بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

جمال حماد‮:‬ ضرب نجيب أوصلنا لمبارك


ذات صباح في‮ ‬14‮ ‬نوفمبر‮ ‬1954،‮ ‬قام اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية من نومه،‮ ‬وارتدي‮ ‬بدلته العسكرية وترك بيته المتواضع،‮ ‬وتوجه إلي‮ ‬قصر عابدين شوارع القاهرة،‮ ‬كما هي‮ ‬منذ ليلة‮ ‬يوليو ،‮ ‬تنام‮ »‬تحلم‮« ‬بالديمقراطية،‮ ‬فتصحو علي‮ »‬واقع‮« ‬الرغبة في‮ ‬السلطة‮ »‬الحلم‮« ‬كان لـ‮ »‬نجيب‮« ‬و»الواقع‮« ‬كان‮ * ‬لـ‮ »‬عبد الناصر‮« ‬وما بين الحلم والواقع‮ »‬ضاعت‮« ‬البلد‮!‬

في‮ ‬الساعة العاشرة وصل‮ »‬نجيب‮« ‬للقصر‮ .. ‬الاجواء‮ ‬غير عادية بعد لحظات اقترب منه‮ »‬عبدالحكيم عامر‮« ‬وقال له‮ »‬إن مجلس قيادة الثورة،‮ ‬قرر إعفاءكم من منصب رئيس الجمهورية بعد ذلك القول‮ ‬،‮ ‬تولي‮ »‬حسن التهامي‮« ‬الأمر اصطحب الرئيس ـ أو الذي‮ ‬كان رئيسا ـ مقبوضا عليه إلي‮ ‬استراحه في‮ ‬المرج‮. ‬وقبل ان‮ ‬يركب سيارة الترحيلات بمصطلح اليوم ـ قال له‮ »‬عامر‮« :‬

‮»‬ودول‮ ‬يومين بس،‮ ‬وتروح بيتك‮ « ‬لكن اليومين تحولوا ـ بقدرة جمال عبدالناصر ـ إلي‮ ‬29‮ ‬سنة وراء أسوار منفي‮ »‬المرج‮« ‬وظلت مصر وراء أسوار الديكتاتورية ما‮ ‬يقرب من‮ ‬57‮ ‬سنة‮ ‬،‮ ‬بداية من عبدالناصر‮ ‬،‮ ‬ووصولا إلي‮ ‬مبارك في‮ ‬دولة الحاكم الفرعون‮ ‬،‮ ‬سواء كان عادلاً‮ ‬أوظالماً‮.‬

أنا ساكن في‮ ‬3‮ ‬ميدان أسوان بالمهندسين‮.. ‬في‮ ‬انتظارك،‮ ‬كانت هذه كلمات اللواء‮ »‬جمال حماد‮« ‬الكاتب والمؤرخ العسكري‮ ‬وقبل ذلك عضو قيادة الثورة‮. ‬

وصلت في‮ ‬الموعد فوجدته في‮ ‬انتظاري‮ ‬وعلي‮ ‬وجهه ابتسامة رضا عن عمر قضاه بوطنية ونزاهة‮ ‬،‮ ‬وشرف‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬خدمة الوطن،‮ ‬الذي‮ ‬خرج له ذات ليلة وعلي‮ ‬كتفه ـ بجوار سلاحه ونياشينه ـ‮ » ‬مشنقة‮« ‬سيعلق عليها،‮ ‬إذا ما فشلت الثورة‮ . ‬ونجحت الثورة وكانت من أهم إنجازاتها،‮ ‬أنها‮ »‬أكلت‮« ‬رجالها‮. ‬وأول هؤلاء الرجال‮ .. ‬أو أهمهم ـ كان الرئيس محمد نجيب الذي‮ ‬لم‮ ‬يبق لنا منه إلا‮ »‬يافطة‮« ‬تحمل اسمه في‮ ‬محطة مترو‮!.. ‬قلت للواء جمال حماد‮: »‬محمد نجيب‮« ‬فرد قبل أن أكمل‮ : ‬كان شخصية وطنية عظيمة‮ ‬،‮ ‬قوة‮ ‬،‮ ‬وإخلاص‮ ‬،‮ ‬وعزة،‮ ‬وشرف،‮ ‬أمانة،‮ »‬بلا حدود‮. ‬عاش مظلوما،‮ ‬ومات مظلوما،‮ ‬من أجل الديمقراطية‮ . ‬ومن أجل مصر‮«.‬

وإلي‮ ‬نص الحوار‮:‬

‮* ‬في‮ ‬البداية‮ .. »‬فرعنة‮« ‬الحاكم‮ .. ‬سببها هو نفسه ـ أم‮ .. ‬الشعب؟

‮** ‬لا شك أنه هو أولا السبب فهو الذي‮ ‬يبحث عن السلطة،‮ ‬أينما تكون وثانيا‮: ‬هو الذي‮ ‬يسمح بالمنافقين وعبدة السلطة والهيلمان ليدخلوا في‮ ‬عقله،‮ ‬إنه‮ »‬الحاكم‮« ‬الله وإنه الزعيم الملهم‮ ‬،‮ ‬والقائد العظيم‮ . ‬وهو ـ بالمقابل ـ‮ ‬يصلاق نفسه‮. ‬

‮* ‬الرئيس محمد نجيب ـ وكنت قريباً‮ ‬منه ـ أي‮ ‬نوع ـ من الزعماء؟

‮** ‬لا‮.. ‬زعامة إيه الرئيس‮ »‬محمد نجيب‮ « ‬كان إنسانا متواضعا،‮ ‬ولا‮ ‬يحب السلطة،‮ ‬ويجب الديمقراطية‮ ‬،‮ ‬وكانت هذه نقطة الخلاف الاساسية والجوهرية في‮ ‬علاقته بالضباط الأحرار‮. ‬

‮* ‬هو كان‮ ‬يريد الديمقراطية وهم كانوا‮ ‬يريدون السلطة؟

‮** ‬بالضبط كده،‮ ‬غير أن حكاية الصراع ما بين محمد نجيب وعبدالناصر،‮ ‬كانت قد بدأت في‮ ‬فبراير ومارس‮ ‬1954‭.‬

‮* ‬وكيف نشأ هذا الصراع؟

‮** ‬سببه ـ فيما اعتقد ـ ان الأضواء تركزت علي‮ »‬محمد نجيب‮« ‬بعد قيام الثورة علي‮ ‬اعتبار أنه هو الرجل الذي‮ ‬قاد الثورة،‮ ‬وطرد الملك والشعب كان‮ ‬يحبه،‮ ‬ويحترمه،‮ ‬ويقدره‮.‬

‮* ‬الشعب فقط؟

‮** ‬لا‮ .. ‬الشعب والجيش والسودان كمان‮ .. ‬لقد استطاع نجيب ان‮ ‬يجمع حب هؤلاء جميعا في‮ ‬وقت واحد إلي‮ ‬الحد الذي‮ ‬كان‮ ‬يدفع الجماهير للتدافع والتزاحم في‮ ‬حماسة حول سيارته،‮ ‬والتصفيق والهتاف بحياته‮. ‬وكانت ملامحه التي‮ ‬تتسم بالصلابة والقوة‮ ‬،‮ ‬دافعا،‮ ‬لأن تصفه المجلات الأجنبية بالرجل القوي‮.‬

‮* ‬قوي‮ ‬أيه بس‮ ‬يا أفندم‮.. ‬دول خلصوا عليه في‮ ‬دقائق؟

‮** ‬شوف محمد نجيب كان رجلاً‮ ‬وطنياً،‮ ‬وكما قلت لك لم‮ ‬يكن رجل مؤامرات أو مخططات أو رغبة في‮ ‬السلطة‮.‬

‮* ‬كان طيب‮ ‬يعني؟

‮** ‬جداً‮.. ‬وهذه الطيبة هي‮ ‬التي‮ ‬جعلت جمال عبدالناصر‮ ‬،‮ ‬ينتصر عليه في‮ ‬الصراع علي‮ ‬السلطة‮.‬

‮* ‬يعني‮ ‬كان من الممكن ان‮ ‬ينتصر هو؟

‮** ‬بكل سهولة كان معه الشعب والجيش والرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬والعالمي‮ ‬،‮ ‬فهو بعد أقل من شهرين من قيام الثورة تولي‮ ‬أخطر ثلاثة مناصب في‮ ‬مصر‮. ‬وهي‮ ‬رئاسة مجلس قيادة الثورة‮ ‬،‮ ‬ورئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة‮.‬

‮* ‬وكيف ترك عبدالناصر كل هذه المناصب في‮ ‬يده؟

‮** ‬مرة حكي‮ ‬لي‮ ‬اللواء نجيب ـ رحمة الله عليه ـ إن عبارة‮ »‬الرجل القوي‮« ‬التي‮ ‬كانت تطلقها الصحافة الغربية،‮ ‬كانت تزعج عبدالناصر وتبعث في‮ ‬قلبه الحسد والغيرة رغم أنه حريص‮ ‬ألا‮ ‬يكشف هذا‮ .‬أما بالنسبة للمناصب فقد حرص عبدالناصر قبل إلغاء الملكية وقيام الجمهورية في‮ ‬يونيو‮ ‬1953،‮ ‬علي‮ ‬ان‮ ‬يأخذ قيادة القوات المسلحة من محمد نجيب ويترك له رئاسة الجمهورية‮.‬

‮* ‬ولمن ذهبت القيادة؟

‮** ‬لصديقه الحميم،‮ ‬عبدالحكيم عامر،‮ ‬وكان وقتها مازال رائداً،‮ ‬فما كان من عبدالناصر‮ ‬،‮ ‬إلا انه أصر علي‮ ‬ترقيته إلي‮ ‬لواء‮. ‬

‮* ‬مرة واحدة كده‮ .. ‬من رائد إلي‮ ‬لواء‮.‬

‮** ‬إمال أنت فاكر إيه‮!‬

‮* ‬والرئيس محمد نجيب كيف وافق علي‮ ‬هذه الترقية؟

‮** ‬لم‮ ‬يكن راغبا في‮ ‬ذلك،‮ ‬ورفض بشدة واعترض علي‮ ‬الترقية‮ »‬الشاذة‮« ‬التي‮ ‬لم‮ ‬يسبق لها مثيل في‮ ‬تاريخ العسكرية المصرية‮.‬

‮* ‬وما الهدف الذي‮ ‬كان‮ ‬يسعي‮ ‬إليه عبدالناصر من تلك الترقية؟

‮** ‬يضرب بها أكثر من عصفور،‮ ‬أولا ألا‮ ‬يجمع نجيب بين أربع رئاسات كبري‮. ‬وثانياً‮: ‬يضمن ولاء القوات المسلحة له عن طريق عبدالحكيم عامر،‮ ‬لان القوات المسلحة هي‮ ‬العامل القوي‮ ‬في‮ ‬حسم أي‮ ‬صراع قادم بينه وبين محمد نجيب علي‮ ‬السلطة‮.‬

‮* ‬يعني‮ ‬عبدالناصر كان‮ »‬ناوي‮« ‬علي‮ ‬الرئاسة‮ ‬،‮ ‬وإلا كان أخذ هو قيادة القوات المسلحة؟

‮** ‬بالضبط كده واستمر الصراع‮.‬

‮* ‬من جانب من؟

‮** ‬من جانب عبدالناصر‮ ‬،‮ ‬لأن محمد نجيب لم‮ ‬يكن رجل صراعات‮.‬

* ‬ومتي‮ ‬ظهر هذا الصراع علي‮ ‬السطح؟

‮** ‬في‮ ‬أواخر عام‮ ‬1953‮ ‬نجح عبدالناصر في‮ ‬أن‮ ‬يظهر من خلال علاقته بمجموعة من الصحفيين‮ »‬هيكل والتابعي‮ ‬وحسين فهمي‮ ‬وغيرهم في‮ ‬أن‮ ‬يبرز صورة في‮ ‬الصفحات الأولي‮ ‬باعتباره الرجل القوي‮ ‬الذي‮ ‬يمسك زمام الأمور في‮ ‬مجلس الثورة‮. ‬ووصلت الخلافات إلي‮ ‬قمتها عندما قام مجلس الثورة بتعديل وزاري‮ ‬،‮ ‬برغم عدم حضور نجيب الاجتماع لوجوده في‮ ‬الاسكندرية واستمر الصراع‮.. ‬

‮* ‬وما‮ ‬الذي‮ ‬دفعه لتقديم الاستقالة في‮ ‬23‮ ‬فبراير‮ ‬1954؟

‮** ‬أيقن أن استمراره رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس قيادة الثورة من رابع المستحيلات تجاهل واهانات من جانب اعضاء مجلس الثورة له‮ ‬،‮ ‬وهذه اشياء لا‮ ‬يقبلها رجل بشخصية وعقلية نجيب‮ .‬

‮* ‬إهانات؟

‮** ‬طبعا‮ .. ‬يا ابني‮ ‬وصلت للضرب‮.‬

‮* ‬أيوه‮ ‬

‮** ‬الرئيس؟

‮* ‬خلاص بقي‮ .. ‬رئيس إيه؟ قبل ان تذهب لموضوع الضرب،‮ ‬تعال أولاً‮ ‬أقول لك أن الضباط قبلوا الاستقالة‮.. ‬لكن‮ »‬الدنيا انقلبت‮«.‬

‮* ‬إزاي؟

‮** ‬توافد عدد من الضباط الأحرار وبعض الضباط الآخرين من باقي‮ ‬الوحدات بالجيش علي‮ ‬مبني‮ ‬القيادة العامة،‮ ‬وتملكتهم حالة من الهستيرية بعدما أعلن عن حل المجلس‮ ‬،‮ ‬هنا نجمهر عدد من الضباط الرافضين للحل،‮ ‬والذي‮ ‬كان سيشمل عودة نجيب رئيسا وخالد محيي‮ ‬الدين رئيساً‮ ‬للوزراء ولكن ذلك لم‮ ‬يحدث وتغير الموقف‮.‬

‮* ‬تغير لصالح الضباط ضد نجيب؟

‮** ‬نعم‮ .. ‬لكن الشعب كان له رأي‮ ‬آخر،‮ ‬حيث‮ ‬غمرت المظاهرات القاهرة والخرطوم وامتلأت الشوارع بالجماهير التي‮ ‬تطالب بمحمد نجيب وكانت تهتف‮ »‬محمد نجيب أو الثورة‮.. ‬إلي‮ ‬السجن‮ ‬ياجمال‮ .. ‬إلي‮ ‬السجن‮ ‬ياصلاح‮ « ‬وكانت هناك وحدات ترفض استقالة محمد نجيب‮.‬

‮* ‬وكيف عاد نجيب هذه المرة؟

‮** ‬بعد ما‮ ‬غادر صلاح سالم مبني‮ ‬القيادة شاهد بنفسه الحشود،‮ ‬والجماهير التي‮ ‬تطالب بعودة نجيب فعاد إلي‮ ‬المبني‮ ‬وقال لجمال عبدالناصر‮: ‬نجيب لازم‮ ‬يرجع‮.‬

‮* ‬وبماذا رد عبدالناصر؟

‮** ‬لم‮ ‬يرد فتوجه صلاح سالم بنفسه إلي‮ ‬الإذاعة وأعلن في‮ ‬بيان الساعة السادسة مساء‮ ‬يوم‮ ‬27‮ ‬فبرابر‮ ‬1954‮ ‬نبأ عودة محمد نجيب‮.‬

‮* ‬طيب‮ ‬48‮ ‬ساعة وعاد نجيب للسلطة ومعه الشعب والجيش،‮ ‬فكيف ترك صراعه من أجل الديمقراطية ضد الديكتاتورية؟

‮** ‬ما أنا قلت لك‮.. ‬كان رجلا طيباً‮ ‬جداً‮ ‬وأنا قلت له هذا الكلام بعد ذلك،‮ ‬بعد خروجه من معتقل المرج‮. ‬

‮* ‬هو كان معتقلاً‮ ‬أم استراحة؟

‮** ‬استراحة إيه بس ؟ لك أن تتخيل رئيس جمهورية‮ ‬ينام في‮ ‬حجرة بها سرير قديم من الخشب،‮ ‬وبجانب السرير منضدة من الخشب‮ ‬،‮ ‬وبالقرب منها كنبة عليها كتب قديمة كما قال ذلك في‮ ‬مذكراته ونجيب رجل لا‮ ‬يكذب ابداً،‮ ‬ولو كان‮ ‬يعرف الكذب أو النفاق أو الرياء أوصنع الدسائس والمؤامرات ما كان جري‮ ‬له ما جري‮ ‬في‮ ‬معتقل المرج‮.‬

‮* ‬وهل حدث له ما هو أسوأ من النوم علي‮ ‬سرير قديم من الخشب؟

‮** ‬ده أقل حاجة‮ .. ‬شوف‮ ‬ياسيدي‮ ‬صادروا في‮ ‬بيته أوراقه‮ ‬،‮ ‬وكتبه وتحفه،‮ ‬ونياشينه،‮ ‬ونقوده‮ ‬،‮ ‬وكل شئ‮ ‬يخصه‮. ‬ولم‮ ‬يسمحوا له‮ ‬،‮ ‬إلا بالزوجة والأولاد وثلاث حقائب وشغالة فقط،‮ ‬وظل في‮ ‬هذه الفيلا من‮ ‬14‮ ‬نوفمبر‮ ‬1954‮

‬وحتي‮ ‬أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬لم‮ ‬يغادرها مطلقاً‮. ‬

‮* ‬ولماذا لم‮ ‬يهرب قبل إلقاء القبض عليه في‮ ‬قصر عابدين؟

‮** ‬ليس محمد نجيب الذي‮ ‬يهرب ولقد عرض عليه محمد رياض ـ الذي‮ ‬هرب إلي‮ ‬السعودية ـ فكرة الهروب إلي‮ ‬إحدي‮ ‬الدول العربية لكنه رفض،‮ ‬بل انه قال لـ‮ »‬رياض‮« ‬أنصحك بالبقاء في‮ ‬مصر لنواجه الموقف بشجاعة‮.‬

‮* ‬وهل قيل له إنه سيعزل؟

‮** ‬طبعا‮ .. ‬رنما شهامة هذا الرجل وقوته وقدرته وثقته بنفسه لم تجعله‮ ‬يفكر في‮ ‬الهروب‮.‬

‮* ‬وكيف تم القبض عليه؟

‮** ‬في‮ ‬قصر عابدين انتظره عبدالحكيم عامر وحسن التهامي‮ ‬أبلغاه بقرار الاعفاء ثم أخذه حسن التهامي‮ ‬في‮ ‬سيارة إلي‮ ‬المرج‮.‬

‮* ‬قبل القبض عليه وترحيله إلي‮ ‬معتقل المرج‮.. ‬نعود إلي‮ ‬ازمة مارس‮ ‬1954‮ ‬التي‮ ‬انتهت إلي‮ ‬هزيمة الديمقراطية لصالح السلطوية؟

‮** ‬كانت قرارات‮ ‬5‮ ‬مارس تنذر بفترة جميلة ورائعة في‮ ‬تاريخ الأمة‮. ‬حيث اعلنت عن عودة الحرية والديمقراطية وقرب زوال الحكم الشمولي،‮ ‬واقتراب صدور دستور جديد للبلاد‮. ‬

‮* ‬وأيد مجلس قيادة الثورة هذه القرارات؟

‮** ‬التأييد كان في‮ ‬العلن،‮ ‬أما معظم الأعضاء فقد اصدروا القرارات لصالح الديمقراطية،‮ ‬وهم‮ ‬يعملون في‮ ‬الخفاء ضدها ولإلغائها‮. ‬

‮* ‬وما الذي‮ ‬كان‮ ‬يسعي‮ ‬إليه محمد نجيب من وراء قرارات‮ ‬5‮ ‬مارس‮ ‬1954‭.‬

‮** ‬هدفان‮: ‬الأول أن تكون رئاسة الجمهورية بنظام الاستفتاء الشعبي‮.‬

‮* ‬يطرح المنصب الذي‮ ‬يتولاه للاستفتاء؟

‮** ‬آه‮ .. ‬شفت بقي‮ ‬بقولك كان شخصية عبقرية بشكل المقاييس،‮ ‬ولو استمع له عبدالناصر ومن معه في‮ ‬ذلك الوقت ما كنا حدث لنا ما حدث منذ عبدالناصر وهزيمة‮ ‬67‮ ‬وحتي‮ ‬تسلط مبارك واستمراره في‮ ‬الحكم كل هذه السنوات‮.‬

‮* ‬تقصد اننا كنا أصبحنا دولة مؤسسات وقانون وديمقراطية قبل‮ ‬57‮ ‬سنة؟

‮** ‬بالضبط كنا حققنا ـ الذي‮ ‬نطالب به اليوم بعد‮ ‬25‮ ‬يناير ـ من زمان‮.‬

‮* ‬والهدف الثاني‮ ‬من قرارات‮ ‬5‮ ‬مارس حسب تصور محمد نجيب؟

‮** ‬عودة المياه السياسية وأحزابها قبل إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية‮ . ‬وكان برنامج‮ »‬الوفد‮« ‬وقتها هو ان تكون هناك سياسة ديمقراطية اشتراكية لتحقيق الاستقلال والوحدة مع السودان ووضع حد أدني‮ ‬للأجور ـ رحنا نطالب به اليوم ـ وصدور قانون معاقبة الوزراء‮ »‬لو تم‮ .. ‬يمكن ما كنا رأينا وزراء في‮ ‬السجون ولا أموال البلد تهدر‮« ‬واستصدار قانون تأمين صحي‮ ‬واجتماعي‮ ‬للعمال وأفراد اسرهم وتعميم المياه الصالحة للشرب خلال خمس سنوات ووافق برنامج‮ »‬الوفد‮« ‬وقتها علي‮ ‬مشروع الاصلاح الزراعي‮. ‬

‮* ‬ولماذا تم إلغاء قرارات‮ ‬5‮ ‬مارس‮ ‬1954؟

‮** ‬شهوة الاستئثار بالسلطة والرغبة في‮ ‬البقاء،‮ ‬وبدأ بعض الضباط‮ ‬يدركوا أنهم سيذهبون إلي‮ ‬زوايا النسيان‮ ‬،‮ ‬إذا ما تمت قرارات مارس في‮ ‬23‮ ‬يوليو‮ ‬1954‮ ‬فقرر المقاومة‮.‬

‮* ‬المقاومة ضد من؟

‮** ‬ضد‮ ‬الديمقراطية ومحمد نجيب طبعاً‮.‬

‮* ‬وماهي‮ ‬الركائز التي‮ ‬اعتمد عليها مجلس قيادة الثورة للارتداد عن قرارات‮ ‬5‮ ‬مارس و25‮ ‬مارس‮ ‬1954‭.‬

‮** ‬إثارة الجيش وتحريضه ضد الهيئات المدنية خوفا من أن تأتي‮ ‬للحكم وتشويه صورة محمد نجيب واضعاف شعبيته بين الشعب والجيش،‮ ‬وقال إنه بينه وبين النحاس باشا اتصالات وهو كلام فارغ‮ ‬ولا اساس له من الصحة،‮ ‬نجيب بالفعل اتصل بالنحاس باشا ولكن للسؤال عن صحته وليس أكثر وهكذا‮ .‬

‮* ‬ونجحت خطة ناصر بالقضاء علي‮ ‬نجيب في‮ ‬أزمة مارس؟

‮** ‬لم‮ ‬يكن القضاء علي‮ ‬كل نفوذ أو سلطة لمحمد نجيب‮ ‬،‮ ‬بل كانت انتهت بنهايتها كل أشكال الحرية،‮ ‬وكل أثر للحياة الديمقراطية في‮ ‬مصر منذ ذلك الوقت‮.‬

‮* ‬المثل الشعبي‮ ‬يقول‮ »‬أتغدي‮ ‬به قبل ما‮ ‬يتعشي‮ ‬بيه‮« ‬لماذا لم‮ ‬يستخدم محمد نجيب هذا المثل في‮ ‬صراعه؟

‮** ‬مش محمد نجيب الذي‮ ‬يفعل ذلك‮. ‬هو كان أمامه أمران كلاهما حر الأول‮: ‬هو أن‮ ‬يشعل الموقف ويقوم بتحريك قوات عسكرية ويستعمل القوة ويعتقل اعضاء مجلس القيادة وهذا كان سيؤدي‮ ‬بالبلد إلي‮ ‬مأزق حرب أهلية‮ . ‬أما الثاني‮: ‬فهو أن تنتهي‮ ‬هذه الجولة والصراع لصالح الديكتاتورية وينسحب من ميدان المعركة بالاستقالة‮.‬

‮* ‬واختار الحل الثاني؟

‮** ‬بالضبط كده وقال نجيب بعد ذلك هل أخطأت في‮ ‬الاختيار ـ‮ ‬يقصد اختيار الاستقالة ـ وهل كنت اتوقع لمصر ما حدث لها بعد ذلك،‮ ‬يرد علي‮ ‬نفسه لو كنت أعرف ما ترددت في‮ ‬الاختيار وكنت صممت ان أمضي‮ ‬في‮ ‬طريق الصراع إلي‮ ‬نهايته‮.‬

‮* ‬ظلم اللواء محمد نجيب‮ .. ‬ياأفندم؟

‮** ‬وأي‮ ‬ظلم‮ .. ‬لقد عاش هذا الرجل ولم‮ ‬يتخل‮ ‬يوما عن مبادئه أو شجاعته أو كرامته‮ . ‬لقد كان هذا القائد الباسل في‮ ‬خدمة وطنه‮ ‬يحارب بشجاعة في‮ ‬ميدان القتال،‮ ‬وتحمل مسئولية قيادة الثورة،‮ ‬في‮ ‬أحلك ساعاتها وأوقاتها‮.‬

‮* ‬لكن في‮ ‬النهاية الثورة‮ »‬أكلته‮« ‬والشعب لم‮ ‬ينصفه؟

‮** ‬لقد اعتقل في‮ ‬القصر الريفي‮ ‬بضاحية المرج لمدة‮ ‬18‮ ‬سنة،‮ ‬بدون أي‮ ‬ذنب‮ ‬غير حبه لهذا الوطن وسعيه لتحقيق الديمقراطية لقد رحل،‮ ‬حمل أولاده عدا ابنه الأصغر في‮ ‬حياته‮. ‬ولقد منعوه من ان‮ ‬يشيع جثمان ابنه‮ »‬علي‮« ‬الذي‮ ‬لقي‮ ‬مصرعه في‮ ‬حادث‮ ‬غامض في‮ ‬ألمانيا الاتحادية وحرموه حتي‮ ‬ـ كما قال هو وكتب بعد ذلك ـ من أن‮ ‬يستقبل جثمان ابنه في‮ ‬المطار‮.‬

‮ ‬ولقد عاش ابناء أول رئيس للجمهورية في‮ ‬فقر وعوز وبؤس واضطر أصغر أولاده‮ ‬يوسف ـ توفي‮ ‬عام‮ ‬1988‮ ‬ـ أن‮ ‬يعمل سائقا علي‮ ‬تاكسي‮ ‬أجرة لمدة عشر سنوات‮ .. ‬شفت ظلم أكثر من كده‮.‬

أغلقت الكاسيت وجلست لفترة في‮ ‬دردشة مع اللواء جمال حماد وأنظر إلي‮ ‬البيان الأول الثورة‮ ‬23‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬الذي‮ ‬كتبه بيده،‮ ‬فأجد فيه أنه كان‮ ‬ينادي‮ ‬ـ البيان ـ بالديمقراطية،‮ ‬ومحاربة الفساد والرشوة والدستور والعدالة‮ ..‬ومرت السنون فلا حققنا عدلاً‮ ‬ولا ديمقراطية ولا احترمنا الدستور،‮ ‬ولا أوقفنا الفساد،‮ ‬ولا الرشوة‮ . ‬هل كل ذلك حدث وتكرر بصور مختلفة‮ ‬،‮ ‬لأننا ـ كشعب ـ لم تنصف محمد نجيب وتركناه لراغبي‮ ‬السلطة والديكتاتورية‮ »‬فريسة‮« ‬نهشت فكره وأملة وعظمته،‮ ‬فقضت عليه‮ .. ‬وعلينا‮.. ‬ربما‮.‬