بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

صفقة محرمة بين الإخوان والسلفيين والسلطة


انخفضت أصوات الجماعات الإسلامية عقب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬خاصة جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي،‮ ‬وتأييدهم المطلق لجميع قرارات المجلس العسكري ،‮ ‬وتحويل مبدأ السمع والطاعة الذي‮ ‬يحكم علاقة أعضاء الإخوان بالمرشد العام إلي‮ ‬قانون‮ ‬يحكم علاقة الإخوان بالسلطة الحالية،‮ ‬فما من قرار تصدره السلطة،‮ ‬إلا ويعلن الإخوان موافقتهم عليه ومباركته،‮ ‬بعد أن كانت الجماعة تطالب عقب تخلي‮ ‬الرئيس المخلوع حسني‮ ‬مبارك عن السلطة باستمرار الاعتصام في‮ ‬ميدان التحرير حتي‮ ‬يتم تحقيق جميع مطالب الثورة التي‮ ‬أعلنوها ومنهما تأسيس دستور جديد للدولة وحل المجالس المحلية ومحاكمة الرئيس مبارك‮.‬

لا إن الإخوان سرعان ما تراجعوا عن مطالبهم،‮ ‬ووافقوا علي‮ ‬إخلاء الميدان وارتموا في‮ ‬أحضان السلطة وقالوا نعم للتعديلات الدستورية التي‮ ‬أجريت في‮ ‬شهر مارس الماضي‮ ‬بعد أن اختار المجلس العسكري‮ ‬أحد قيادات الجماعة وهو صبحي‮ ‬صالح ضمن لجنة تعديل الدستور وهو نفس الموقف الذي‮ ‬اتخذه التيار السلفي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يشارك في‮ ‬الثورة إلا بعدد قليل كممثلين عن أنفسهم وليس عن السلفيين الذين أعلنت قياداتهم عدم مشروعية الخروج علي الحاكم في‮ ‬بداية الثورة حسب البيان الذي‮ ‬أصدره الدكتور‮ ‬ياسر برهامي‮ ‬عضو المجلس الرئاسي‮ ‬للدعوة السلفية بالإسكندرية الذي‮ ‬طالب المتظاهرين بالعودة إلي‮ ‬منازلهم وأكد حرمانية الخروج علي الحاكم،‮ ‬لنجد بعد ذلك التيار السلفي‮ ‬يؤكد الثورة بعد نجاحها ويرتمي‮ ‬في‮ ‬أحضان السلطة أيضاً‮ ‬ويؤيد جميع قراراته ومواقفه،‮ ‬وأكبر دليل علي‮ ‬ذلك تصريحات الشيخ محمد حسين‮ ‬يعقوب علي‮ ‬التعديلات الدستورية الأمنية التي‮ ‬وصفها بغزوة الصناديق بعدما كانت نسبة الموافقة علي‮ ‬التعديلات‮ ‬77٪‮ ‬مقابل‮ ‬23٪‮ ‬رفضوا التعديلات‮.‬

المباركة والتأييد لجميع قرارات السلطة الحاكمة من جماعة الإخوان والتيار السلفي‮ ‬جعل البعض‮ ‬يتحدث عن صفقات سياسية تم عقدها بين الإخوان والسلطة من جهة وبين التيار السلفي‮ ‬والمجلس السلفي‮ ‬أيضاً‮ ‬من جهة أخري‮.‬

الصفقة التي‮ ‬أعدتها جماعة الإخوان المسلمين مع السلفية تتضمن مبدأ مهماً‮ ‬وهو أن تستحوذ الجماعة علي‮ ‬أكثر من‮ ‬40٪‮ ‬من مقاعد مجلس الشعب القادم و90٪‮ ‬من مقاعد المجالس المحلية مقابل تأييد الجماعة للمرشح الذي‮ ‬سوف‮ ‬يؤيده المجلس العسكري‮ ‬ويوافق عليه ويباركه،‮ ‬وهي‮ ‬تلك الصفقة التي‮ ‬كشفها لـ‮ »‬الوفد الأسبوعي‮« ‬أحد قيادات الجماعة المحسوب علي‮ ‬التيار الإصلاحي‮ (‬تحتفظ الوفد باسمه‮) ‬والذي‮ ‬أكد أن الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة عقد صفقة والسلفية مع قيادات المجلس العسكري‮ ‬عقب أسبوعين من تخلي‮ ‬الرئيس المخلوع حسني‮ ‬مبارك،‮ ‬وافق فيها بديع علي‮ ‬تأييده للسلفية في‮ ‬جميع قراراتها وأيضاً‮ ‬تأييد المرشح الذي‮ ‬ستدعمه وتؤيده مقابل السماح للجماعة بإنشاء حزب سياسي‮ ‬لها وهو حزب الحرية والعدالة وأخذ مقر للجماعة بالمقطم والسماح بحرية الحركة للجماعة وأعضائها في‮ ‬عقد مؤتمرات للجماعة في‮ ‬جميع محافظات مصر وترك المساجد التابعة للأوقاف لأعضاء الجماعة لعقد المؤتمرات بها‮.‬

واشتملت الصفقة أيضاً‮ ‬علي‮ ‬استحواذ الجماعة علي‮ ‬أكثر من‮ ‬200‮ ‬مقعد بمجلس الشعب القادم وأكثر من‮ ‬40‮ ‬ألف مقعد في‮ ‬المجالس المحلية من أصل‮ ‬52‮ ‬ألف مقعد من المجالس المحاسبية علي‮ ‬مستوي‮ ‬الجمهورية‮.‬

الصيغة التي‮ ‬أعدتها جماعة الإخوان المسلمين مع السلفية وإن كانت تنقصها بعض الدلائل الواضحة التي‮ ‬تثبتها وتجهض محاولات قيادات الجماعة لنفيها،‮ ‬إلا أن الشواهد وتصرفات الجماعة وتغيير مواقفها‮ ‬360‮ ‬درجة عقب تخلي‮ ‬الرئيس المخلوع بأسبوعين فقط‮. ‬تؤكد هذه الصفقة ويرجح كفة ميزان حجة إتمامها ووجودها بالفعل،‮ ‬وأكبر دليل علي‮ ‬ذلك هو عدم مشاركة الجماعة في‮ ‬أكثر من جمعة مليونية عقب الثورة رغم مشاركة جميع القوي‮ ‬الوطنية الأخري‮ ‬الذين طالبوا خلال تظاهرتهم بالتطهير وسرعة محاكمة الرئيس السابق وهي‮ ‬تلك التظاهرات التي‮ ‬رفضت الإخوان مباركتها ورفضت المشاركة فيها،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬عضض فكرة صفقة لكم البرلمان ولنا الرئاسة،‮ ‬عجبي‮ ‬أن الإخوان لهم مجلس الشعب حسب وعود المجلس العسكري‮ ‬للجماعة،‮ ‬وفي‮ ‬المقابل تؤيد‮ »‬الإخوان‮« ‬مرشح الرئاسة الذي‮ ‬يدعمه المجلس العسكري‮.‬

الكتلة التصويتية للإخوان هو الدافع والمحرك الذي‮ ‬دفع السلطة الحالية للاستقواء بالجماعة في‮ ‬الوقوف بجانب المرشح المدعوم من السلطة،‮ ‬خاصة أن أعضاء الجماعة دائماً‮ ‬ما أعلنوا أن عدد أعضاء الجماعة‮ ‬يتجاوز الـ‮ ‬3‮ ‬ملايين عضو عامل بها بخلاف المؤيدين للجماعة والمنتسبين لها والتي‮ ‬تسيطر عليهم الجماعة وتعطيهم أوامرها بالتصويت لمن‮ ‬يوافق عليه مكتب إرشاد الجماعة‮.‬

الصفقة التي‮ ‬أعدها بديع مع السلطة لم‮ ‬يستبعدها من البرلمان ومنذ اندلاع الأحداث محللون سياسيون متخصصون في‮ ‬شئون الجماعة الذين أكدوا أن الجماعة ليست بعيدة عن إعداد الصفقات مع السلطة الحاكمة ودللوا علي‮ ‬ذلك أن تاريخ الجماعة في‮ ‬إعداد الصفقات مع جميع الأنظمة الحاكمة بدءًا من الرئيس الراحل أنور السادات في‮ ‬بداية السبعينيات ليسير في‮ ‬نفس الاتجاه السائد الآن‮. ‬فسبق للجماعة أن أعدت صفقة تاريخية معروفة مع السادات في‮ ‬عهد المرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني‮ ‬مفادها السماح للجماعة بحرية الحركة والظهور والإفراج عن الذين اعتقلهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مقابل أن تقوم الجماعة بفرم الشيوعيين‮ - ‬علي‮ ‬حد قول السادات للتلمساني‮ - ‬حيث كانت قيادات الشيوعية ورموزها في‮ ‬ذلك التوقيت‮ ‬يعتبرهم السادات صداعاً‮ ‬في‮ ‬رأسه‮ ‬يجب التخلص منه عن طريق الاستئصال عن طريق الإخوان‮.‬

ولم تكن صفقة التلمساني‮ ‬مع السادات هي‮ ‬الصفقة الوحيدة للإخوان،‮ ‬بل إن صفقات الجماعة امتدت أيضاً‮ ‬في‮ ‬عصر الرئيس

المخلوع حسني‮ ‬مبارك،‮ ‬وعقدت الجماعة صفقة مع النظام السابق خلال الانتخابات البرلمانية التي‮ ‬تم إجراؤها عام‮ ‬2005،‮ ‬وذلك حسب المرشد السابع للجماعة محمد مهدي‮ ‬عاكف الذي‮ ‬اعترف بقيام الجماعة بعقد صفقة مع مسئول كبير في‮ ‬النظام مفادها أن تفوز الجماعة بـ‮ ‬120‮ ‬عضواً‮ ‬في‮ ‬مجلس الشعب مقابل تأييد أعضاء الجماعة لمرشحي‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬في‮ ‬بعض الدوائر الأخري‮ ‬وعدم هجومهم علي‮ ‬النظام خاصة جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع والسماح له‮ ‬يتحقق حلمه في‮ ‬وراثة كرسي‮ ‬الرئاسة‮.‬

وإذا كانت جماعة الإخوان قد أعدت صفقة مع المجلس العسكري‮ ‬تتلخص في‮ ‬البرلمان مقابل الرئاسة،‮ ‬فإن التيار السلفي‮ ‬اتخذ نفس النهج الذي‮ ‬انتهجته جماعة الإخوان المسلمين،‮ ‬وقامت بالتسبيح والتحميد والتهليل لجميع قرارات السلطة والموافقة علي‮ ‬قرارات المجلس العسكري‮ ‬مقابل السماح للتيار السلفي‮ ‬بالتحرك في‮ ‬الشارع السياسي‮ ‬وطرح أجندته الإسلامية المتمثلة في‮ ‬استعادة‮ ‬70‮ ‬أسيرة من كنائس البابا شنودة والمطالبة بتفتيش الأديرة والكنائس وارتفاع سقف مطالبهم بدرجة المطالبة بعزل البابا شنودة ومحاكمته مع عدد من رموز الكنيسة وقادتها مثل الأنبا بيشوي‮ ‬سكرتير المجمع المقدس ووعد السلطة للتيار السلفي‮ ‬بالاستحواذ علي‮ ‬عدد من المقاعد البرلمانية لن تقل عن‮ ‬50‮ ‬مقعداً‮ ‬في‮ ‬مجلس الشعب القادم والسماح للتيار السلفي‮ ‬بتأسيس حزبي‮ ‬النور والفضيلة‮.‬

صفقة السلفيين مع السلطة أكد وجودها التنسيق المتبادل بين رموز السلفية وبين اللواء حمدي‮ ‬بادين قائد الشرطة العسكرية الذي‮ ‬وافق في‮ ‬كل اعتصام للسلفيين علي‮ ‬المطالبة باسترداد الأسيرات المسلمات من كنائس البابا شنودة وعلي‮ ‬رأسهم كاميليا شحاتة‮. ‬وهو ما أكده الدكتور نبيل عبدالفتاح خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي‮ ‬أشار إلي‮ ‬أن أكبر دليل علي‮ ‬وجود صفقات سياسية بين الإخوان والسلفيين والسلطة الحاكمة هو انخفاض صوت هاتين الجماعتين عقب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير وتأييدهما المطلق لجميع قرارات المجلس العسكري‮ ‬لافتاً‮ ‬إلي‮ ‬أن انخفاض أصوات الإخوان والسلفيين هو محاولة منهما للتمدد وسط الجماهير بهدف شراء الأصوات الانتخابية،‮ ‬مؤكداً‮ ‬أن الإخوان والسلفيين‮ ‬يقومون بحالة من السطو علي‮ ‬ما تم من حركة ثورية قادتها الأجيال الشبابية من الطبقة الوسطي‮ ‬في‮ ‬القاهرة ومن الطبقة العاملة في‮ ‬السويس والمحلة‮.‬

وأكد عبدالفتاح أن السياسة ليست مسألة مثالية وتغلب بها لغة المصالح علي‮ ‬أي‮ ‬لغة أخري،‮ ‬ولذلك فإن الإخوان والسلفيين عقدوا صفقة مع المجلس العسكري‮ ‬مفادها‮.. ‬ضم البرلمان للتيارات الإسلامية ولنا الرئاسة للمجلس العسكري‮.‬

أما الدكتور كمال حبيب الخبير في‮ ‬الحركات الإسلامية فأكد أن الصفقات لابد لها من دليل مادي،‮ ‬ولذلك فإن الأحري‮ ‬أن نقول إن هناك توافق رؤي‮ ‬غير مناسبة من بعض التيارات الإسلامية ومن السلطة،‮ ‬مشيراً‮ ‬إلي‮ ‬أن كل تيار إسلامي‮ ‬أعلن موقفه السياسي‮ ‬عقب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬مثل جماعة الإخوان والسلفيين الذين أعلنوا احترامهم لبرنامج الفترة الانتقالية للمجلس العسكري‮ ‬حتي‮ ‬يقود مصر إلي‮ ‬إجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية‮.‬

وحذر حبيب من أن‮ ‬يعقد أي‮ ‬تيار إسلامي‮ ‬صفقة تحت الترابيزة تؤدي في نهايتها إلي‮ ‬خيانة الجماهير‮.‬

وطالب حبيب جميع التيارات الإسلامية بألا‮ ‬يتصدروا المشهد السياسي‮ ‬السنوات العشر القادمة وألا‮ ‬يقوموا باستعراض عضلاتهم السياسية وألا‮ ‬يحاولوا الظهور بحجم أكبر من قوتهم الحقيقية وألا‮ ‬يسعوا للسيطرة علي‮ ‬المجلسين‮ (‬البرلماني‮ ‬والرئاسي‮).‬

وأشار حبيب إلي أن التيارات الإسلامية تاريخياً‮ ‬لم‮ ‬يتم اختيارها في‮ ‬الحكم،‮ ‬وكانت علي‮ ‬طول الخط في‮ ‬صفوف المعارضة مطالباً‮ ‬التيارات الإسلامية بأن‮ ‬يتحركوا بانسيابية وألا تتجه أجندتهم للسيطرة علي‮ ‬مقاليد الحكم في‮ ‬مصر،‮ ‬حتي‮ ‬لا‮ ‬يتهمهم أحد بإعداد صفقات سياسية علي‮ ‬الأنظمة الحاكمة‮.‬