بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

مازال المطلوب هو‮.. »‬معارضة تلبس مزيكة‮«!!‬

لبس المزيكة لها حكاية عشتها في أوائل الأربعينيات،‮ ‬ونشرتُها في مقال هنا في الوفد‮ (‬2001‭/‬3‭/‬4‮) ‬وخلاصتها‮: ‬أنني‮ ‬كنت في زفتي وكانت فرقة موسيقي البلدية تعزف كل يوم جمعة،‮ ‬وهي تمر في الشارع الرئيسي،‮ ‬بعض الألحان الوطنية وخلافه‮.. ‬كان العازفون ثلاثة أو أربعة،‮ ‬لكن المطلوب أن يبدو فريق العزف أكثر عددا‮.. ‬فكان الباشجاويش المسئول،‮ ‬أو شيخ الحارة،‮ ‬لست أذكر،‮ ‬يستأجر بعض الناس المناسبين،‮ ‬ويلبسهم لباس العازفين،‮ ‬ويمسّكهم آلات موسيقية كيفما اتفق،‮ ‬ويشترط عليهم ألا يقتربوا منها أصلا،‮ ‬فقط يشوّحون بأيديهم،‮ ‬أو ينفخون أصداغهم وهم يسيرون مع العازفين الحقيقيين‮. ‬خلاصة القول أن لبس المزيكا لا يتطلب عزفا أصلا،‮ ‬بل إن شرطه الأساسي للحصول علي الأجر،‮ ‬ألا يقترب لابس المزيكا من الآلة التي يلبسها مع الرداء الخاص‮.‬

قلت في نفس المقال حرفيا منذ عشر سنوات‮: ».. ‬المسألة اتضحت بلا خفاء‮: ‬إن المطلوب،‮ ‬أو المسموح به،‮ ‬هو إنشاء أحزاب‮ »‬تلبس مزيكا‮«‬،‮ ‬تنشر مبادئها وآمالها علي صفحات صحفها كما تشاء،‮ ‬لكن ممنوع أن تقترب من أوتار آلات العازفين الأصليين علي أعلي الكراسي العالية‮. ‬مسموح بأحزاب تفسّر الأحلام،‮ ‬وتفتح مدارس لتعليم الحلاقة،‮ ‬وتصدر صحفا جيدة،‮ ‬وصحفا رديئة،‮ ‬وصحفا نصف نصف،‮ ‬بل مسموح جدا ولدرجة‮ ‬غير مسبوقة أن تنشر هذه الصحف كلاما مثل الذي أكتبه الآن،‮ ‬وهذا وحده دليل علي أن الكتابة في الصحف هي من أجمل ملابس المزيكا‮. ‬يلبسها من يريد أن ينضم إلي‮ »‬صفوف‮« ‬فرقة العازفين علي شرط ألا يقترب من أية‮ ‬آلة من آلات العزف علي كرسي السلطة،‮ ‬فإذا سمح للبعض من الاقتراب من آلة السلطة‮ (‬آلة العزف‮)‬،‮ ‬فيمكن أن يقوم بشد الأوتار،‮ ‬أو تلميع صندوق العود الخشبي،‮ ‬أو تسخين جلد الطبلة،‮ ‬أما أن يطمع أحدهم في أن يشارك في العزف،‮ ‬فبعيدا عن شاربه،‮ ‬فإذا تجرأ وتمادي وتصوّر إمكانية أن يصبح مايسترو،‮ (‬أو يؤلف لحنا‮) ‬فعينك لا تري إلا النور في ليلة القبض علي النغمة النشاز التي تجرأت أن تفسد اللحن الأساسي‮«.‬

انتهي المقتطف‮!!‬

أليس هذا هو هو شكل المعارضة التي يمكن أن‮ »‬تُجاز‮« ‬بعد عشر سنوات،‮ ‬وإلي أن يشاء الله؟

ما هو المطلوب بالضبط من هذا الشعب الصبور؟‮.. ‬أن يعارض أم أن يؤيد؟‮!!‬

‮ ‬أن يسمع الكلام،‮ ‬أم أن يتكلم أي كلام،‮ ‬ما دام أنه مجرد كلام‮ (‬ربما مثلما أفعل الآن)؟‮!!‬

المُتابع لبهجة وفرحة وأحضان وقبلات الحكومة‮ (‬الحزب‮) ‬بعد مصيبة النتائج الأخيرة الساحقة الماحقة،‮ ‬لا بد أن يكتشف أن أحدا منهم لم يبلغه حجم المصيبة،‮ ‬لكن لماذا التعميم؟ ربما عاد‮ ‬بعضهم‮ ‬إلي تذوق هذه النتائج‮ ‬من جديد فوجدها ماسخة،‮ ‬فاترة،‮ ‬فراح يفكر أن يضيف إليها بعض بهارات وفلفل المعارضة،‮ ‬لتصبح حريفة‮ »‬سبايسي‮« ‬يمكن بلعها‮.‬

لكن يبدو أن الفرصة لم تعد سانحة من ناحية الأحزاب التي امتنعت بشكل أو بآخر عن لبس المزيكة،‮ ‬يبدو أنها تعلمت وهي تتساءل أين ذهب الرعب الفظيع من التغيير الذي‮ ‬غمر الحكام قبل الانتخابات بشهور وأسابيع،‮ ‬رعب من المحظورة حتي بعد أن بادرت بكسر حاجز مقاطعة الانتخابات،‮ ‬ورعب من البرادعي حتي بعد أن تأكدت أنه مصري طيب ليس له في السياسة أصلا،‮ ‬أين ذهب هذا الرعب وكيف حل محله كل هذا الحرص الشديد علي أيها رائحة لمعارضة مهما كانت شكلية ؟‮ ‬

أعود أتمثل حدس ناسي وهم يسخرون مما تفعله الحكومة وهي تـُـلبس بعض المعارضين الجدد_‮»‬مزيكة‮« ‬ليكملوا منظرالآلات العازفة نفس اللحن،‮ ‬أتصور ناسي وهم يسخرون ويرددون علي لسان الحكومة وهي تتحايل علي المعارضين أن يعارضوها علي خفيف،‮ ‬قائلة‮: »‬والنبي عارضنا‮« ‬،‮ »‬سايق عليك النبي لتعارضنا،‮ ‬إنت حاتعارضنا واللا اجيب لك المحظورة تعارضك وتعارضنا؟‮«. ‬

قبل الانتخابات مباشرة،‮ ‬حين بدا أن الحكومة حريصة كل الحرص علي مشاركة الناس المعارضين بالذات فيها،‮ ‬تصور الكثيرون أنها أقرت أخيرا دور المعارضة الحقيقية حتي لو هددت بتداول السلطة،‮ ‬فشارك من شارك في الترشيح،‮ ‬وانتخب من انتخب بأملٍ‮ ‬ما في التغيير حتي ظهرت النتائج الأولي،‮ ‬وعزاها أغلبهم إلي التزوير،‮ ‬ويبدو أن الحكومة‮ (‬أعني الحزب‮) ‬قد فوجئت بانسحاب حتي الذين كان أمامهم فرصة للنجاح الحقيقي أو المدعوم من إكمال المباراة‮ ‬غير المتكافئة افتعالا،‮ ‬أتصور أن المفاجأة وصلت الحكومة‮ (‬الحزب‮) ‬متأخرة،‮ ‬فراحوا يتحايلون علي المعارضين أن يظلوا في الصورة ليعارضوا‮ (‬نصف نصف‮)‬،‮ ‬كما راحوا يتلكأون في قبول المستقلين للعودة إلي الحزب،‮ ‬حرصا علي بقائهم مستقلين مع توصيتهم بأن يتحركوا‮ ‬سرا‮ : ‬خطوة إلي اليسار‮: ‬وأخيرا لاح‮

‬في الأفق ما يشبه الدروس الخصوصية لتدريب بعض نواب الحزب الساحق كيف يعارضون جدا بالسلامة،‮ (‬معارضة‮ »‬كده وكده‮«).‬

توضيح آخر حضرني حالا رحت أستلهمه مما وصلني طفلا من قريتي هذه المرة،‮ ‬وهي حكاية من حدس فلاح مصر الفصيح،‮ ‬أرجو من القارئ الأفندي‮ (‬بما في ذلك نصف المجلس من العمال والفلاحين‮) ‬أن يتحملني قليلا وأنا أحكيها،‮ ‬إذ قد لا يفهمها إلا فلاح‮ »‬أراري‮« ‬مثلي‮.‬

تحكي هذه الحكاية التي صارت مثلا ينبه إلي ضرورة فقس‮ »‬كُـهن‮« ‬الفلاح المصري الجميل،‮ ‬وهي حكاية تحاول أن تنبه الجيران ألا يأخذوا أي شجار ينشأ بين جار وزوجته مأخذ الجد،‮ ‬لأنه قد يكون شجاراً‮ »‬مصنوعاً‮«‬،‮ ‬تتم من خلاله سرقة ما تيسر من أشياء الجيران‮.‬

تقول الحكاية إن زوجا‮ (‬اسمه حامد‮) ‬وزوجته‮ (‬أمها اسمها حركات‮) ‬اعتادا تصنع الشجار فيما بينهما،‮ ‬وبعد أن تبدأ المشاحنات،‮ ‬تتعالي أصواتهما،‮ ‬ويهجم الزوج علي زوجته وكأنه سيضربها،‮ ‬فتخرج من دارها إلي الشارع مولولة وهي تجري لاجئة إلي إحدي الدور المجاورة،‮ ‬وتدخل‮ »‬القاعة‮« ‬أو‮ »‬المقعد‮« ‬التي تخزن فيه هذه الجارة جِرَار‮ »‬زلع‮« ‬سمنتها،‮ ‬وتغلقها من الداخل،‮ ‬ويجري وراءها زوجها متباطئا وهو ممسك بيده عصا يلوح بها،‮ ‬والناس بمن فيهم صاحبا الدار اللاجئة إليها الزوجة،‮ ‬يهدئونه ويطيبون خاطره،‮ ‬أما الزوجة فتُخرج‮ »‬الحُـق‮« ‬من صدرها أو من جيب سيالتها،‮ ‬وتملؤه بما تيسر من سمن،‮ ‬ثم تخرج بعد أن يطمئنوها أن الزوج قد هدأ،‮ ‬وأن الصلح خير‮.. ‬إلخ‮.‬

أثناء هذه المسرحية القصيرة يتبادل الزوجان السباب من وراء الجدران ليؤكدا أنه شجار بجد‮. ‬ذات ليلة تجري إحدي هذه التمثيليات في عز الشتاء،‮ ‬فتجد الزوجة أن السمن قد تجمّد من فرط البرد،‮ ‬فلا تستطيع أن تغرف منه لتملأ الحُق،‮ ‬فتروح تصيح من وراء الجدار وكأنها تسب زوجها بأبيه‮ »‬يابن كذا،‮ ‬ثم‮: ‬يابن حامد جامد‮«‬،‮ ‬فيرد عليها سبابا بسباب وكأنه يعايرها بأمها قائلاً‮: »‬يابنت كذا وكيت،‮ ‬يا بنت حرّكِيهْ‮ ‬بالعود‮«‬،‮ ‬والناس تصدق ما يجري من مسرحية السرقة الذكية،‮ ‬وحقيقة الأمر أن الزوجة كانت تصيح بزوجها أن السمن‮ »‬جامد‮«‬،‮ ‬وكأنها تسب أهله،‮ ‬فيرد عليها أن‮ »‬حرّكيه بالعود‮« ‬لتفك صلابته،‮ ‬وكأنه يسب أمها،‮ ‬وتتم السرقة المتفق عليها‮.‬

أليس هذا أشبه بما يجري الآن لتدريب المعارضة المصنوعة؟‮ ‬

ألا يذكرنا ذلك بتمثيل أخطر حين يصلنا‮ ‬بين الحين والحين ما يبدو خلافا بين إسرائيل وأمريكا،‮ ‬وهم لا يفعلون ذلك إلا ليلهونا عن حقيقة الاتفاق السري الاستراتيجي الدائم،‮ ‬الذي‮ ‬يخططون به لسرقة الأرض،‮ ‬وإهانة العرض،‮ ‬وقتل الأبرياء؟‮ ‬ونحن فرحون بالاختلاف بينهم‮. ‬ألا يكون مثل هذا هو ما يكمن وراء بعض ما يتسرب إلينا‮ (‬ولا تسريب ولا يحزنونَ‮!!) ‬من وثائق موقع أسانج مؤسس ويكيلكس‮.. ‬دعوني أعترف وأنا أختم المقال بأن أغنية ظريفة تتردد في أذني رغما عني تقول‮: ‬

‮»‬مهما الأيام تعمل فينا،‮ ‬ما بنستغناش عن بعضينا،‮ ‬أرجوكو سيبونا حا تلقونا،‮ ‬حانصالح بعض لوحدينا‮«.‬

تتردد الأغنية بلحنها الأصلي دون حاجة إلي أن ألبس لها مزيكة‮.‬

www.rakhawy.org