بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ضوء فى آخر النفق

يا عزيزى.. كلنا مخطئون!

 

 

 

ــ تحت ضغط رهيب، وشعور بمخاوف هائلة، ودراسة المواقف من كل زاوية، بما فيها وعلى رأسها التاريخ.. أدركت أننا كلنا مخطئون.. من أمريكا إلى آل صهيون.. ومن إثيوبيا إلى الصين! وسواء مُلِئ السد الإثيوبى أو لم يُملأ، نحن لن نفقد - ولن نسمح بفقدان - حقوقنا التاريخية فى مياه النيل الدولية. سواء تحلينا بالهدوء وبضبط النفس، أو خفضنا لهجة التصعيد والحسم، سواء لجأت إثيوبيا إلى الاتحاد الإفريقى - المتمهل جدًا.. جدًا - أو ذهبنا نحن أكثر من مرة إلى المحافل الدولية، لإبلاغ العالم كله بأن مصر هى بـ«الطبيعة» هبة النيل (كما يقول هيرودوت)، وبـ«التاريخ» هبة المصريين (كما يقول شفيق غربال) فى تعديل منى- بتواضع شديد- للمقولتين.

ــ فكر أنت (أنتم) فى هذين المعنيين: بالطبيعة.. وبالتاريخ.. أى بالضرورة وبالحتم.

ــ بالطبيعة نشأت الدولة المركزية المصرية منذ آلاف السنين على ضفاف هذا النيل..القدماء.. أجدادنا.. الذين يعرفهم العالم كله.. بنوا حضارتهم على ضفاف النيل.. وكل تاريخهم وتراثهم وحتى حضارتهم ارتبطت به.. فداخل المعابد البعيدة عن النيل، كانوا يربطونها به، فكان مؤشر مقياس النيل موجودا بداخلها، لمعرفة وقت حدوث فيضان النيل، ومقدار انخفاض منسوب المياه. كل شيء فى ماضينا القديم كان مرتبطًا بالنيل: الحياة..الحب.. الحرب.. الآلهة.. الزراعة.. التوسع.. الدولة نفسها وملوكها ومحاربيها. كل شيء كان مرتبطًا بالنيل.. ولا يزال.

ــ «فليحيا الإله الكامل، الذى فى الأمواه».. والأمواه جمع ماء (والأمواه فى معجم المعانى الجامع - بحسب معجم عربى) هذه ترنيمة دونها المصريون القدماء فى نصوصهم الأدبية تكشف عميق تقديرهم للنيل، بل يتمتع بما هو أكثر من ذلك.. يصل الأمر إلى حد القداسة. فهذا النيل يتجلى لهم كالإله. فى قلب النيل الغذاء والطعام والدواء وكل شيء.. «إيتروعا»- فى مصر القديمة ومعناها النهر العظيم - هو الأساس الذى اعتمدت عليه الحياة المادية والاجتماعية فى مصر».

ــ ديودور الصقلى المؤرخ اليونانى يشير إلى أن الملك «نيلوس» الذى أقام نهضة كبرى فى زمنه، شق الطرق والترع والقنوات، خلده المصريون فأسموا نهرهم باسمه.

ــ هو مصدر كل ابتكار.. هو شرعية كل الأشياء فى البلاد.. به تبدأ وبه تنتهى.. فمن ذا الذى يمكنه أن يخون النيل أو يفرط فيه؟ من ذا الذى يسقط شرعية ارتباطه بالنيل؟

ــ  الفرنسى نيقولا غريمال فى دراسته «تاريخ مصر القديم» يقول إن وجوده كان سببا فى إنشاء مجتمعات صغيرة على ضفتيه، واعتمد القدماء عليه فى الزراعة وصيد الأسماك، والحاجة أم الاختراع، لذلك ابتكروا القوارب كوسيلة للصيد والمواصلات.

ــ بحسب نص «الخروج إلى النهار (كتاب الموتى): فإن المصرى القديم يدون اعترافاته والتزاماته تجاه النهر المقدس : «لم أمنع الماء فى موسمه، لم أقم عائقا (سدا) أمام الماء المتدفق»، وفى نص آخر دون على جدران مقبرة «حرخوف» فى أسوان التزام أكثر تأكيدًا «أنا لم ألوث ماء النهر... لم أمنع الفيضان فى موسمه... لم أقم سدا للماء الجارى...»

ــ هكذا: الكل مخطئون.. فلا الحبشى ولا المصرى..ولا غيرهما يستطيع!