بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

‬إهدار المال العام في‮ ‬قصر العيني


انتهي‮ ‬عصر الفساد وبقت أذنابه،‮ ‬وعلي‮ ‬الرغم من قيام ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير من أجل إعادة تصحيح الأوضاع في مختلف المؤسسات،‮ ‬إلا أن الضباب مازال‮ ‬يحجب الرؤية عن العديد من قضايا الفساد التي‮ ‬لم تفتح بعد،‮ ‬و العديد من الشخصيات التي‮ ‬لم ترها عيون العدالة،‮ ‬وللأسف تم منح الكثير من هؤلاء الثقة للعبور بنا هذه الفترة الحرجة رغم عدم كفاءاتهم‮.‬

والقضية التي‮ ‬بين أيدينا هي‮ ‬أجهاض لحلم نزلاء قصر العيني‮ ‬في‮ ‬توفر أسطوانات الأكسجين للحالات الحرجة التي‮ ‬تتعلق بالثواني‮ ‬والدقائق لإنقاذها،‮ ‬كما أنها إهدار للمال العام من أجل تحقيق مصالح شخصية من وراء ستار المرض دون مراعاة لاستغاثات وتوسلات المرضي المستمرة‮.‬

‮»‬الوفد‮« ‬حصلت علي‮ ‬مستندات خطة تكهين مصنع الأكسجين ومعداته الموجودة بقصر العيني‮ ‬القديم والذي‮ ‬يعتبر قبلة لآلاف المرضي‮ ‬من المحتاجين الذين لا‮ ‬يجدون أمامهم باباً‮ ‬آخر للذهاب إليه عند مرضهم،‮ ‬ولعب دور البطولة في‮ ‬هذه الخطة الهزلية الدكتور‮ »‬أشرف حاتم‮« ‬وزير الصحة الحالي‮ ‬الذي كان‮ ‬يشغل وقتها منصب مدير عام المستشسفيات الجامعية،‮ ‬والمهندسة‮ »‬فريدة محمد محمود‮«.‬

مدير عام الشئون الهندسية بقصر العيني،‮ ‬حيث سعا الاثنان للسيطرة علي‮ ‬معدات المصنع وبيعها للتجار الخردة الذين لا‮ ‬يستبعد أن‮ ‬يكونوا تابعين لهم من الباطن،‮ ‬والإصرار علي شراء أسطوانات الأكسجين للقصر من المصانع الخارجية التي‮ ‬من المحتمل أن تكون مملوكة لهم أيضاً،‮ ‬لتنتهي‮ ‬المسرحية بتكهين المصنع الذي تكلف إنشاؤه أكثر من نصف مليون دولار في‮ ‬أوائل التسعينيات من القرن الماضي‮.‬

في‮ ‬عام‮ ‬1990‮ ‬أهدي‮ ‬خادم الحرمين الشريفين الملك‮ »‬فهد بن عبدالعزيز‮« ‬مصنعاً‮ ‬لإنتاج‮ ‬غاز الأكسجين‮ - ‬بمعدات أمريكية الصنع‮ - ‬لمبني‮ ‬قصر العيني القديم أثناء زيارته له،‮ ‬بتكلفة تزيد علي‮ ‬نصف مليون دولار وقتها لسد احتياج المبني‮ ‬من أسطوانات الأكسجين‮.‬

وبالفعل قامت وزارة الصحة بإنشاء مبني‮ ‬مخصص له داخل محيط القصر،‮ ‬وخلال هذه الفترة تم إرسال مدير الشئون الهندسية بقصر العيني إلي‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية للحصول علي‮ ‬دورة تدريبية في طريقة تشغيل وصيانة المصنع،‮ ‬ومن ثم إعداد جيل جديد من الكوادر المصرية للاعتماد عليهم بعد ذلك في‮ ‬إدارة المصنع دون الاستعانة بالخبرة الأمريكية‮.‬

مكونات المصنع

يتكون المصنع من عدد كبير من الأجهزة المستوردة‮ - ‬أمريكية الصنع‮ - ‬تتميز بدرجة كبيرة من التقنية الحديثة التي‮ ‬تسعي‮ ‬وزارات الصحة في‮ ‬مختلف دول العالم لامتلاكها نظراً‮ ‬لقدرتها العالية علي‮ ‬إنتاج عدد كبير من أسطوانات الغاز في‮ ‬وقت قياسي،‮ ‬وهي عبارة عن‮: ‬

‮- ‬عدد اثنين وحدة فصل الغازات‮.‬

‮- ‬عدد اثنين ضاغط هواء‮ ‬gear comp‮ ‬ساعة تقريباً،‮ ‬600م سعة‮.‬

‮- ‬عدد اثنين ضاغط هواء فردي‮ ‬سعة‮ ‬60م‮/ ‬ساعة‮.‬

‮- ‬عدد اثنين وحدة مجفف بضاغط فريون قدرة‮ ‬7‭.‬5‮ ‬حصان‮.‬

‮- ‬عدد اثنين‮ ‬poosteer pump‮.‬

‮- ‬عدد واحد وحدة تحكم وتشغيل‮.‬

‮- ‬عددة واحد وحدة مليء أسطوانات‮.‬

‮- ‬عدد ستة تنك مختلف السعات من‮ ‬1000‮ - ‬3000‮ ‬تقريباً‮.‬

‮- ‬عدد اثنين مجموعة فلاتر‮.‬

إنتاجية المصنع

القدرة الإنتاجية للمصنع تقدر بـ‮»‬120م/س‮« ‬أي‮ ‬ما‮ ‬يوازي‮ ‬17‮ ‬أسطوانة أكسجين في‮ ‬الساعة،‮ ‬وبما‮ ‬يكفي‮ ‬لإنتاج‮ ‬308‮ ‬أسطوانات في‮ ‬اليوم الواحد في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬لا‮ ‬يستهلك فيه قصر العيني سوي‮ ‬100‮ ‬أسطوانة‮ ‬يومياً‮ ‬فقط‮.‬

خطة تكهين المصنع

في‮ ‬منتصف عام‮ ‬2007م بدأ مخطط الدكتور‮ »‬أشرف حاتم‮« ‬وزير الصحة الحالي‮ ‬والذي كان‮ ‬يشغل وقتها منصب مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة‮ - ‬وكان له اليد الطولي في‮ ‬القضاء علي‮ ‬المصنع وبيعه‮ - ‬والمهندسة‮ »‬فريدة محمد محمود‮«‬،‮ ‬مدير عام الشئون الهندسية بقصر العيني،‮ ‬لتصفية المصنع لأسباب‮ ‬غير معلنة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يسمح لأي‮ ‬فرد من داخل المبني‮ ‬بالاستفسار عنها،‮ ‬ومرت عملية التصفية بعدة مراحل‮:‬

- ‬في‮ ‬27‮ ‬يوليو‮ ‬2007م كثرت الإدعاءات بوجود أعطال في أجهزة وماكينات المصنع بالرغم من عدم بدء العمل بها وتم تكهين بعض الأجهزة،‮ ‬وتحملت الإدارة المالية بالقصر مبلغ‮ ‬27‮ ‬ألف جنيه دفعتها إلي‮ ‬شركة‮ »‬عزام‮« ‬للإنشاءات قيمة نقل وتكهين آلات المصنع‮.‬

‮- ‬في‮ ‬18‮ ‬أكتوبر‮ ‬2007‮ ‬وبعد ثلاثة شهور فقط من العملية الأولي‮ ‬أصدر الدكتور‮ »‬أشرف حاتم‮« ‬قراراً‮ ‬يقضي‮ ‬بفك المصنع ونقل أجزائه في‮ ‬العراء إلي‮ ‬جوار ماكينة المياه الموجودة في‮ ‬فناء قصر العيني دون اتخاذ أي‮ ‬إجراءات لحماية الأجهزة التي‮ ‬لم تعمل بعد‮ »‬زيرو‮« ‬تمهيداً‮ ‬لبيعها لتجار الخردة،‮ ‬وقام مدير عام المستشفيات بصرف مكافأة خاصة للعمال الذين شاركوا في‮ ‬نقلها‮.‬

ثم قامت مديرة الشئون الهندسية بعمل كراسة شروط لبيع ما تبقي من أجزاء المصنع بنظام‮ »‬لوط‮« ‬وتم تحديد جلسة المزاد العلني للبيع في‮ ‬يومي‮ ‬18‮ ‬و19‮ ‬مارس وهو نفس‮ ‬يوم إجراء الاستفتاء علي‮ ‬التعديلات الدستورية وتمت إقامة الجلسة داخل الحرم الجامعي‮ ‬لجامعة القاهرة‮.‬

التقرير الاستشاري

اتخذ القائمون علي‮ ‬بيع وتكهين المصنع من تقرير صادر عن مكتب‮ »‬الاستشارات الهندسية طوق النجاة لتنفيذ مخططهم في‮ ‬القضاء علي‮ ‬المصنع ليس بهدف تحقيق مصالح شخصية لهم والإضرار بالصالح العام،‮ ‬علي الرغم من احتواء هذا التقرير علي العديد من التناقضات،‮ ‬حيث جاء فيه‮: ‬أن المحطة لا تعمل حالياً‮ ‬وقطع الغيار‮ ‬غير متوفرة بالسوق المحلية وأنه فشل في‮ ‬الوصول إلي‮ ‬الشركة الأم أو الاستدلال عليها،‮ ‬كما زعم التقرير عدم جدوي إصلاح المعدات التالفة،‮ ‬حيث إن الطرازات المستخدمة قديمة والإصلاح الفني‮ ‬فيها لا‮ ‬يفيد،‮ ‬وأنه في‮ ‬حالة الإصلاح سيتم استبدال العديد من المكونات الأصلية بنسبة لا تقل عن‮ ‬55٪‮ ‬من قيمتها،‮ ‬وتكلفتها بسعر السوق لا تقل عن‮ ‬800‮ ‬ألف جنيه‮ »‬تكلفة استشارية‮«‬،‮ ‬وحدد نفس التقرير سعر الصيانة والتشغيل للمحطة بـ50‮ ‬ألف جنيه سنوياً،‮ ‬وافترض ساعات العمل بأربع ساعات فقط‮ ‬يومياً،‮ ‬وحدد أيام السنة بـ300‮ ‬يوم،‮ ‬وبالتدقيق في‮ ‬هذا التقرير‮ »‬الملاكي‮« - ‬وبعد عرضه علي‮ ‬أكثر من مهندس في‮ ‬نفس التخصص‮ - ‬تبين أنه‮ ‬يحتوي‮ ‬علي‮ ‬العديد من الأخطاء والتناقضات أهمها‮:

‬أن صدارة التقرير قطعت بعدم توفر قطع الغيار بالسوق المحلي ثم حددت فيها بعد قيمة استبدال قطع الغيار سنوياً‮ ‬بمبلغ‮ ‬50‮ ‬ألف جنيه‮. ‬والسؤال هو‮: ‬من أين سيتم شراء قطع الغيار إذا كانت‮ ‬غير متوفرة كما ذكر التقرير في‮ ‬بدايته؟ خاصة أنه أكد علي‮ ‬عدم الاستدلال علي‮ ‬عنوان الشركة الأم؟‮! ‬ثم ذكر التقرير أن سعر الصيانة والتشغيل سوف تكلف الإدارة مبلغ‮ ‬50‮ ‬ألف جنيه سنوياً‮ ‬علي‮ ‬الرغم من أنه أكد أن آلات المصنع لا تخضع للصيانة،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬إرسال مهندس من الإدارة الهندسية إلي‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية للتدريب علي‮ ‬تكنيك الصيانة،‮ ‬وعاد بشهادة معتمدة تؤكد قدرته علي‮ ‬إدارة المصنع‮.‬

وبني‮ ‬التقرير نتائجه علي‮ ‬افتراض أن ساعات العمل أربع ساعات فقط‮ ‬يومياً،‮ ‬وأن أيام العمل السنوية‮ ‬300‮ ‬يوم فقط،‮ ‬فلماذا لم‮ ‬يفترض عدد ساعات العمل أكبر من ذلك؟ خاصة أنه من المسلم به انخفاض تكلفة الإنتاج كلما زادت ساعات العمل‮.‬

‮"شرف‮" ‬والأزمة

استغاث عدد من المهندسين بالإدارة الهندسية لقصير العيني بالدكتور‮ »‬عصام شرف‮« ‬رئيس مجلس الوزراء لسرعة التدخل لوقف بيع المصنع وتكهينة قبل انعقاد مزاد البيع الذي كان مقراً‮ ‬عقده‮ ‬يوم الاستفتاء علي‮ ‬التعديلات الدستورية لاستغلال انشغال الجميع بمن فيهم المسئولون،‮ ‬كما استغاثوا بالدكتور‮ »‬عمرو سلامة‮« ‬وزير التعليم العالي‮ ‬والبحث العلمي،‮ ‬وبالفعل استجاب الدكتور‮ »‬شرف‮« ‬لاستغاثتهم وأرسل مندوباً‮ ‬عنه للتحقيق في‮ ‬الأسباب الحقيقية وراء بيع المصنع،‮ ‬وأوهم المسئولون عن المزاد‮ »‬مندوبة شرف‮« ‬بوقف المزاد لحين الانتهاء من التحقيق وقاموا بإجراء المزاد سراً‮ ‬وإرسائه علي أحد المقربين المتفق عليهم من قبل،‮ ‬وبالفعل تم الانتهاء من بيع‮ ‬25‮ »‬لوط‮« ‬خردة بأسعار زهيدة،‮ ‬وواجه التاجر الذي اشتراه مشكلة إخراج الماكينات من المصنع بسبب ضيق مساحة أبوابه‮.‬

تكلفة أسطوانات الأكسجين

تم إجهاض مشروع إنتاج الأكسجين داخل قصر العيني‮ ‬والآن تشتري الإدارة المالية‮ ‬يومياً‮ ‬أسطوانات بقيمة خمسة آلاف جنيه بما‮ ‬يعادل‮ ‬1‭.‬8‮ ‬مليون جنيه سنوياً،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬تكلفة إنشاء ثلاثة تانكات‮ - ‬غير صحية‮ - ‬وضعت في‮ ‬شوارع المستشفي أمام مركز السموم وعنبر الحالات الحرجة وقسم النساء والتوليد‮.‬

استياء داخل الإدارة الهندسية

سادت حالة من الاستياء الشديد بين المهندسين الاستشارين بالإدارة الهندسية للقصر العيني بسبب بيع المصنع والقضاء عليه دون أسباب واضحة،‮ ‬وبدون تجريب الماكينات،‮ ‬وعلق أحدهم‮ - ‬رفض ذكر اسمه خوفاً‮ ‬من بطش مديرة الإدارة الهندسية التي‮ ‬ترتبط بعلاقة مباشرة مع وزير الصحة،‮ ‬بقوله‮: »‬القضاء علي‮ ‬مصنع الأكسجين قبل أن‮ ‬يبدأ العمل جريمة إهدار للمال العام لا تهدف إلا لتحقيق مصالح شخصية للقائمين علي‮ ‬عملية البيع،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه إهدار لحق كل نزلاء قصر العيني من المرضي،‮ ‬خاصة أن الشكوي‮ ‬المتكررة لهم هي‮ ‬عدم توفر أنابيب الأكسجين وتأخر وصولها مما‮ ‬يأتي‮ ‬بعواقب وخيمة لأن مريض ضيق التنفس من الممكن أن‮ ‬يفقد الحياة خلال لحظات‮.‬

وأضاف‮: ‬بيع المصنع‮ ‬يتسبب في‮ ‬العديد من الآثار السلبية للمستشفي‮ ‬منها‮:‬

‮- ‬من الناحية الاقتصادية سوف‮ ‬يعمل المصنع علي توفير مليوني جنيه سنوياً‮ ‬قيمة شراء أسطوانات الغاز من المصانع الخارجية،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬إمكانية بيع فائض الإنتاج،‮ ‬ومن ثم تشغيل عدد أكبر من العمالة الموجودة حالياً‮ ‬بالقصر،‮ ‬والتي‮ ‬لا تجد عملاً‮ ‬لها سوي الجلوس علي‮ ‬المكاتب لحين انتهاء مواعيد العمل الرسمية،‮ ‬ومن الناحية الاستراتيجية‮:‬

‮- ‬تفادي احتكار أصحاب مصانع إنتاج الأكسجين خاصة في‮ ‬الظروف الاستثنائية‮.‬

‮- ‬تلاشي أخطاء الإنتاج في‮ ‬المصانع الأخري‮ ‬والتي تأتي بآثار سلبية مؤكدة علي‮ ‬المرضي،‮ ‬وحدث ذلك بالفعل عندما تم شراء أسطوانات مملوءة بغاز‮ »‬نايروز‮« ‬المخدر بدلاً‮ ‬من الأكسجين مما كان سيتسبب في‮ ‬كارثة موكدة لولا التدخل السريع واكتشاف الخطأ‮.‬

‮- ‬إمكانية اختبار جودة إنتاجية المصنع خلال الفترة القصيرة للوصول إلي‮ ‬منتج أعلي‮ ‬كفاءة‮.‬

‮- ‬الاستغناء عن التانكات والتي‮ ‬تكلفت عشرات الآلاف من الجنيهات دون فائدة وتفادي‮ ‬خطورتها المؤكدة‮.‬