بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الديمقراطية بين‮ »‬الخيال السياسي‮« ‬و»الواقع العبثي‮«‬

كنت قد كتبت هذا المقال قبل إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب،‮ ‬وقد تركت لخيالي العنان لأتصور نتائج ديمقراطية حقيقية،‮ ‬هي مع هذا النظام مستحيلة تماما،‮ ‬لدرجة أنها لو حدثت،‮ ‬حتي في الخيال،‮ ‬لتوقف معها حال البلد بسبب عجزنا عن التعاون من ناحية،‮ ‬ولاستحالة تداول السلطة من ناحية أخري،‮

 ‬ومن ناحية ثالثة‮: ‬لغياب ما يسمي‮ »‬سياسة‮« ‬عن وعينا الشعبي الفاعل بعد أن استغنوا عن خدماته إلي هذه الدرجة حتي كاد يشَلّ‮!.. ‬ولسبب‮ ‬غير مقصود لم يظهر المقال في حينه،‮ ‬واستجابةً‮ ‬لطلب رئيس التحرير الذي تفضل بالاتصال بي رحت أحدِّثُ‮ ‬المقال المختفي لأعيد إرساله،‮ ‬فلاحظت أنني أنهيته كما يلي‮: ».. ‬أقترح‮: ‬حل هذا البرلمان‮ (‬الخيالي‮) ‬غير المتجانس باعتباره ضد روح الدستور‮«‬،‮ ‬ويشترط في انتخابات المجلس الجديد أن يلتزم مرشحو الحزب الوطني أن يحصلوا علي الأغلبية المطلقة جدا الساحقة جدا،‮ ‬بأية طريقة،‮ ‬حتي لا يتكرر مثل هذا الإحراج‮.‬

ويبدو أن اقتراحاً‮ ‬خيالياً‮ ‬قد نفذ بحذافيره في خلال أيام،‮ ‬وأن الحكومة والأمن والحزب الوطني قاموا باللازم،‮ ‬فجاءت النتيجة كما تعلمون،‮ ‬وهكذا قُهِرَ‮ ‬خيالي،‮ ‬وانتهي الإشكال من بدايته وكفي الله نواب المجلس شغب الاختلاف،‮ ‬ووقي الحكم والحكومة خطر تداول السلطة،‮ (‬ولا مؤاخذة‮).. ‬وهكذا ثبت أن‮ »‬الواقع‮« ‬المر هو أكثر شطحا من‮ »‬الخيال السياسي‮«.. ‬ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‮.‬

نص الخيال السياسي‮:‬

اكتشفت أن النور الذي أضاء الحجرة فجأة يأتي من التليفزيون وليس من‮ »‬الأباجورة‮« ‬المجاورة،‮ ‬فانتبهت نصف نصف،‮ ‬وإذا بالمذيع يذيع النشرة الجوية،‮ ‬ودرجات الحرارة المتوقعة خلال اليومين التاليين ثم إذا به يذيع أرقاما أخري تبينت بصعوبة أنها النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب‮.‬

حاولت أن أطفئ الشاشة بالريموت،‮ ‬فأبت ووصلني صوت المذيع وهو يعلو تدريجيا بإصرار قائلا بصوت لا يخلو من شماتة،‮ ‬وإن حاول أن يخفيها‮:‬

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب،‮ ‬وقد جاءت مفاجأة بكل المقاييس وكانت علي الوجه التالي‮: ‬

الوطني‮: ‬152‮ ‬مقعداً‮.‬

الوفد‮: ‬101‮ ‬مقعد‮.‬

التجمع‮: ‬68‮ ‬مقعداً‮.‬

الناصري‮: ‬54‮ ‬مقعداً‮.‬

الغد‮: ‬11‮ ‬مقعداً‮.‬

نهضة مصر‮: ‬ثلاثة مقاعد‮.‬

الأمة‮: ‬مقعد واحد‮.‬

المستقلون والمحظورة‮ (‬وأحزاب أخري‮): ‬118‮ ‬مقعداً‮.‬

ثم أضاف المذيع أن الحزب الوطني الديمقراطي قد استغرب جدا جدا،‮ ‬وأن أمريكا فرحت أيضا جدا،‮ ‬لكنها كتمت فرحتها،‮ ‬فلم يصرح أي مسئول أمريكي محترم بأي تصريح يدل علي أنها نجحت في مهمتها،‮ ‬ربما خوفا من الحسد،‮ ‬أو من الفوضي الخلاقة‮.. ‬وقد أرسل رؤساء جامعة الدول العربية‮ (‬وليس رؤساء الدول العربية‮) ‬يهنئون بعضهم بعضا علي انتصار الديمقراطية في الشقيقة الكبري،‮ ‬وطمأنوا بعضهم البعض أن هذا الانتصار لا يخيف أحدا،‮ ‬وأنه لا يعني أي احتمال لانتشارها في ربوع البلاد العربية،‮ ‬لأنه مادامت الشقيقة الكبري تتمتع بكل هذه الديمقراطية،‮ ‬فإن هذا يكفي لإقناع الدول الكبري المصابة بوسواس نشر الديمقراطية بالعافية،‮ ‬إن ممارسة الديمقراطية فرض كفاية،‮ ‬إذا قام به البعض سقط عن الباقين‮!! (‬ولم تعلن الشعوب العربية عن موقفها لعدم الاختصاص‮).. ‬وهكذا لاح الأمل في التغيير،‮ ‬لكن لكي يتحقق التغيير لابد أن تكون هناك وزارة،‮ ‬ولكي تكون هناك وزارة لابد أن يكون هناك وزراء لتشكيلها،‮ ‬فكيف يتم ذلك بهذه التركيبة التي لم نعتدها،‮ ‬وبرغم حكايات‮ »‬المواطنة‮« ‬و»قبول الآخر‮«‬،‮ ‬و»السماح من أهل السماح‮«‬،‮ ‬فإنه قد تعذر فعلاً‮ ‬تأليف الوزارة بأي ائتلاف توفيقي أو حتي تلفيقي،‮ ‬وكاد عائد هذه المعجزة التي حققتها الديمقراطية علي أرض واقع مصر بعد طول انتظار أن يضيع هباء‮.‬

سرح فكري بعيدا عن‮ »‬مصر النهاردة‮« ‬إلي‮ »‬مصر بكره‮«‬،‮ ‬فوجدتني مهموما أفكر في الإسهام في حل هذا المأزق،‮ ‬لعلني أكفر عن عدم إدلائي بصوتي،‮ ‬خطر ببالي خاطر شبه علمي،‮ ‬قررت أن أعرضه علي رئيس المجلس الجديد‮: ‬هو أن يطرح علي جميع السادة النواب عددا من الأسئلة ذات الإجابات المتعددة،‮ ‬التي يمكن من خلال نتائجها أن نصل إلي نسبة من التجانس،‮ ‬تسمح بتشكيل أية وزارة والسلام ولو حفاظا علي شكل الدولة الحديثة‮.‬

وفيما يلي بعض تلك الأسئلة التي خطرت لي علي سبيل المثال لا الحصر‮.‬

السؤال الأول‮: ‬كم عدد المصريين حتي سن العشرين الذين حصلوا علي الشهادة الإعدادية وهم يفكّون الخط بالكاد؟‮ ‬

10٪‮ ‬أو أقل،‮ ‬30٪‮ ‬،‮ ‬50٪،‮ ‬60٪،‮ ‬80٪‮ ‬فأكثر؟

السؤال الثاني‮: ‬إذا كانت إجابتك علي السؤال الأول‮ ‬50٪‮ ‬فأكثر فكيف نقلل هذا العدد؟

بتقليل عدد الفصول‮. ‬

بتقليل عدد تلاميذ كل فصل‮. ‬

بزيادة مرتبات المدرسين‮. ‬

بإغلاق المدارس وإعطاء‮ »‬بدل نقدي‮«

‬لكل أسرة،‮ ‬وهم وشطارتهم‮. ‬

بالاكتفاء بتعليم القراءة بطريقة‮ »‬برايل‮«.‬

السؤال الثالث‮: ‬ما هي أولويات المناطق الأحق بتوزيع نصيبنا من مياه النيل بعد أن نحصل علي ما يكفينا بمشيئة الله،‮ ‬وبعد استعادة الثقة بالجيران الطيبين؟

أ‮ - ‬سيناء‮.‬

ب‮ - ‬توشكي‮.‬

جـ‮ - ‬الساحل الشمالي‮.‬

د‮ - ‬حدائق القري السياحية والمنتجعات المغلقة‮.‬

هـ‮ - ‬الصحراء الغربية‮.‬

السؤال الرابع‮: ‬ما هي أولويات البحث العلمي الأوْلي بالرعاية والانفاق في مصر؟

أ‮ - ‬أبحاث توفير الطاقة‮.‬

ب‮ - ‬أبحاث تطوير مدي الصواريخ العابرة لمعاهدة السلام‮.‬

جـ‮ - ‬أبحاث تفجير الطاقات الإبداعية في المراهقين والشباب‮.‬

د‮ - ‬أبحاث تحلية مياه البحر الأبيض‮.‬

هـ‮ - ‬أبحاث تحلية مياه البحر الأحمر‮.‬

السؤال الخامس‮: ‬ما الذي يمنع الغش في امتحان الشهادات الإعدادية،‮ ‬في الصعيد خاصة؟

أ‮ - ‬تثقيف الشباب دينيا حتي يذكّروا أهلهم أن الغش حرام‮. ‬

ب‮ - ‬منع المدرسين الذين يعطون الدروس الخصوصية من المراقبة في لجان الامتحان‮. ‬

جـ‮ - ‬منع المصورين الصحفيين من تصوير دموع البنات والأمهات أثناء امتحانات الثانوية العامة‮.‬

د‮ - ‬وضع كاميرات مراقبة تصور محتوي‮ »‬البرشام‮« ‬الذي ينقل منه الطلبة الإجابات‮.‬

هـ‮ - ‬الدعاء علي من يغش أو يغشش أن‮ »‬يروح النار‮«.‬

السؤال السادس‮: ‬ما هي الطرق الأكثر ملاءمة لتوفيره مياه الري للزراعة؟

أ‮ - ‬الري بالتنقيط‮. ‬

ب‮ - ‬دعاء الاستسقاء‮. ‬

ح‮ - ‬الري بالرش‮. ‬

د‮ - ‬تقليص الرقعة الزراعية‮. ‬

هـ‮ - ‬الري بمياه الصرف‮.‬

السؤال السابع‮: ‬كيف نحل مشكلة البناء في الأرض المخصصة للزراعة؟

أ‮ - ‬بأن تزيد مساحة زراعة الأرز حتي لا يتمكن المخالف من وضع الأساسات‮.‬

ب‮ - ‬أن ننقل كوردون القري إلي أقرب صحراء‮.‬

جـ‮ - ‬أن نلزم أي مبني يقام بطريقة‮ ‬غير مشروعه أن يزرع صاحبه فوق سطحه نباتات بنفس مساحة الأرض‮.‬

د‮ - ‬أن نصعب خطوات الزواج من الأقارب‮.‬

هـ‮ - ‬أن نزيد من مصانع الأسِرَّة ذات الدورين والثلاثة‮.‬

السؤال الثامن‮: ‬متي يمكن أن نتخلص من الالتزمات السلبية في معاهدة السلام مع الاحتفاظ بمزاياها؟‮ ‬

أ‮ - ‬حين نمتلك القنبلة الذرية‮.‬

ب‮ - ‬حين نجند النساء‮. ‬

جـ‮ - ‬حين يحذق‮ ‬40٪‮ ‬من المواطنين حرب الشوارع وحرب العصابات‮.‬

د‮ - ‬حين نمحو الأمية‮.‬

هـ‮ - ‬حين تموت قصيدة النثر‮. ‬

وحتي لا يتأخر تشكيل الوزارة،‮ ‬وإلي أن نعرف نموذجا،‮ ‬أقترح مرحليا حل هذا البرلمان‮ ‬غير المتجانس،‮ ‬باعتباره ضد روح الدستور الذي ينص أن تكون لأي بلد ذات سيادة دولة تحكمها مهما كان الخلاف‮.. ‬ويشترط في انتخابات المجلس الجديد أن يلتزم مرشحون الحزب الوطني أن يحصلوا علي الأغلبية المطلقة الساحقة جدا جدا بأية طريقة،‮ ‬حتي لا يتكرر مثل هذا الإحراج‮. ‬

وبعد‮..‬

انتهي مقال الخيال السياسي،‮ ‬وظهر الواقع العبثي وهو يخرج لسانه لكل معقول،‮ ‬وكل لامعقول‮!‬

لكن يبدو أن للخيال فائدة،‮ ‬إذْ‮ ‬ماذا لو طرحنا نفس هذه الأسئلة علي نواب الحزب الوطني الناجحين بالسلامة؟‮.. ‬أظن أننا سنري الدموع تنساب من عيونهم الرقيقة،‮ ‬وهم وأهلهم يحتجون لأن هذه الأسئلة جاءت‮ »‬من خارج المقرر‮«.. ‬فما هو المقرر بالضبط؟