بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

تأملات

فلنأمل.. ختامًا مسكًا.. لأزمة «النهضة»!

على مدى نحو عشر سنوات تقريبًا، وبالتحديد منذ مارس 2011 احتلت أزمة سد النهضة أهمية أساسية لدى المصريين فى ضوء محورية النيل ومياهه فى حياة وتاريخ مصر. ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الأزمة ربما كانت أكبر خطر واجه البلاد بشأن النهر الخالد منذ أن ظهر اسم مصر على وجه الدنيا! غير أنه أخيرًا وبعد جهد جهيد يبدو أن الستار قد يتم إسداله على الأزمة بنهاية هذا الشهر باتفاق بدت ملامحه فى الأفق نأمل، أن يكون ختامًا مسكًا لقلق تواصل على مدار سنوات ما بعد ثورة يناير!

لقد تباينت مواقف المصريين على مدار عمر الأزمة كثيرًا واستفحل هذا التباين بعد 30 يونيه فى ضوء حالة الاستقطاب التى سادت بين قطاع كبير منهم على خلفية الإطاحة بحكم الإخوان. وإذا كان الموقف قد اتخذ فى مساعى التعاطى مع الأزمة شكل الدبلوماسية الشعبية فى الفترة التى سادت فيها حالة من السيولة على رأس الحكم خلال السنتين الأوليين من ثورة يناير، فقد كان موقف نظام مرسى به قدر من الخشونة الذى ربما افتقد، فى منظور البعض، لغة الدبلوماسية التى يجب التعامل على أساسها فى مثل هذه القضايا، وهو ما بدا بشكل أساسى فى اللقاء الذى تم بثه بالخطأ على الهواء مباشرة وكان سببًا رئيسيًا فى أزمة مع إثيوبيا استغلته فى الترويج لموقفها واجتذاب تعاطف المجتمع الدولى معها.

ولأنها جاءت رفضًا لمواقفه الداخلية والخارجية، فقد كانت سياسات ما بعد 30 يونيه، على النقيض تمامًا من سياسات نظام الإخوان، وهو ما أشرنا إليه مرارًا وبشكل خاص فى مقالنا الأسبوع الماضى، حيث نهجت مصر سياسة تتسم بالدبلوماسية الشديدة فى التعامل مع أزمة سد النهضة بشكل أثار قدرًا من التساؤلات بشأن أبعاد هذا النهج وعدم اتباع سياسة «العين الحمراء» فى قضية مهمة على هذا القدر من الحيوية.

يمكن لأى متابع عن قرب للأزمة أن يلمس حدة الانتقادات التى تم توجيهها للمفاوض المصرى والتخوفات من أن يؤدى مثل هذا التوجه إلى ضياع حقوق مصر ونجاح إثيوبيا فى فرض أمر واقع لا تجد معه القاهرة مفرًا من الإقرار به والتعامل على أساسه. وقد كانت القضية مجالًا للنيل من النظام المصرى من قبل معارضيه، والقطاع الأكبر منهم من الإخوان، خاصة فى الخارج والذين اعتبروا مسار القضية بمثابة تأكيد لفرضياتهم بتفريط مصر فى حقوقها. باختصار كانت قضية سد النهضة مجالًا للغمز واللمز، ورغم أن البعض انطلق فى مواقفه المتحفظة على الموقف المصرى، من دوافع تنطق بالغيرة على مصالح الوطن، وهو أمر طبيعى ومقبول، فإن آخرين انطلقوا فى ذلك من منطق المكايدة السياسية ومناكفة النظام!

على صعيد الموقف المصرى ذاته، ورغم أنه انطلق فى عملية التفاوض من إطار مؤسسى لعبت فيه وزارتا الخارجية والرى، فضلًا عن جهات سيادية أخرى دورًا رئيسيًا، فإنه جاء فى جانب كبير منه انعكاسًا لرؤية الرئيس السيسى بالحرص على تسوية الأزمة من خلال القنوات الدبلوماسية، الأمر الذى يمكن أن نلمسه من تصريحات الرئيس المتعددة التى حرصت على طمأنة المصريين بشأن مآل ومسار المفاوضات وأنها لن تنتهى بأى حال من الأحوال دون ضمان حقوق مصر فى مياه النيل.

كان من بين تصريحات الرئيس فى هذا الخصوص ذلك التصريح الأشهر الذى راح يطمئن فيه المصريين بأنه لن يضيّعهم، وتأكيده بأنهم لم يضيّعهم من قبل، وأنه على هذا الأساس يجب أن يطمئنوا. وكان من مسوغات هذه الطمأنة أنه فى إدارة مقدرات الدول فإن الكثير لا يتم إعلانه، وأنه لذلك يجب أن يركن المصريون إلى رشادة صانع القرار وسعيه الحثيث لتحقيق وإنجاز كل ما يتعلق بالحفاظ على ما يتعلق بأمنهم القومى.

بعيدًا عن تفاصيل كثيرة ونقاط عدة كانت مجالًا للشد والجذب خلال مراحل المفاوضات منها بشكل أساسى ذلك التحفظ، والذى ربما يتضمن قدرًا كبيرًا من الصحة، على عدم النص على وقف أعمال السد خلال مراحل المفاوضات وهو ما كان يمكن أن يصب فى مصلحة الموقف المصرى، فإن الأزمة كما استهللنا المقال تبدو على وشك الانتهاء. غير أن هذه النهاية يجب التعاطى معها بحذر، حسب تعبير سامح شكرى وزير الخارجية، باعتبار أن المفاجآت واردة وأن التوقيع لم يتم وأن الشيطان يكمن فى التفاصيل التى قد تعرقل أى اتفاق.

فى حدود ما تم إعلانه يبدو من الصعب، حتى على المختصين الفصل فيما إذا كان الأمر يمثل اختراقًا لجهة تحقيق الرؤية المصرية أم لا، ويبدو أن الحل يتجه لصيغة هى أقرب إلى الحل الوسط، وهى صيغة ربما لا تلقى الترحيب من قبل هواة السياسة، غير أنها صيغة قائمة فى تسوية النزاعات فى العلاقات الدولية، وتعتمد مخرجاتها على طبيعة توازن القوى بين طرفى النزاع. المهم فى وجهة نظرنا، أن تتم هذه الصيغة على المبدأ الذى أكدته الدبلوماسية المصرية مرارًا وهو الأخذ فى الاعتبار ضرورات التنمية فى أثيوبيا مع عدم الإضرار بحقوق مصر- والسودان، بعيدًا عن الحقيقة التى قد لا يكون لنا يد فيها الآن، والتى تتمثل فى أن سد النهضة يمثل فى كل الأحوال خصمًا من السيطرة المصرية على حقوقها بشأن مياه النيل!

[email protected]