بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ثورة الغضب الثانية حق يراد به باطل !


«أنا ماحسيتش بالتغيير ونازل تانى التحرير.. 27 مايو ثورة الغضب المصرية الثانية»، هذا عنوان إحدى المجموعات الالكترونية التى تدعو علي فيس بوك، لتنظيم مظاهرات مليونية الجمعة القادمة لمطالبة المجلس العسكري بالمحاكمة الجادة والعاجلة لرموز «الفساد» بالنظام السابق ، والتي تلتها دعوات أخري نبيلة للمطالبة بسرعة محاكمة الرئيس السابق وتطهير المحليات والاعلام وانتخاب المحافظين .
ومع هذا سرعان ما أقترن بهذه الدعوة النبيلة دعوات أخري غريبة تطلب تسليم المجلس العسكري مهامه لمجلس رئاسى مدنى معين من قبل الثوار (لا ندري كيف يتشكل وممن ؟)، دون إعتبار لأن هذا المجلس العسكري هو الذي أنجح الثورة وهو الذي يحافظ علي مكاسبها أمام الثورة المضادة حتي الأن ، فضلا عن دعوات أخري لتقييم أداء المجلس العسكري (!) ، وكذا دعوات ثالثة أكثر غرابة ظهرت في جلسات الحوار الوطني تدعو لتأجيل الأنتخابات وإعداد دستور جديد أولا .
وهذا بخلاف دعوات أخطر تشكك في صدقية المجلس العسكري ونزاهته وتزعم تجاهل المجلس العسكرى لمطالب الشعب والثوار ودماء الشهداء والانفراد بصناعة القرار وصياغة القوانين (الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية) بدون حوار، وارتفاع وتيرة الاعتقالات والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وخطف النشطاء السياسيين ومحاكمتهم كالبلطجية.!
أما سبب غرابة هذه الدعوات الأخيرة خصوصا تعديل الدستور ، فهو أنها محاولة للالتفاف علي نتائج استفتاء تعديل الدستور الذي حدد الخطوات التي ستسير عليها مصر بعد الثورة بإعلان دستوري مؤقت ثم أنتخابات برلمانية ورئاسية ثم تكليف هذا البرلمان بتعديل الدستور بالكامل ، وهذه (الأقلية) التي خسرت نتائج الاستفتاء رفضت تقبل نتائج الديمقراطية التي نادت بها في الاستفتاء ، وتطالب الان بهدم كل ما تحقق ، والالتفاف علي نتائج الاستفتاء ورفض رأي الأغلبية بتأجيل تعديل الدستور للمرحلة النهائية .
ومشكلة هذه الدعوة لجمعة الغضب أنها دعوة نبيلة في مظهرها وليس هناك شك في أن الكثير من الداعين لها لهم وجهات نظر محترمة فيما يخص تصورهم أنها بهدف طلب تسريع محاكمة مبارك والقضاء علي ما تبقي من فساد ، وهي أمور لا خلاف عليها ، ولكن المشكلة هي في هؤلاء الذين يندسون بين دعاة الثورة الحقيقيين للمطالبة بمطالب أخري تقلل من كفاءة المجلس العسكري والهجوم عليه .
ولو جاز أن نلخص مشكلة دعوة الجمعة للغضب الثاني سنقول أن هناك من يدًعون بالفعل - كما قال المجلس العسكري في بيانه رقم 55 - أنهم ثوار ويرغبون في ركوب موجة الثورة ويزايدون علي الثوار الحقيقيين ومطالب الشعب المصري ، طالما أن الموضة هي إدعاء كل فرد الأن أنه من (الثوار) وتشكيل مجلس ثوري ، ومن هؤلاء من يتسلل لدس السم في العسل ويطالب بمطالب تبدو في ظاهرها عادلة ولكنه يضيف لها مطالب أخري هدفها البلبلة وإفشال الثورة .

الوقيعة بين الجيش والثورة

فلا يجب أن ننسي إطلاقا أن هناك جهات دولية تسعي لافشال الثورة لأن سيرها علي الطريق السليم معنا ضياع مصالح هذه الدول (العدوة) ولهذا فهم يستغلون هذه الدعوات النبيلة – عبر أنصارهم - لطرح مطالب شاذة لأرباك الثورة واستغلال جو الحريات العامة المفتوح حاليا بلا ضوابط .

ولهذا تساءل الدكتور سليم العوا في ندوته الأسبوعية بمسجد رابعة العدوية السبت : على من سنغضب؟، المجلس العسكري أم على عصام شرف، رئيس الوزراء، ولماذا نثور عليهم؟ وأعتبر هذا (الغضب الدائم) لا يولد إلا ناراً تحرق الزمان والمكان، وعلينا أن نطالب بإكمال مطالبنا، لكن دون ثورة غضب .

فيما حذر الدكتور عصام النظامي عضو اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة ممن وصفهم بفئات ضالة تستهدف إحداث وقيعة بين الجيش والشعب خلال المسيرة المليونية المقرر أن تنظمها القوى السياسية يوم الجمعة المقبل في ميدان التحرير للإعراب عن غضبها تجاه محاولات القفز على الثورة ومكتسباتها عبر مشاركتها في جلسات الحوار الوطني.

وقال إن معلومات توافرت بوجود نوايا لدى بعض الأشخاص لاستخدام العنف بهدف استفزاز القوات المسلحة للرد عليها، مما يخلق حالة من الفوضى الشديدة يقع خلالها ضحايا بالمئات، ويدفع بعض القوى الخارجية للتدخل في الشئون المصرية برغم إن القوى السياسية واعية لأبعاد هذا المخطط الشرير وتؤكد دوما على استمرار تأييدها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة الوزراء والحكومة في المجهودات التي يقومون بها لإنقاذ البلاد من الأوضاع التي تعانى منها في الوقت الراهن .

وبالطبع لا خلاف بين كل المصريين حول المطالبة بالإسراع فى محاكمة رموز النظام السابق إلا أن المطالبة بتشكيل مجلس رئاسى مدنى يدير شئون البلاد ولا يخضع للمجلس العسكرى تثير مشكلات كثيرة وتدخل مصر في مشكلات أكبر حول عضوية ومن يرأس هذا المجلس ، وما هي إختصاصاته ؟ وهل يقوم بإلغاء كل ما سبق أن وضع من خطوات للاستقرار مثل تعديل الدستور والاعداد للانتخابات المقبلة ؟.

كما أن الهجوم علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس مبررا ، بدعاوي أنه أعتقل شباب من الثورة ، فلا شك أن هناك أخطاء تحدث من الجنود نتيجة حالة الاحتقان والضغط في حالات مثل الهجوم علي السفارة الاسرائيلية ومثل المصادمات الطائفية التي تستدعي تدخلا حاسما لوقف العنف ومنع دخول البلاد في حرب أهلية أو فوضي عارمة .

فالمطلوب هنا هو تحديد هذه الأخطاء وإيصالها للمجلس الأعلي للقوات المسلحة فورا يدا بيد دون إبطاء لتصحيحها ، لا تشوية صورة الجيش كله وشن حملات ضده ، فضلا عن إدراك أن بعض هؤلاء الشباب أخطأوا أيضا ، فليس هناك مبرر للغضب بإقتحام السفارة الاسرائيلية وإعطاء العدو سلاحا في يده يهاجم به مصر بدعاوي عدم حفاظه علي حياة دبلوماسييه ، ولا مبرر لقذف قوات الجيش بالحجارة ولا توجيه هتافات غير لائقه للعسكريين .

صحيح أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة حاول تدارك بعض هذه الملاحظات التي ذكرها الشباب وأفرج عن العشرات ممن اشتبكوا مع الشرطة والجيش برغم أنهم أخطأوا ، ولكن هناك المزيد مما يروي علي اليوتيوب ومواقع الشباب ويهيج ويثير الشباب حول أمور لا ندري حقيقتها مثل إدعاءات تعذيب شباب علي يد جنود من الشرطة العسكرية وصدور أحكام عسكرية علي مظلومين اعتقلوا خلال المظاهرات عشوائيا دون دفاع كاف ، وهذه أمور يجب حسم حقيقتها وهل هي إفتراءات أم أن بعضها صحيح ويجب معالجتها فورا ، كي تتوقف الألسنة التي تسعي للنيل من الجيش كله وتحويل مصر لفوضي .

ثوار .. ثوار لأخر مدي !

واقع الأمر أن هناك أهداف يسعي لها المخلصون والمتحمسون من ابناء الثورة تتلخص في تسريع خطوات محاكمة أنصار النظام السابق ولو أمام محاكم عسكرية لحسم أقاويل حمايتهم أو العفو عنهم ، وإتباع خطوات أخري سريعة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني ، ولكن هناك فريقين من المعارضين أو (محترفي الثورة) و(الديكتاتوريين الجدد) - إذا جاز التعبير

- الذين لا يقبلون بالرأي الآخر ولا بالديمقراطية إذا جاءت نتائجها لغير صالحهم .

فهؤلاء مستعدون للاستمرار في الثورة لأخر مدي دون التقاط أنفاس ، ودون أن يتنبهون لمن يقفون في خندقهم من أصحاب مصالح خاصة أو حتي مرتزقة تحركهم جهات دولية بالمال لافشال الثورة ، ودورهم ركوب هذا المد الثوري المتواصل لطرح مطالب تعجيزية أو تشوية الجيش .. الصخرة الباقية التي ترتكن عليها الثورة ، مثل إبعاد الجيش وإلغاء نتائج الإستفتاء علي تعديل الدستور طالما لم تأتي بما يريدون ، والبدء من أول السطر لاستمرار الفوضي والتوتر وعدم النظام !.

وطبيعي أن نجد بين هؤلاء الداعين لثورة غضب ثانية ، أطراف اخري تسعي للظهور مثل بعض القوي والأحزاب والجمعيات الوهمية التي لا وجود لها في الشارع ، ومن المنتفعين من النظام السابق الذين خسروا نفوذهم ويرغبون في العودة من باب الثورة لإثبات ان لهم وجود في الشارع .

محور الفتنة

محور الفتنة فيما يثار ويعتبر من الدعاوي الرئيسية لجمعة الغضب أو الثورة الثانية أمرين هما في واقع المر (حق) ولكن يراد بهما (باطل) وهما : الدعوة لوضع دستور جديد ، وتولى مجلس رئاسى مدنى معين من قبل الثوار، ليس للمجلس العسكرى أى دور فى اختياره، لإدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية غير المحددة المدة .

فالمطالبة بدستور جديد لا خلاف عليها ، وهو أمر مقرر بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة (مرسوم الاعلان الدستوري) ، ولكن ترتيب هذه الخطوة هو بعد أنتخابات الرئاسة والبرلمان ، والعودة للمطالبة بدستور جديد الأن قبل الانتخابات والمطالبة بتاجيل الانتخابات ، هو مطلب بعض القوي السياسية التي ليس لديها الثقة الكافية للفوز في الأنتخابات المقبلة وتخشي إفتضاح أمرها وإنكشاف قوتها الحقيقية في الشارع ، ولهذا يسعي هؤلاء الذين أرتضوا الاحتكام لصناديق الانتخاب والاستفتاء ويرفضون الأن نتائجها برغم صراخهم من أجل إنقاذ الديمقراطية أن يؤجلوا الأنتخابات لأن نتائجها معروفة لهم !.

أما المطالبة بمجلس رئاسة مدني ، فهي دعوة للفوضي ، لأن الأسماء المطروحة لهذا المجلس بعضها من هؤلاء الذين أنهزموا في نتائج استفتاء تعديل الدستور ، كما أنه لا توجد الية لاختيار هؤلاء وقد تؤدي هذه الخطوة لإعلان أكثر من مجلس رئاسي مدني في حالة لم يرض البعض عن هذا المجلس !.

ولهذا رفض هذه الدعوة للتظاهر يوم الجمعة تحت شعار (ثورة غضب ثانية) غالبية المصريين والقوي الثورية الشبابية ، ومن أيدها ودعا للخروج ، أيد الخروج فقط من أجل تسريع محاكمة رموز الفساد السابق وتطهير المحليات والمحافظين والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ، ولكنهم رفضوا أن يكون الهدف من المظاهرات الإطاحة بالمجلس العسكري .

فكل الاسلاميين تقريبا (إخوان وسلفيين) والأحزاب والمستقلين وشباب الثورة وبعض القوي الليبرالية أيدوا دعوات الخروج في جمعة تطهير عادية واسترجاع أموال الشعب المنهوبة والاحتجاج علي بطء إجراءات التغيير والإصلاح ، ولكنهم حذروا من دعوات المطالبة بالإطاحة بالمجلس العسكري أو الانقلاب علي نتائج استفتاء مارس الخاص بتعديل الدستور .

دعوة الخروج لجمعة التطهير أو (غضب ثانية) هي بلا شك دعوة حق يطالب به الجميع ، ولكن يراد من بعض راكبي موجة الثورة والمعادين لها أن تكون دعوة للباطل والفوضي بمعادة الجيش والأنقلاب علي الاعلان الدستوري وطلب تاجيل الانتخابات ، ولهذا مطلوب من الثوار الحقيقيين أن يتظاهروا بأدب كما هي السمة التي ميزة ثورة مصر الحضارية في 25 يناير ، لا بقلة أدب كما يفعل الفريق الأخر من مدعي الثورة واصحاب المصالح والأجندات الأجنبية ، بالتطاول علي قيادة الجيش ، وأن يرفعوا مطالبهم العادلة دون الدخول في مطالب تعجيزية أو صدامية مع الجيش .

فالمطوب الأن غربيا هو تشوية ثورة مصر وتونس وتحويلهما لفوضي تدفع الثوار العرب في الدول الأخري للعزوف عن الثورة علي حكامهم طالما أن نتائج ذلك هي الخراب والفوضي لا المجد والانتصار والحرية والكرامة والاستقرار !.

ربما لهذا ظهرت دعوات جديدة علي فيس بوك تقول (لن أنزل إلى جمعة الغضب الثانية يوم 27/5 إلا بعد توحيد المطالب) ، وتقول عن هؤلاء الداعين للغضب علي الجيش : (هم الأن يثورون ضد الأستفتاء الذى تم بإرادة الشعب اى يثورون ضد الشعب وليس ضد القيادة ولن نرضى بذلك مطلقا .. نحن شباب الثوره نرفض هذه المليونيه لآن هدفها كده خبيث .. يبدوا انهم مش مستريحين انهم يتركوا البلد فى استقرار والجيش فعلا صبره بدأ ينفذ ) .