البقرة الحلوب!
غريب أمر بعض رجال الأعمال في مصر، يعرفون أن بلدهم يعاني اقتصاديا ولا يمدون أيديهم للإنقاذ، لم نلمس لديهم غيرة علي وطنهم وهم يقرأون ويسمعون الأنباء التي تشير إلي مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي والدول العربية والغربية للحصول علي قروض ومساعدات، لم نقرأ أن رجال الأعمال خرجوا بمبادرة لدعم الاقتصاد المصري بمليار أو خمسة مليارات جنيه من أموالهم التي ربحوها من عرق الشعب المصري، لم يصلنا سوي أن بعض رجال الأعمال طالبوا بزيادة الضرائب علي الدخل، وهذا توجه محمود منهم، في حين أن بعضهم فعل العكس، رفعوا أسعار السلع، وجولة في الأسواق المختلفة تدل علي ذلك، انظروا كيف ارتفعت أسعار الخضراوات بعد الثورة، وتجولوا في سوق الأجهزة الكهربائية وتابعوا حركة الأسعار، تجدوا أن قائمة الأسعار تتغير شهريا بمعدلات ترتفع من شهر إلي آخر بصورة غير مقبولة، وهناك فئة أخري من رجال الأعمال، هم أصحاب المدارس الخاصة الذين طالبوا بزيادة المصروفات، وكأنه لا يكفيهم الأموال الطائلة التي يحصلون عليها من أولياء الأمور والتي يفعلون المستحيل لتوفيرها.. وعندما اقترحت الحكومة فرض ضرائب علي الاستثمار في البورصة سارع رجال الأعمال إلي الرفض بقوة، خشية علي أموالهم من أن يصيبها النقصان، وكأن كل همهم زيادة ثرواتهم وتكدسها، أما مصلحة هذا البلد فإنها في ذيل اهتماماتهم، هذا إن وجدت لديهم نية لخدمة هذا البلد، لكن أفعالهم تدل علي أن النية غير موجودة، وأن نقيضها هو الموجود.
للأسف، طبيعة بعض رجال الأعمال في فترة ما بعد الثورة هي نفسها الطبيعة التي كانوا يتمتعون بها في فترة ما قبل الثورة، لم نسمع من بعضهم إلا أقوالا وسعيا للمشاركة في ميدان السياسة، أما المساهمة الاقتصادية ودعم البلاد ماديا فلم نجد منها شيئا.
بعض رجال أعمال هذا العصر يأتون علي النقيض من رجل عظيم بني لهذا البلد صناعة ضخمة في مجالات مختلفة، إنه طلعت حرب الذي أسس بنك مصر عام 1920 عن طريق اكتتاب المصريين، ومساهمتهم بمبلغ وصل إلي 80 ألف جنيه،
أرأيتم عظمة هذا الرجل؟ البنوك والشركات التي أنشأها حملت اسم "مصر" ولم ينسبها الرجل إلي نفسه، لأن وطنه كان في القلب، وما زال كثير من هذه الشركات يمثل عصب الاقتصاد المصري، والفاسدون في عصر "مبارك" سعوا إلي تخريبها وبيعها خردة للحصول علي الأموال والثروات.. بالمقارنة ببعض رجال الأعمال في هذا الزمان يبدو طلعت حرب عملاقا وفي قمة الوطنية، بني لمصر أمجادها وعصب حياتها، أما بعض رجال الأعمال المعاصرين فإن مصر ـ في نظرهم ـ بقرة حلوب يستفيدون بألبانها، وحسبنا الله ونعم الوكيل.