بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

.. وسيبقى اليمن عصياً

تذكرت صديقي اليمني خلال خطاب عبد الملك الحوثي مساء الأمس ، ذلك الصديق المقرب من سدة الرئاسة كان مطمئناً من المستقبل في بلاده عندما سألته عن الأوضاع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ، وكنا في شهر أكتوبر ، أي بعد شهر واحد على الاجتياح الحوثي ،

فقد أعطاني إنطباعاً بأن هناك شبه اتفاق على ما حدث ، وأن المهم هو إزاحة "الإخوان"  عن السلطة ، وهذا مكسب داخلي وإقليمي ، وبقدر استغرابي من الإجابة ، بقدر ما وجدت في تلك الإجابة محاولة لكسب تعاطف الدول المواجهة للإخوان ، رغم أن الوضع في اليمن شيء آخر ، هناك تقف إيران خلف الحوثيين ، بل هي التي صنعتهم بأيديها ، ومكنتهم خلال أربع سنوات من الفوضى ، ودربتهم وسلحتهم ومولتهم ، فقلت لذلك الصديق هل تذكر أسلوب "الخميني" عندما عاد إلى طهران عام 1979 ؟ سيحدث لكم ما حدث هناك ، ستنتزع كل السلطات من بين أيديكم ، وستسيطر مليشيات الحوثي على المؤسسات المدنية والعسكرية في خطوات مدروسة ، وفي النهاية ستعلق المشانق لمن ليس منهم في الشوارع .

تحالف نظام الملالي الغريب عن الساحة الإيرانية بعد رحيل الشاه مع كل مكونات الشعب الإيراني ، وضع يده في يد الشيوعيين والتجار ومجاهدي خلق وأساتذة الجامعات والمعارضين الوطنيين واليساريين في الخارج ، وسلم رئاسة الوزراء وأغلب المناصب الوزارية لهم ، وعمل في الخفاء على تكوين الحرس الثوري بديلاً للجيش الذي أعدم قادته ، وعندما تمكن بدأ في تصفية كل الحلفاء ، "قطب زاده" عُلق في المشنقة بعد إخراجه من وزارة الخارجية ، الرئيس "أبو الحسن بني صدر" هرب إلى الجبال في الشمال حتى وصل إلى الخارج بعد صدور حكم بإعدامه وهو يقف على الجبهة في الحرب مع العراق ، و "إبراهيم يزدي" دخل السجن ، وشتت شمل "مجاهدي خلق" وطاردهم "رعاع الثورة" ، وتمت تصفية "رجال الدين" الذين يشكلون خطراً مرجعياً على الخميني ، أمثال "بهشتي" و "شريعة مدارى" و "منتطري" ، بعضهم قتلاً والبعض الآخر بالإقامة الجبرية في "قم" .

وهكذا يفعل الحوثي ، لم ينتظر سنتين ، بل هي فقط أربعة أشهر ، وتربع على عرش اليمن ، أسقط الرئيس وأستولي على ما تبقى من مؤسسات رئاسية واستخباراتية وأمنية وعسكرية وإعلامية ، ثم خرج علينا في خطاب عاطفي ، محتواه ليس غريباً على من

يتابع الخطاب الشيعي الإيراني ، خطاب تم حشوه بكلمات وعبارات لا تخرج عن "مظلومية" أتباع ذلك المذهب ، فهم الذين ظلموا فدكوا القصر ، وهم الذين تعرضوا للخيانة فشقوا البلاد ، وهم الذين تم التآمر عليهم فعزلوا الرئيس ، هم يريدون مصلحة الشعب ، والآخرون فاسدون يسرقون الشعب ، هم حماة الثورة وغيرهم قبليون مناطقيون متمزهبون !!

هذه هي ثقافة أهل "التقية" وقد استكملها عبد الملك الحوثي خلال طلته الشبيهة بطلة "جورج كلوني" ، أقول لكم ، استكملها باستدرار العطف من المناطق التي يعرف بأنها لن تقبل بحكمه وحكم الذين يقفون خلفه ، أهل مأرب وشبوة وحضرموت وعدن ، يريد أن يكسبهم مرحلياً ، ويقدم لهم العطايا ، فهذا مفهومه للوطن ، يباع ويشترى بقدر المكاسب التي تتحقق ، يساومهم على نسبة من النفط ووظائف في الشركات العاملة بالحقول ، رغم أنه على يقين بأن فعلته قد شقت اليمن إلى أكثر من نصفين ، ولكنها محاولة قد تنجح فيكون متسيداً على كل أرض اليمن !!

مزقت إيران اليمن ، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها ، ودخل جنوبنا الذي نتفاخر بحكمته دوماً  مرحلة عصيبة ، ستشهد حروباً أهلية وليس حرباً ، وستعود عصور الدويلات من جديد ، وستدخل المنطقة بسبب اختلال الأوضاع في اليمن في متاهة لا يعلم مداها سوى الله ، متاهة فيها اقتتال واستقطاب وإرهاب وغلاغل وأطماع توسعية حاقدة ، ومع ذلك نحن على ثقة بأن شعب اليمن سيهب في وجه الذين باعوه وباعوا الوطن بحفنة دولارات ، فاليمن كان وسيبقى عصياً على الاغراب .