بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

البيـت الكبير




ولدت فى بيت جدى . كانوا يسمونه أيامها «البيت الكبير« . وكان بيتاً كبيراً بالفعل.

أقام جدى هذا البيت عند سفح جبل المقطم . بيتاً كبيراً على طريقة البيوت المصرية القديمة . الحجرات الواسعة ذات السقف العالى . ونوافذ الارابيسك « المشربية».وثمة حوش كبير يحتضن البيت. زرع فيه جدى بعض اشجار البرتقال والصفصاف .
فى هذا البيت القديم ولدت وعشت حتى صباى . وتنشقت عبق حياة العائلة الكبيرة وطريقة هذه الحياة الجميلة !
وكنت كلما مررت بدار «البيت الكبير « تعود إلى نفسى ذكريات الماضى السعيد. وأحلم بنفسى طفلاً بريئاً يعيش أيامه ولياليه وسط دفء العائلة . وكل شىء له علاقة بالماضى الجميل!
أنام وأقوم وأحلم ببيت جدى . آه لو استطعت أن اعود من جديد للعيش فيه . يا للسعادة التى يمكن أن أحياها . وسط حياتى هذه الخربة المملة الجافة المزيفة !
سوف أستيقظ كل صباح على تغريد العصافير والبلابل التى تسكن أشجار بيتنا القديم . سوف أشرب الماء من  القلة « . وسوف أجرى من حجرة الى حجرة . سوف أصعد كل صباح إلى عشة الفراخ فى سطح البيت . لأحضر منها بيض

افطار اليوم .
سوف أشعر بالأمان لأن جدى حاكم البيت يوفر للجميع احتياجاتهم . سوف يزغرد قلبى لمرأى أبى يدخل البيت فتحمر وجنتى أمى . وسوف تحكى لى جدتى كل ليلة حكاية ما قبل النوم!
سوف أعيش وسط جدى وستى . وابى وأمى . وأعمامى وزوجاتهم وأولادهم . سيعود البيت هو الدنيا كلها والجنة بعينها !
وأفيق لأكتشف بالصدمة . أن الحلم حلم مستحيل . فكل هؤلاء أو أغلبهم . غادر الحياة إلى الحياة الأخرى . والباقون تفرقوا فى شقق اقرب إلى الزنزانات مهما كانت فاخرة أو واسعة .
حتى البيت القديم الذى مازال هيكله الخارجى صامداً ضد الزمن . تهالكت أخشابه وحجارته وأصبح آيلاً للسقوط . ولا يسكنه اليوم سوى الفئران والحشرات !
الماضى لن يعود أبداً .