العفاريت.. قادمون
لا يلدغ المؤمن من الجحر إلا مرة واحدة، أما من دونه فيلدغ ويلدغ ويلدغ ثم يعود لنفس الجحر وكأنه يتلذذ باللدغ ولا يستطيع العيش بعيداً عن أذاه.
ولا شك أننا تأذينا كثيراً من ثلاثين سنة قضيناها في كنف الحزب الوطني المنحل نزداد فقراً وجهلاً وتخلفاً ونأكل المسرطن ونشرب الملوث ونجبر على العيش في شقق قد لا تزيد مساحتها علي 63 متراً تصلح كمقابر أكثر من كونها سكناً للأحياء أو نسكن العشوائيات التي تقتل فينا الإحساس بالنظام والرغبة في التغيير وعودتنا الإحباط والكسل والتردد والإصرار على الركود خوفاً من كل جديد لا نعرفه، لهذا كان علينا بعد ثورتين ألا ننسى أن إعادة أخطاء الماضي هو كفر بالمستقبل وجحود للإصلاح والتغيير، كان علينا ألا ننسى أن ما شاهدناه عبر تاريخنا من أخطاء وتجاوزات ومخاطر لا يساوي مطلقاً «البلاوي» التي أغرقنا فيها الحزب الوطني المنحل وكاد يغتال بها مستقبلنا، وأن سياسة الحزب الوطني كانت عبارة عن فساد في فساد استشرى وتفشى في كافة مفاصل الدولة وفي كافة أنحائها حتى أصبح للركب – على حد تعبير أحد أكبر أقطاب الحزب الوطني «زكريا عزمي» – ويكفي الإشارة إلى أنه بمجرد إعلان مبارك تنحيه عن الرئاسة في 11 فبراير 2011، تنفجر في وجوهنا بالوعات لقضايا فساد إداري ومالي بلغت حوالي 40 ألف قضية تولت النيابة الإدارية التحقيق فيها وقد تنوعت تلك القضايا بين: «اعتداء على أملاك الدولة، إضرار عمدي بالمال العام، إهمال، اختلاس، تزوير في محررات رسمية، استغلال للنفوذ، اغتصاب، هتك عرض، تحرش داخل المؤسسات الحكومية».. إلخ، ورغم ما كان يتشدق به مبارك دائماً وهو أن عصره كان خالياً من الفساد والمفسدين، إلا أن أيامه كلها كانت حبلى بالفساد وبصور مختلفة، رأيناها في تربح حسين سالم – الصديق الشخصي لمبارك – من عمليات بيع السلاح الأمريكي إلى مصر بعد تقديمه لفواتير شحن مزورة إلى وزارة الدفاع الأمريكية باعتباره – أي حسين سالم – رئيساً لشركة وهمية اسمها «إتسيكو» رأيناها في فضيحة المبيدات المسرطنة المستوردة لمصر بعلم ومعرفة أمين الحزب الوطني في ذلك الوقت الدكتور يوسف والي وزير الزراعة، رأيناها في غرق «عبارة السلام 1998» أثناء عودتها من السعودية إلى مصر عن طريق البحر الأحمر، وقد غرقت بمن فيها ليسقط بسبب تلك الحادثة حوالي 1033 شهيداً دفعوا حياتهم ثمناً للفساد في قطاع النقل البحري، ثم التستر على «ممدوح إسماعيل» مالك العبارة بتهريبه إلى لندن قبل اتهامه ومحاكمته في أكبر عملية تواطؤ بين القاتل «مالك العبارة» والمتستر على القاتل «حكومة ونواب الحزب الوطني»، رأيناها في اعتراف شركة «دملر بينز» لإنتاج السيارات بدفع رشاوي إلى موظفين كبار بالحكومة المصرية من أجل تسهيل عمليات شراء ومحركات وقطع غيار وفتح فرص تجارة مع الشركة في الفترة من 1998 إلى 2004، رأيناها في خصخصة شركات حيوية واستراتيجية ثم بيعها بأقل