن‮.. ‬فلابد من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يثوروا علي‮ ‬المجتمع ويسرقون ويقتلوا ويرهبوا الناس،‮ ‬تحت ضغوط تخمة رجال الحكومة وأثريائها‮.‬

إنها العشوائية في‮ ‬كل شىء‮ .. ‬في‮ ‬الحكومة‮ .. ‬وفي‮ ‬الحياة‮ .. ‬وتظل العشوائيات قنابل موقوتة‮.. ‬ومغارز للإجرام‮ .. ‬طالما أهملتها الحكومة بعمد أو بغير عمد‮.‬

حكومة الحزب الوطني‮ ‬التي‮ ‬أسقطت من حساباتها الناس الغلابة في‮ ‬المناطق العشوائية تعقد المؤتمرات في‮ ‬ذات الوقت لتؤكد أنها معنية بالفقراء في‮ ‬حين أنها لا تعرفهم ولا تطيق سيرتهم،‮ ‬فأعضاء الحزب الوطني‮ ‬الذين‮ ‬يعلنون محاصرتهم للفقر،‮ ‬هم في‮ ‬حقيقة الأمر‮ ‬يضاعفونه‮ ‬يوماً‮ ‬تلو الآخر‮.‬

باختصار تجارب الغلابة مع هذا الحزب مريرة‮ ‬،‮ ‬فقد دفع بحكومات متتالية ضربت أرقاماً‮ ‬قياسية في‮ ‬إفقار المصريين،‮ ‬والتسريع بانهيارات دخولهم ومستوياتهم المعيشية‮ ‬،‮ ‬لذا أصبح الاطفال في‮ ‬المناطق العشوائية‮ ‬يعانون الحرمان والجوع،‮ ‬فكان هذا سببا رئيسيا لوقوع العديد من الجرائم البشعة التي‮ ‬يرتكبها عاطلون ومهمشون وغيرهم من الذين طعنهم الفقر والجوع والعوز‮.. ‬تلك النماذج لم تسمع ولم تشعر بعطاء الحزب الوطني‮ ‬أو حكوماته‮ ‬،‮ ‬بقدر ما عانوا من سياساته ضد البسطاء ومحدودي‮ ‬الدخل،‮ ‬فكانت النتيجة جرائم عنف وإرهاباً‮ ‬وسرقة بسبب الفقر‮.‬

خطايا الحكومة

إذا عدنا إلي‮ ‬الوراء أيام الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي‮ ‬الله عنه ـ سنجد أنه أوقف حد السرقة في‮ ‬عام الرمادة‮ »‬المجاعة‮« ‬حيث رأي‮ ‬أن هناك شبهات تدرأ الحد،‮ ‬فوجود شبهة الجوع تقتضي‮ ‬أن السارق سرق جوعاً،‮ ‬بمعني‮ ‬أن المحتاج إذا سرق ما‮ ‬يأكله فلا قطع ليده لأنه مضطر،‮ ‬فقد قال عمر‮ : ‬إن الذي‮ ‬يأتيني‮ ‬في‮ ‬هذه المجاعة وقد أخذ شيئاً‮ ‬فليس هو سارق‮ ‬،‮ ‬إنه‮ ‬يريد ان‮ ‬يأكل حتي‮ ‬لا‮ ‬يموت،‮ ‬إذن فهو مضطر‮ .. ‬كانت هذه هي‮ ‬حكمة‮ »‬عمر‮« ‬عندئذ في‮ ‬مواجهة المجاعة‮ ‬،‮ ‬فماذا تفعل‮ ‬ياتري‮ ‬حكومة الحزب الوطني‮ ‬في‮ ‬مواجهة ملايين العاطلين والغلابة والمحرومين‮ .. ‬وأيضا في‮ ‬مواجهة الارتفاع المستمر في‮ ‬الاسعار التر لم تترك سلعة ولا خدمة‮ ‬،‮ ‬إلا وأشعلتها‮.. ‬وبعد أن باتت اللحوم من السلع التر فيهية‮ .. ‬إلخ‮.‬

إنها ـ أي‮ ‬الحكومة ـ لم تبد أبداً‮ ‬الندم ولم‮ ‬يحدث أن اعترفت بالفشل والخطيئة في‮ ‬حق أبناء هذا البلد الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬بؤس وشقاء ونتيجة ارتفاع معدلات الفقر ـ الذي‮ ‬وصل كما أفاد تقرير التنمية البشرية العربية لعام‮ ‬2009‮ ‬إلي‮ ‬41٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬عدد السكان‮. ‬انتشرت في‮ ‬الآونة الأخيرة جرائم السرقة بالإكراه في‮ ‬النهار قبل ظلام الليل حتي‮ ‬وتعدت كل الخطوط الحمراء وهذه نماذج‮ ‬للتدليل فقط وليس الحصر‮.‬

سرقات بالإكره

‬في‮ ‬أحد شوارع الجيزة تعرض أمين مخزن بشركة مصر للغزل والنسيج لسرقة بالإكراه عندما كان‮ ‬يسير في‮ ‬الشارع حيث استوقفه عاطل وأشهر في‮ ‬وجهه سلاحاً‮ ‬أبيض،‮ ‬واستولي‮ ‬منه علي‮ ‬150‮ ‬جنيها وتليفونه المحمول‮. ‬ومتعلقاته الشخصية وفر هارباً‮.‬

في‮ ‬شارع الهرم المزدحم ليل نهار لم‮ ‬يسلم رواده من السرقة بالإكراه حيث تعرضت‮ »‬هبة‮« ‬ـ مديرة بإحدي‮ ‬الشركات الخاصة لمحاولة سرقة حقيبة‮ ‬يدهامن شخصين‮ ‬يركبان دراجة بخارية،‮ ‬حاول أحدهما نزع الحقيبة بالقوة وعندما تشبثت بها تركها وفر هارباً‮.‬

وفي‮ ‬منطقة المهندسين وقعت سرقة لسيدة مرتين في‮ ‬نفس الوقت فقد تمت سرقة حقيبة‮ ‬يدها أولا بنفس الطريقة السابقة ثم استغل سارق آخر التفاف الناس حولها،‮ ‬لتهدئتها لسرقة سيارتها،‮ ‬التي‮ ‬كان بداخلها المفتاح‮. ‬

هذه عينات لجرائم سرقة احترفها لصوص إما عاطلون أو‮ ‬غلابة أو جوعي‮ ‬أفرزتهم تجمعات عشوائية محرومة من أبسط حقوق البقاء أحياء‮. ‬

حياة‮ ‬غير آدمية

إنها حياة‮ ‬غير آدمية‮ ‬يعيشها سكان منطقة بطن البقرة بمحافظة القاهرة فالناس في‮ ‬هذه المنطقة محرومون من كافة متطلبات المعيشة‮.. ‬ويكفي‮ ‬أن معظمهم لا‮ ‬يعرف طعم اللحوم،‮ ‬أما أغلب الفواكة والأطعمة الاساسية فهي‮ ‬أحد أنواع الترف التي‮ ‬لا‮ ‬يرونها سوي‮ ‬في‮ ‬المواسم والأعياد وقد استغني‮ ‬أغلب هؤلاء عن الملبس والحذاء من أجل تدبير قوتهم اليومي‮. ‬

انطلقت بنا السيارة في‮ ‬تلك المنطقة التي‮ ‬يصعب السير فيها لضيق شوارعها‮ .. ‬ملامح الفقر تغطي‮ ‬مظاهر الحياة ووجوه البشر‮.. ‬رائحة المجاري‮ ‬تزكم الأنوف،‮ ‬الناس والطيور والحيوانات‮ ‬يعيشون سويا في‮ ‬توافق‮ ‬غريب‮.. ‬الأطفال‮ ‬يسيرون حفاة

القدمين وعراة أحيانا أو‮ ‬يرتدون بقايا ملابس رثة‮ .. ‬اتجهوا نحونا وهم‮ ‬يمدون أيديهم الصغيرة طالبين أي‮ ‬مساعدة ولو بضعة قروش قليلة‮. ‬لقد نهش الجوع جسد هؤلاء الأطفال حتي‮ ‬تحولوا إلي‮ ‬أشباح أطفال‮ ‬،‮ ‬اتخذوا أكياس القمامة والزجاجات البلاستيك الفارعة لعباً‮ ‬يلهون بها‮. ‬

وأمام أحد البيوت الفقيرة‮ ‬،‮ ‬جلست أم عبير مهمومة وكأنها تحمل كل مشاكل الدنيا فوق رأسها،‮ ‬اقتربنا منها وسألناها عن حالها فأجابت بقولها‮: ‬نحن نعيش هنا مأساة حقيقية فلا‮ ‬يوجد لدينا صرف صحي،‮ ‬والمجاري‮ ‬تغطي‮ ‬الشوارع،‮ ‬لذا نقوم بنازح الطرنشات بتكلفة مابين‮ ‬75‮ ‬إلي‮ ‬100‮ ‬جنيه كما أن أكوام القمامة تحيط بنا من كل جانب ولا نجد من‮ ‬يحملها‮ . ‬ويعاني‮ ‬أطفالنا أيضا كل‮ ‬يوم عند الذهاب إلي‮ ‬مدارسهم نظراً‮ ‬لطول المسافة والخطير هو ما نتعرض له من مخاطر بشكل دائم وسرقات تحدث كثيراً‮ ‬بسبب عجز الناس عن سد احتياجاتهم‮.. ‬فمتي‮ ‬يشعر المسئولون ويمدون إلينا‮ ‬يد العطف بدلاً‮ ‬من تركنا نعيش في‮ ‬ظل هذه الظروف السيئة؟‮!‬

علي‮ ‬هاش الحياة

‮»‬أم أحمد‮« ‬تعمل خياطة وتحمل طفلها علي‮ ‬ذراعيها تحكي‮ ‬مأساتها بقولها‮: ‬إذا مرض أحد أطفالنا لانجد أي‮ ‬صيدلية بجوارنا لشراء الدواء،‮ ‬ولا نجد حتي‮ ‬الطبيب كما أن عربة الإسعاف لا تدخل إلي‮ ‬هذه المنطقة وكأننا قد كتب علينا أن نموت فقراً‮ ‬وجوعاً‮ ‬دون أن‮ ‬يشعر بنا أحد‮. ‬مما‮ ‬يلفت النظر هو أن معظم نساء العشوائيات‮ ‬يقمن بأعمال هامشية لإعالة أسرهن‮.. ‬فمنهن من تفتح دكانا صغيرا لبيع مواد البقالة وتقوم بعض النساء باعداد أكواب الشاي‮ ‬من أجل كسب بضعة جنيهات قليلة‮. ‬

البيت في‮ ‬العشوائيات عبارة عن سقف فوق الرأس ولكن هذا السقف قد‮ ‬يصبح أحيانا معرضا للانهيار‮ .. ‬وهو ماحدث مع‮ »‬أم محمد‮« ‬التي‮ ‬قام الحي‮ ‬بهدم منزلها بسبب إعاقته لمشروع تطوير الفخار في‮ ‬المنطقة فسقطت جدران المنزل وتحطم أثاثه ووجدت نفسها هي‮ ‬وأولادها في‮ ‬العراء‮. ‬

نفس المأساة تعيشها الحاجة‮ »‬سعاد سيد‮« ‬التي‮ ‬تقيم في‮ ‬خيمة بعد انهيار منزلها وهي‮ ‬تعيش الآن في‮ ‬العراء مع أطفالها الأربعة،‮ ‬تعيش علي‮ ‬مساعدات أهل الخير وتقوم بعمل الشاي‮ ‬نظير بضعة قروش قليلة‮ ‬،‮ ‬تلك الخيمة الممزقة هي‮ ‬التي‮ ‬يفترض أن تحتمي‮ ‬بها من برد الشتاء القارس،‮ ‬وهي‮ ‬تنظر بين الحين والآخر إلي‮ ‬حطام منزلها نظرات كلها حسرة وألم،‮ ‬وقد ختمت حديثها معنا بتضرعها إلي‮ ‬الله أن‮ ‬يخفف عنها عذابها‮.‬

جرائم الفقر

السؤال‮: ‬كيف‮ ‬يمكن في‮ ‬مثل هذه الظروف‮.. ‬ألا نتوقع حدوث جرائم الفقر‮.. ‬فنجد الفقراء قد تحولوا إلي‮ ‬مجرمين‮ ‬يسرقون من أجل العيش التي‮ ‬حرمتهم منها الحكومة‮. ‬هذا الواقع الأليم‮ ‬يتجسد ليس فقط في‮ ‬منطقة بطن البقرة ولكن في‮ ‬معظم العشوائيات المنتشرة في‮ ‬عموم المحافظات نظرا لغياب الأمن من ناحية واحتياج الناس من ناحية أخري‮. ‬وقبل أن نرحل عن هذه المنطقة جاءت إلينا‮ »‬أم وليد‮« ‬مسرعة لتقول لنا‮: ‬إنقذونا من العيش هنا،‮ ‬رحمة بنا وبأطفالنا الذين نخاف عليهم كل‮ ‬يوم عندما‮ ‬يذهبون إلي‮ ‬المدرسة ويسيرون في‮ ‬طريق مغمور بمياه المجاري‮ ‬من ناحية أخري‮.. ‬فهل تعلم الحكومة عنا شيئا‮.. ‬وهل‮ ‬يعلمون أن الله سيسألهم عنا فهم رعاة ونحن الرعية‮.. ‬فماذا سيقولون لله عن أحوالنا السيئة التي‮ ‬تركونا فيها؟‮ ‬

بتلك الكلمات البسيطة ختمت‮ »‬أم وليد‮« ‬كلامها وتركناها لتستكمل مشوارها وتتركنا هي‮ ‬في‮ ‬صدمة‮.‬

‮ ‬إنه الواقع المرير الذي‮ ‬يعيشه سكان العشوائيات المحرومين من أبسط حقوق الإنسان والحياة‮.‬