بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

عاشق من زمن جميل

كتب لي ياسيدي هذه هي الحكاية أرجوك ان تصدقها‮:‬

‮"‬كما تجد نفسك فجأة في صحراء اختفت من فوقها النجوم،‮ ‬أو في وقت بين النهار والليل،‮ ‬وإن شئت بين الليل والنهار،‮ ‬حيث ذهب الليل ولم يأت النهار أو حيث ذهب النهار ولم يأت الليل،‮ ‬إنك لا تشعر بالخوف،‮ ‬ولا بالدهشة‮.. ‬تسأل ما الذي انتقل بك إلي هنا‮.. ‬كيف لم تعد تشعر أن في الدنيا حولك بشراً،‮ ‬وكيف لا يطل عليك من الفضاء إلا وجه واحد،‮ ‬وكيف تراه فوق شرفات المنازل ثم تختفي المنازل ويبقي الوجه‮.. ‬لكني كثيرا ما أكون بين الناس،‮ ‬وفي اللحظة التي أقرر فيها أن أتداخل معهم يحمل اصواتهم الهواء بعيدا رغم اننا لا نقف في الهواء،‮ ‬وتظل هي واقفة وحدها،‮ ‬وكلما تحدثت إلي أحد‮ ‬غيرها وأجاب لا اسمع إجابته ولا أراه‮.. ‬أنا الذي بدأته بالكلام فأين ذهب إذن؟ ولا أجد إلا وجهها،‮ ‬وتظل صامتة‮.. ‬وتبتسم كأنها تعرف ما جري لي‮. ‬

أنا يا سيدي من قرائك،‮ ‬وقرأت لك مرة قصة قصيرة اسمها‮ "‬الضربة القوية‮" ‬عن شخص يمشي متعبا مغتاظا من شيء لا يعرفه،‮ ‬فأشاح بيده عاليا ثم هوي بها في الهواء يضرب شيئا لا يراه،‮ ‬فانقسم الطريق ووجد نفسه يهوي إلي قاع سحيق به بشر معذبون يصرخون وناس سعداء‮.. ‬رجال ونساء عرايا مثل الشموع لم يسبق أن خلقهم الله،‮ ‬وربما خلقهم وادخرهم هنا بعيدا عن الدنيا فوجوههم الجميلة لا تشي انهم يستحقون العذاب‮.. ‬وبطل الرواية المسكين‮ ‬غير قادر علي العودة‮.. ‬أنا الآن‮ ‬غير قادر علي العودة إلي الناس،‮ ‬لم أضرب الهواء ولم أرفع يدي في وجه الفضاء‮.. ‬أنا رأيتها وحدها في الصحراء‮.. ‬حلمت أنني نزلت في وادي من الرمال ليس حوله شجر،‮ ‬فقط شمس بيضاء لا تبارح مكانها وهي تقف يشع من وجهها النور ومن ثوبها بهجة تنتشر في المكان،‮ ‬رغم أنها كانت ترتدي السروال الجينز وليس فستانا يتحرك،‮ ‬كنت أعرف قبل أن أدخل في الحلم أن في هذا الوادي بشرا سعداء يخرجون مع الصباح الباكر يوزعون خبزهم علي ساكني المدن البعيدة،‮ ‬خبزهم يا سيدي أبيض ورقيق وكبير ومستدير،‮ ‬تحمله النساء علي رؤوسهن ويحمله الرجال علي أذرعهن ويمشون في مرح كأنهم لم يهبطوا الأرض من قبل،‮ ‬ويعودوا مع المساء سعداء‮.‬

لقد أطعموا أهالي المدن والقري وعابري السبيل،‮ ‬رأيتها تقف وسطهم في منتصف النهار،‮ ‬لقد قرروا اليوم أن يدعوا أهل المدن والقري البعيدة إلي ديارهم‮. ‬كانوا يعدون وليمة عظيمة وهي بينهم تلقي بالأوامر هنا وهناك وتزم شفتيها ثم تبتسم وتهز رأسها ثم تبتسم‮. ‬ولما سألت عن اسمها لم اسمع جوابا من أحد‮.. ‬رحت اقول لنفسي‮.. ‬هذه السيدة الصغيرة قد نزلت بها الملائكة الآن الي هذا الوادي،‮ ‬خلقتها السماء ثم ختمت عليها بختمها،‮ ‬كما قال شكسبير يوما عن أوفيليا،‮ ‬وأدركت أني لا أحلم رغم أن ذلك كله كان في المنام،‮ ‬ودون الناس جميعا جلست قريبا مني لتآكل،‮ ‬ولم أعد أري من الناس أحدا‮. ‬أجل ياسيدي لم اكن أحلم،‮ ‬رغم أني صحوت فلم أجد الوادي ولا الناس‮.. ‬الحلم لا يكفي تفسيرا لسر وجودها في روحي وعقلي،‭ ‬لقد فكرت أني لابد أن أراها من جديد‮.. ‬هل ستصدقني حين اقول لك اني قابلتها بعد ذلك وأننا تحدثنا طويلا،‮ ‬وانها تركتني وودعتها؟ هل ستصدقني حين

اقول لك اني سألتها كيف سألقاك مرة أخري فقالت ستجدني حين تريد وسأجدك حين أري‮.. ‬هل ستصدقني يا سيدي إذا قلت لك منذ هذا اليوم صرت عاشقا للسفر وأركب الطائرات إلي كل البلاد وأجدها هناك في انتظاري،‮ ‬وتبتسم وأقول لا أستطيع أن أتاخر عنك،‮ ‬لقد سمعتك تناديني‮.. ‬هل جربت يا سيدي ان تمسك في يدك أنامل أبهي من الشمع المضيء‮. ‬هكذا أناملها ياسيدي التي اصبحت الآن اسافر وراءها كلما تحركت يدي مشتاقة تبحث عن اناملها المضيئة،‮ ‬أرجوك يا سيدي لا تقل لي أني لازلت احلم،‮ ‬ولا تقل لي انني أكتب قصصا خيالية فأنا أدمن القراءة من سنين طويلة ولا اغادرها إلي الكتابة ولا أريد‮. ‬أنا مؤمن شديد الإيمان أن الكون يعدّل من قوانينه وحركته ويعطيك ما تريد إذا صدقت رغبتك‮. ‬والكون كله الآن يفعل ما أريد وماتريد هي أيضا‮. ‬لا تقل لي كيف نسافر حول العالم لنلتقي ونعود ولا يشعر أحد بغيابنا‮. ‬لا تقل إنني أحلم أو إنها تحلم،‮ ‬وإذا شئت اليقين سألقاك يوما وستكون قد سبقتني اليك تنتظرني‮".‬

هذه رسالة عجيبة وصلتني علي الايميل منذ أكثر من شهر،‮ ‬لا أعرف صاحبها ولا يبدو من الإيميل أي اسم له‮.. ‬عدة حروف انجليزية بينها أرقام كأنها السحر‮. ‬تأخرت هذا الشهر في الرد عليه،‮ ‬عاد وأرسلها لي أكثر من مرة،‮ ‬ولم اعرف حتي الآن كيف ارد عليه،‮ ‬لكني وجدت نفسي أقراها في كل مرة يعيد إرسالها،‮ ‬وبعد كل قراءة أفكر في عذاب المحبين الكبار في التاريخ وأسال نفسي كيف مازال في هذا العالم من يحب كل هذا الحب،‮ ‬وهاأنذا أنشر الرسالة رغم أنه قد خصني بها،‮ ‬ربما تمنحنا شيئا من البهجة،‮ ‬رغم عنه وهو الشخص المجهول حرك في تعاطفا شديدا معه هو الذي يقول انه لا يحلم،‮ ‬والحقيقة أن حبيبته ليست بين يديه‮.. ‬علي الأقل مادام يرسل لي هذه الرسالة ويصر عليها‮.. ‬من يدري ربما يقرأ هذا المقال ويبتهج،‮ ‬وفي كل الأحوال أحسده لأنه استطاع أن يرتفع بنفسه عن كل ما حوله من صغائر قضايا الحياة والمجتمع‮.. ‬عاشق حقيقي افتقدته الحياة والابداع علي تنوع أجناسه من رواية أو قصة أو شعر‭.‬

[email protected]