بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ضربت كفًا بكف

 

فى الآونة الاخيرة، مرت بنا أمور لها العجب، ورغم حيرتى ظللت أتأمل ما حولى، على أمل أن يظهر أمامى بعض من الحقيقة، ولكنى - وبعد تفكير عميق - وجدت أن من واجبى أن أتكلم حتى لا أكون كالشيطان الأخرس الساكت عن الحق.

انتشر هذه الأيام - فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية- الحديث عن حادث قتل الكاتب السعودى المعروف جمال خاشقجى، وقد نالت تلك الحادثة الاهتمام الدولى؛ نظرًا إلى بشاعتها، لا سيما أن واقعة القتل حدثت داخل قنصلية المملكة العربية السعودية. ذلك الحادث البشع لم يتضح حتى كتابة هذا المقال الدافع من ورائه، أو المحرك الرئيسى له، وأين مكان جثمان الفقيد؟ ولكن، كل هذه الأمور رغم أهميتها فى إظهار الحقيقة من الناحية الجنائية، فإننى لن أتناولها بالتعليق فى هذا المقال.

الذى يعنينى بالدرجة الأولى فى هذا الحادث البشع، هذا الاهتمام العالمى غير المسبوق من أغلب دول الغرب، وعلى رأسها أمريكا، وألمانيا، وفرنسا، وكذا الاتحاد الأوروبى. أنا بالطبع لا أقلل من شأن الفقيد المرحوم جمال خاشقجى، أو حتى من بشاعة الجريمة، أو أننى أنحاز إلى طرف على حساب الطرف الآخر، ولكن ما أثار فضولى، هذا الاهتمام الكبير من أغلب دول العالم بهذه الجريمة، رغم أن هناك مئات الجرائم كانت أكثر بشاعة وقسوة، ومع ذلك لم تنل مثل هذا الاهتمام الكبير الذى يدعو للدهشة والعجب.

الاهتمام غير المسبوق لجريمة قتل الكاتب المعروف جمال خاشقجى، دفعنى للتساؤل عن الغرض والدافع من وراء هذا الاهتمام الكبير، فهل يا ترى أن الدول التى أظهرت هذا الاهتمام تبحث من ورائه إلى تحقيق بعض المكاسب المادية، خاصة أن هذه الجريمة منسوبة إلى المملكة العربية السعودية، وهى دولة ثرية، ويطمع فى ثرواتها الكثير؟ أم أن السبب من ورائه النيل من الدولة السعودية تنفيذًا لمخطط الشرق الأوسط القائم على هدم وتفتيت وتقسيم تلك المنطقة؟ أم أنه ما زالت بعض الدول تطمح فى السيطرة على خيرات الجزيرة العربية، سواء فى صورة الدولة العثمانية أم الدولة الفارسية أم فى أى صورة أخرى.

صحيح.. إننى لا أستطيع أن أجزم بالسبب الحقيقى وراء هذا الاهتمام غير المسبوق لتلك الجريمة البشعة، فربما يكون ما ذكرته من أسباب مجتمعة تقف وراء هذا الاهتمام العالمى بهذه الجريمة، فكم من الزعماء على مستوى العالم قُتلوا، ومع ذلك لم ينل أى منهم مثل هذا الاهتمام الكبير. ولكن، ما أستطيع الجزم به أن دولة السعودية هى مطمع للعديد من دول العالم بما تتمتع به من ثروات هائلة، لا سيما أن هناك حوادث عديدة وقعت - جهارًا نهارًا- داخل سجون ومعتقلات بعض الدول التى تعالت أصواتها بشأن هذا الحادث الأليم، ومع ذلك لم يهتم أحد بمثل هذه الجرائم كاهتمامهم غير المسبوق بجريمة القنصلية السعودية.

ما يزيدنى عجبًا ودهشة ويجعلنى أضرب كفًا بكف، أن الدول التى تعالت أصواتها شجبًا ووعيدًا لجريمة القنصلية السعودية قد التزمت الصمت أمام الجريمة التى ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية - هذا الأسبوع - ضد رهبان كنيسة الأقباط المصرية، الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام دير السلطان القبطى، فقد هاجم الشرطة – مع الأسف الشديد – الرهبان العٌزل بطريقة وحشية، واعتدوا عليهم بالضرب والسحل وجثموا على ظهر أحدهم كما ظهر بوسائل الإعلام. هذه الجريمة لا تعتبر – كما يعتقد البعض - مجرد اعتداء بسيط على أشخاص عُزل، لكنها فى الحقيقة جرية تمس الأديان السماوية، لما تمثله من إساءة واعتداء على رموز الكنيسة القبطية.

تصور يا عزيزى القارئ، جريمة قتل تقع فى إحدى القنصليات تقوم لها الدنيا ولا تقعد، فى حين أن اعتداء الشرطة الإسرائيلية على رجال دين مسالمين أمام دير السلطان القبطى بمدينة القدس، لا يتحرك له أحد.

 أغلب الدول التى وقفت تبكى وتصرخ على جريمة القنصلية السعودية التزمت الصمت، وربما وقفت تصفق وتهلل للإهانة التى وقعت من الشرطة الإسرائيلية لرجال الدين المسيحى بدير السلطان القبطى.. أليست هذه الأمور تجعلنا جميعًا نضرب كفًا بكف، ألمًا وحسرة؟

وتحيا مصر.