بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

عندما يصبح السمسار رئيساً!

 

 

يعد الرئيس دونالد ترامب من أكثر الرؤساء فى التاريخ الأمريكى خطورة وطرافة وسذاجة فى آن واحد، ويعتبر بحكم منصبه رجلاً من المفترض أنه سياسى يمارس الحكم، لكنه أبعد ما يكون عن إدراك السياسة بمفهومها العلمى والعملى الذى ينظر للسياسى على أنه يعمل عقله دائماً ويتسم بالكياسة والدهاء ويحسب نتائج خطواته قبل اتخاذ قراراته ويمتلك ثباتاً انفعالياً يمكّنه من التحكم فى زمام أموره، ودائماً يحرص على أن يكون متبوعاً لا تابعاً، ويستفيد من كل كبيرة وصغيرة لصالح بلاده حتى ولو كانت على غير هواه، حيث تتراجع الأهواء الشخصية وتبقى مصلحة مواطنيه معياراً يلتزم به.

ونلاحظ أن جميع القرارات التى اتخذها ترامب منذ توليه السلطة قبل أكثر من عام تؤكد أنه يحتاج لدورة فى تعلم مبادئ علم السياسة والدبلوماسية، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، فقد اتخذ ترامب قراراً مؤخراً بضرب سوريا جعل من الشرق الأوسط منطقة تقف على حافة الهاوية وجر وراءه من حلفائه الأوروبيين فرنسا وبريطانيا وأوقع نفسه وبلاده فى سقطة تاريخية تشبه العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.

ويبدو أن ترامب لا يقرأ التاريخ البعيد ولا القريب ولا يدرك جريمة واشنطن وحلفائها عندما اتهموا صدام حسين بأنه يمتلك على أرض العراق أسلحة للدمار الشامل وتذرعوا بهذه الحجة لغزو العراق عام 2003. ودمروا هذا البلد العربى القوى وحكموا على صدام حسين بالإعدام وبعدها بسنوات يكتشفون خطأهم وسوء تقديرهم وأن صدام لم يكن يمتلك أسلحة للدمار الشامل والنتيجة أنهم استباحوا أراضى العراق وفتحوها أمام التنظيمات الإرهابية التى صنعوها وفى مقدمتها القاعدة وداعش.

ويقع ترامب اليوم فى الخطأ نفسه ويمارس الكذب نفسه، مثل ما فعله سلفه بوش الابن وهو أن سوريا تمتلك أسلحة كيماوية ولكن الذى جعل الضربة الأمريكية لسوريا فى الشهر الماضى لا تتطور إلى حرب ما يمكن ان نسميه ضرورات توازن القوى الدولى نظراً لوجود قوات روسية على الأراضى السورية وأعتقد أن هذا الوضع كان من حسن حظ نظام الرئيس السورى بشار الأسد!

وبعد قصف سوريا بالصواريخ يتخذ الرئيس ترامب قراراً منفرداً بانسحاب بلاده من الاتفاق النووى مع إيران دون تشاور مسبق مع حلفائه الأوروبيين فى خطوة إن كانت تدل على شىء فإنها تدل على جهل فى سوء تقدير حسابات الموقف الدولى والإقليمى فقد كان الاتفاق بمثابة تحجيم للقوة النووية الإيرانية بل ويضع طهران تحت المجهر لتحدد شروط الاتفاق من أطماعها الإقليمية.

ولم يكن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يوم الاثنين الماضى سوى أحد قرارات الإدارة الأمريكية السفور بعينه وبه تخلت واشنطون عن دورها بشكل رسمى كوسيط فى عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفتح صفحة جديدة فى الصراع العربى الإسرائيلى وسط صمت وضعف جماعى ربى!

إن سلوكيات الرئيس الأمريكى تتنافى وقواعد اللعبة السياسية وربما تأثر كثيراً بمهنته الأصلية سمسار العقارات الذى يقامر من أجل الفوز بمليارات الدولارات ويفسر لنا هذا لماذا يتخذ القرار ونقيضه ولماذا ينقلب على أقرب حلفائه؟ ولماذا يحول العلاقات الدولية إلى صفقات مدفوعة الأجر مقدماً!