بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

خارج السطر

الاتجاه الصوفى للأدب الحديث

بات استدعاء التراث الصوفى فى الروايات الحديثة ظاهرة واضحة فى الأدب العربى مؤخراً، ما عكس حالة مقاومة مُجتمعية غير مباشرة للفكر الدينى المتشدد، الذى سعى الإسلام السياسى إلى فرضه على المُجتمعات العربية خلال السنوات الأخيرة.

ومثّلت موجة روايات التصوف مجالًا خصبا لتجارب كثير من الروائيين من جيلى الشباب والوسط، وصلت إلى مُجتمعات بدت لعقود طويلة شبه مُنغلقة مثل المجتمع السعودى، لتؤكد فاعلية التراث الصوفى وقدرته على لعب دور فى رسم القيم النبيلة للإسلام.

ولجأ بعض الروائيين إلى استلهام تراث الصوفية شخوصًا، وقيمًا، وأفكارًا فى أعمال متنوعة جديدة لاقت إقبالاً كبيراً لدى مُجتمع الثقافة العربى.

ولم يكن غريبًا فى ذلك الإطار أن تفوز رواية سعودية مثل «موت صغير» للروائى محمد حسن علوان بجائزة البوكر العربية سنة 2017، ولم يكن غريبًا أن تتجه كثير من دور النشر العربية بعد ذلك إلى منح الأولوية فى خطط النشر لديها للروايات ذات التوجه الصوفى.

لقد قال لى الصديق الروائى أحمد عبدالمجيد، صاحب روايات ترنيمة سلام، وعشق، والتابع إن تنامى الإقبال على الروايات الصوفية يُمثل رد فعل مباشراً للصعود السياسى للتيارات الدينية المتشددة، والتى حاولت فرض قراءتها المشوهة للإسلام وتقديمها باعتبارها الصواب الوحيد.

ولما كان المجتمع المصرى بسماته التاريخية والجغرافية غير قابل لفكر الإقصاء ورفض الآخر، فقد سعت النخبة المثقفة إلى البحث عن قراءات أخرى أكثر اتساقًا مع إيمان الناس بسماحة الدين، وهو ما كان متوافرًا بشكل كبير فى التراث من الأدب يمثل مرآة للمجتمع وتحولاته، وهى مرآة تعكس بشكل واقعى التحولات المُجتمعية خاصة ما استهدف منها مواجهة أى فكر متطرف.

كذلك يرى آخرون وعلى رأسهم الروائى أحمد القرملاوى أن الحياة المادية التى طغت على المجتمعات وراء إقبال الشباب على الأدب الصوفى.

لقد تمثلت التجربة الأولى التى كشفت شغف القراء بالثقافة المرتبطة بالتصوف فى رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية إليف شافاق، حيث حققت مبيعات ضخمة فى مصر والعالم العربى بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، ما دفع كثيرين إلى السير فى الاتجاه ذاته.

وتناولت رواية شافاق فكرة التصالح مع المشكلات الحياتية ومرض السرطان بالتوازى مع تتبع قصة لقاء شمس الدين التبريزى لجلال الدين الرومى، وكيف واجها معاً التشدد الأعمى.

لقد فرض استدعاء تراث الصوفية نفسه على المؤسسات الرسمية نفسها، حتى إن هيئة الكتاب المصرية طرحت خلال معرض الكتاب الأخير بعض أمهات الكتب الصوفية مثل «المثنوى» لجلال الدين الرومى، و«الفتوحات المكية» لمحيى الدين بن عربى بأسعار منخفضة.

وهكذا فإن الأدب يتعاطى مع الواقع. يتأثر به ويعبر عنه. لكن المهم أن يقرأ الناس.

والله أعلم.

[email protected] com