بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

زيارة خاطفة إلي‮ .. ‬سوريا‮

خلال إجازة عيد الاضحي‮ ‬الاخيرة‮.. ‬قمت بزيارة خاطفة للشقيقة سوريا‮.. ‬كان طابعها اجتماعياً‮ ‬أسرياً‮.. ‬وبجانب ذلك كنت أبحث عن سوريا التي‮ ‬اعرفها‮.. ‬رغم أن آخر زياراتي‮ ‬لها كانت في‮ ‬اغسطس‮ ‬1975‮!! ‬في‮ ‬الأيام الأولي‮ ‬من اشتعال الحرب الأهلية في‮ ‬الشقيقة الاخري‮ ‬لبنان‮..‬

وفي‮ ‬الزيارة الاخيرة ذهبت أبحث عن القديم الذي‮ ‬أهواه والذي‮ ‬كان له في‮ ‬الذاكرة الشيء الكثير‮..‬

‮** ‬ذهبت أبحث عن‮ »‬الغوطة‮« ‬تلك البساتين والمزارع والحدائق التي‮ ‬اشتهرت بها سوريا منذ آلاف السنين،‮ ‬وزادت شهرتها مع العصر الاسلامي‮ ‬الذي‮ ‬دخل سوريا قبل مصر‮.. ‬أي‮ ‬عام‮ ‬13‮ ‬هجرية الموافق‮ ‬633م علي‮ ‬يد خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي‮ ‬سفيان‮.. ‬وسقوط دمشق ودخلها خالد من الباب الشرقي‮ - ‬مازال موجوداً‮ - ‬حرباً‮.. ‬ودخلها أبو عبيدة بن الجراح سلماً‮ ‬بعد ذلك بشهور‮.‬

ذهبت أبحث عن دمشق القديمة التي‮ ‬أعرفها والتي‮ ‬يتوسط المسجد الأموي‮ ‬الذي‮ ‬أنشأه الخليفة الأموي‮ ‬الوليد بن عبد الملك بن مروان‮.. ‬وكم تجولت في‮ ‬سوق الحميدية الذي‮ ‬أقيم في‮ ‬عهد السلطان عبد الحميد وهو أشهر الاسواق الشعبية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬ولا‮ ‬ينافسه في‮ ‬العالم الاسلامي‮ ‬الا سوق اسطانبول‮..‬

‮** ‬وذهبت أبحث عن ساحة المرجة التي‮ ‬كان‮ ‬يمر بجوارها نهر بردي‮ ‬الشهير‮.. ‬أو قصر العظم التي‮ ‬تحول إلي‮ ‬متحف،‮ ‬واخذت ابحث عن قبر‮ ‬يوسف العظمة وزير الدفاع وبطل سوريا وأحد وزراء حكومة هاشم الاتاسي‮ ‬مع عبد الرحمن شهبندر وهي‮ ‬الحكومة العربية التي‮ ‬تشكلت لمنع تنفيذ قرار مؤتمر سان ريمو الذي‮ ‬قسم الوطن العربي‮ ‬وكانت سوريا من نصيب فرنسا بفرض الانتداب الفرنسي‮ ‬علي‮ ‬سوريا‮.‬

وللحقيقة‮ - ‬وأنا بعد في‮ ‬الطائرة التي‮ ‬أقلتني‮ ‬إلي‮ ‬دمشق‮ - ‬كنت أتطلع بحثاً‮ ‬عن جبل ميسلون حيث جرت المعركة الكبري‮ ‬التي‮ ‬قاد الجيش العربي‮ ‬السوري‮ ‬فيها الشهير‮ ‬يوسف العظمة وقاد الجيش الفرنسي‮ ‬فيها الجنرال جورو عام‮ ‬1920‮ ‬وبعدها دخل الجنرال جورو مدينة دمشق،‮ ‬وتوجه مباشرة إلي‮ ‬حيث‮ ‬يرقد البطل العظيم صلاح الدين الايوبي‮ ‬بجوار المسجد الأموي‮ ‬وقال قولته الشهيرة‮: ‬ها قد عدنا‮ ‬يا صلاح الدين وكأنه بذلك‮ ‬يعلن انتهاء الحروب الصليبية أو‮ ‬يرد اللطمة للقائد صلاح الدين الذي‮ ‬هزم تجمع جيوش الصليبين في‮ ‬معركة حطين عام‮ ‬1187م‮!!‬

‮** ‬ذهبت أبحث عن قبر‮ ‬يوسف العظمة،‮ ‬وما بقي‮ ‬من معركة ميسلون‮.. ‬ولكنني‮ ‬لم أجد الا الجبل الذي‮ ‬ركبه

الآن اهل الشام وبنوا عليه مساكنهم‮.. ‬تراها منيرة طوال الليل من علي‮ ‬بعد كيلو مترات عديدة‮..‬

وأخذت ابحث عن الشارع الذي‮ ‬حمل فيه الاشقاء السوريون سيارة البطل القومي‮ ‬العربي‮ ‬جمال عبد الناصر،‮ ‬عندما زار دمشق عقب تحقيق الوحدة المصرية‮ - ‬السورية عام‮ ‬1958‭.‬

‮** ‬وبحثت عن نهر بردي‮ ‬الذي‮ ‬تغني‮ ‬به الشعراء وكان آخر عهدي‮ ‬به ما رأيته عام‮ ‬1975‮ ‬وكان‮ ‬يكاد‮ ‬يجف اذ كنت أري‮ ‬قاع هذا النهر الشهير من قلة المياه في‮ ‬النهر‮.. ‬ولكنني‮ ‬لم اشاهد‮ »‬نهر‮« ‬بردي‮ ‬في‮ ‬زيارتي‮ ‬الأخيرة،‮ ‬وكان‮ ‬يروي‮ ‬مع‮ ‬غيره من الينابيع بساتين ودمشق‮.. ‬بساتين الغوطة التي‮ ‬كانت تشتهر بمئات من‮ »‬كرمات‮« ‬العنب،‮ ‬ألذ عنب في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬هو وعنب اليمن‮.. ‬وغابات اشجار الزيتون‮.. ‬وتحسرت علي‮ ‬الغوطة الشرقية وهي‮ ‬الاكبر وكنا ندخلها من باب السلام وباب شرقي‮ ‬والغوطة الغربية التي‮ ‬كانت تمتد من منبع بردي‮ ‬حتي‮ ‬مدخل الربوة وكانت تشتهر بمزارع المشمش والدراق‮ »‬الخوخ‮« ‬والسفرجل والبرقوق‮.. ‬أما الزراعات الشتوية في‮ ‬الغوطة فكانت من الملفوف أي‮ ‬الكرنب أم الصيفية فكانت الباذنجان والقرع واشهر المزروعات وكانت خضراوات تلك الغوطة تصل إلي‮ ‬حماة‮.. ‬الان اصبح اهل الغوطة‮ ‬يأكلون من‮.. ‬غور الأردن‮!!‬

‮** ‬ذهبت ابحث عن كل ذلك فتاهت مني‮ ‬الغوطة‮.. ‬وغاص مني‮ ‬نهر بردي‮ ‬واختفي‮ ‬جبل ميسلون تحت مساكن عصرية‮.. ‬ورأيت النصب التذكاري‮ ‬في‮ ‬ساحة المرجة‮ ‬يقف حزيناً‮ ‬تكاد تخنقه السيارات،‮ ‬القديمة والحديثة بداخنها وضجيجها‮.. ‬وضاعت الغوطة‮.. ‬ولكن سوريا فيها الكثير الجديد‮.. ‬فيها البشر‮.. ‬وفيها الحداثة‮.. ‬وفيها شبكة طرق جديدة تلبي‮ ‬متطلبات العصر‮.. ‬فإلي‮ ‬الغد‮.‬