بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

لوجه الله

«الهكسوس».. والهوية المصرية

عاشت مصرنا الحبيبة قروناً طويلة من القوة والمنعة والازدهار.. سادت العالم.. ووضعت للإنسانية أسس العلم والحضارة.. وكما رفعتها سواعد أبنائها المخلصين فوق رؤوس البشر أجمعين.. هوت بها أيادى الخونة فى غياهب الاضمحلال والاحتلال.. ولولا أصالة معدنها وقوته لاندثرت حضارتها وانطمست هويتها إلى الأبد.. فبدءاً من أواخر الأسرة الثانية عشرة.. عاشت مصر واحداً من أسوأ عصور الاضمحلال.. اندلعت فيها الثورات.. تفرق أهلها.. ولم يثبت حاكم واحد على عرشه عامين.. تشتت أمرها، وتحارب جيشها.. وفى ظل ذلك التردي.. بدأت هجرات واسعة تتسلل إلى الأراضى المصرية من آسيا.. أغلبها مدفوع باحتلال أراضيهم على أيدى الشعوب الهندوأوروبية (الحيثيون والميتانيون).. وبعضها سعياً للرزق والأمان.. لم يلتفت أحد لتلك الهجرات.. ولم يبل أحد بتزايد نفوذ الأجانب وأملاكهم وتجارتهم فى الدولة.. فكل مشغول بأطماعه، أو لقمة عيشه بعد تردى أوضاع الحياة.. تركزت هجرات الآسيويين على منطقة شرق الدلتا فى البداية.. ومنها إلى كامل الوجه البحري.. كان انتشارهم سرطانياً.. خفياً وسريعاً.. استمر لأكثر من خمسين سنة.. إلى أن حانت اللحظة الكئيبة.. فأعلن ذلك التجمع السرطانى دولته فى شمال مصر.. ليستيقظ المصريون على صفعة مدوية.. فهؤلاء المهاجرون الفارون من أوطانهم.. وهؤلاء التجار الأمناء الظرفاء والبسطاء.. تحولوا إلى محتل قاسٍ وعنيد لوطنهم العظيم.. ورغم التدنى الحضارى لهذا المحتل.. إلا أنه لجأ إلى حيلة للسيطرة على مصر.. كانت الأخبث على الإطلاق.. «التجنس».. باتوا يقدمون أنفسهم للشعب الغافل باعتبارهم مصريين مثلهم.. لبسوا ملابسهم.. وقدسوا معبوداتهم.. بل بالغوا فى تقديس وتعظيم العادات والطقوس المصرية.. ونجحت حيلتهم فى تشتيت المقاومة المصرية للاحتلال.. فكان هناك فريق من البلهاء وأصحاب المصالح.. لم يروا غضاضة فى معايشة تلك القبائل والترحيب بتمصرهم.. بل سعوا لاقتناص الفرص وتعظيم مكاسبهم معهم.. على حساب استقلال وهوية وطنهم.. وفريق المقاومين فى طيبة بقيادة العظيم سقنن رع، وابنيه البطلين كاموس وأحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة.. وأمهم العظيمة اياح حتب.. وبعدما أفاق المصريون من غفوتهم، وحاولوا القيام من كبوتهم.. وجدو أنفسهم أمام جيوش نظامية جرارة.. وحكم استقر ليمتد عبر 3 أسر ويتناوب عليه 81 ملكاً.. استغرق الأمر طويلاً.. وكلف المصريين الكثير من الخراب والدماء والأرواح النبيلة.. حتى تمكن أحمس من استئصال شأفتهم.. وكان من عجائب التاريخ وأكبر شاهد على خطورة ذلك الاحتلال الاندماجى فى المجتمع المصري.. أن واجه أحمس تمرداً استمر لخمس سنوات من أنصار الهكسوس و«فلولهم» من المصريين، «التجار وأصحاب المصالح».. ليعلمنا التاريخ أن أسوأ احتلال واجهته مصر كان احتلال الهوية واختطاف الجنسية.. فشخصية الوطن وهويته لا تقدر بثمن.. ومن يجهل تاريخه يخسر حاضره ومستقبله.