بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الذكرى الـ67 لرحيل رائدة الحركات النسائية

بوابة الوفد الإلكترونية

يحل اليوم ذكرى رحيل رائدة الحركات النسائية المصرية نور الهدى محمد سلطان، والشهيرة بـ هدى شعراوي، والتي ولدت في  23 يونيو 1879  بمدينة المنيا بصعيد مصر، وكانت من أبرز الناشطات المصريات بالنشاط النسوي في نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.

وهي ابنة محمد سلطان باشا، رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق، والذي أنعمت عليه بريطانيا بعد الاحتلال بنياشين مقابل خدماته، حيث نسب إليه تهم خيانة عرابي والثورة وأنه كان سببًا في دخول الإنجليز مصر بتلقيه أموالاً من الخديوي مقابل رفضه لمواقف عرابي ودفع رشاوى لعدد من القيادات العسكرية الذين خانوا عرابي.
وتلقت هدى شعراوي التعليم في منزل أهلها، وتزوجت مبكرًا في سن الثالثة عشرة من ابن عمتها "علي الشعراوي" الذي يكبرها بما يقارب الأربعين عامًا، وغيرت لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى "شعراوي" تقليدًا للغرب، وكان أحد شروط عقد زواجها أن يطلق زوجها زوجته الأولى، وفي السنوات اللاحقة أنجبت ولدًا وبنتًا.
وعاشت هدى ظروفًا اجتماعية قاسية نتيجة غياب الوعي الكامل بمقتضى الإسلام عن نطاق أسرتها، فقد سردت من خلال مذكراتها أبرز المواقف والصدمات التي أثرت فيها، وكانت بمثابة نقط تحول في وحياتها، كتفضيل أهلها لأخيها الصغير "خطاب" عليها في المعاملة، على الرغم من أنها تكبره بعشرة أعوام بحجة أنه الولد الذي يحمل اسم أبيه، أما هي فمصيرها أن تتزوج أحدًا من خارج العائلة، وتحمل اسم زوجها.
كما كان إهمال أهلها لها أثناء مرضها بالحمى، وزيادة اهتمام والدتها بأخيها، وعدم مغادرته لفراشه"فقط لأنه ولد"  بحد وصفها من أهم الصدمات التي جعلتها تكره أنوثتها.
كما تسبب زواجها من ابن عمتها أثرًا كبيرًا في حرمانها من ممارسة هواياتها المحببة كعزف البيانو وزرع الأشجار، وتحديد حريتها بشكل غير مبرر مما أصابها بالاكتئاب لفترة استدعت فيها سفرها لأوروبا للاستشفاء، وهناك تعرفت على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة؛ الأمر الذي شجعها في أن تحذو حذوهم .
كما تأثرت بوفاة أخيها الصغير وسندها في الحياة "خطاب" مما جعلها تشعر بالوحدة والأزمة، لرحيل من كان يفهمها في هذه الدنيا، خاصة أنهما متشابهان في الذوق والاختيارات، كما أنه اليد العطوفة عليها بعد وفاة والدتها وزواجها من شعراوي باشا.
وبدأت نشاطها لتحرير المرأة  من خلال رحلتها الاستكشفائية بأوروبا، وانبهارها بالمرأة الإنجليزية والفرنسية في تلك الفترة للحصول على امتيازات للمرأة الأوروبية، وهناك تعرفت على بعض الشخصيات المؤثرة التي كانت تطالب بتحرير المرأة، وعند عودتها أنشأت شعراوي مجلة " الإجيبسيان " والتي كانت تصدرها باللغة الفرنسية.
وكان لنشاط زوجها علي الشعراوي السياسي البارز في ثورة 1919 وعلاقته بسعد زغلول أثر كبير في نشاطاتها، فشاركت بقيادة مظاهرات للنساء عام 1919، وأسست "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وقامت بالإشراف عليها.
وفي العام 1921 وفي أثناء استقبال المصريين لسعد زغلول، قامت هدى شعراوى بخلع الحجاب علانية أمام الناس وداسته بقدميها مع زميلتها "سيزا نبراوي" تعبيرًا عن رفضهما للحجاب.
والتقت هدى ثلاث مرات بالسنيور موسوليني الذى صافحها باهتمام عند معرفته بأنها رئيسة الوفد المصري، خلال حضورها لأول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923م، وبصحبة نبوية موسى وصديقتها المقربة "سيزا نبراوي".
كونت هدى الاتحاد النسائي المصري سنة 1927، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947، كما كانت عضوًا مؤسسًا في "الاتحاد النسائي العربي" وصارت رئيسته في العام 1935، وبعد عشرين عامًا من تكوين هذا الاتحاد قامت بعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944م، وقد حضرته مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة (26) واتخذت فيه عدة قرارات وفي مقدمتها، المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب، وتقييد حق الطلاق، والحد من سلطة الولي

أيًا كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي، وتقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء، والجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي .
ثم خرجت باقتراح في نهاية المؤتمر "بتقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية".
وترأست المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935م ، والتي انتخبت من خلاله رئيسة للاتحاد النسائي الدولي، والتقت من خلاله بمصطفى كمال أتاتورك محرر تركيا الحديثة الذي كانت تعتبره قدوة لها.
وساهمت في إنشاء نشرة "المرأة العربية" الناطقة باسم الاتحاد النسائي العربي، وأنشأت مجلة l'Egyptienne عام 1925 بالفرنسية.
أقامت هدى شعراوي حفلًا كبيرًا في "سرايتها" بعد اختلافها مع سعد زغلول آنذاك، تعرف خلاله ابنها في الحفل شاهد محمَّد شعراوي، على  المطربة "فاطمة سري" (التي أحيت الحفل)، وأعجب بها وتزوجها عُرفيًا، وحملت منه فكتب لها إقراراً بأنه  زوجها وأن الجنين الذى ببطنها  من نسبه.
وعلمت هدى شعراوي بزواج ابنها الوحيد من المطربة، فثارت ثورة عارمة واتهمت ابنها بأنَّه يحاول قتلها بهذا الزواج، وحاولت الضغط على المطربة بما لها من نفوذ وعلاقات واسعة، بالتهديد بتلفيق ملف سري في شرطة الآداب يتهمها بالدعارة، لكن المطربة تحدتهم وقالت إنها ستطلق بنفسها الرصاص على أي وزير داخلية يقوم بهذا التزوير.
واشتعلت المعركة بين هدى شعراوي وابنها وزوجته المطربة، فقرر ابنها السفر والتهرب من زوجته.
وبعدما يأست المطربة فاطمة سري من سلطة وجبروت هدى شعراوي، كتبت خطابًا لها تطلب منها فيه تقديم برهانًا للعالم على صدق دفاعها عن حق المرأة بإنصافها والاعتراف بنسب طفلتها. 
وكادت هدى شعراوي تنتهي من قراءة رسالة المطربة حتى ثارت ثائرتها، واعتبرتها إعلانًا لحرب، واعتبرتها إنذارًا نهائيًا مدته أسبوع واحد، فنست كل مبادئها للتحرير، وخاضت معارك عنيفة ضد المطربة، وبعد سنوات من المرافعات والضغوط والتدخلات، إذا بالمحكمة الشرعية تحكم بأنَّ "ليلى" هي ابنة محمد شعراوي، وفي الحال خضعت هدى شعراوي لحكم القضاء.
وتوفيت هدى شعراوي في 12 ديسمبر 1947، بالسكتة القلبية بعد قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وهي جالسة تكتب بيانًا في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفًا واحدًا في هذه القضية.
وحازت هدى شعراوي على عدة أوسمة ونياشين من الدولة في العهد الملكي، إضافة إلى إطلاق اسمها على عدد من المؤسسات والمدارس والشوارع في مختلف مدن مصر.