بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

مصر وروسيا.. (3)

واقع الأمر أن العلاقات المصرية الروسية لم تكن مقطوعة قبل التقارب الأخير، غير أن أهمية خاصة تنم عنها صيغة (2+2) فى زيارة وزيرى خارجية ودفاع روسيا لمصر مؤخراً، والتى حملها البعض فوق ما تطيق من آمال لا ينبغى أبداً الركون إليها طويلاً دون تخطيط استراتيجى يحقق التوازن المطلوب للعلاقات المصرية على الساحة الدولية.

من جهة أخرى، فإن كل تطور فى العلاقات المصرية الروسية، ينبغى تناوله فى سياقه الإقليمى والدولي؛ ذلك أن حالة السيولة التى تمر بها المنطقة، ومحاولات إعادة تشكيل المواقف والاتجاهات، ترفع من أهمية عودة الدور الإقليمى لمصر، بوصفها دولة معنية برسم التوجه الإقليمى عبر تاريخها الطويل؛ ومن ثم فإن الارتماء فى أحضان الدب الروسى يُهدر الأهمية البالغة للدور المصرى فى المنطقة، حيث تتعدد حسابات المخاطر والمغانم على صعيد الأمن القومى المصري.  من هنا فإن رؤية موضوعية، تضع المصالح المشتركة على قمة أولويات العلاقات الدولية، لابد وأن تشير إلى قصور ينتاب كل توجه من شأنه ترويج الدور الروسي، باعتباره البديل الطبيعى عن الدور الأمريكى فى المنطقة، خاصة وأن الوزن النسبى للدولة المصرية، لا يتيح للقوة الأمريكية إزاحة مصر من منظومة الأمن القومى الأمريكي. فليس من شك أن الدب الروسى لا يمكنه النهوض بأعباء حقبة الحرب الباردة، التى كلفت «الاتحاد السوفيتى» سابقا الكثير مما لم تعد روسيا قادرة على الاستمرار فيه الآن، فليست روسيا على استعداد، اقتصادى وعسكري، لاتخاذ مواقف تجابه بها الزعامة الغربية للنظام الدولى بقيادة الولايات المتحدة، خاصة وقد أظهرت النهاية الدرامية للاتحاد السوفيتي، كم كان عملاقاً عسكرياً، تختبئ بداخله دولة

نامية من الناحية الاقتصادية والسياسية.
وإذا كانت المعايير المتعارف عليها فى قياس القوة الشاملة للدولة، لم تعد تكتفى بالقدرات العسكرية، ولم يعد بمقدورها التوقف طويلاً أمام المساحة وعدد السكان، وغير ذلك من العناصر التقليدية، فإن التقدم الاقتصادى الذى حققته روسيا، لا يبرر صعودها إلى مناطحة القوة العظمى فى العالم، فما زال الاقتصاد الروسى يعتمد فى جانبه الأعظم على تصدير المواد الأولية، ويفتقر إلى تقدم تكنولوجى يجعل منه منافساً حقيقياً على الساحة الدولية. ويظل العنوان الأبرز فى التجربة الروسية، بين الصعود والهبوط على مقياس القوة، وثيق الصلة بعدم نضوج التجربة الديمقراطية فى روسيا إلى الحد الذى يجعل منها حاملة لكثير من القيم السياسية المنوط بها تحقيق تنمية مجتمعية شاملة وفق المعايير الحديثة.
فلتكن التجربة الروسية ماثلة أمامنا ونحن بصدد تأسيس دولتنا الحديثة الديمقراطية، لنصنع تقدمنا بإرادتنا أولاً، وفق منظومة القيم الحاكمة لحركة المجتمعات المتحضرة، فقد صدق عملاق الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر «ليو توليستوى» ... «الجميع يفكّر فى تغيير العالم، لكن لا أحد يفكّر فى تغيير نفسه».! 

«الوفد»