بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ورد الجناين

سعدت جدا عندما دعاني الصديق محمد الغيطي لحضور مسرحيته‮ »‬ورد الجناين‮«‬،‮ ‬التي تعرض علي مسرح السلام،‮ ‬فالدعوة جاءت في وقتها حيث أنني‮ ‬غرقت منذ تنحي الرئيس مبارك في القراءة والكتابة عن قضايا الفساد،‮ ‬وورد الجناين ستكون فرصة لكي أطهر نفسي من مناخ هذه الملفات الذي كاد أن يصيبني بحالة من الكآبة،‮ ‬كما أنها فرصة كذلك لكي أعيد الشعرة التي كادت أن تنقطع مع الحياة الثقافية،‮ ‬ومحاولة لكي استدعي ذهنيتي وذاكرتي الفنية،‮ ‬فمنذ سنوات لم أجلس أمام خشبة مسرح أتابع عملا لأحد كتابنا أو مخرجينا الكبار أو حتي الشباب،‮ ‬ولا أخفي عليكم انتابتني حالة من الذعر عندما جلست أمام الخشبة،‮ ‬قلت ربما ذاكرتي قد صدأت ولن استطع التواصل مع العمل،‮ ‬لكن بعد أن أطفئت الأنوار وبدأت ورد الجناين بمشهد الشهداء خفق قلبي بشدة وسحبتني مشاهد الغيطي التي انتقاها بحرفية وحساسية عالية من يوميات ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬ورد الجناين مجموعة مشاهد أو لحظات قبض عليها الغيطي عندما كان ينزل ميدان التحرير،‮ ‬تصور مشاعر أطياف الشعب المصري تجاه نظام الحكم،‮ ‬لماذا ثار الفلاح والمهندس والعامل والمدرس؟،‮ ‬لماذا خرج الشاب والمسن والمرأة والفتاة؟،‮ ‬لماذا توحد المصريون المسلم والمسيحي؟،‮ ‬لماذا ثار الفقير والغني؟،‮ ‬لماذا قالوا‮: ‬الشعب يريد اسقاط النظام؟،‮ ‬مشاهد ورد الجناين جاءت كمحطات تبدأ من الشهداء وتنتهي إلي الاستشهاد،‮ ‬ما بين المشهدين نتعرف علي شخصيات ليست من النخب ولا المشاهير ولا من يسمون بالرموز أو المفكرين،‮ ‬شخصيات تقابلها يوميا في المواصلات والعمل والشارع والمسجد والكنيسة والسينما والكافيه والجامعة والسوق،‮ ‬قد لا تلتفت إليهم ولا يوجد بهم ما يميزهم أو ما يشد انتباهك،‮ ‬مثلك تماما مجرد عابرين يمرون هنا وهناك،‮ ‬هؤلاء في ميدان التحرير المغلق بأسوار الفساد والديكتاتورية والبلطجية،‮ ‬أقرب للسجناء‮ »‬سجناء الطونا لجان بول سارتر،‮ ‬وسكة السلامة لسعد الدين وهبة‮« ‬الذين يتصلون بالعالم الخارجي‮ »‬خارج الميدان‮« ‬عبر الفضائيات،‮ ‬ويصطفون في جبهة واحدة عندما يحاول رجال النظام وبلطجيته اختراق أو هدم أسوار السجن‮ / ‬الميدان،‮ ‬هؤلاء في لحظات الانتظار والراحة يجلسون ويتسامرون،‮ ‬وفي لحظات اليأس يتعرون نفسيا،‮ ‬يفضفض كل منهم ويجتر بعض من سيرته وأزمته،‮ ‬لماذا جاء؟،‮ ‬ولماذا سيظل؟،‮ ‬والمدهش في سجناء التحرير أو الذين سجنوا أنفسهم في الميدان،‮ ‬أنهم

تطبعوا بأخلاقيات الميدان،‮ ‬فقد أضفي عليهم السجن الارادي سلوكياته،‮ ‬وعلمهم كيف يتعايش ويتعامل كل منهم مع الآخر،‮ ‬الآخر الذي يحمل ثقافة أو أيديولوجية أو عقيدة أو ملة أو عادات مختلفة،‮ ‬سجن التحرير جعل من سجنائه لبعض الوقت‮ »‬فترة البقاء في الميدان‮« ‬يعيشون حياة مختلفة لها ثقافة وعادات وقاموس ورؤية مختلفة ومضادة وربما مشابهة بعض الشيء لشخصيتهم،‮ ‬سجن التحرير جعلهم يرتدون أجسادًا ويتبنون هوية شخصيات لم تكن بداخلهم ولم يسعفهم خيالهم علي تصويرها،‮ ‬بعض السجناء استشهدوا علي شخصياتهم الجديدة،‮ ‬ماتوا علي أخلاق الميدان،‮ ‬وبعضهم بعد التنحي خرج من الميدان إلي حياته وسلوكياته وعاداته وقاموسه واحتياجاته الطبيعية،‮ ‬وقبل خروجه خلع علي بوابة الميدان معظم ملامح شخصية الآخر التي ارتداها لبعض الوقت،‮ ‬ورد اليسامين صور مشاهدها وعبر عن مشاعرها بعض الشخصيات التي نحبها ونثق في قدراتها وتاريخها الفني الجميل،‮ ‬مثل القدير جمال إسماعيل،‮ ‬والمبدع محمود مسعود،‮ ‬ورد الجناين نبهتنا إلي بعض الشخصيات تتوقع لها مستقبلا باهرا،‮ ‬مثل ياسر الطوبجي الذي ننتظره في عالم الكوميديا،‮ ‬ومثل ميار الغيطي التي يشعرك أداؤها هي وإيمان أيوب أنهما بناتك بشقاوتهما وأدائهما السهل،‮ ‬ورد الجناين تجعلك تنتظر ظهور حسام فياض،‮ ‬وباسم شريف،‮ ‬وأكرم وزيري،‮ ‬ونائل علي،‮ ‬وأسامة رؤوف،‮ ‬وحسام حمدي،‮ ‬وخالد نجيب في أعمال أخري تظهر قدراتهم أكثر،‮ ‬ورد الجناين نبهتنا إلي هاني عبدالمعتمد كمخرج واعد،‮ ‬نجح رغم فقر الامكانيات وضيق الوقت أن يبعدنا عن فخ العمل التسجيلي،‮ ‬ويضعنا في مناخ وأخلاقيات شهداء ميدان التحرير‮.‬

 

[email protected]