بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

جمهورية أمبابة..إهمال..بلطجة..متطرفون


(‬هي أرض الخوف،‮ ‬أرض الفتن،‮ ‬أرض مفتولي‮ ‬العضلات،‮ ‬أرض من‮ ‬يستطيع تقطيع ملابسه وحمل السلاح الأبيض عند اللزوم‮ ‬،لا‮ ‬يقدم الكثيرون علي العيش فيها ليس لعدم وجود مكان بها ولكن لعدم مقدرتهم علي تحمل العيش فيها،‮ ‬إذا أردت أن تعرف عنها المزيد فلا تحاول أن تنزل إليها وأن تستكشفها بنفسك،‮ ‬لأنك لن تستطيع فك طلاسم عالمها،‮ ‬وسوف تضطر إلي مشاهدتها فقط من الخارج،‮ ‬وإن أردت أن تغامر بحياتك وتزورها،‮ ‬فلابد أن تبحث عن واسطة من داخلها وليكن أحد أبنائها،‮ ‬حتي تكتب لك النجاة وتخرج منها مثلما دخلت‮).‬

ـ نعم‮ ... ‬تبقي منطقة‮ "‬إمبابة‮" ‬ذات طابع خاص لها عالمها الذي‮ ‬يميزها عن باقي المناطق في مصر لأسباب ترجع الي تضخم عدد السكان فيها لتستحق بجدارة لقب الصين الشعبية،‮ ‬وإن كان الأمر اقتصر علي ذلك لكان أمراً‮ ‬طبيعياً،‮ ‬ولكنها تبقي المنطقة الأكبر في تجمع عدد الأقباط والسلفيين علي مستوي أنحاء الجمهورية،‮ ‬الأقباط‮ ‬الذين قضوا عشرات السنين في ظل حكم النظام السابق بعيدين كل البعد عن هوس الجماعات الإسلامية وأعمالهم التي لا تنتهي والسلفيون علي ما‮ ‬يبدو أنهم قد وجدوا الفرصة سانحة‮ ‬للظهور الي الحياة السياسية مرة أخري والعودة لممارسة الدعوة السلفية وتطبيق الشريعة الإسلامية علي كل من‮ ‬يعيش علي أرض مصر،‮ ‬والنتيجة‮... ‬حادث‮ "‬كنيسة مارمينا‮" ‬الذي راح ضحيته ما‮ ‬يقرب من‮ ‬20‮ ‬مصريا وإصابة أكثر من‮ ‬300‮ ‬آخرين في أحداث الأزمة التي عرفت باسم‮ "‬أزمة عبير‮" ‬والذي لا‮ ‬يعبر إلا علي الحالة التي سوف تكون عليها مصر في الفترة القادمة من استمرار اشتعال الفتنة بين المسلمين والأقباط،‮ ‬والانتقال لها من منطقة إلي أخري داخل مصر،‮ ‬ما لم‮ ‬يتدخل المجلس العسكري وقوات الشرطة ومجلس الوزراء لوضع ضوابط جديدة لحكم البلاد‮.‬

ـ ما جري في‮ ‬كنيستي‮ "‬مارمينا والعذراء‮" ‬بإمبابة،‮ ‬ليس الأول من نوعه أو أنه حادث عابر جاء لتشابك ظروف‮ ‬غريبة علي المنطقة،‮ ‬ولكن ما حدث جاء نتاجاً‮ ‬طبيعياً‮ ‬لما‮ ‬يحدث علي أرضها من فتنة طائفية وتشابك بين المسلمين والأقباط فيها علي مدار العقود السابقة‮ ‬في ظل‮ ‬غياب الأمن الذي كان‮ ‬ينفخ في نار الفتنة حتي‮ ‬يتمكن من تنفيذ أجندات خاصة به لم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم تفاصيلها إلا بعض المقربين من صناع القرار،‮ ‬وعلي الرغم من توجيه أصابع الاتهام إلي"السلفيين‮" ‬إلا أنهم‮ ‬يستنكرون وقوع مثل هذه الأحداث ويؤكدون أنهم لا‮ ‬يقبلون بمثل هذا المنطق في التعامل،‮ ‬وأن الإسلام دين وسطية ولا‮ ‬يقبل بهذه الأحداث،‮ ‬ويؤكدون أن فلول النظام السابق وبلطجية الحزب الوطني وأمن الدولة هم من‮ ‬يدبرون لهذة الأحداث ويلصقونها بهم،‮ ‬فيما‮ ‬يصر الأقباط علي أن السلفيين هم من‮ ‬يقفون وراء هذة الأحداث ودليلهم علي ذلك اختفاء الفتنة الطائفية طوال العقود الماضية وعودتها للظهور متزامنة مع ظهورهم،‮ ‬وتبقي الحقيقة تائهة بدون عنوان لحين الكشف عن تفاصيل جديدة‮ ‬ينجلي بها ضباب الأحداث‮.‬

ـ‮ "‬الوفد‮" ‬زارت حي‮ "‬إمبابة‮" ‬الواقع علي أطراف محافظة الجيزة والذي‮ ‬يزيد عدد سكانه علي‮ ‬مليون ونصف المليون نسمة في مساحة لا تستوعب أكثر من ربع هذا العدد،‮ ‬في محاولة لفك طلاسمها الخاصة للوقوف علي الأسباب الخفية التي أدت إلي وقوع مثل هذه الأحداث،‮ ‬حيث فرضت القوات المسلحة كردوناً‮ ‬أمني علي الكنائس ومعظم الشوارع الرئيسية فيها‮.‬

ـ بداية‮ : ‬لا تحاول الدخول الي الحي بسيارتك‮ ‬،‮ ‬لأنك لن تستطيع الوصول إلي المكان الذي تبغيه الا مترجلا‮ ‬،‮ ‬فالطرق‮ ‬غير ممهدة‮ ‬وتمتلئ بالمطبات الصناعية والحفر ولا تصلح للسير،‮ ‬بالإضافة الي أنها تمتلئ عن آخرها بـ(التوك توك‮) ‬والذي كان لإمبابة السبق في اكتشافه والذي لن‮ ‬يسمح سائقه لك بالعبور أمامه ولن‮ ‬ينتظرك من‮ ‬يسير وراءه وسوف تجد نفسك في النهاية في مواجهة مع مجموعة من الخارجين علي القانون ومن الممكن أن تخرج من المنطقة بدون سيارتك،‮ ‬الشوارع أقرب الي الحارات لا‮ ‬يزيد اتساعها علي‮ ‬متر ونصف المتر،‮ ‬تتشابك فيها بلكونات المنازل ولا‮ ‬يفرق بينها سوي مناشر الملابس،‮ ‬وشوارعها تمتلئ بتلال القمامة التي تملأ جميع أرجاء الحي،‮ ‬الزحام السمة الغالبة علي المنطقة وخاصة في الميادين التي‮ ‬يوجد بها أكشاك الخبز والذي دائما ما‮ ‬يتسبب في وقوع مشاجرات بين الاهالي وبعضهم البعض سواء مسلمين أو أقباط علي حد سواء،‮ ‬مع المسئولين عن الأفران بسبب سوء حال الخبز والتي‮ ‬يشكو منها الجميع،‮ ‬الكثير من محلات السوبر ماركت ومحلات الخضراوات والفاكهة الواقعة في الشوارع الرئيسية لمنطقة البصراوي أغلقت أبوابها خوفا من تجدد المصادمات والتي لا‮ ‬ينتج عنها سوي‮ ‬إشعال النار في المحلات ومن ثم‮ ‬إتلاف البضاعة،‮ ‬ومن الناحية الأخري بسبب توقف حركة البيع،‮ ‬أما عن ارتفاع الاسعار وخاصة بعد الأزمة،‮ ‬فحدث ولا حرج،‮ ‬حيث ارتفعت الأسعار في السوق اليومي لإمبابة والذي‮ ‬يقع في الشارع المتفرع من ميدان‮ »‬المفارق‮« ‬حيث وصل سعر الطماطم الي خمسة جنيهات وبدت معظم الخضراوات شحيحة وخاصة البطاطس والبصل،‮ ‬وانصرف‮ ‬غالبية المواطنين عن شراء الفاكهة لسببين،‮ ‬الأول‮ : ‬بسبب ندرتها،‮ ‬والثاني‮: ‬بسبب ارتفاع أسعارها،‮ ‬وعلي الرغم من أنه لم‮ ‬يمر علي وقوع الحادث سوي‮ ‬يومين فقط،‮ ‬ظهرت العديد من المشاكل لعل أهمها‮ ‬غياب الأمن في الشوارع والحارات مما أجبر عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من الرجال علي‮ ‬البقاء في منازلهم خوفا علي أسرهم،‮ ‬وفي نفس الوقت تغيبت الفتيات والأبناء الصغار عن المدارس وبعضهم تغيب عن الامتحانات،‮ ‬الأمر الذي تسبب في قلق كبير لأولياء الأمور‮. ‬

‮ ‬ـ‮ " ‬ظريف شاكر‮" ‬قال‮ : ‬الناس هنا في حي إمبابة انشغلوا بلقمة العيش ونسوا المطالبة بحقوقهم أو التطلع للحصول علي أي شئ من الحكومة،‮ ‬الجهل‮ ‬يسيطر علي المنطقة،‮ ‬وأضاف‮: ‬السبب الحقيقي وراء تجدد الفتن

باستمرار،‮ ‬فالجميع هنا‮ ‬ينقصه الأمان والمعاملة الطيبة من المسئولين،‮ ‬وأهم الخدمات تفتقدها المنطقة فنحن هنا نعيش فيما‮ ‬يشبه الوباء والمعاش الذي نحصل عليه لا‮ ‬يكفي لشراء المنظفات التي تقينا شر الحشرات الطائرة التي‮ ‬تكثر بسبب تلال القمامة في‮ ‬كل مكان‮.‬

واتفق‮ "‬محمد المعبودي‮" ‬مع سابقه في انحدار مستوي المعيشة وارتفاع الأسعار وغياب الأمن في الحي،‮ ‬علي خلاف المناطق الأخري،‮ ‬وفسر ذلك بأن النظام السابق كان‮ ‬يرغب دائما في اضطراب الأوضاع في إمبابة لأسباب‮ ‬غير معلومة،‮ ‬وأضاف‮: ‬الذين قاموا بحرق الكنيسة والمنازل ليسوا من داخل الحي وهم مدربون علي تنفيذ مثل هذه العمليات وخاصة اننا شاهدناهم أثناء إشعال النار حيث قاموا بسكب البنزين علي السلالم‮ ‬وإشعال النار ثم نزلوا من أعلي البيوت عن طريق الحبال‮.‬

ـ أما‮ "‬لبني السعيدي‮" ‬والتي‮ ‬صرخت في وجهنا بكلمات تستدعي التفكير فيها قالت بصوت مرتفع‮ (‬الدنيا وحشة‮) ‬اقتربت منها محاولا الاستفسار عن مغزي هذه العبارة فقالت‮: ‬لا نقدر علي الأسعار في الوقت الذي لا‮ ‬يجد فيه أزواجنا عملاً‮ ‬ومنذ وقوع الأحداث لا نستطيع الخروج من منازلنا بسبب‮ »‬الحرامية‮« ‬الذين استغلوا الفرصة لترويعنا وسرقتنا ثم صرخت مرة أخري‮ (‬أصحاب المحلات بيبيعوا زجاجة زيت التموين بـ15جنيهاً‮)‬،‮ ‬الحال عند‮ "‬مكرم بخيت‮" ‬طالب الحقوق لا‮ ‬يختلف كثيرا حيث وصف المنطقة بأنها‮ " ‬عشوائية‮ " ‬ولا تصلح للمعيشة بسبب الجهل والفقر والمرض والكثافة السكانية والزحام،‮ ‬مؤكدا أن هذة المنطقة لا تصلح لأن تكون في قلب العاصمة وأضاف‮ :‬الأقباط‮ ‬ينظر إليهم في مصر نظرة أقلية،‮ ‬وكل الأقباط‮ ‬يشعرون بذلك،‮ ‬مما‮ ‬يثير مخاوف كثيرة بتحويلها الي عراق أو لبنان جديدة،‮ ‬وأضاف‮: ‬إمبابة مؤهلة لاستضافة أحداث فتنة أخري طالما استمر الجهل‮ ‬يسيطر عليها،‮ ‬وطالما استمرت بعيداً‮ ‬عن عيون المسئولين‮.‬

‮"‬حلمي شاكر‮" ‬رجل تخطي عمرة العقد السادس بادرنا بقوله‮: (‬العيشة هنا زبالة‮)‬،‮ ‬سألته لماذا؟‮ ‬فأجاب‮: (‬مافيش مواصلات‮ ‬غير ميكروباصات متكسرة وتكاتيك كلها إجرام‮. ‬واستنكر عدم وجود أتوبيس عام‮ ‬يصل ما بين إمبابة والعاصمة أو المناطق الحيوية،‮ (‬العيش بالطابور وكله تراب‮) ‬واشتكي‮ ‬بشدة سوء حالة الطرق وخاصة الحارات الضيقة التي لا‮ ‬يمر‮ ‬يوم إلا وتتسبب في حدوث كسور بكبار السن‮.‬

الأمن‮ ‬غايب والشوارع اتسلمت للبلطجية واللي مش عاجبه من الأهالي‮ ‬يسيب الشارع و‮.....‬،‮ ‬هذه بعض صرخات السيدات من سكان شارع‮ "‬محمود الجميل‮" ‬وشارع‮ "‬عبدالعزيز راغب‮" ‬واللائي‮ ‬حملوننا رسالة إلي المجلس العسكري‮ ‬يستغيثن فيها مما أصابهم وأولادهن من رعب وخوف منذ اندلاع ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬وجاءت رسالتهن قصيرة ومعبرة حيث قلن‮ (‬احنا في خطر‮)‬،‮ ‬دخلنا أحد هذه الشوارع للوقوف علي حقيقة ما‮ ‬يجري فيها من أعمال البلطجة،‮ ‬ولكن‮ »‬أولاد الحلال‮« ‬نصحونا بعدم الدخول حتي لا نعرض أنفسنا للخطر،‮ ‬وحتي لا نفقد السيارة والمعدات التي نحملها،‮ ‬لم‮ ‬يقتصر‮ ‬غياب الأمن عن هذه الشوارع فقط،‮ ‬بل امتد الي معظم شوارع منطقة البصراوي بجانب أشياء أخري وصفها‮ "‬محمود الخوجي‮" ‬أحد أبناء المنطقة بأنها تجعل الاستمرار في العيش هنا‮ ‬غير ممكن،‮ ‬لذلك فقد قرر الرحيل بأسرته من منطقة إمبابة كلها،‮ ‬والبحث عن العيش في أي مكان آخر حماية لأولاده،‮ ‬والذين لم‮ ‬يرتبطوا بعد بها،‮ ‬نظرا لصغر سنهم‮.‬

ـ‮ " ‬نعيمة السيد‮" ‬مدرسة قالت‮ : ‬معظم طلاب المرحلة الابتدائية تغيبوا عن امتحانات آخر العام في الأيام السابقة والتي تواكبت مع وقوع الأحداث،‮ ‬مما سيشكل عليهم ضرراً،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يتطلب تدخل المجلس العسكري لإنهاء أزمتهم وخاصة أن نسبة الغياب كبيرة‮.‬

ـ أما‮ "‬الحاجة السيدة‮" ‬والتي اقترب عمرها من العقد الثامن فجاء ردها علي عكس كل ما سبق حيث قالت‮: (‬إحنا راضيين بس ماحدش‮ ‬يدخل ما بينا‮) ‬سألتها‮: ‬راضية عن إيه؟ فقالت‮: ‬عن كل حاجة العيشة والجيرة مع المسيحيين،‮ ‬بس لينا طلب واحد،‮ ‬بادرتها بالاستفسار عنه،‮ ‬فقالت‮ (‬تقبضوا علي اللي بيولعوا الدنيا‮)!‬