بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

نظــام فقـد عقـله‮!‬

تسلط هذه النوعية من قادة الوطني علي الحكم،‮ ‬تعني أننا أصبحنا نعيش في ظل نظام فقد عقله،‮ ‬لا يعرف الحقيقة من الوهم ولا العدو من‮ ‬الصديق،‮ ‬ويقاتل حيث يعيش لأثبات شجاعة متوهمة أمام مرآة ينظر فيها منذ سنوات،‮ ‬ولا يدري أن الزمن يتجاوزه والناس ترقبه وتلفظه،‮ ‬وأوشكت علي الانفجار‮.‬

حكم الحزب الوطني علي الأحزاب التي قاطعت مهزلة الانتخابات،‮ ‬بأنها قصيرة النظر وأقلية،‮ ‬وأطلق علي مبادرتها بتشكيل برلمان شعبي،‮ ‬أنها نوع من التسلية وشغل الفراغ‮. ‬وأنبري جهابذة الحزب الوطني في ترهيب أعضاء البرلمان الشعبي،‮ ‬وهم نخبة من النواب السابقين والشخصيات العامة التي اجتمعت علي إسقاط مجلس الشعب الحالي لبطلان تشكيله،‮ ‬بسيف السلطة‮. ‬وبدلا من مقارعة الحجة القانونية بمثلها،‮ ‬فإذا بهم يكشفون عن عقولهم الاستبدادية،‮ ‬وشهوتهم في الاحتفاظ بمقاعدهم للأبد،‮ ‬ويشهرون القوانين الاستثنائية المخصصة للقمع وتكميم الأفواه‮. ‬

آخر التقاليع التي ظهر بها الحزب الوطني تلك الدراسة التي أجراها أمين التنظيم أحمد عز والتي نشر منها جزءان في جريدة الأهرام الأسبوع الماضي،‮ ‬والتي حاول فيها أن يرتدي ثوب المفكرين والمحللين‮. ‬أجري أحمد عز،‮ ‬من وجهة نظره،‮ ‬قراءة عدها فاحصة لتفاصيل انتخابات مجلس الشعب،‮ ‬مبينا في كل جولة انتخابية أن خصم الحزب الوطني في الدائرة التي يتحدث عنها،‮ ‬كان لا يستحق الفوز علي الإطلاق‮. ‬وواصل عز رص المعلومات،‮ ‬وفقا لأرقام اخترعها،‮ ‬ومعارك توهمها علي هواه،‮ ‬ووضع المعلومات كقطع الشطرنج علي الطاولة،‮ ‬وحرك اللعبة كما يرغب،‮ ‬فإذا به يهزمهم جميعاً،‮ ‬وتأخذه فرحة الانتصار فينط ويهنئ نفسه بالانتصار الذي أنجزه علي خصوم صنعها فقط في مخيلته‮. ‬

من يعيد قراءة مقالات أمين التنظيم،‮ ‬سيفاجأ بأن المعلومات التي ذكرها وضعت وفق هواه أيضا علي الصفحة التي ظهرت كقطعة شطرنج،‮ ‬يعلوها بعض الصور والعناوين الفرعية،‮ ‬تماما كما أراد أن يلهو بمقدماتها ونتائجها‮. ‬استخدم عز لغة رفيعة في الحوار مع الشخصيات التي شعر بأن حجمها الكبير يعرفه الناس،‮ ‬إذا وضعت في مقارنة بحجمه،‮ ‬ويظهر في نهاية الأمر أن المقصود من حفظ قيمة الآخر،‮ ‬ليس من قبيل صون أقدار الناس،‮ ‬بل ليطلع علينا كالغضنفر،‮ ‬الذي سحق الجميع في مباراة‮ ‬،‮ ‬لم يحضرها خصوم ولا جمهور،‮ ‬وكان بمفرده اللاعب الوحيد‮. ‬لهذا أظهر أحمد عز معركة الحزب الوطني مع الإخوان بأنهم لقوا جزاء معارضتهم الجوفاء في البرلمان،‮ ‬وتركيزهم علي‮ "‬رفض كل مشروع قانون بل كل مادة،‮ ‬كل في فقرة في كل مادة دون أية مبررات منطقية‮. ‬

عند هذا الحد ظهر الفساد في قول عز في المنطق والاستدلال،‮ ‬خاصة أننا كنا شهوداً‮ ‬علي المعارك البرلمانية التي وقعت كثيرا بين نواب الإخوان والحزب الوطني في الدورة البرلمانية الماضية‮. ‬لقد كانت المعارك حول قضايا خطيرة وحيوية ظهرت جلية عند تعديل الدستور،‮ ‬الذي شارك الوفد وأحزاب المعارضة والإخوان في اظهار العوار الذي أصاب تلك التعديلات في كثير من المواد،‮ ‬إن لم يكن معظمها‮. ‬ودفعت تلك المناقشات الساخنة في الجلسات العامة واللجان المختصة إلي حضور نواب الوطني بكثافة طوعاً‮ ‬وكرهاً‮. ‬وكم شاهدت بأم عيني،‮ ‬أمين تنظيم الوطني أحمد عز يمسك بعدة هواتف يستدعي من خلالها نواب الوطني من المقاهي والوزارات،‮ ‬كي يواجهوا نواب الوفد والمعارضة والإخوان،‮ ‬أثناء المناقشات أو التصويت‮. ‬ولولا التهديدات،‮ ‬التي كان يطلقها عز لرجاله الأشاوس التي بلغت حد التجريح والإذلال لما تمكن من دفعهم لمواجهة هجوم المعارضة الكاسح‮. ‬المدهش في الأمر أن عز أنكر دور الإخوان والمعارضة في تمرير قوانين تكاتف علي إقرارها الجميع،‮ ‬بل كان الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس يستأنس برأي خبراء من الوفد والإخوان وبعض المستقلين وذوي البصيرة النادرين في الحزب الحاكم،‮ ‬عند مناقشة بعض المواد القانونية‮ " ‬العويصة‮"‬،‮ ‬التي تمكنت من صد أطماع عز في تمرير قوانين تخدم مصالحه وعلي رأسها

قوانين المناقصات والمزايدات ومكافحة الاحتكار والإغراق‮. ‬

واصل أحمد عز في مقاليه لعبة الأرقام المصطنعة علي هواه،‮ ‬زاعما أن الوفد نال في الجولة الأولي للانتخابات ما كان ينتظره،‮ ‬مستشهداً‮ ‬بأرقامه الكاذبة بأن الدراسات التي أجراها علي أرض الواقع أظهرت هذه الحقيقة من قبل الانتخابات بفترة زمنية طويلة‮!!. ‬هكذا أراد أحمد عز أن يظهر علي الملأ أن قطع الشطرنج التي حركها،‮ ‬جاءت وفقاً‮ ‬لأرقام ومعلومات وبيانات،‮ ‬ثم بعد الاطلاع عليها تفاجأ بأنك اطلعت علي ألاعيب شيحة‮!. ‬

لم تكن تصرفات عز هي الوحيدة بل كانت أكثرهم تأدبا،‮ ‬وبلغت الفجاجة بالآخرين أن اعتبروا فوز الوطني بالبلطجة والتزوير انتصارا كاسحا،‮ ‬ودليلاً‮ ‬علي شعبية النظام،‮ ‬وقوة الحكومة ورضا الناس علي الوزارة والوزراء‮. ‬هكذا بلغ‮ ‬حد الهوس لدي حفنة تدير البلاد منذ سنوات،‮ ‬فلم نر من أعمالهم إلا المعوج والطالح،‮ ‬ليس لأننا لا نري إلا الجزء الفارغ‮ ‬من الكوب،‮ ‬بل لأن الكيل الذي يكيلون به الأشياء طفح ونضح بما فيه،‮ ‬فلم نشهد إلا بطالة ومستقبلا‮ ‬غامضا،‮ ‬ولم نشم إلا رائحة الفساد النتنة‮. ‬

أراد عز أن نقرأ تفاصل الانتخابات،‮ ‬ولا يدري أن الناس أكثر اطلاعا منه علي وقائعها،‮ ‬خاصة أن الأرقام التي ذكرها كتبها بخط يده في‮ ‬غرف مكيفة أما المواطنين،‮ ‬فهم شهود علي الملهاة التي أراد إشراك الوفد والمعارضة فيها،‮ ‬وعندما رفضوا اللعبة القذرة،‮ ‬أصبحوا من الخوارج والمارقين وقلة حاقدة،‮ ‬لا تستحق الذكر‮ ‬،‮ ‬ولا التواجد داخل المجتمع الذي يهيمنون علي مصيره ومقدراته‮. ‬إن تسلط هذه النوعية‮ ‬من قادة الوطني علي الحكم،‮ ‬تعني أننا أصبحنا نعيش في ظل نظام فقد عقله،‮ ‬لا يعرف الحقيقة من الوهم ولا العدو من الصديق،‮ ‬ويقاتل حيث يعيش لإثبات الشجاعة أمام المرآة التي ينظر فيها،‮ ‬منذ سنوات،‮ ‬ولا يدري أن الزمن يتجاوزه والناس ترقبه وتلفظه،‮ ‬وأوشكت علي الانفجار‮. ‬

من حق الحزب الوطني أن يتجمل أسوة بما يفعل رجاله في أشكالهم وملابسهم،‮ ‬ولكن علي أشاوسه وهم يجتمعون اليوم في محفلهم السنوي أن يكاشفوا أنفسهم بالحقائق التي يذكرونها في مجالسهم الخاصة‮. ‬ومهما كانت مرارة الحقيقة التي لا يريد الوطني أن يواجهها،‮ ‬فعليه أن يسمح لجهة محايدة أن تجري استطلاعا علي مدي علاقته بالناس،‮ ‬ورضا المواطنين عن أعمال قادته‮. ‬إذا سمح الوطني بهذا العمل،‮ ‬سيضع قدمه علي أول درجات السلم نحوالمستقبل،‮ ‬الذي يريد أن يقودنا إليه دون أن نعرف إذا كان سيلقي بنا إلي مزيد من الهاوية أو يقذف بنا إلي فوة بركان جديد‮. ‬